أطفال اليمن المولودون في المهجر.. غصة السؤال عن العائلة (تقرير)
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
(عدن الغد) وليد عبدالواسع - بلقيس:
يكاد الطفل "كنان" -3 سنوات ونصف- حين يحدثه والده عن عمه، أو عن جدّته، أن يُصاب بالحيرة، وكأنه يتساءل ببراءة: من هي الجدة؟ وماذا يعني العم والخال، وغيرهم من أفراد الأسرة (الذين لا يعرف عنهم "كنان" المولود في جمهورية مصر سوى مسميات، كغيره من الأطفال المولودين في بلدان المهجر)؟
أطفال كُثر جاءوا إلى الحياة، وكبروا دون أن يلتقوا بأفراد عائلاتهم كالأجداد والجدات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وباتوا يعانون من مشاكل كثيرة، لعل أبرزها افتقاد الدفء الأسري، والاضطرابات السلوكية.
"بالنسبة لأطفالنا -نحن كمهاجرين خارج الوطن- من الصعب أن تبني فيهم ثقافة الترابط الأسري"، يقول الصحفي عيبان ياسين في حديثه لـ"موقع بلقيس"..
- معنى الأسرة المحيّر:
سؤال هؤلاء الأطفال عن أفراد عائلاتهم البعيدة عنهم بات غصَّة يعيشها آباؤهم بشكل يومي.. وفي اليوم العالمي للطفولة، الذي يُصادف 20 نوفمبر من كل عام، يبدو هؤلاء الأطفال منسيين من قِبل المنظمات والمحافل الدولية والمحلية المعنية بحقوق الطفل.
بعبارة موجزة يلخص "عيبان" غصة السؤال هذا: "ليته وُلد شاباً.. فمن الصعب جداً أن نُوصل لهم معنى الأسرة"..
ويُضيف: "أطفالنا وُلدوا ولم يروا أو يحتكوا بأي شخص من أفراد الأسرة، عكس أولئك المولودين داخل الوطن الأصل، فمثلا في اليمن الطفل يرى العائلة كاملة ربَّما، أو العدد الأقل، إذا استطعنا أن نقول ذلك، إذ يكبر، وكذلك الجيران، ويعيش حياته في الوسط العائلي، ويحس بدفء الأسرة، لكن كما تعرف أنت في خارج الوطن يعيش على وجهين فقط: الوالد والوالدة".
وبحسب والد كنان، إذا أردنا أن نعلمهم أو نربطهم بأفراد الأسرة، حين يبدأون بالكلام، تكون هناك صعوبة كبيرة لدى الأب بكيفية إقناعه بأن هناك أسرة بعيدة تريد أن يتعرّف عليها، لذا يكبر الطفل وهو لا يعرف ذلك الدفء العائلي.
"أحياناً أفتح له القنوات اليمنية، وأظل أشرح له عن اليمن، في محاولة لإكسابه هذا الاسم، كي يخزِّنه في ذاكرته.. مشت الأمور مع ولدي "كنان" حتى أصبح يسألني حين يرى طائرة: بابا هذه مسافرة لليمن"، يعقِّب عيبان..
بعد لقائه بجدّته، التي زارت مصر قبل شهرين تقريباً، صار "كنان" كل ما خرج في نزهة برفقة والديه إلى الحديقة ينادي كل من يصادفهن من النساء كبيرات السن بالجدّة، وآخر يمر بجواره في الشارع فينادي له يا "عم".
يعلق عيبان: "أصبح يستوعب بقدر سِنه أن الناس الذين في الشارع كلهم أعمامه، وأي امرأة ينادي لها "يا جدّة"، لكنه لم يميِّز المعنى، رغم أنه التقى بجدّته مرّة واحدة..".
- طفولة خاسرة:
باحثون ينبِّهون من تبعات افتقاد الأطفال حميمية العائلة على مستقبلهم، وما قد يترتّب عنها من سلوكيات مضطربة.
تؤكد رئيسة منصة "إكسير للطفولة" -الصحفية آية خالد- أن الأطفال المولودين في المهجر يفتقدون حميمية الأسرة، التي يعيشها الأطفال المولودون داخل اليمن.
تقول في حديثها لـ"موقع بلقيس": "دائماً ما نظل في دائرة المقارنة: هل الأطفال في اليمن يعيشون حياة مستقرة، أم الأطفال الذين خرجوا، وما نسميهم بالناجين، يعيشون حياة أفضل؟".
"وفي الحقيقة هي أن الناجين ربحوا حق الحياة الآمنة، والبيئة المناسبة، لكن بالمقابل قد يكونوا خسروا الحياة الأسرية التي يجب أن يعيش فيها أي طفل، خاصة الحياة العائلية بقرب كل الأسرة"، تضيف آية.
تنوِّه رئيسة منصة "إكسير للطفولة" بأن الطفل يظل بحاجة مستمرة إلى تواصل وتجمع عائلي، فهو نوع من الاحتواء الذي يفتقره أطفال المهجر، اللذين تقتصر حياتهم الاجتماعية على الأبوين فقط.
تقول: "أتحدث عن الأطفال في بلدان المهجر، حيث يعيشون في بيئة ضيقة، وعلاقات محدودة جداً، ومقطوعين تماماً، عن العالم الداخلي الذي يربطهم بالأهل".
عن دور منصة "إكسير"، تشير آية خالد إلى أنهم دائماً ما يُوصون الأهالي بضرورة ربط أطفالهم بالحياة المجتمعية في الداخل؛ من خلال التواصل المستمر مع الأهل، وكذلك سرد تفاصيل الحياة لهم هناك، والذكريات الجميلة.
وتؤكد أن "هذا يخلق لدى الطفل صورة ذهنية جميلة عن بلده، بعيداً عن الصورة الملغومة بأن اليمن بلد حرب وموت فقط".
وتفيد بوصولهم حالات كثيرة لأطفال كهؤلاء يعانون من مشاكل نفسية، واضطرابات سلوكية، وتأخّر بالنّطق؛ بسبب عدم الانخراط مع الآخرين، وسماعهم أكثر من لهجة، أو لغة، أو عدم انخراطهم مع أطفال من عمرهم.
- فرحة أم غصة:
تبدو حال "أم رهام" مختلفة قليلاً عن "عيبان"، في جانب التعرف بعائلاتهم، فأطفالها الثلاثة المولودون في المملكة العربية السعودية كانوا دوماً ما يسألون عن أهلهم في اليمن، لكن الغصة تبدو نفس الغصة في كلتا الحالتين.
بعد كل مكالمة هاتفية، كانت تجريها "أم رهام" لمحادثة عائلتها، وعائلة زوجها في اليمن، كان أطفالها يسألون من هؤلاء الذين تكلمهم.. ولا يترددون بالسؤال عن اليمن، وطلب صُور عن بلدهم، كما حدث مرات عديدة أثناء تواصلهم عبر الفيديو مع جدَّتهم.
"بعد ما كُنت أخلِّيهم يتكلمون في الجوال مع جدِّهم أو عمتهم أو خالهم، أو أي واحد من الأهل، كانوا يسألون: من هذا؟ أنا كم عندي جد؟ كم عندي خال؟ كم عندي خالة؟"، تقول "أم رهام".
وتؤكد، في حديثها لـ"موقع بلقيس"، أن فرحتهم كانت تزداد كل ما جاء أحد الأقارب لزيارتهم، وينبسطون بشكل غير طبيعي.
تتملّك السعادة "أم رهام" كثيراً كل ما سألها أولادها عن أهلهم، وعن اليمن، ولا يلبثون يعبِّرون عن أمنيّاتهم في السفر إلى وطنهم الأم، الذي لا يعرفون عنه سوى اسم بلد مزَّقته الحرب..
وهو ما تستغله الأم لتعريف أطفالها ببلدهم، وربطهم به شعورياً، من خلال جرعة مبسّطة عن مناطق اليمن السياحية والجغرافية، في محاولة منها لغرس حبِّهم بوطنهم.
- بين التعلق والتطرف:
بالنسبة لأطفال المهاجرين، في نظر الأستاذ عبدالله الأمير -معالج نفسي- فإنه يحصل شوق مبالغ فيه للموطن الأول، وللأسرة الممتدة البعيدة عنه، ولثقافة هذا الموطن والبيئة، وهو ما ينجم عنه ما يسمى "توتر الحنين" المتعلق بالغربة.
في حديثه لـ"موقع بلقيس"، يرى الأمير أن هذا النوع من التوتر يخلق حالة من التعطش والانغماس بدرجة كبيرة في الثقافة، التي أتى منها، وهنا يحصل عملية تطرّف.
يقول: "من خلال متابعتنا لعلاج بعض حالات الأطفال المهاجرين، وجدنا أنهم يكونون مُنشدِّين بدرجة كبيرة للثقافة التي أتوا منها، إلى درجة المغالاة والتطرّف، كنوع من التعويض للحنين الموجود داخلهم، ما يجعلهم يتمسكون بأي شيء يرتبط ببلدهم، وأسرهم البعيدة عنهم".
ويشير إلى أن "الأطفال هؤلاء كل ما أحسوا بالحنين أحسوا بالغربة داخل المنطقة التي يعيشون فيها، مما يؤدي أو يتسبب لهم بضعف نفسي هائل جداً".
ورغم تكيّف غالبية الأطفال مع البيئة، التي يعيشونها، لكن بسبب الفروق الفردية، بعض الأطفال لا يستطيعون التكيّف، لذا يمرون بحالة "تعلّق"، بمعنى أنهم لا يتكيفون مع أهلهم الذين يفتقدون إليهم، وبين الواقع الذي يعيشونه، وفق تشخيص الأمير.
ويعتبر أن مثل هذه الحالات من النقاط الصعبة، فبعض الأطفال لا يستطيعون أن يصرِفون حنينهم بطريقتهم مع الدولة، التي يعيشون فيها، فيحدث لهم؛ إما عملية تطرف أو "تعلّق"، مؤكداً أن كثيرا من هؤلاء الأطفال يعيشون هذه الأوضاع وسط معاناة صعبة، حتى إن أسرهم لا تشعر بهم.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
العدوان الإسرائيلي يغتال فرحة أطفال غزة
غزة- «عمان»- بهاء طباسي: في صباح عيد الفطر، استيقظ الطفل أحمد سعيد (10 أعوام) على أمل العثور على بقعة يلعب فيها ويمضي وقتًا سعيدًا، كما كان يفعل في الأعياد السابقة. ارتدى ملابسه المتواضعة، التي لم تكن جديدة هذا العام بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول الملابس إلى قطاع غزة، وانطلق يبحث عن متنزه قريب. كانت خطواته الصغيرة تقوده عبر شوارع حي الزيتون، حيث تحولت المنازل إلى أنقاض، والطرقات إلى مساحات موحشة تملؤها خيام النزوح.
توقف أحمد أمام موقع المتنزه الذي كان يملأه الضحك والألعاب في الأعياد الماضية. لم يجد سوى أرض جرداء تملؤها الحجارة وبقايا الألعاب المحطمة. تذكر كيف كان يركض مع أصدقائه بين الأراجيح والزحاليق، وكيف كانوا يتبادلون الحلوى ويضحكون بلا هموم. الآن، لم يبقَ من تلك الذكريات سوى صدى في ذاكرته الصغيرة.
بخطوات مثقلة، توجه أحمد نحو خيام النزوح التي نُصبت مكان المنازل المدمرة. رأى أطفالًا آخرين يجلسون بصمت حول أرجوحة واحدة، عيونهم تائهة تبحث عن فرحة العيد المفقودة. اقترب من صديقه خالد، الذي فقد والده في القصف الأخير، وجلس بجانبه دون أن ينبس بكلمة. كان الصمت أبلغ من أي حديث، حيث تشارك الصديقان حزنهما العميق.
في زاوية الخيمة، جلست أم أحمد تحاول تهدئة طفلها الأصغر الذي كان يبكي جوعًا. لم تكن هناك حلوى العيد التي اعتادوا تحضيرها بسبب نقص الوقود وارتفاع أسعار المواد التموينية. حتى العيدية، تلك النقود البسيطة التي كانت تُدخل البهجة إلى قلوب الأطفال، غابت هذا العام بسبب الفقر المدقع وانشغال الأهل بتأمين لقمة العيش.
هذا المشهد المؤلم يعكس واقع آلاف الأطفال في قطاع غزة الذين حُرموا من فرحة العيد بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر. تحولت الأماكن التي كانت تملؤها الحياة والبهجة إلى ساحات دمار وخيام نزوح، وغابت مظاهر الاحتفال التي كانت تُدخل السرور إلى قلوب الصغار.
تعمد الاحتلال إغلاق المعابر ومنع دخول البضائع، بما في ذلك الملابس الجديدة، جعل الأطفال يرتدون ملابسهم القديمة في العيد، مما زاد من شعورهم بالحرمان والتمييز. كما أن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانشغال الأهل بتأمين الاحتياجات الأساسية أدى إلى غياب العيديات والحلوى، مما أفقد العيد معناه وفرحته.
في ظل هذه الظروف القاسية، يعاني الأطفال من آثار نفسية عميقة تترك ندوبًا في نفوسهم الغضة. فقدان الأمان، مشاهدة الدمار، وفقدان الأحبة، كلها عوامل تساهم في زيادة معدلات الاضطرابات النفسية بينهم، مما يستدعي تدخلات عاجلة لدعمهم نفسيًا واجتماعيًا.
تجلس سارة محمد (10 سنوات) أمام خيمتها المؤقتة، تحدق في الفراغ بعينين غارقتين في الحزن. تقول بصوت خافت: «كنت أنتظر العيد بفارغ الصبر لأرتدي فستاني الجديد وألعب مع صديقاتي في المتنزه. لكن الآن، لا يوجد فستان جديد، ولا متنزه، ولا صديقات. كل شيء اختفى»
تتذكر سارة كيف كانت والدتها تحضر كعك العيد في الأيام السابقة للعيد، وكيف كانت تساعدها في تشكيله وتزيينه. تقول لـ«عُمان»: «هذا العام، لم نصنع الكعك. لا يوجد طحين، ولا سكر، ولا حتى غاز للطهي. أشعر أن العيد لم يأتِ».
تضيف سارة بحزن: «أفتقد والدي الذي استشهد في القصف. كان دائمًا يعطيني عيدية ويأخذني لشراء الألعاب. الآن، أشعر بالوحدة والخوف».
«عيد بلا عائلة»
أما أسامة زيد (12 عامًا)، الذي كان يُعرف بين أصدقائه بروحه المرحة وابتسامته الدائمة، يبدو اليوم شاحب الوجه، مثقل الخطى. يقول: «في العيد، كنا نجتمع مع العائلة ونزور الأقارب. الآن، فقدت عمي وأبناء عمومتي في الحرب، وبيتنا دُمر بالكامل. لا أشعر أن هناك عيدًا».
يتحدث محمد عن تجربته في النزوح: «نعيش الآن في خيمة مع مئات العائلات. لا خصوصية، ولا راحة. حتى الماء والطعام بالكاد يكفيان. كيف يمكن أن نفرح في مثل هذه الظروف؟».
يضيف لـ«عُمان»: «أحلم بالعودة إلى مدرستي، بلعب كرة القدم مع أصدقائي، بعيش حياة طبيعية. لكن كل شيء تغير، وأخشى ألا يعود كما كان».
وأمسكت ليلى الخالدي (8 سنوات)، بدميتها القديمة، التي نجت من القصف، وهي تجلس بجوار والدتها في خيمتهم بمدينة خانيونس، محاولة التشبث بأي مظهر من مظاهر فرحة العيد، حتى لو كان مجرد ذكرى قديمة، لكنها لم تستطع، وسرعان ما ألقت الدمية المتسخة على طول ذراعيها.
تقول الطفلة الصغيرة ذات الضفائر الجميلة خلال حديثها لـ«عُمان»: «كنت أحب العيد لأنه يعني الملابس الجديدة والحلوى واللعب مع أصدقائي. الآن، لا شيء من ذلك موجود. العيد أصبح مجرد ذكرى قديمة مغبرة تُشبه هذه الدمية».
تتحدث ليلى عن خوفها المستمر: «عندما أسمع صوت الطائرات أو الانفجارات، أختبئ تحت البطانية وأغلق عينيّ بقوة. لا أستطيع النوم في الليل، وأحلم بكوابيس مخيفة». وتضيف: «أتمنى أن تنتهي الحرب، وأن أعود إلى مدرستي وألعب مع صديقاتي دون خوف».
أرقام الموت.. وجراح لا تندمل
تظهر الإحصائيات الحديثة أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلَّف كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث تشير تقارير وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن أكثر من 15 ألف طفل قُتلوا منذ بداية العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023 وحتى 25 مارس 2025، بينما يعاني عشرات الآلاف من إصابات بليغة، بعضها أدى إلى فقدان الأطراف أو إصابات دائمة سترافقهم مدى الحياة. إضافة إلى ذلك، فإن الأثر النفسي لهذه الحرب لا يمكن حصره في الأرقام فقط. تفيد الدراسات الميدانية أن أكثر من 80% من الأطفال في غزة يعانون من اضطرابات نفسية حادة تشمل القلق المزمن، نوبات الذعر، وصدمات ما بعد الحرب، حيث أصبح الخوف والرعب جزءًا من حياتهم اليومية. كثير من الأطفال فقدوا ذويهم أمام أعينهم، وبعضهم انتشل أشلاء أصدقائه أو أفراد عائلته بيديه، وهي تجارب تفوق قدرة أي طفل على الاحتمال.
في حديثه لـ«عُمان» الدكتور سامر سليمان الله، أخصائي الطب النفسي للأطفال في غزة، أوضح أن «أطفال القطاع يعانون من أزمات نفسية مركبة؛ بسبب تكرار دورات العنف والحرمان المستمر».
وأضاف: «المشاهد اليومية من القصف، فقدان الأحبة، والعيش في بيئة غير آمنة تؤدي إلى تشكل صدمات نفسية شديدة تجعل من المستحيل تقريبًا أن يعيش هؤلاء الأطفال طفولة طبيعية».
وأوضح أن بعض الأطفال الذين كانوا يحلمون بمهن مستقبلية أصبحوا اليوم يعانون من اضطرابات في النوم، فقدان الشهية، وكوابيس مستمرة تلاحقهم كل ليلة. «طفل في السابعة من عمره أخبرني أنه لم يعد يحلم بأن يصبح طبيبًا أو مهندسًا، بل يريد فقط أن يعيش ليوم آخر دون أن يُقتل»، قال الدكتور سامر بحزن. وأشار أيضًا إلى أن مظاهر العيد التي كانت توفر مساحة للفرح واللعب قد اختفت تمامًا، ما زاد من شعور الأطفال بالعزلة واليأس: «الأعياد كانت تمثل محطة استراحة نفسية لهم، لكن مع غياب الحلوى، الملابس الجديدة، والألعاب، أصبح العيد يومًا عاديًا لا يختلف عن بقية أيام الحرب والدمار».
من جانبه، قال الدكتور محمود الجمل، أستاذ علم النفس الاجتماعي، إن الأطفال الذين نشأوا وسط الحروب عادةً ما يعانون من انعدام الإحساس بالأمان، مما يؤدي إلى ظهور اضطرابات مثل العنف الداخلي أو العزلة الاجتماعية.
وأوضح، لـ«عُمان»: «حين يفقد الطفل عائلته أو منزله أو حتى لعبته الوحيدة، فإنه يفقد جزءًا من ذاته. فما بالك بأطفال لملموا أشلاء عوائلهم وأقرانهم. هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى دعم نفسي مكثف وطويل الأمد حتى يستطيعوا إعادة بناء حياتهم العاطفية والنفسية».
العيد بلا عيد
وتابع بنبرة تنم عن الأسى: «في غزة، لم يكن هناك عيد للأطفال هذا العام. اختفت أراجيح المتنزهات تحت ركام القصف، وغابت الحلوى عن الموائد، وخلت الجيوب من العيديات. كانت الأعياد دومًا محطة فرح للأطفال، لكن هذه المحطة تحولت إلى ساحة من الحزن والخذلان». الطفل أحمد، الذي بدأنا تقريرنا بقصته، عاد إلى خيمته بعد جولة البحث عن فرحة العيد، جلس قرب والدته، وهمس بصوت يملأه الحزن: «ماما، متى سيعود العيد علينا مثل بقية الخلق؟». لكن في غزة، لا أحد يملك إجابة لهذا السؤال.