خبراء إيرانيون للجزيرة نت: هدنة غزة انتصار لحماس وإبعاد للمواجهة مع أميركا
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
طهران- لطالما راهنت الجمهورية الإسلامية، طوال أكثر من 4 عقود، على نجاعة خيار "المقاومة في مواجهة الكيان الإسرائيلي"، لكن طهران عدّت أن التوصل إلى الاتفاق على هدنة إنسانية في قطاع غزة، مؤشرا إلى انتصار الجانب الفلسطيني، وهزيمة المحور الغربي الإسرائيلي.
وفي تعليق صدر من رأس هرم السلطة في إيران، قال المرشد الأعلى علي خامنئي، إن "حركة حماس تمكنت من توجيه ضربة قاضية للكیان الصهيوني الغاصب والمدجج بالسلاح"، مضيفا أن تشديد القصف الإسرائيلي للمدارس والمستشفيات لن يعوّض الفضحية والخسارة التي مُنِيَ بها في الحرب الأخيرة على غزة.
وتابع خامنئي، خلال استقباله عددا من الرياضيين الإيرانيين، أن "مواصلة قصف المدنيين ستقصّر من عمر كيان الاحتلال"، مؤكدا أن "هذه القسوة لن تبقى دون رد".
أما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، فقد سارع إلى زيارة العاصمة اللبنانية للمرة الثانية منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، للقاء المسؤولين اللبنانين وقادة فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله، مؤكدا أن المقاومة على مدى 6 أسابيع خلت، أثبتت بأن الوقت ليس في صالح إسرائيل.
وفي مؤتمر صحفي عقده أمس الأربعاء في مستهل زيارته إلى بيروت، رأى عبد اللهيان أن "قبول الحكومة الإسرائيلية بالهدنة يمثّل ثمرة انتصار المقاومة في غزة، وأن عملية طوفان الأقصى أظهرت بأن الخاسر الأكبر أمام الرأي العالمي هو الكيان الصهيوني والولايات المتحدة"، على حد قوله.
كما رأى محمد إيماني عضو مجلس رؤساء التحرير في صحيفة كيهان المقربة من مكتب المرشد الإيراني الأعلى، أن "معركة طوفان الأقصى -سواء توقفت أو استمرت- ستؤدي إلى هزيمة إسرائيل، التي لم تقترب بعد من تحقيق أي من أهدافها المعلنة"، معدّا أن الهدنة اعتراف بهزيمة الاحتلال في المعركة.
وفي افتتاحيته تحت عنوان "الهدنة والخسارة المدوية لإسرائيل وأميركا"، رأى إيماني أن ضريبة استئناف الحرب على غزة ستكون مضاعفة على إسرائيل، ذلك لأن خسائرها لن تقتصر على جبهة غزة، بل تمتد تداعياتها السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، إلى جانب تراجع الدعم الغربي لتل أبيب، وتصاعد ضغط الرأي العام العالمي عليها.
ولدى إشارته إلى صمود المقاومة وعزمها مواصلة التصدي للعدوان الإسرائيلي لفترة طويلة، رأى إيماني أن "حكومة اليمين الإسرائيلي كانت مرغمة على القبول بالهدنة الإنسانية والاعتراف بهزيمة نكراء"، موضحا أنه "إذا كانت الهدنة الإنسانية تُمثّل إخفاقا ذريعا لإسرائيل، فإنها ستكون أشد مرارة على الجانب الأميركي الذي رمى بكل ثقله في قيادة المعركة".
مؤشرات هزيمة مدوّيةويعتقد الباحث السياسي علي رضا تقوي نيا، أن شروط المقاومة الفلسطينية للقبول بالهدنة الإنسانية تدل على "امتلاك أصحاب الأرض اليد العليا في المعركة البرية"، مؤكدا أن الجانب الإسرائيلي قد خسر المعركة ولم يحقق أيا من أهدافه المعلنة.
وفي حديثه للجزيرة نت عدّد الباحث السياسي المؤشرات التي تثبت هزيمة إسرائيل في معركة طوفان الأقصى وفق التالي:
شكّلت عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ضربة إستراتيجية لهيبة الجيش الإسرائيلي وأجهزته الاستخبارية، وأسست لفقدان الرأى العام الإسرائيلي ثقته بقدرة المؤسسات الإسرائيلية على حمايته. العار الذي لحق بالجيش الإسرائيلي جراء عملية طوفان الأقصى لن يُمحى سوى بالقضاء نهائيا على حركة حماس وهذا ما لم يحصل بعد، لا سيما وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن ذلك كونه هدفا أسياسيا لعدوانه على قطاع غزة. قدرات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العسكرية لم تتزعزع على الأرض، وأن إطلاق الصواريخ من غزة لم يتوقف حتى قبيل دخول الهدنة حيز التنفيذ. إسرائيل أخفقت في تحرير الأسرى وتدمير شبكة الأنفاق في قطاع غزة وتغيير السلطة التي ترأسها حركة حماس، وأخفقت في تهجير أهالي غزة إلى مصر. فضيحة كيان الاحتلال لدى الرأي العام العالمي، لا سيما جراء مهاجمته المستشفيات وإخفاقه في العثور على أنفاق تحت مستشفى الشفاء. وقوف الشعب الفلسطيني وحلفاء المقاومة إلى جانب حركة حماس، واحتمال فتح جبهات جديدة في مواجهة الاحتلال، زادت من ضغط الجبهة الداخلية على حكومة نتنياهو.وخلص تقوي نيا إلى أن الهدنة تحقق جزءا كبيرا من الهدف الأساس الذي أطلقت حركة حماس معركة طوفان الأقصى من أجله، ألا وهو تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.
شبح الحربمن جهة أخرى، يشير الباحث في الشؤون الأميركية أمير علي أبو الفتح، إلى ارتفاع وتيرة التصعيد بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، واصطفاف كل من واشنطن وطهران إلى جانب أحد طرفي المعركة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أبو الفتح أن "واشنطن تتهم طهران بتحريض حركات المقاومة العراقية على مهاجمة القواعد الأميركية في العراق وسوريا"، مشددا على أن "التصعيد في جبهتي جنوبي لبنان واليمن، لا سيما المعركة البحرية في مضيق باب المندب، كان في طريقه لرفع احتمالات المواجهة بين إيران وأميركا".
ورأى أن "الهدنة الإنسانية في غزة قد أبعدت شبح الحرب الشاملة في المنطقة"، موضحا أن "الجانب الإسرائيلي يرى في الولايات المتحدة قدرة عسكرية متفوقة، وسعى حثيثا لإقحامها في المعركة بغية تحييد الخطر الإيراني".
وختم الباحث في الشؤون الأميركية، بالقول إن "الجانبين الإيراني والأميركي لا يرغبان بالمواجهة العسكرية" إلا أنه كان يخشى دحرجة تطورات معركة غزة وتوسعتها لاستدراجهما إلى الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الهدنة الإنسانیة طوفان الأقصى فی المعرکة حرکة حماس
إقرأ أيضاً:
طوفان الأقصى: السياسي والإيديولوجي
يمكننا، كما استخلصنا بعض السمات التي أفرزها طوفان الأقصى من جانب تعامل الطغمة الصهيونية والأمريكية معه، نريد التوقف على الجانب العربي بهدف النظر في كيفية تعاطيه مع القضية الفلسطينية عموما، وحدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر بصفة خاصة.
لقد تصرف العرب عموما مع الحدث، وكأنه بعيد عن انشغالاتهم وهمومهم بالقدر الذي يتطلبه هذا الحدث العظيم. ولم يطرأ التغيير في مواقفهم منه إلا بعد أن طرح ترامب مسألة تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، حيث بدأت القضية لديهم تأخذ مسارا آخر. فكان الإجماع الذي افتقدته القضية منذ مدة طويلة.
قد تتعدد تفسيرات الواقع العربي، حكومات، وشعوبا، وأحزابا والتحولات التي أدت إلى المواقف من القضية الفلسطينية عكس ما وقع مثلا في 1973. لكني أريد الذهاب إلى البحث في الذهنية التي تتحكم في التصور العربي، ولا سيما لدى من ظلت القضية الفلسطينية تمثل لديهم أولوية في الصراع ضد الاستيطان، والهيمنة الأمريكية. وأقصد بصورة خاصة الأحزاب المعارضة، والنقابات، والمثقفين على اختلاف طوائفهم وألوانهم. وللقيام بذلك سأميز بين الإيديولوجيا والسياسة لأنني أرى هذا التمييز المدخل الطبيعي والضروري لفهم وتفسير ما جرى.
أعتبر السياسة فن إدارة وتدبير الوجود البشري لتحقيق المكاسب. أما الإيديولوجيا فنشر أفكار، والدفاع عنها باستماتة بهدف كسب الأنصار. إن الإيديولوجي الذي يمارس السياسة يعمل بدون وضع الزمن وتحولاته في نطاق ممارسته. إن ما يهمه بالدرجة الأولى هو تقديم تصوره الإيديولوجي الذي يتبناه ويظل يدافع عنه. والعرب لم يكونوا يمارسون السياسة ولكن الإيديولوجيا. إن الإيديولوجيا العربية، أيا كانت منطلقاتها ومقاصدها، هي ما يمارسه العرب في علاقتهم فيما بينهم، فتجد الفرقة بينهم تتخذ بعدا دينيا وطائفيا (سنة، شيعة)، وجغرافيا وحدوديا (شمال وجنوب، وغرب وشرق)، وسياسيا (حكومات وحركات). وكل منهم يرى أن إيديولوجيته هي التي تمتلك الحقيقة، والآخر ضال. وفي ضوء هذا التمايز تتخذ المواقف ضد أو مع ما يجري في الساحة العربية داخل كل قطر عربي، وبين الأقطار العربية. وهذه المواقف هي التي تتحدد في العلاقة مع الصهيونية وأمريكا خارجيا، حيث الرضوخ لهما بدعوى التحالف أو اتخاذ الحياد السلبي، أو التصريحات المجانية.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا، وهو يصطف إلى جانب الأطروحة الصهيونية ــ الأمريكية. لقد تم التعامل مع الحدث على أنه عمل حركة إرهابية هي حماس ضد دولة معترف بها عالميا، ولم يكن التعامل معه باعتباره وليد صيرورة من الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. وأنه لم يأت إلا ضد ما كانت تمارسه السلطات الصهيونية ومستوطنوها في القدس، وما ظلت تقوم به لتصفية القضية نهائيا، وخاصة منذ ولاية ترامب الأولى التي دعا فيها إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مدعيا جعلها عاصمة أبدية لإسرائيل، متنكرا بذلك لكل القرارات الأممية حول القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين.
أمام عدم انخراط الضفة الغربية في طوفان الأقصى، وهو ما كانت تخشاه إسرائيل، ملأت جبهات الإسناد الساحة، وقامت بدورها في دعم المقاومة في غزة، فبدا طوفان الأقصى وكأنه وليد إملاءات إيرانية، فاستغل هذا عالميا، وخاصة من لدن إسرائيل وأمريكا لتحوير الحرب الحقيقية من كونها قضية وطن إلى حرب بالوكالة لفائدة إيران التي صارت قطب «محور الشر». فكانت الاغتيالات لهنية في طهران، وبعد ذلك لرموز حزب الله وحركة حماس ليست نهاية لطوفان الأقصى بل لتأجيجه ودفعه في اتجاه مناقض لما كانت تحلم به إسرائيل التي توهمت أن القضية الفلسطينية ليس وراءها سوى إرهابيين يكفي القضاء عليهم لإنهاء القضية وإقبارها إلى الأبد.
لكن الصمود الوطني الأسطوري للمقاومة دفعها إلى القبول بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وبعد ذلك في غزة. وخلال هدنة تبادل الأسرى والمختطفين تفرغت الآلة الجهنمية الصهيونية للضفة الغربية مستهدفة تهجير المواطنين وتدميرها كما فعلت في غزة. ومع التحول الذي عرفته سوريا، ونهاية «الممانعة» التي كانت تمنع من المواجهة مع العدو، ها هي إسرائيل تهدد أمن بلد خرج للتو من كابوس مرعب بدعوى السيمفونية النشاز: حماية أمنها القومي؟ إسرائيل شعب الله المختار عليه أن يحافظ على أمنه الذي عليه تكدير أمن «جيرانه» غير المحتملين، وتنغيص الحياة عليهم. هذه هي السياسة الصهيونية التي تنبني على إيديولوجية التسلط والهيمنة.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا،
إن كل هذا نتيجة الخلاف الإيديولوجي بين مكونات المقاومة الفلسطينية الذي ظلت إسرائيل تغذيه وتفرضه طيلة كل عقود الصراع. ولا فرق في ذلك من يحمل السلاح لأنه إرهابي، ومن يخضع للهيمنة الصهيونية باسم سلطة لا حق لها في ممارستها. فكلاهما غير مرغوب فيه لأن إسرائيل للإسرائيليين وليست لأي عربي. هذا الدرس لم يفهمه بعض الفلسطينيين والعرب الذين اتخذوا مواقف مضادة من طوفان الأقصى. وهو الدرس الأكبر الذي يقدمه الطوفان لمن لم يريدوا فهم طبيعة الكيان الصهيوني وأسطورته الإسرائيلية، وهو ما يبدو حاليا بشكل أجلى منذ انتخاب ترامب في ولايته الثانية. وهو ما ظل يصرح به أبدا سموتريتش وبن غفير بوقاحة وجرأة وطغيان وعنصرية مقيتة.
يمارس الفلسطينيون بمختلف تياراتهم واتجاهاتهم السياسة، ومعهم كل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والأهلية العربية من منظور حركات التحرر العالمية في الستينيات، أي في ضوء تصورات إيديولوجية معينة. ومواقفهم من بعضهم البعض تتأسس على قاعدة: من ليس معي، فهو ضدي. إنها القاعدة التي لا يتولد منها سوى الحقد الإيديولوجي، والاقتتال الداخلي، والصراع المستدام. إنهم لا يميزون بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية. بل إن ما هو ثانوي يصبح لديهم أساسيا، وفي المستوى الأول، بينما التناقض الرئيسي يقبع في الخلفية. ولذلك نجدهم يُرهِّنون تناقضاتهم الداخلية الخاصة، وتحتل المكانة الكبرى أمام ما تمثله تناقضاتهم مع عدوهم الخارجي التي تصبح وكأنها غير موجودة. يغذي العدو هذه التناقضات، ومن مصلحته إدامتها لبسط هيمنته، وإدارته الصراع بما يخدم مصلحته.
تبدأ ممارسة السياسة لدى الفلسطينيين إذا ما جمدوا تناقضاتهم الداخلية، ووجهوا التناقض نحو العدو المشترك. في هذا التجميد يكمن الحس الوطني الحقيقي في بعده الديمقراطي والوحدوي الذي تهمه قضية الوطن عبر وضعها فوق أي اعتبار. أما تبادل الاتهامات وادعاءات تمثيل الشعب الفلسطيني فليس سوى خطابات جوفاء لا قيمة لها لأنها تعبير عن إيديولوجيا زائفة.
إن الدرس الأكبر الذي نستنتجه من الحدث الأكبر طوفان الأقصى، والذي هو في الحقيقة حلقة من حلقات ما يمكننا تعلمه من تاريخنا الحديث في صراعنا مع الآخر، أي من الاستعمار التقليدي إلى الجديد يدفعنا إلى تأكيد أن ما قلناه عن الفلسطينيين ينسحب على العرب حكومات وشعوبا وأحزابا ومنظمات مختلفة. إن التناقض الرئيسي ليس مع من يختلف معنا، ويعارضنا، إنه ضد التبعية، والتخلف، والتفرقة، والتأخر عن العصر الذي نعيش فيه. إنه ضد الآخر الذي يسعى لإدامة التفرقة بين الدول والشعوب، وإشاعة الفتنة، ونهب ثروات وخيرات البلاد العربية، والحيلولة دون تقدمها. إنه ضد الطائفية والعرقية والظلامية، ومع حرية المواطن وكرامته وعزته في وطنه، ووحدة الأوطان، وتعزيز التعاون والتقارب بينها لما فيه الخير للجميع.
إذا لم تكن السياسة فن إدارة التدبير من أجل الحياة الكريمة فإنها ليست سوى إيديولوجيا توليد التناقضات وتفريخ الصراعات، وإشعال النزعات وإشاعة النزاعات، ويكفي النظر إلى ما يمور به واقعنا لتأكيد أن الإيديولوجي مهيمن في حياتنا على السياسي.
لقد كشف طوفان الأقصى حقيقة واقعنا مع ذاتنا ومع الآخر. فإلى متى يظل يلدغ المؤمن من الجحر مرتين؟