ماذا لو اجتاح الدعم السريع الخرطوم!
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
فى السادس عشر من نوفمبر الجاري صدّرت صحيفة (the economist ) البريطانية الشهيرة مقالها عن حرب السودان بعنوان مليشيا الإبادة تربح الحرب فى السودان! وهى خلاصة ترددت علي صفحات عدد من الدوريات الإقليمية والعالمية. ما يجمع عليه المراقبين أن السودان وقع ضحية صراع المحاور وان ميلان كفة الحرب مرتبط بحجم الدعم الواسع الذى تتلقاه المليشيا وتوفره دولة الإمارات التى سخرت مواردها المالية لضمان تفوق نوعي للمليشيا فى التسليح خصوصاً في جانب الطيران المُسيّر والمدافع المضادة للطائرات إضافة لخلق محيط إقليمي مساند للدعم السريع عبر صفقات اقتصادية وعسكرية كما وحدث فى تشاد وبدرجة أقل وضوحاً فى إثيوبيا وجنوب السودان.
خلق كل ذلك حقيقة على الجميع مواجهتها وهى أن موازين القوة قد تغيرت مرحلياً لصالح الدعم السريع بما يجعل انتصاره فى معركة الخرطوم خيارا لا يمكن استبعاده. ومع مرارة هذا الاحتمال على الكثيرين إلا أن الضرورة تحتم مناقشته وتبعاته المصيرية على مستقبل الوطن وسلامة شعبه. وقبل الخوض فى مناقشة متعلقات هذا الاحتمال يجب التأكيد على أن انتصار الجيش هو الراجح بإذن الله ولكنه رهين بتغيير فى قيادة الجيش والدولة بمن يرغب فى/ويستطيع حشد طاقات الشعب وقوي الدولة وتوفير السند الدولى الذي يتيح للجيش تحقيق الانتصار.
من المفيد قبل النظر في تبعات اجتياح الخرطوم، الوقوف علي نقطة انطلاق الموجة الثانية لقوات المليشيا وهى دارفور، إذ شهدت الساعات الأولى من صباح اليوم الحادي والعشرون من نوفمبر انسحاب قوات الفرقة عشرون للقوات المسلحة من الضعين حاضرة ولاية شرق دارفور وبذلك تكون عملياً أربعة من ولايات دارفور الخمسة تحت سيطرة المليشيا واجزاء من ولاية شمال دارفور والتى مازالت الفرقة الخامسة صامدة فى حاضرتها الفاشر ومسنودة بقوات عدد من الحركات المسلحة أبرزها حركة العدل والمساواة جناح جبريل ابراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة منى مناوي. وتمثل الفاشر تحديا حقيقيا للدعم السريع ليس عسكرياً فقط ولكن سياسياً واجتماعياً وإنسانيا، فإجتياح الفاشر يهدد بإنتقال الحرب علي خطوط الهوية فى عودة لسيناريو الحرب الأهلية للعام ٢٠٠٣ إضافة لإشعال موجة نزوح ضخمة بعد أن صارت الفاشر الملاذ الأخير لنازحى مدن الإقليم المستباحة من المليشيا. إشعال نار الحرب الأهلية خطر قطعاً يضع له الدعم السريع الف حساب فهو يهدد جهده العسكري تجاه الخرطوم بصورة جادة كما ينسف روايته حول دوافع الحرب ويهدد بموجة جديدة من العقوبات علي المليشيا وقيادتها تشل قدرتها علي الفعل السياسي والحكم. يضاف إلى ذلك العجز الواضح للدعم السريع على الإدارة المدنية لمناطق سيطرته والتى انهارت فيها الخدمات وارتفعت فيها اسعار السلع والاسواء من ذلك فشله في تسويق نفسه كحكومة مقبولة لكافة مكونات دارفور وموقف الحركات المسلحة الأساسية بالاصطفاف خلف الجيش هو أوضح تعبير عن ذلك، هذا الموقف تعززه الوحشية المفرطة وأوضح أمثلتها ما تم بحق مجتمع المساليت.
أمام ذلك يكون افضل خيارات المليشيا هو تسكين جبهة الفاشر والانطلاق شرقاً فى محاولة فرض أمر واقع فى الخرطوم، قبل أن يتداعى البيت من الداخل، وهو خيار أيضا له تحدياته.
الانطلاق شرقاً هذه المرة يقف أمامه سجل سبعة أشهر من الانتهاكات عاشها شعب إقليم كردفان مع ارتفاع دعوات بالمواجهة وهو سياق يستحق أن ينظر فى تفاعلاته واهم محطاته هى الابيض وفيها تتمثل كل تعقيدات كردفان وستكون تحديا جسيما أمام المليشيا.
على افتراض أن المليشيا تجاوزت كل العقبات وطرقت باب الخرطوم للمرة الثانية بقيادتها الأساسية وبما جلبته من دارفور من عتاد وعديد وبإفتراض أن ميزان الجيش العسكري لم تحدث فيه تغييرات جوهرية وهو مستبعد فعندها وبعد معارك طاحنة ستكون المليشيا قد وضعت يدها على العاصمة ودمرت الجزء المهم من الجيش.
عند تلك النقطة يكون السؤال المطروح هل تحقق لها الانتصار؟ ثم ما خطوتها التالية؟ لن تستطيع المليشيا ادعاء الانتصار التام الا بوصولها ساحل البحر الأحمر وتحديداً بورتسودان وإسقاط العاصمة البديلة وهو أمر يمثل تحدي عسكري إذ تنتقل الحرب بعد الخرطوم إلى مناطق عشائرية وهي فى معظمها معادية للدعم السريع ولها مكوناتها المسلحة مما قد يحيل الصراع إلى حرب أهلية (نظرا لطبيعة الدعم السريع). يضاف إلى ذلك التحول المتوقع فى سلوك دول تناصر الدولة السودانية ولها مخاوف حقيقية تمس أمنها القومي من حكومة فى الخرطوم تحركها مصالح محور الإمارات - اثيوبيا مما يؤدي إما لتدخلها المباشر في الحرب او لزيادة دعم الجيش بما يمنع سقوط الدولة. وفى ذات السياق لا يمكن استبعاد ردات فعل بقية أطراف السودان إذ من المستبعد قبولها بالدعم السريع كقوة ممثلة للدولة ومحتكرة للعنف وهو ما قد يستدعي وبشكل مباشر تحرك من قبل قوات الحلو ببسط سيطرتها على كافة جنوب كردفان وجبال النوبة والتمهيد لإعلان كيان مستقل. سلوك مماثل متوقع فى النيل الأزرق وتحديداً مناطق سيطرة عقار ورفض شعبي واسع واستعداد للمواجهة فى الوسط والشمال. هذا السيناريو يتفق ومخططات تفتيت الدولة السودانية لكيانات جهوية وعرقية ضعيفة ومتناحرة وعمليا هو ردة الفعل التلقائية لدولة الدعم السريع.
بديل الدعم السريع الآخر هو الامتناع عن تجاوز الخرطوم والسعى نحو اتفاق سلام منتصر مع قيادات بديلة للجيش تؤسس أما لثنائية عسكرية يكون فيها الدعم السريع القوة الضاربة او لجيش جديد يمثل فيه الدعم السريع عظم الظهر ثم تشكيل حكومة صورية انتقالية الراجح أن تتكون من المجلس المركزي للحرية والتغيير وبعض الكيانات السياسية والجهوية ولكنها حكومة ستفتقد قطعاً للشخصيات المحترمة إذ لن تقبل أن تكون دمية بيد آل دقلو، كما أنها ستواجه تحديات مجتمع شديد الانقسام وبلد منهار اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ولها معارضة شديدة بالداخل والخارج ومهددة بعقوبات دولية تشل حركتها وفواتير واجبة السداد للدول التى دعمت الحرب. هذه وصفة لن تصمد أمامها اى حكومة مدنية مما يفتح الباب لدكتاتورية مليشياوية وحرب اخري.
الخيار المستبعد والذي تفضله القوى المدنية ممثلة فى المجلس المركزي هو مقايضة آل دقلو بالإفلات من الملاحقة القضائية والحفاظ على بعض مكاسبهم الاقتصادية مقابل التنازل عن السلطة ووجود معتبر للدعم السريع في الجيش الجديد وهذا خيار قد يتوافق مع المجتمع الدولي ولكن تقف أمامه طموحات الأسرة والمكونات الداعمة لها في الحرب وتقف ضده مطالب الضحايا بالعدالة ومصالح الدول التى ساندت المليشيا.
ibnouf77@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: للدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يحاصر الدعم السريع بالخرطوم والسلطات تكتشف مقبرة جماعية
أعلن الجيش السوداني، الأحد، سيطرته على مواقع استراتيجية وسط الخرطوم، ليضيق الحصار على قوات الدعم السريع في القصر الرئاسي والمؤسسات الحكومية وسط العاصمة، في حين كشفت السلطات بالخرطوم عما قالت إنها مقبرة جماعية بحي الفيحاء.
وقال الجيش السوداني في بيان، إن قوات سلاح المدرعات دحرت الدعم السريع في محور نادي الأسرة (في حي الخرطوم 3)، وجسر المسلمية وأبراج النيلين وموقف شروني (محطة مواصلات) وسط الخرطوم.
ونشر الجيش مقاطع مصورة عبر صفحته على فيسبوك، لقواته وهي تنصب كمينا لعناصر من قوات الدعم السريع.
وقال إن العناصر كانت تحاول الهروب من حصار وسط الخرطوم، وتمكنت قوات الجيش من تحييد كل العناصر الهاربة حيث لم ينج منهم أحد.
محور ولاية الخرطوموبتقدم الجيش وسط الخرطوم، يضيق الخناق ويفرض على قوات الدعم السريع التي تسيطر على القصر الرئاسي والمؤسسات الحكومية بوسط الخرطوم حصارا من جميع الاتجاهات.
وبسيطرة الجيش على محطة شروني وأبراج النيلين وجسر المسلمية، تكون قواته قد أغلقت الطرق المؤدية إلى وسط الخرطوم جنوبا، واقتربت من القصر الرئاسي بمسافة لا تتجاوز 1.4 كيلو متر، وفق وكالة الأناضول.
وكانت قوات الجيش سيطرت في الأيام الماضية على محطة جاكسون وجسر الحرية عند المدخل الجنوبي الغربي لوسط الخرطوم.
إعلانكما اقتربت قوات الجيش من الوصول إلى قيادة الجيش من الناحية الغربية لوسط الخرطوم، حيث باتت تبعد عنها مسافة كيلو متر.
مقبرة جماعيةوكشفت السلطات بولاية الخرطوم عما قالت إنها مقبرة جماعية بحي الفيحاء بمنطقة شرق النيل، التي استعادها الجيش السوداني مؤخرا من قوات الدعم السريع.
وأوضحت السلطات أن بئرا عميقة حوّلتها قوات الدعم السريع الى مقبرة جماعية، وألقت فيها جثث مدنيين بعد أن قضوا -وفق ذويهم- تحت التعذيب أو بالإعدام رميا بالرصاص.
وورصد مراسل الجزيرة انتشال الجثامين من موقع المقبرة الجماعية.
وقال مدير هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم هشام زين العابدين إن الجثامين الموجودة تعود لمواطنين من منطقة شرق النيل وبعض النازحين، بينهم رجال ونساء، ومعظمهم قُتلوا بإطلاق نار في الرأس كنوع من الإعدام، ثم تم إلقاؤهم في البئر التي يبلغ عمقها 18 مترا.
وتقول الحكومة السودانية إن هذا البئر ليس سوى واحد من عشرات الآبار التي استخدمتها قوات الدعم السريعِ للتخلص من ضحاياها، في مشهد يجسد حجم الثمن الإنساني الفادح لهذه الحرب.
محور ولاية سنار
وأعلن الجيش السوداني، الأحد سيطرته على منطقة أبو عريف المهمة بولاية سنار (جنوب شرق) بعد معارك مع قوات الدعم السريع.
وأفاد الجيش السوداني في بيان، بأن قواته استعادت السيطرة على منطقة أبو عريف بولاية سنار، ودحرت قوات الدعم السريع، وكبدتها خسائر كبيرة، وتطارد الفلول الهاربة.
واستطاع الجيش استعادة سيطرته على معظم ولاية سنار وعاصمتها سنجه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة الدعم السريع لصالح الجيش في ولايات الخرطوم والجزيرة، والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار والنيل الأزرق.
وفي ولاية الخرطوم المكونة من 3 مدن، بات الجيش يسيطر بالكامل على مدينة بحري شمالا، ومعظم أنحاء مدينة أم درمان غربا، و75% من عمق مدينة الخرطوم التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي والمطار الدولي، بينما لا تزال قوات الدعم السريع في أحياء شرق المدينة وجنوبها.
إعلان تحركات الدعم السريعفي المقابل، قالت قوات الدعم السريع إنها حققت انتصارات في منطقة النيل الأزرق.
وفي وقت سابق السبت، أكد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في تسجيل مصور، أن قواته لن تخرج من العاصمة الخرطوم أو من القصر الرئاسي الذي تسيطر عليه منذ اندلاع الحرب.
وقال وزير الخارجية السوداني علي يوسف إن تحركات قوات الدعم السريع، والجهات الدعمة لها، لإنشاء حكومة موازية بالبلاد تهدف إلى عرقلة الانتصارات الساحقة عليها، والتأييد الإقليمي والدولي المستمر لمواقف الحكومة.
وأضاف الوزير السوداني أن تلك الحكومة مرفوضة، ولن يكون لها دور وسط الشعب لأنها ولدت ميتة.