عربي21:
2025-02-08@23:14:30 GMT

تفاعل فتح مع الحرب على غزة

تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT

أين دور «فتح» في المعركة الدائرة الآن؟ واحد من أصعب الأسئلة وأكثرها قسوة.. ولن تفلح إزاءه أي إجابة تبريرية، مهما كانت بلاغتها. ما تراه الجماهير غياب لـ»فتح» عن المشهد لا يقل غموضاً عن غياب السلطة. غياب لا يليق بمكانة «فتح» في الضمير الفلسطيني، ولا يتوافق مع إرثها النضالي، ولا مع دماء شهدائها وتضحيات أسراها، ولا مع توجهات قادتها التاريخيين، ولا مع نهج ياسر عرفات.

.
غياب غير مفهوم وغير مبرر.. حتى على مستوى بيان من اللجنة المركزية! أو أن يخرج قادتها يلوحون بقبضات غاضبة، ويدعون للنفير العام، كما كان يحدث دائماً!

«فتح» التي فجّرت الثورة الفلسطينية المسلحة، وقادت انتفاضتين شعبيتين كبيرتين، ولم تغب عن ساحات النضال يوماً، نراها اليوم على هامش الحدث!

هذا الغياب يعود بدرجة كبيرة إلى ترهل الحركة، وضعف الإرادة الحقيقية لتجديد شبابها، وإخراج عنفوانها الثوري؛ بسبب تحكم مجموعة معينة في قراراتها وتوجهاتها.

لم يكن مطلوباً من «فتح» إعلان الحرب على إسرائيل (الحرب بمفهومها العسكري، المختلف كلياً عن مفهوم المقاومة)؛ ذلك لأن الكفاح المسلح وصل طريقه المسدود منذ زمن طويل، بعد أن استنفد أغراضه وحقق غاياته الكبرى، وهي تفجير الثورة، وإعادة القضية إلى أصحابها، والتحرر من الوصاية والتبعية والاحتواء، وبلورة الكيانية الوطنية، وتثبيت الهوية السياسية للشعب الفلسطيني، وفرضها على أجندة العالم.. وتلك الأهداف السياسية أُنجزت. وبعد الخروج من بيروت صار واجباً على القيادة تبني أشكال جديدة من الثورة، عبرت عنها بداية الانتفاضة الشعبية الأولى (مقاومة سلمية)، مع الإبقاء على العمليات العسكرية المسلحة بأشكال محددة، وظيفتها إشغال العدو، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة كلما حاول العالم تناسيها، والإبقاء على جذوة الكفاح متقدة، وتمريرها للأجيال الطالعة.

ومع قيام السلطة الوطنية ارتكبت «فتح» خطأين: الأول، إهمال منظمة التحرير وتهميش دورها، وجعلها ملحقة بالسلطة. والثاني، الالتحام بمشروع السلطة ظناً منها أنها ستوصل إلى الدولة المستقلة، الأمر الذي اقتضى التركيز على متطلبات البناء والتأسيس لهذه الدولة، وبالتالي الابتعاد شيئاً فشيئاً عن نهج المقاومة.. إلى أن وصل هذا النهج إلى نهايته، فانطلقت انتفاضة الأقصى (مواجهات عسكرية مباشرة مع الاحتلال)، وللأسف انتهت الانتفاضة بانتكاسة سياسية وخسائر فادحة مادياً ومعنوياً.. وبرحيل ياسر عرفات واصلت قيادة السلطة و»فتح» ابتعادها عن المقاومة المسلحة، ومع تركيزها واعتمادها على المقاومة الشعبية السلمية، والتي لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب القادر على إحداث التغيير.

وبعد فترة من السكون والجمود وانغلاق الأفق السياسي، بدأت «كتائب شهداء الأقصى» تعود من جديد، ولكن بشكل أضعف من السابق، وظهرت تشكيلات مسلحة أخرى، مثل «عرين الأسود» و»كتيبة جنين»، وغيرهما والتي تلقت دعماً وحضوراً مباشراً من مقاتلين وقيادات ميدانية «فتحاوية».. لكن القيادة السياسية ظلت معزولة عن هذه التغييرات، والتي تمثلت أيضاً بالعمليات الفدائية الفردية، وظهور جيل جديد من الشبان الثائرين.

لكن هذه التجربة واجهت صعوبات وتحديات كبيرة، بسبب قلة خبرتها، وقلة تدريبها، ولأسباب موضوعية أخرى فتمكنت إسرائيل من قمعها ومحاصرتها، واغتيال العديد من قياداتها.  
وهناك الكثير مما يمكن قوله عن أهداف التصعيد في الضفة تحديداً (قبل الحرب)، وعن دور إيران وعلاقتها بـ»الجهاد» و»حماس»، لكن ليس هنا، ولا في هذا التوقيت، بيد أن ذلك ترك أثراً سلبياً على موقف وتفاعل السلطة مع الحرب العدوانية على غزة.

وللتوضيح، بعبارات أخرى: كانت «فتح» وقواعدها التنظيمية وعموم الضفة الغربية بجماهيرها وقواها وفصائلها تتبنى نهجاً معيناً من المقاومة: مقاومة شعبية سلمية مسنودة ومترافقة مع عمليات عسكرية محددة ضد أهداف معينة، وهذا النهج متوافق مع إمكانيات الشعب وقدرات المقاومة، ومع الظروف الموضوعية المحيطة، ويجعله قادراً على تحمل الأثمان وردّات الفعل الإسرائيلية، ولهذا النهج القدرة على الاستمرار والتواصل واستنزاف العدو خاصة سياسياً وإعلامياً، والأهم أنه يدعم صمود الناس فوق أرضهم، ولا يستدعي قيام جبهة دولية مضادة، ومساندة لإسرائيل.. وقد استمر هذا النهج طوال العقدين المنصرمَين. وبالتأكيد لدى الجميع ملاحظاته وانتقاداته، وضرورة تطويره وتصعيده.. والبعض يعتقد أن نهج المقاومة الوحيد هو الكفاح المسلح.
وما حدث يوم «7 أكتوبر» فاجأ الجميع، فاجأ «فتح» والفصائل، كما فاجأ المكتب السياسي لـ»حماس».. فهذا الهجوم الواسع والمسلح كان الأول من نوعه لـ»حماس»، ويختلف حتى مع نهجها السابق: العمليات التفجيرية والصواريخ (تخلت عن العمليات التفجيرية منذ 2004، وأبقت على الصواريخ)، وهذا التحول الكبير أحدثته «كتائب القسام»، وقد بدأ تحديداً في العام 2021، بعد عملية «سيف القدس»، بحسب ما أوضح العاروري و»أبو عبيدة»، وظل سرياً حتى على قيادات «حماس»، وحلفائها.

ومن غير المتوقع أن يغير الجميع إستراتيجيتهم بين ليلة وضحاها، أي بالاتجاه الذي فرضته «القسام»، خاصة مع الشكوك بجدوى وصوابية إعلان الحرب، نظراً لتكلفتها الباهظة التي تفوق كثيراً طاقة الشعب، ولأنها تستنزف قدراته، والأهم لأنها تُفقد المقاومة قدرتها على الاستمرار والتواصل، وقد تمنح العدو نصراً عسكرياً يمكّنه من تنفيذ مخططاته المبيّتة، وتحديداً التهجير.

وقد تعاملت «حماس» مع الحرب وكأنها معركة التحرير الأخيرة والحاسمة (وهذا سابق لأوانه بكثير)، فزجت بكامل قوتها، وأرادت أن يلتحق بها الجميع وأن تُزج كامل القوة الفلسطينية دفعة واحدة لحسم الحرب، وهذا فوق طاقته، ويعني حرق المراكب، بمقامرة كبرى غير مضمونة.. فإعلان الحرب مختلف كلياً عن نهج المقاومة، بأدواتها وأساليبها ووقودها.  
وهذا التضارب في إستراتيجيات المقاومة بين غزة والضفة سببه عدم تبني إستراتيجية كفاح وطني شاملة، متفق عليها، وغياب للتخطيط الإستراتيجي، فحلَّ التنافس الحزبي بدلاً من تكامل الأدوار، وصار الانقسام، الذي أضعف الجميع.

وكل ما سبق لا يعفي «فتح» من مسؤولياتها الوطنية، وما تفعله حتى اللحظة لا يرقى إلى حجم الحدث، ومن المؤكد أن قواعد «فتح» التنظيمية وجماهيرها وأنصارها ساخطون، وغير راضين عمّا يحدث، وستكون لذلك تداعيات كبيرة في المستقبل. فهم يدفعون ثمن تكلّس «فتح»، وترهّل وضعف قياداتها.. وهذا انعكس سلباً على تفاعل الجماهير في الضفة مع الحرب.

رغم أن الضفة لم تكن مستكينة، فمنذ بداية العام الحالي وحتى بداية الحرب قدمت 210 شهداء، ومن بعد اندلاعها قدمت (حتى الآن) أزيد من 200 شهيد، وآلاف الجرحى والمعتقلين، بالإضافة لخروج المسيرات الحاشدة في المدن والبلدات كافة وبشكل يومي، ولسان حالها يقول: هذا ليس مجرد تضامن مع غزة، وإدانة للمذابح، بل تعبير عن أنَّ الشعب الفلسطيني في خندق واحد، وفي معركة واحدة، والكل مستهدف.
(الأيام الفلسطينية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فتح غزة غزة فتح طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع الحرب

إقرأ أيضاً:

رسائل حركة حماس خلال عمليات تسليم الأسرى!

أثبتت "حماس" وعيها لأهمية وخطورة الإعلام، واستيعابها لما عجزت عن استيعابه بعض من تصدروا الحكم في المنطقة العربية! وأكدت الرسائل التي سطرتها الحركة خلال عمليات التسليم المتتالية فهمها لدور الإعلام في توجيه دفة الرأي العام الفلسطيني في المقام الأول والعربي والدولي من خلفه، واستفادت "المقاومة" من تتابع عمليات التسليم للأسرى في دفعات متتالية وليس في دفعة واحدة، مما سمح لها بتسطير بعض الرسائل التي لم تكن لتستطيع بثها لو تم التسليم في دفعة واحدة ورُب ضارة نافعة!

وأظهرت التجهيزات التي صاحبت محطات التسليم للقدرات الفنية والتقنية التي حازتها الحركة من أجل عملية الإخراج الفني والسياسي للمشاهد المصاحبة للتسليم من عمليات التنظيم التي اتسمت بالدقة العالية، بالإضافة لتجهيزات المنصات والكاميرات والمصورين واللافتات التي صيغت باحترافية شديدة، وهذا ما شهدت به القناة 12 الإسرائيلية قائلة: لقد برهنت "حماس" على نجاح إرادتها في إرسال الرسائل من خلال تنوع أماكن التسليم في عدة مواضع بالقطاع بميناء غزة وخان يونس وأمام منزل زعيمها "يحيى السنوار" وميدان فلسطين.. إلخ، وظهر اختيار مواضع التسليم المختلفة بعناية فائقة كرسالة على قدرتها في إدارة المشهد في كافة جنبات القطاع، وتكذيبها للتقارير الإسرائيلية السابقة عن خسارة حماس سيطرتها على بعض مناطق غزة والقول بنجاح الجيش الإسرائيلي في هدم البنية التحتية للمقاومة..

وثمّة مجموعة من الرسائل الذكية التي استطاعت المقاومة بثها عبر عمليات التسليم المختلفة أكدت قدرتها على إدارة القطاع منذ اليوم الأول لدخول الهدنة حيز التنفيذ، وظهور رجالها بكامل عتادهم وزيهم الرسمي المُبهج بجانب رجال الشرطة الفلسطينية ممن عادوا إلى إدارة عملهم في حفظ الأمن بالقطاع، ولذلك الظهور رسائله المعروفة والواضحة والتي أرادت الحركة إيصالها لعدة أطراف منها:

1- التأكيد على فشل العدو الصهيوني في تحقيق أهم أهدافه -إزاحة حماس عن الحكم- والتي حملته على خوض غمار تلك المعركة الطويلة لمدة 15 شهرا، وتَحمّله الخسائر الأكبر في تاريخ دولة الإحتلال من حيث جنوده وعتاده واقتصاده، ليخرج بعدها هائما على وجهه لا يلوي على شيء! لولا استماتة المتطرفين في حكومة اليمين ومطالبتهم باستمرار الحرب، على الرغم من دعمهم لعدم تجنيد الحريديم -المتدينين اليهود- ممن يمثلون القاعدة الانتخابية لأمثالهم من المتطرفين.

2- صفعة للمجتمع الدولي الذي يكيل بمكالين دوما وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية التي وقفت بكامل قدراتها ومواردها خلف الاحتلال، من أجل قمع الشعب الفلسطيني التواق لحريته منذ ما يزيد على 75 عاما، والحيلولة دون الهزيمة المُدوية للصهيونية التي تنضوي تحتها غالبية الأنظمة الغربية بل وبعض الأنظمة العربية في منطقة الشرق الأوسط! بالإضافة للحماية المباشرة للمصالح الأمريكية متمثلة في الوكيل الحصري لها دولة الاحتلال.

3- صفعة على وجه كل من راهن على هزيمة المقاومة والممانعة من الشعوب من رعاة التطبيع في الغرب والشرق سواء كانوا حكومات أو مؤسسات أو حتى أفراد، والصفعة كذلك على وجه المراهنين على ما يعرف بصفقة القرن التي باتت في العراء منذ انطلاق الطوفان في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

4- لطمة ساخنة على وجه السلطة الفلسطينية وزعيمها الذي راهن على هزيمة المقاومة وانحسار المد البطولي للشعب الفلسطيني وإعلانه الاستعداد لإدارة القطاع بعد القضاء على المقاومة داخل غزة، أو فيما يعرف في اليوم التالي للحرب على القطاع بعد القضاء على حماس! والآن قد توارى ذكره إلا ما تفرضه علينا بعض الشاشات العربية التي لا تستحي من إقحامه دون أدنى حد من الخجل، لا سيما وجحافل العدو الصهيوني تصول وتجول في أحياء الضفة الغربية بل وفي مدينة البيرة، مقر إدارة "عباس"، دون أن تنبس السلطة ببنت شفة!

5- تكريم الشهداء بحمل صورهم على اللافتات والبنرات والملصقات لتتناولها كاميرات المصورين، وليعلم العالم كله مدى امتنان المقاومة لرجالها في وسط حالة من الحميمية التي يبديها الشعب الفلسطيني الذي يحيط بأعضاء المقاومة، بل ويسعى لالتقاط الصور معهم وتقبيل رؤوسهم وكأنها شهادة يردون بها على طوفان الأكاذيب التي حاولت دق الأسافين خلال التغطيات الإعلامية المغرضة في بعض المحطات الفضائية.

ختاما..

لا شك أن المقاومة تحمّلت ومعها حاضنتها الشعبية ما لا يتخيله عقل، وكان لها من الفضل الكبير ببركة الصمود الأسطوري للأبطال من الرجال والنساء بل والأطفال من أبناء غزة في إفشال مخططات الصهيونية العالمية مدعومة بجيوش وأجهزة استخبارات دولية، من أجل ترسيخ التبعية والدونية في نفوس الشعوب التي شاءت إرادة الله أن تسكن في هذه البقعة من العالم، حتى تحملها على الانصياع لرغبة السيد الأوروبي في استنزاف ثرواتها وفي نهب خيراتها وفي التخلي عن ثوابتها، وفي الرضى بمن يوليهم أمور بلادنا من الدمى التي يفرضها قسرا لتتولى أمر بعض أقطارنا، وجاء طوفان الأقصى برسائله الذكية ليصيب تلك القوى بالإحباط وليعيد البوصلة إلى مسارها الصحيح.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" صدق الله العظيم.

مقالات مشابهة

  • عبد اللطيف المناوي: إصلاح السلطة الفلسطينية ضروري وهذا لايعني التنازل
  • المعارضة الإسرائيلية عن وفد نتنياهو إلى الدوحة: غير مخول وهذا رد حماس
  • حماس تفرج عن ثلاثة من اسرى الاحتلال الإسرائيلي
  • "حماس" تعلق على مشهد تسليم الأسرى.. ومكتب نتنياهو: لن يمر مرور الكرام
  • حماس تصدر بياناً عقب الإفراج عن أسرى إسرائيل
  • حماس تعلق على مشهد تسليم الأسرى.. ومكتب نتنياهو: لن يمر مرور الكرام.. عاجل
  • صراع وجود.. لا حدود
  • طوفان الأقصى نصرٌ أم هزيمة؟
  • لماذا اشتعل جدل النصر والهزيمة بعد وقف إطلاق النار في غزة؟
  • رسائل حركة حماس خلال عمليات تسليم الأسرى!