بينهن إسراء جعابيص.. الأسيرات العشر الأقدم في سجون الاحتلال
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
تقبع في سجون الاحتلال 31 أسيرة و160 طفلا وطفلة، حسب تقرير مشترك للعام 2023 صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان ومركز وادي حلوة في القدس.
وخلال عام 2023، سجلت المؤسسات الحقوقية نحو 2300 حالة اعتقال بينها "أكثر من 350 طفلا غالبيتهم من القدس، و40 من النّساء والفتيات".
ولدت الأسيرة ميسون موسى الحبالي عام 1995، لعائلة من قرية الشواورة شرق مدينة بيت لحم، وهي أخت لـ7 إخوة و5 أخوات. بعد أن أنهت دراستها الثانوية التحقت بجامعة القدس في أبو ديس لتدرس الأدب الإنجليزي، لكنها لم تكمل دراستها، إذ اعتقلت عام 2015.
واعتقلت الجبالي في 29 يونيو/حزيران 2015 بعد أن طعنت مجندة إسرائيلية على حاجز "قبة راحيل"، وأدى ذلك إلى إصابتها بجروح طفيفة ومتوسطة، لكن جنود الاحتلال تمكنوا من السيطرة على ميسون واعتقالها بعد الاعتداء عليها بالضرب المبرح.
وفي الوقت ذاته اقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلة ميسون شرق بيت لحم في عملية تفتيش دقيقة، وحطموا كثيرا من محتوياته، واعتدوا على عدد من أفراد الأسرة.
وتأجل الحكم في قضية ميسون 14 مرة قبل أن يصدر بحقها حكم بالسجن الفعلي 16 عاما في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وتقضي محكوميتها في سجن الدامون.
وقد لقبت بعميدة الأسيرات في نهاية عام 2021، إذ أصبحت أقدم الأسيرات الفلسطينيات اللائي لا يزلن في السجون الإسرائيلية، بعد إطلاق سراح أمل طقاطقة، التي كانت أقدم منها، وانتهت محكوميتها في ديسمبر/كانون الأول 2021.
روان نافذ محمد أبو مطرولدت الأسيرة روان عام 1994، وتعود جذورها إلى قرية بيتلو قضاء رام الله، في 15 يوليو/تموز 2015 أطلقت قوات الاحتلال النار عليها بشكل مباشر من دون إصابتها عند مدخل البلدة، ثم هاجمها جنود الاحتلال، واعتدوا عليها بالضرب المبرح واعتقلوها، ونُقلت إلى مركز تحقيق "عوفر" حيث تعرضت لتحقيق شديد قبل أن تنقل إلى سجن هشارون، ثم سجن الدامون.
وجهت سلطات الاحتلال لروان تهمة الاعتداء على أحد الجنود بالطعن وإصابته بجروح طفيفة، وأُجلت محاكمتها 11 مرة بذريعة استكمال إجراءات قضائية، ثم حُكم عليها عام 2016 بالسجن لمدة 9 سنوات وغرامة مقدارها 4 آلاف شيكل.
وقد أدى الاعتداء عليها عند الاعتقال إلى تعرضها لعدة كسور في الرقبة والظهر، وأمراض في المعدة والأنف، وتعاني من وضع صحي يتدهور باستمرار بسبب إهمال إدارة السجن وضعها الصحي، وتعمد حرمانها من العلاج.
شروق صلاح إبراهيم دوياتتعد شروق من سكان محافظة القدس، وتحديدا من قرية صور باهر الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة القدس، وكانت حين اعتقالها تدرس في جامعة بيت لحم.
وعند اعتقالها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2015 كانت شروق متوجهة للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، فحاول مستوطن خلع حجابها فدافعت عن نفسها، ثم انهالت عليها رصاصات المستوطنين، وأصابتها في الصدر والكتف والرقبة من مسافة قريبة.
الطالبة الجامعية في بيت لحم لم يتجاوز عمرها آنذاك 18 عاما، ورغم عدم حملها لأي سلاح اتهمها الاحتلال بمحاولة طعن مستوطن، ورغم إصاباتها الخطيرة، أبقوها على الأرض نصف ساعة قبل أن يقتادوها إلى السجن ويحكم عليها بـ16 عاما، وبقيت في أحد المستشفيات تنزف 4 أيام قبل إجراء العملية الجراحية.
وجهت لها المحكمة تهمة الشروع بالقتل طعنا بالسكين والإصابة بجروح متوسطة، وأرفقتها بشهادات مستوطنين ادعت شروعها بالطعن دون وجود السلاح المزعوم، ورغم وضعها الصحي إثر الإصابات عانت من المعاملة القاسية، ولم تتلق العلاج المناسب، وحرمت من زيارة عائلتها.
أسيرة مقدسية من قرية جبل المكبر جنوب القدس، ولدت عام 1986، تحمل هوية القدس وهي متزوجة ولديها طفل يدعى معتصم، يحمل زوجها هوية فلسطينية لا تمكنه من دخول القدس إلا بتصريح خاص. وقد تقدمت إسراء عام 2008 بطلب لم شملها مع زوجها إلا أن طلبها رُفض مرات عديدة على الرغم من التكاليف التي دفعتها.
وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2015 أثناء عودة إسراء من مدينة أريحا إلى القدس، وقرب حاجز الزعيم تعطلت سيارتها، فأطلقت قوات الاحتلال النيران على السيارة، مما أدى إلى انفجار أسطوانة غاز كانت فيها ونشوب حريق كبير، وفقا لما أوردته عائلتها عن تفاصيل الحادثة.
وتعرضت إسراء نتيجة لذلك إلى حروق تراوحت بين الدرجة الأولى والثالثة طالت 50% إلى 60% من جسدها، وفقدت أصابع يديها كافة، وتشوه وجهها، والتصقت أذناها برأسها، وفقدت قدرتها على رفع يديها نتيجة لالتصاقات الجلد في مناطق مختلفة.
بيد أن سلطات الاحتلال اعتقلتها بتهمة محاولة قتل جندي إسرائيلي، وحكمت عليها بالسجن 11 عاما، ومنعتها من تلقي العلاج الذي تحتاجه، وتعمدت إهمالها على الرغم من حاجتها لثماني عمليات جراحية، كما منعت عنها إدارة السجن المسكنات والأدوية التي تحتاجها، واكتفت بتوفير مرهم لتبريد الحروق لا تزيد سعته على 20 ملم يصرف لها كل 3 أيام، وهي كمية قليلة لا تكفي لتغطية كافة مناطق الحروق في جسد إسراء.
وقد حاولت عائلة إسراء عن طريق مؤسسات إنسانية محلية ودولية الحصول على إذن لإدخال طبيب لمعالجة ابنتهم متكفلين بكافة المصاريف، لكن إدارة السجون الإسرائيلية رفضت ذلك، وقد أطلق الناشطون عدة حملات إلكترونية، ونشروا عدة وسوم على موقع "إكس" في محاولة للإفراج عنها، لكن كل المحاولات قوبلت بالرفض.
مرح جودة بكيركانت مرح -وهي من منطقة بيت حنينا شمالي القدس- عند اعتقالها في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2015 في طريق خروجها من مدرستها الواقعة في حي الشيخ جراح، وتقطع الشارع للجهة المقابلة قبل أن ينهال عليها الاحتلال بـ14 رصاصة أصابت يدها، وطرحتها أرضا، ولما حاول شاب مقدسي مساعدتها أطلقوا عليه النار أيضا متهمين إياه بالتخطيط معها.
واعتقلت مرح وهي ابنة 16 عاما، بتهمة محاولة طعن جندي إسرائيلي أطلق عليها النار من مسدسه، ورفض الاحتلال إجراء عملية جراحية لها، فبقيت تعاني من آلام في يدها ونقص شديد في الحديد.
وتسببت لها الرصاصات بتلف في الأعصاب تعدى 80% بيدها اليسرى، ومنعت من دخول غرفة العمليات بتهمة "الإرهاب"، وتنقلت بين سجون الرملة وعسقلان وهشارون والدامون، ولم تتمكن عائلتها من رؤيتها إلا بعد اعتقالها بـ3 أشهر، وحكم عليها بالسجن 8 سنوات ونصف السنة.
ورغم آلامها ومصابها أكملت مرح الثانوية العامة داخل الزنزانة، وحصلت على معدل 80%، ورفضت السلطة التحاقها بالجامعة مشترطة وجود 5 أسيرات معتقلات حاملات للماجستير.
نورهان إبراهيم خضر عوادتربت نورهان ونشأت في مخيم قلنديا، وتعلمت في كفر عقب، اعتقلت وهي في الصف التاسع، وتنقلت في عدة سجون إلى أن انتهى بها المطاف في سجن الدامون، ونالت الثانوية العامة وهي في الأسر بمعدل 94% في الفرع الأدبي، وواصلت تعليمها في جامعة القدس المفتوحة في تخصص بالتاريخ.
واعتقل الاحتلال نورهان في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بعدما استهدفها بـ3 رصاصات في ظهرها ورجلها وبطنها، في حين استشهدت قريبتها هديل عواد التي كانت معها، ويومها كانت في أحد شوارع القدس المحتلة أثناء توجهها للصلاة في القدس.
ووجهت إلى عوّاد تهمة تنفيذ عملية طعن في شارع يافا بالقدس، وحكمت عليها المحكمة بالسجن 13 عاما ونصف عام، وبغرامة قدرها 30 ألف شيكل، وحصلت على استئناف خفض من حكمها 3 سنوات ونصف السنة.
ولا تزال نورهان تعاني آلام شديدة نتيجة الرصاصة الموجودة في بطنها، ويرفض الاحتلال إجراءها أي عملية جراحية، ويحرمها من حقها في العلاج.
شاتيلا أبو عيادةولدت شاتيلا عام 1993 لأسرة بدوية تسكن بلدة كفر قاسم في أراضي 1948، وهي الابنة الصغرى لعائلة مكونة من 9 إخوة وأخوات، وقد نشأت في عائلة محافظة.
وقبل اعتقالها كانت شاتيلا طالبة جامعية في سنتها الثانية في تخصص علم النفس، وتقول والدتها إن قوات الاحتلال اعتقلتها أثناء عودتها من الجامعة، في الثالث من أبريل/نيسان 2016، واعتدت عليها بالضرب المبرح قبل تقييدها ونقلها إلى سجن الجلمة للتحقيق، حيث انقطعت أخبارها ومنع أهلها من زيارتها مدة شهر كامل. ثم نقلت إلى سجن هشارون.
وتعرضت شاتيلا للمحاكمة سنة كاملة قبل النطق بحكمها، إذ اتهمت بتنفيذ عملية طعن، في منطقة المثلث قرب رأس العين، وقدمت نيابة الاحتلال لائحة اتهامات تضمنت الشروع بالقتل وتعلم تركيب عبوات ناسفة عن طريق الإنترنت وحيازة مواد لهذه الغاية.
وحكم عليها بالسجن مدة 16 عاما وغرامة مالية مقدارها 100 ألف شيكل، وقد حاولت الاستئناف عدة مرات، لكن المحكمة رفضته.
وقد حرمها الاحتلال من إكمال تعليمها بعد اعتقالها، وشطب اسمها من وزارة التربية والتعليم.
أماني الحشيمأماني الحشيم أسيرة مقدسية، أم لطفلين (آدم وأحمد)، حاصلة على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية والدراسات الدبلوماسية، وأنهت دراسة الماجستير في الإدارة والتخطيط من جامعة القدس، إضافة إلى حصولها على دبلوم في اللغة الإيطالية.
واعتقلت في 13 ديسمبر/كانون الأول 2016 عقب إطلاق النار عليها أثناء قيادتها سيارتها عند حاجز قلنديا العسكري شمال القدس المحتلة، وذلك أثناء عودتها إلى منزلها في حي بيت حنينا، عندها تعرضت لتحقيق ميداني، ثم نقلت إلى مركز تحقيق "المسكوبية" وانتهى بها الأمر في سجن الدامون.
وصدر ضدها حكم بالسجن 10 سنوات وغرامة بـ5 آلاف شيكل تعويضا لأحد الجنود قال الاحتلال إنها دهسته عند الحاجز، وذلك بعد أكثر من 20 جلسة محاكمة عقدت لها. عوقبت أماني بالعزل الانفرادي لأكثر من 70 يوما، بعد اعتراضها على سياسة العدو ضد الأسيرات.
وتحدت أماني ظروف اعتقالها الصعبة، وخاضت تجربة أدب السجون وأصدرت كتاب "العزيمة تربي الأمل"، وبهذا أصبحت أول أسيرة تنتج عملا أدبيا داخل السجون. و نظمت داخل السجن العديد من الدورات الأكاديمية للأسيرات.
عائشة الأفغانيولدت عائشة يوسف عبد الله الأفغاني عام 1983، وتنحدر من حي راس العامود في بلدة سلوان بجوار المسجد الأقصى المبارك، تمكنت خلال اعتقالها من الحصول على شهادة الثانوية العامة.
وعُرف عنها حبها للقراءة والكتابة والطبخ وصناعة الحلويات بأبسط المواد، وقد تعلمت رياضة كرة المضرب في السجن، وكانت تمارسها مع زميلاتها في ساحة الأسر.
واعتقلت قوات الاحتلال عائشة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2016، في شارع الواد بالبلدة القديمة في القدس، ووُجهت إليها تهمة حيازة سكين ونية القيام بعملية طعن، وحُولت إلى التحقيق في معتقل المسكوبية، وهناك تعرضت للتعذيب لمدة تزيد على شهر، ثم أدانتها النيابة العسكرية بتهمة تنفيذ عملية طعن.
ماطلت سلطات الاحتلال بمحاكمتها وأجلت جلسات المحكمة 17 مرة، واحتجزتها أكثر من 3 سنوات قبل أن يصدر في حقها حكم بالسجن 15 عاما، وتقضي محكوميتها في سجن الدامون، وتعاني من مشاكل صحية متعددة، وتمنع عنها إدارة السجن العلاج.
فدوى حمادةولدت فدوى نزيه كمال حمادة في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1987، وهي من بلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة، درست إدارة الفنادق والمحاسبة في رام الله، أم لـ5 أطفال أصغرهم كانت تبلغ من العمر 4 أشهر وأكبرهم بلغ 8 سنوات حينما اعتقلت والدتهم.
اعتقلت في 12 أغسطس/آب 2017 من أمام باب العمود أثناء ذهابها إلى طبيبها، واتهمها الاحتلال بمحاولة تنفيذ عملية طعن، ثم اعتقل زوجها بعدها مباشرة بعد اقتحام بيتهم.
استمر اعتقالها وزوجها أسبوعين بدون أن يعرف أحد مكانهما، حاولت سلطات الاحتلال إقناعها بالاعتراف بالتهمة الموجهة إليها، ثم هُددت بإيذاء أطفالها وهدم بيتها، ولكن دون جدوى. أفرج الاحتلال عن زوجها في حين بقيت هي بانتظار محاكمتها.
واستمر تأجيل محاكمتها 18 شهرا، حتى حكم عليها بالسجن 20 سنة وغرامة 30 ألف شيكل، ثم استأنف الحكم وخُفّض إلى 10 سنوات. كانت أول زيارة لأطفالها بعد سنة ونصف من الاعتقال تمكنت حينها من رؤيتهم من خلف زجاج عازل يفصل بينهم.
وعانت حمادة من ظروف اعتقال صعبة، إذ وضعت قرب أسرى جنائيين يتعمدون الطرق على الجدران والصراخ طول الليل بهدف حرمانها من الراحة والنوم، وتعرضت للعزل الانفرادي مرتين، الأولى في سجن الجلمة مدة 73 يوما متتالية، والثانية استمرت 105 أيام، وعاشت أوضاعا صعبة في سجن الدامون خصوصا في أيام البرد.
وتصدّت فدوى لسجّانة إسرائيلية حاولت إهانة إحدى زميلاتها الأسيرات، مما أدى إلى عزلها برفقة الأسيرة المحررة جيهان حشيمة ما يزيد على 70 يوما، إضافة لمزيد من العقوبات، منها تكبيل يديها وقدميها أثناء الزيارة، مما أدى إلى تعثرها وكسر قدمها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: سلطات الاحتلال فی سجن الدامون قوات الاحتلال علیها بالسجن عملیة طعن حکم علیها بیت لحم قبل أن
إقرأ أيضاً:
نقرير: وسط اعتداءات وسرقات واقتحامات .. كيف يُمهد الاحتلال لمخطط القدس الكبرى؟
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي: في مشهد متكرر من الألم والمأساة، تتعرض الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس لاعتداءات ممنهجة من قبل المستوطنين تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي. اعتداءات باتت جزءًا من حياة الفلسطينيين اليومية، تتجسد في إحراق ممتلكات، وسرقة أرزاق، واقتحامات تستهدف المقدسات.
هذه الحملة المدروسة تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإضعاف صموده في مواجهة سياسة الاحتلال. كما تأتي هذه الاعتداءات في سياق سياسة استعمارية واضحة تهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية وتفريغها من سكانها الأصليين، وفرض مخطط «القدس الكبرى» وذلك من خلال مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وبناء المستوطنات بشكل متسارع وغير مسبوق.
جريمة الفجر في أم صفا
عندما تشرق الشمس على قرية أم صفا شمال غرب رام الله، يكون المشهد ملبدًا برائحة الرماد وحزن الأهالي الذين يصرون على التشبث بأرضهم رغم القهر. في تمام الساعة الرابعة إلا ربع من فجر اليوم، شنَّت مجموعة من كبار المستوطنين هجومًا على جراج سيارات يقع على المدخل الغربي للقرية. في تلك اللحظة، كان أهالي القرية يعدون طعام السحور، لكن صوت النيران المتأججة أجبرهم على ترك طعامهم.
مروان صباح، رئيس مجلس قروي أم صفا، وقف أمام السيارات المحترقة، وتحدث بلهجة حزينة وقوية في الوقت نفسه: «توجهنا إلى الموقع، حاولنا إنقاذ السيارات لكنها كانت مشتعلة بالكامل».
وأكد خلال حديثه لـ«عُمان» أن قرية أم صفا تتعرض إلى اعتداءات متكررة ومستمرة من كبار قطعان المستوطنين على مدار الساعة.
وأوضح أن هذه الاعتداءات الغرض منها فرض واقع التهجير على الشعب الفلسطيني المتمسك بحقه التاريخي في الأرض: «نحن صامدون في أراضينا ولن نرحل مهما كانت الظروف ومهما كانت التضحيات».
هذا الهجوم لم يكن الأول من نوعه. رأفت صباح، صاحب السيارات المحروقة، يؤكد ذلك بقوله: «المستوطنون جاءوا وحرقوا السيارات على الساعة الرابعة فجرًا، وسبق وأتوا أكثر من مرة وحطموا وحرقوا هذه السيارات».
ويضيف لـ«عُمان»: «نحن نعيش بالقرب من المستوطنين، وهم يفعلون ذلك متعمدين بغرض ترحيلنا من أرضنا. ولكن سنظل متمسكين بأرضنا مهما حدث».
الهجمات المتكررة على قرية أم صفا تشير بوضوح إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ القرى الفلسطينية من أهلها، غير أن رسائل الصمود تتجدد في كل مرة، لتعلن أن الجذور أعمق من محاولات الاقتلاع.
السرقة الكبرى
لم تكن عين العوجا بمنأى عن هذا التغول الاستيطاني المتواصل، حيث شهدت واحدة من أكبر الهجمات الاستيطانية على تجمع بدوي في غور الأردن. صبيحة يوم الجمعة 7 مارس 2025، تجمع نحو 200 مستوطن مسلح تحت حماية قوات الاحتلال وشرطة الاحتلال، مستهدفين هذا المجتمع الذي لا يعرف سوى الأرض كمصدر وحيد للرزق.
هاني زايد، أحد سكان المنطقة والذي فقد نحو 70 رأسًا من الأغنام في الهجوم، يحكي بمرارة وألم: «المستوطن جاب غنمه خلطها في وسط التجمع تبعنا مع الغنم تبعتنا، في نفس اللحظة مع هجوم ما يقارب من 200 مستوطن. دخلوا على المجمع كله بحماية الجيش معهم، الجيش والشرطة، ونظفوا السير كله. ما في وحدة ما دخلوها وما خلوا فيها شيء».
وأضاف بنبرة يملؤها اليأس خلال حديثه لـ«عُمان»: «كان معهم 20 تندر (سيارة)، حملوا الغنم فيها. هذا أكبر هجوم للمستوطنين. كانوا يأخذون رأسًا أو رأسين في السابق ويقولون إنها مسروقة منهم، لكن مثل هذا الهجوم لم يحدث قط. ما يقارب 1500 رأس من الأغنام أخذوها من المجمع».
يبدو المشهد وكأنه جزء من كابوس متكرر، غير أن الحقيقة أبشع من الخيال. هذا الهجوم لم يكن مجرد حادثة سطو، بل هو تدمير ممنهج لسبل الحياة ورزق الناس، الذين يعتمدون على هذه الأغنام لتأمين معيشتهم.
زايد يشير بوضوح إلى أن اللجوء إلى الشرطة لم يعد خيارًا مجديًا، قائلاً: «الشرطة ما بتعمل أي شيء. عمرهم ما فادونا في شيء. يعني المستوطن بفتح بدو يأخذ الغنم، الشرطي بيقول أنت متأكد، آه، هاي الغنم لك».
هذا السطو المنظم لا يستهدف الأغنام فحسب، بل يسعى إلى انتزاع الروح من الجسد، وإجبار السكان على الهجرة من أرضهم، ليفسحوا المجال أمام المستوطنات التي تتمدد على حسابهم بلا رحمة.
الأقصى في مرمى الاستفزازات
وفي القدس، الهدف الأكبر للصهاينة، يستمر الاحتلال الإسرائيلي في فرض وقائع جديدة عبر استباحة المسجد الأقصى، حيث اقتحم عشرات المستوطنين المسجد تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال اليوم، جالوا في ساحاته وأدوا طقوسًا تلمودية استفزازية، بينما فرضت قوات الاحتلال إجراءات مشددة على دخول المصلين لتضييق الخناق عليهم.
وفي كثير من الأحيان يتم استهداف الشباب الفلسطينيين بشكل خاص، واعتقالهم أو إبعادهم عن المسجد لفترات زمنية متفاوتة، في محاولة لإضعاف الحضور الفلسطيني ومنعهم من الدفاع عن مقدساتهم.
هذا التوتر المتواصل يُقابل بتحدٍّ مستمر من الفلسطينيين الذين يتدفقون إلى المسجد بأعداد كبيرة للصلاة والرباط فيه، مؤكدين على هويتهم وحقهم التاريخي فيه. وفي مشهد يعكس الإصرار على حماية الأقصى، يتواجد المرابطون والمرابطات بشكل يومي في ساحاته، رغم كل محاولات التضييق والاعتقال التي يتعرضون لها.
كما يشير النشطاء إلى أن هذه الاستفزازات تهدف إلى فرض واقع جديد يسمح للاحتلال بفرض سيطرته الكاملة على المسجد الأقصى في المستقبل.
تحذير حركة حماس
من جهتها، حذرت حركة المقاومة الإسلامية حماس، عن طريق القيادي في الحركة عبد الرحمن شديد، من استمرار اعتداءات المستوطنين على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، والتي تتم تحت حماية قوات الاحتلال.
وقال خلال حديثه لـ«عُمان»: «إن هذه الجرائم لن تنجح في كسر إرادة شعبنا». داعيًا أبناء الشعب الفلسطيني إلى تعزيز المقاومة والتصدي لهذه الاعتداءات بكل السبل المتاحة.
وأوضح شديد أن الاحتلال يواصل التغول الاستيطاني في عموم الضفة الغربية، حيث خطط خلال الشهر الماضي لبناء 2684 وحدة استيطانية صهيونية جديدة، منها 1278 وحدة لمستوطنات الضفة، وأكثر من 1400 لمستوطنات داخل حدود القدس.
وأضاف: «كما يواصل الاحتلال عمليات هدم بيوت المواطنين ومحلاتهم التجارية في الضفة والقدس المحتلة، فخلال شهر فبراير الماضي نفذ الاحتلال 79 عملية هدم طالت عشرات المنازل والمنشآت وغيرها من عمليات الهدم والتدمير الممنهجة».
وبيّن أن «رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، المجرم المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، يحاول وحكومته الفاشية من خلال الحصار والعدوان المتواصل على شعبنا وأرضنا ومساجدنا ومقدساتنا تنفيذ مخططاتهم في الضم وإخلاء وتدمير مدن وقرى ومخيمات الضفة والقدس وتهجير سكانهما، وتغيير وطمس الحقيقة التاريخية والطابع الديموغرافي لهذه المخيمات الفلسطينية، سعيًا لتنفيذ مخططاته وأحلامه فيما يسمى بالقدس الكبرى».
مخطط القدس الكبرى
ويركز مخطط «القدس الكبرى» على إحداث تغييرات واسعة وشاملة في البنية التحتية للمستوطنات، بهدف دمجها في مشروع استيطاني ضخم يُعرف بـ«القدس الكبرى». يعتمد هذا المخطط على تطوير شبكة من السكك الحديدية الخفيفة والطرق التي تربط المستوطنات بشبكة الطرق الرئيسية الممتدة غرب القدس وصولاً إلى أراضي 1948، مع ربطها أيضًا بالمستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية والأحياء الشرقية من القدس المحتلة.
ويتضمن المشروع أراضي مناطق عديدة تشمل نبي يعقوب، وبيت حنينا، وبيت إكسا، وشعفاط، وبيت صفافا (المنطقة الجنوبية)، إلى جانب مختلف الأراضي المقدسية الأخرى. يشار إلى أن هذا المشروع ليس جديدًا، بل هو خطة ممنهجة تم العمل عليها تدريجيًا على مدار سنوات الاحتلال بهدف تهويد القدس وتغيير تركيبتها السكانية، ليصبح الفلسطينيون فيها أقلية في مدينتهم.