ف.بوليسي: الفرص الضائعة مع حماس وراء طوفان الأقصى.. وتفكيكها لا يبدو ناجحا
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
سلط رئيس مجلس إدارة شبكة السياسات الفلسطينية، طارق بقعوني، الضوء على عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ومستهدفات الحركة منها، وما يدور في عقل قادتها، مشيرا إلى أنه من السابق لأوانه تحديد الكيفية التي قد تشكل بها العملية المسار المستقبلي للنضال من أجل تحرير فلسطين.
وذكر بقعوني، في تحليل نشره بموقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة والخسائر المروعة في أرواح المدنيين يشكل ضربة مؤلمة للفلسطينيين، تذكر بنكبة عام 1948، لكنها، في الوقت نفسه، تحطم الوهم المتمثل في إمكانية تنحية القضية الفلسطينية جانباً مع استمرار الفصل العنصري الإسرائيلي، إذ عادت قضية فلسطين إلى قمة جدول الأعمال العالمي، مع إدراك متزايد لضرورة معالجتها.
وأضاف أن نفوذ حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ظل مقتصراً، منذ عام 2007، على قطاع غزة، حيث تم احتواء الحركة فعلياً من خلال استخدام الحصار المحكم الذي أدى إلى سجن جماعي لفلسطينيي القطاع الذين يبلغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
وفي عملية الاحتواء هذه ظلت حماس عالقة في عملية لـ "توازن العنف"، حيث برزت القوة العسكرية كوسيلة للتفاوض على التنازلات بين الحركة وإسرائيل، بحسب بقعوني، فالأولى تستخدم الصواريخ وغيرها من التكتيكات لإجبار إسرائيل على تخفيف القيود المفروضة على الحصار، في حين ترد الأخيرة بقوة ساحقة لبناء الردع وتأمين "الهدوء" في المناطق المحيطة بقطاع غزة.
ومن خلال هذا العنف، عمل كلا الطرفين ضمن إطار يمكن من خلاله لحماس الحفاظ على دورها كسلطة حاكمة في غزة حتى في ظل الحصار الذي يشرع العنف الهيكلي اليومي ضد الفلسطينيين.
وابتداءً من عام 2018، بدأت حماس بتجربة وسائل مختلفة لتغيير هذا التوازن، أحدها كان من خلال قرارها بالسماح بتنظيم احتجاجات شعبية ضد الهيمنة الإسرائيلية. وكانت مسيرة العودة الكبرى في عام 2018 واحدة من أكثر الأمثلة شمولاً على التعبئة الشعبية الفلسطينية.
وجرى تحول آخر في التوازن بعد بضع سنوات، وتحديدا في عام 2021، عندما استخدمت حماس ترسانتها العسكرية للرد على العدوان الإسرائيلي في القدس.
وتظهر هذه الأمثلة الجهود التي تبذلها حماس للاستمرار في الهجوم وتوسيع مقاومتها لتشمل مطالب تتجاوز رفع الحصار.
ويعني مثل هذا التموضع هدفاً يتمثل في العمل كقوة عسكرية للدفاع عن الفلسطينيين ضد العنف الاستعماري الإسرائيلي خارج قطاع غزة.
تحول استراتيجي
وكان أساس هذه التكتيكات هو التحول الاستراتيجي الواضح من جانب حماس للانتقال من الإذعان لاحتوائها إلى تحدي أكثر وضوحا للهيمنة الإسرائيلية، وبالتالي قلب التوازن الذي أصبح راسخا على مدى 16 عاما.
ويتماشى هذا التحول مع التطور التاريخي لحماس كحركة اعتمدت على المقاومة المسلحة وغير المسلحة، في فترات مد وجزر، لتحدي الاحتلال الإسرائيلي والضغط من أجل المطالب الأساسية للنضال الفلسطيني، بما في ذلك حق العودة، الذي مثل اللافتة المركزية في احتجاجات 2018.
ويرى بقعوني أن التحول الأخير إلى العنف الشامل يتماشى أيضًا مع فهم حماس لدور المقاومة المسلحة كتكتيك تفاوضي، وهو التكتيك الذي اعتمدت عليه الحركة تاريخيًا لإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات.
ووصف بعض المحللين هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول بأنه انتحاري، بالنظر إلى عدد القتلى الذي أدى إليه بين الفلسطينيين، وسواء كانت أيا من هذه التوصيفات دقيقة أم لا، فإن ذلك يعتمد على تحليل الخيارات المتاحة أمام الحركة، بحسب بقعوني.
وأضاف: "ليس هناك شك في أن الهجوم نفسه كان بمثابة قطيعة حاسمة، وتتويجا لجميع التغييرات التي كانت الحركة تجربها"، مشيرا إلى أن التحول الاستراتيجي لحماس استلزم الانتقال من الاستخدام المحدود لإطلاق الصواريخ للتفاوض مع إسرائيل إلى هجوم عسكري شامل يهدف إلى تعطيل احتوائها، وتقويض افتراض إسرائيل بأنها قادرة على الحفاظ على نظام الفصل العنصري.
ومن منظور عسكري استراتيجي بحت، يرى بقعوني أن الخيار الوحيد قبل "طوفان الأقصى"، بخلاف استخدام القوة المتاحة لحماس، كان هو بقاء الحركة مقيدة في إطار الحصار، بينما يقوم المستوطنون الإسرائيليون بتوسيع أعمال العنف الهائجة في الضفة الغربية، وهو ما حصلت إسرائيل على "مكافأة" عنه، عبر برامج الإعفاء من التأشيرات الأمريكية واتفاقيات التطبيع الإقليمية.
وفي ظل هذا المناخ، كانت الخيارات المتاحة أمام حماس هي الإذعان للافتراض المستمر بأن الفلسطينيين قد هُزِموا فعليًا وعليهم يظلوا محاصرين ومختنقين داخل "البانتوستانات" المختلفة الخاصة بهم، وهي قطع من الأراضي غير المتجاورة تشبه "أوطان" جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري والتي كانت تحمل الاسم نفسه. وكان الاختيار، من منظور حماس، بين الموت البطيء، كما يقول الكثيرون في غزة، وبين تعطيل المعادلة برمتها بشكل أساسي.
اقرأ أيضاً
نتنياهو يهدد قادة حماس: أوعزت للموساد باستهدافهم أينما كانوا
ويؤكد بقعوني أن تضييق الخناق على حماس، وعموم الفلسطينيين، جعل الهجوم العسكري القوي خيارا مفضلا للحركة.
ويشير رئيس مجلس إدارة شبكة السياسات الفلسطينية إلى إهدار فرص كثيرة للتعامل الدبلوماسي والسياسي مع حماس، حتى قبل احتوائها، وتحديداً منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فقد أذعنت الحركة، بحكم الأمر الواقع، بين عامي 2005 و2007، لبرنامج سياسي، كان من الممكن أن يؤدي، إذا تم استغلاله بشكل صحيح، إلى إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وتفكيك الاحتلال، وكان هذا هو الموقف الذي طرحته الحركة كجزء من فوزها في الانتخابات عام 2006 ودخولها اللاحق إلى السلطة الفلسطينية.
وفي وقت لاحق، جرى إضفاء الطابع الرسمي على هذا الموقف عام 2017 في ميثاق الحركة المعدل، والذي دعا إلى إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967، دون تقديم اعتراف رسمي بدولة إسرائيل.
سلطة حماس
إن الرفض الإسرائيلي والأمريكي للانخراط في أي من التنازلات السياسية التي قدمتها الحركة منذ ذلك الحين، في حين مُنحت إسرائيل باستمرار تصريحًا مجانيًا لمواصلة احتلالها العنيف واستعمارها المستمر للأراضي الفلسطينية، قوض أي ثقة قد تكون لدى حماس فيما يتعلق باهتمام المجتمع الدولي بفلسطين وبمحاسبة إسرائيل أو تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم على جزء من فلسطين التاريخية.
وهنا يلفت بقعوني إلى أن كثيرون كتبوا عن "الفرص الضائعة" في التعامل مع حماس دبلوماسياً منذ الأحداث التي أعقبت الانتخابات الديمقراطية للحركة في عام 2006، إذ رفضت الولايات المتحدة وإسرائيل التعامل مع البرنامج السياسي للحركة، وفضلتا متابعة تغيير النظام الفلسطيني والتعامل مع حماس عسكريًا.
ومنذ ذلك الحين، مكنت إسرائيل حماس من الوجود كسلطة حاكمة، بينما قامت في الوقت نفسه بتشويه الحركة باعتبارها منظمة إرهابية، وهي المفارقة التي مكنت الدولة العبرية من تبرير العقاب الجماعي عبر الحصار المفروض على قطاع غزة.
وكانت هذه الاستراتيجية هي المختارة بوضوح من جانب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في عهد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي تحدث علناً عن الفوائد التي تعود على إسرائيل من اتباع "سياسة الفصل" بين الضفة الغربية وقطاع غزة كوسيلة لتقويض احتمالات إقامة الدولة الفلسطينية.
وفي غياب أي آفاق دبلوماسية حقيقية لحماس، كانت خياراتها إما الخنق البطيء باعتبارها السلطة الحاكمة في قطاع غزة، في حين أصبحت إسرائيل متحابة مع الأنظمة العربية التي تخلت تقريباً عن القضية الفلسطينية، أو توجيه ضربة حاسمة يمكن أن تعطل بشكل أساسي الافتراض بأن الفلسطينيين مهزومون وخاضعون وأن إسرائيل قادرة على الحفاظ على نظام الفصل العنصري دون أي تكلفة.
ويرى بقعوني أن اختيار حماس للخيار الأخير يشير إلى أنها تتصرف بشكل استراتيجي وتظل ملتزمة بالاعتقاد بأنها تلعب لعبة طويلة الأمد، ومن هذا المنطق، فحتى لو تم تدمير الجناح العسكري لحماس بالكامل، فقد حققت الحركة بالفعل انتصارًا في الكشف عن ضعف وهشاشة الجيش الإسرائيلي، وهو ما يمكن استغلاله في المستقبل من خلال "حماس المعاد تشكيلها" أو من خلال تشكيل عسكري آخر.
ويعني هذا الإيمان باللعبة طويلة المدى أنه بغض النظر عما يحدث في المستقبل على المدى القصير والمتوسط، وحتى مع الخسارة المروعة في أرواح المدنيين في غزة، فإن حماس لم تعطل بنية احتوائها فحسب، بل عطلت الفكرة القائلة بأن الفلسطينيين لا يستطيعون القتال، وأنه يمكن عزلهم في "البانتوستانات" ونسيانهم دون أن يتكبد الإسرائيليون أي تكلفة.
وبغض النظر عن الكيفية التي تتوالى بها المعارك ضد حماس في غزة الآن، فإن الحركة تستطيع بالفعل أن تزعم أنها خرجت منتصرة على المدى الطويل لأنها حطمت بشكل لا رجعة فيه الشعور الزائف بالأمن لدى الإسرائيليين، حسبما يرى بقعوني.
ولكن حتى في المعركة المباشرة، التي تدور رحاها في غزة الآن، فإن احتمالات انتصار إسرائيل ضئيلة. وكما هو الحال في أي صراع عسكري غير متناظر، فإن مقاتلي حرب العصابات ينتصرون عندما لا ينهزمون، في حين تخسر الدولة القوية عندما لا تحقق أهدافها الشاملة.
وهنا يشير بقعوني إلى أن الهدف الإسرائيلي المعلن من العدوان على غزة، والمتمثل في القضاء على حماس، "غامض بقدر ما هو غير قابل للتحقيق" لسبب واحد، وهو أن الحركة أكبر بكثير من جناحها العسكري.
فحماس حركة ذات بنية تحتية اجتماعية واسعة، ومرتبطة بالعديد من الفلسطينيين الذين لا ينتمون إلى البرامج السياسية أو العسكرية للحركة.
كما أن حماس في جوهرها حركة إسلامية لها جذورها في الفروع الإقليمية لجماعة الإخوان المسلمين، وتتصل بالبنية التحتية للرعاية الصحية والمرافق التعليمية والجمعيات الخيرية.
وإذا كان الزعماء الغربيون والإسرائيليون يدعون، من خلال القضاء على حماس، إلى قتل أي فلسطيني يعتنق أي شكل من أشكال الإيديولوجية الإسلامية، "فهذا لا يقل عن دعوة لإبادة الشعب الفلسطيني، ولابد وأن نفهم الأمر على هذا النحو"، بحسب بقعوني.
ومع ذلك، فإذا كان الهدف هو تدمير البنية التحتية العسكرية للحركة، فمن المرجح أن يفشل هذا الهدف أيضا، لأن تفكك الجناح العسكري لحماس من شأنه أن يمهد الطريق لظهور أشكال أخرى من المقاومة المنظمة، سواء داخل النسق الأيديولوجي لحماس أو غيره، والتي تلتزم على نحو مماثل باستخدام القوة المسلحة ضد إسرائيل.
وهناك سبب آخر يدعم حسابات حماس، وهو تناقضها تجاه الحكم، فقد كانت الحركة مقيدة بدورها كسلطة حاكمة في قطاع غزة، وعندما ترشحت للانتخابات عام 2006، كان هناك درجة كبيرة من الصراع التنظيمي حول تولي دور حاكم أو حتى المشاركة في السلطة الفلسطينية.
وقد أوضح قادة حماس أنه بدلاً من قبول القيود المفروضة على الحكم في ظل الاحتلال، كما فعلت حركة فتح من خلال اتفاقيات أوسلو، فإن الحركة تعتزم استخدام فوزها الانتخابي لإحداث ثورة في المؤسسة السياسية الفلسطينية.
وأكدت حماس بالفعل قدرتها على القيام بذلك، إذ ردت إسرائيل على الانتفاضة الثانية، بتدمير الجسم السياسي الفلسطيني، وجعلت السلطة الفلسطينية واتفاقات أوسلو "بالية عفا عليها الزمن"، حسب توصيف بقعوني.
اقرأ أيضاً
الجارديان: شبان أمريكيون وغربيون يقبلون على مدارسة القرآن بعد انبهارهم بصمود أهل غزة
وتحدثت حماس عن الحاجة إلى بناء مجتمع مقاومة، واقتصاد مقاومة، وأيديولوجية مقاومة، من خلال جسم السلطة الفلسطينية نفسه، واستخدام هذا الجسم كنقطة انطلاق إلى منظمة التحرير الفلسطينية، حيث يمكن أن تضع، إلى جانب الفصائل الفلسطينية الأخرى، رؤية لتحرير فلسطين، وتمثيل الفلسطينيين برمتهم، خارج المناطق المحتلة.
ويعني ذلك أن مقصود حماس من فوزها في الانتخابات كان "ثورياً" تجاه الوضع الفلسطيني القائم، وليس قائما على قبوله.
ومع عدم وجود آفاق حقيقية لإقامة دولة فلسطينية، أدركت حماس أن التركيز على الحكم والإدارة يعني تجميل "بانتوستان" داخل نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وعدم وجود أي احتمال حقيقي للتحرير أو السيادة، بما يعني أن الطريق الوحيد للمضي قدمًا هو تحسين نوعية الحياة مع بقائها خاضعة للاحتلال، وهو نموذج السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وكان من الممكن أن يكون نسخة أكثر تطرفًا من ذلك في قطاع غزة.
ومع الانقلاب الناجح ضد حماس، المدعوم من الغرب، والذي بدأ بعد وقت قصير من فوز حماس في الانتخابات، بدا لبعض الوقت وكأن حكم الحركة في غزة نجح في تهدئتها إلى الحد الذي أدى إلى ضياع مُثُلها الثورية.
وتشير فترة الاحتواء الطويلة إلى أن الحركة ربما أصبحت أسيرة نجاحها الانتخابي ومقيدة بمسؤولياتها في الحكم، أو بعبارة أخرى: أصبحت "سلمية"، لكن "طوفان الأقصى" أظهر بوضوح أن الحركة كانت تستخدم هذا الوقت لإحداث ثورة في الجسم السياسي الفلسطيني.
اليوم التالي
وهنا يلفت بقعوني إلى أن تقديره لا يعني أن التحول الاستراتيجي لحماس سيظل ناجحاً على المدى الطويل بالضرورة، إذ ربما كان التعطيل العنيف للوضع الراهن من جانب حماس قد أتاح لإسرائيل الفرصة لتنفيذ نكبة أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حريق إقليمي أو توجيه ضربة للفلسطينيين قد يستغرق التعافي منها جيلاً كاملاً.
لكن الأمر المؤكد، بحسب بقعوني، هو أنه لا عودة إلى ما كان عليه من قبل، وهذا هو ما يستعد له القادة والدبلوماسيون الإسرائيليون والأمريكيون وغيرهم من الدول الغربية. فقد تحولت المناقشة بالفعل إلى اليوم التالي للحرب في غزة، حتى في ظل عدم إضفاء الطابع الرسمي على وقف إطلاق النار.
وتشير جميع المؤشرات إلى قرار أمريكي إسرائيلي بمحاولة تكرار النموذج الناجح، من وجهة نظرهم، للحكم الفلسطيني التعاوني الموجود في الضفة الغربية بقطاع غزة، وذلك عبر إعادة اتباع إسرائيل والولايات المتحدة لنهج قديم يتمثل في اختيار "قادة مطيعين" يمكنهم تنفيذ أوامرهم وإخضاع الفلسطينيين تحت الهيمنة الإسرائيلية، وذلك تحت شعار توحيد الأراضي الفلسطينية.
لكن هذا الهدف سيواجه الواقع التاريخي في غزة باعتبارها معقلا لمقاومة الفصل العنصري الإسرائيلي، نظرا لأن غالبية سكان غزة هم من اللاجئين الذين يسعون إلى العودة إلى ديارهم في ما يعرف الآن بإسرائيل.
ولذا فإن تسهيل تنصيب السلطة التي تختارها إسرائيل والولايات المتحدة لا يتطلب أقل من تدمير غزة وقتل سكانها، وهي السياسة التي تتكشف الآن، بحسب بقعوني.
وبصرف النظر عن الآثار الأخلاقية والقانونية لذلك، ثمة آثار عملية، إذ من الصعب أن نتصور أي زعيم فلسطيني أو هيكل حكم فلسطيني يتولى المسؤولية عن قطاع غزة بعد أن تدمره إسرائيل، حيث سيُنظر إليهم على أنهم "مرسلين على ظهور الدبابات الإسرائيلية". وسيحظى مثل هؤلاء القادة بشرعية أقل من تلك التي تتمتع بها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية اليوم، وهو أمر يصعب تصوره، حسب تقدير بقعوني.
ويشير رئيس مجلس إدارة شبكة السياسات الفلسطينية إلى أن هذا النهج "قد يشتري بعض الوقت"، وقد يؤدي إلى ما يشبه درجة من الاستقرار، ولكن إذا ثمة استخلاص لأي درس من السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فهو أن "هذا لن يكون مستداماً" حسب تعبيره.
فأي كيان حاكم يتم اختياره لن يتمكن من ضمان الأمن لأي إسرائيلي ما دام الفصل العنصري قائما، وأي حكومة فلسطينية يتم تنصيبها في غزة سيُنظر إليها بحق على أنها غير شرعية.
ولذا يرى بقعوني أنه مهما كانت خطة "اليوم التالي" للحرب في غزة، فإنها ستفشل ما لم تترافق مع محاسبة إسرائيل وتفكيك نظام الفصل العنصري، وسيكون من الواضح لجميع الفلسطينيين أنها مجرد حل آخر للبانتوستان، مغطى بغطاء إنساني أو التزام متجدد بحل الدولتين.
وبهذا المعنى، فقد وجهت حماس ضربة قاتلة لخيال إسرائيل المتمثل في قدرتها على مواصلة احتلالها وحصارها إلى أجل غير مسمى، ومع ذلك فمن غير الواضح ما إذا كان القادة السياسيون الإسرائيليون قد تمكنوا من الانتباه إلى هذا الدرس، بحسب بقعوني، مشيرا إلى أنه "مهما كان القادم، وأيًا كانت كيفية صياغة إرث حماس، فمن الواضح أن الحركة هي التي فجرت الوهم الذي تمسك به إسرائيل وحلفاؤها لفترة طويلة جدًا".
اقرأ أيضاً
بن غفير: إسرائيل استجابت لشروط حماس بدلا من تركيعها.. والسنوار ماضٍ في مخططاته
المصدر | طارق بقعوني/فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: حماس غزة إسرائيل الولايات المتحدة الفصل العنصري الضفة الغربية السلطة الفلسطينية نظام الفصل العنصری السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة طوفان الأقصى إسرائیل على أن الحرکة قطاع غزة من خلال مع حماس حماس فی إلى أن فی غزة فی حین ما کان
إقرأ أيضاً:
"طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة
الضفة الغربية - خاص صفا
عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، دخلت "إسرائيل" منعطفاً لم تسلكه منذ عام 1948، وباتت الدولة التي كان يروج ساستها أنها المكان الأكثر أماناً، تحت نار صواريخ المقاومة وضغط الحرب.
وأفادت تقارير بمغادرة نحو نصف مليون "إسرائيلي" بعد بدء الحرب على قطاع غزة، وتجاوز عدد "الإسرائيليين" الذين قرروا العيش خارج حدود دولة الاحتلال أعداد العائدين بنسبة 44%.
وأظهرت البيانات انخفاضاً بنسبة 7% في عدد العائدين إلى "إسرائيل" بعد العيش في الخارج، حيث عاد 11 ألفاً و300 إسرائيلي فقط خلال عام 2023، مقارنة بمتوسط 12 ألفاً و214 في العقد الماضي.
وتتصاعد الهجرة العكسية في "إسرائيل" لأسباب أمنية واقتصادية، ما يضع الاحتلال أمام انعطافة ديموغرافية تهدد مستقل الدولة اليهودية.
وأفاد المختص في الشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش، بأن اتجاهات الهجرة بدأت ترتفع مع وجود حكومة اليمين ومحاولات تغيير النظام السياسي "الإسرائيلي" من خلال مشروع الانقلاب القضائي.
وقال في حديثه لوكالة "صفا"، إن ارتفاع مؤشرات الهجرة بشكل ملحوظ بعد طوفان الأقصى، يأتي بسبب زعزعت فكرة الوطن القومي الآمن لليهود، التي كان يروج لها الاحتلال على مدار عقود لاستقطاب يهود العالم.
أن صواريخ ومسيرات المقاومة وصلت كافة الأراضي المحتلة، وخلقت واقعاً يتنافى مع العقيدة الأمنية للاحتلال، التي ترتكز على تحقيق الأمن والاستقرار للمستوطنين.
وأشار أبو غوش إلى أن الأزمة الاقتصادية والخسائر التي يتكبدها الاحتلال في انفاقه على الحرب، والضغط على جنود الاحتياط واستمرار خدمتهم لفترات طويلة، فضلاً عن تغلغل اليمين المتطرف في مفاصل الحكومة، عوامل ساهمت مجتمعة في تشجيع الهجرة العكسية لليهود.
وبيّن أن الهجرة الداخلية من القدس إلى تل أبيب، كانت دائماً موجودة من قبل الفئات الليبرالية بسبب القيود التي يفرضها اليهود المتدينين "الحريديم" على الحياة اليومية.
وتتركز الهجرة في أوساط الليبراليين العلمانيين، والمهنيين الذين يديرون عجلة اقتصاد الاحتلال، بحسب أبو غوش، مرجحاً الأسباب إلى اتساع سيطرة اليمين المتطرف على الحكومة، وكلفة الحرب وتبيعاتها الاقتصادية التي يدفع فاتورتها المستوطنين.
وأكد على أن الهجرة العكسية هي الكابوس الأكبر الذي من شأنه أن ينهي حلم الدولة للكيان الصهيوني، إذ تتحول "إسرائيل" تدريجياً إلى دولة متطرفة لا ديموقراطية فيها، بعدما كان نظامها الليبرالي الديموقراطي أبرز عناصر قوتها وجذبها ليهود العالم.
وأضاف "إن هيمنة اليهود المتدينين وتغلغلهم في الحكم، وهم فئة غير منتجة ومساهمتها صفرية في الاقتصاد، إلى جانب رفضها الانضمام إلى الجيش، ستحول إسرائيل إلى دولة عالم ثالث تعتمد على المساعدات".
وهدمت الحرب أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأظهرت ضعف "إسرائيل" واعتمادها التام على الدعم الأمريكي، وكشفت حقيقة الاحتلال المجرم للعالم، وفق أبو غوش، مبيّناً أن كل هذه العوامل أسقطت ثقة المستوطنين في حكومتهم ودفعتهم إلى الهجرة إلى أماكن أكثر أماناً واستقراراً.
ويتكتم الاحتلال على حقيقة الأرقام المتعلقة بالهجرة العكسية أو عودة اليهود إلى أوطانهم الحقيقية، إلا أن الأرقام التي تتضح في مفاصل أخرى للدولة مثل مؤسسات التأمين الصحي تظهر عزوفاً وتراجعاً في الرغبة بالعيش داخل "إسرائيل".
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 10 آلاف "إسرائيلي" هاجروا إلى كندا هذا العام، في حين حصل حوالي 8 آلاف إسرائيلي على تأشيرات عمل، وهي زيادة كبيرة عن أعداد العام الماضي، كما تقدم أكثر من 18000 "إسرائيلي" بطلب جنسية ألمانية في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.
وأفاد تقرير لـ "هآرتس" بأن من يغادرون هم رأس مال بشري نوعي، ومغادرتهم تعرض استمرار النمو الاقتصادي في "إسرائيل" للخطر، إذ بلغت الزيادة في نسبة الأثرياء الباحثين عن الهجرة نحو 250%، ليتراجع أعداد أصحاب الملايين في "إسرائيل" من 11 ألف إلى 200 مليونير فقط.