دلالات عسكريّة.. هذه خطّة إسرائيل ضد حزب الله بعد هُدنة غزة!
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
وسط الحديث عن هُدنة في غزة في إطار صفقةٍ لـ"تبادل الأسرى" بين إسرائيل وحركة "حماس"، قيلَ الكثير عن جبهة لبنان ووضعها وما ستشهدهُ من أحداثٍ بعد التوتر المُتصاعد فيها.
أغلبُ المحلّلين والخبراء قالوا إنَّ أي هدوء في غزّة قد يتبعهُ "هدنة" في جنوب لبنان على اعتبار أنّ "حزب الله" يعتبرُ جبهة لبنان "مُسانِدة لغزة"، وبالتالي فعند توقف العدوان الإسرائيليّ على الأخيرة "مرحلياً"، من المُفترض أن يسري الهدوء الحذر على جنوب لبنان.
ما تكشفه مختلف التقارير الإسرائيلية عن لبنان يحمل دلالاتٍ أساسية تفيد بأنّ الهدوء – إن حصل - قد لا يستمرّ طويلاً عند الجبهة الجنوبية. بالنسبة لتل أبيب، فإن خطر "حزب الله" ما زال قائماً، وعلى أساس هذا الأمر جاءت التهديدات الإسرائيلية العديدة يوم أمس، وآخرها كان على لسان وزير الخارجيّة إيلي كوهين.
القصف المُستمر
إنطلاقاً من "الوعيد الإسرائيليّ" الذي رفض ربط وقف إطلاق النار في غزة بتجميد التوتر في لبنان، يُمكن إستشراف أنَّ القصف الذي يقوم به جيش العدو قد يبقى مستمراً ضد الجنوب حتى وإن دخلت غزة الهُدنة.
فعلياً، فإنَّ تل أبيب ما زالت ترى أن الحزب يُشكل تهديداً لها، وبالتالي فهي لن تتوانى عن تنفيذ اعتداءاتٍ على قاعدة أنها تُريد "ردع الحزب" قدر الإمكان وضمن الحرب المحدودة التي تراها سبيلاً جيداً لتحقيق هدفها. كذلك، يتبيّن من كلام العدو أنه يسعى لإقناع نفسه وجمهوره، أن باستطاعته الآن إحباط أي مُخطط كبير قد ينفذه "حزب الله" ميدانياً في وقتٍ لاحق، وتحديداً ذاك المرتبط بإقتحام الجليل عبر "قوة الرضوان"، أسوة بما فعلته حركة "حماس" في غزّة يوم 7 تشرين الأول الماضي، حينما هاجمت المُستوطنات الإسرائيليّة.
هدفٌ أساسي.. ما هو؟
إذاً، وبالنسبة للإسرائيليين، فإنّ التركيز على قصف مواقع "حزب الله" يأتي من قاعدة أن تل أبيب تسعى لإستنزاف الحزب من دون الذهاب إلى حرب مفتوحة، وبالتالي منعه من إستحضار مقاتلي "الرضوان" لديه إلى المواجهة خلال المعركة الحالية.
الكلامُ هذا بات يبرزُ بشدة في الدّاخل الإسرائيليّ، ومن الممكن أن يرى جيش العدو في عملياته التي ينفذها ضد لبنان، غطاءً نارياً للوصول إلى قوة "الرضوان" وإسداء ضربات محوريّة ضدها وتصوير ذلك بمثابة إنتصار له مثلما فعل مع "حماس".
كذلك، يتبين من خلال تحليل الخطاب الإسرائيلي أن تل أبيب تسعى لمنع تقدم تلك القوّة لدى الحزب باتجاه الحدود أقله خلال الفترة الحالية، لأنها تُشكل خطراً كبيراً على الإسرائيليين في حال اتخذ القرار باستخدامها عسكرياً. المسألة هذه ضرورية بالنسبة لتل أبيب لأنها تُواجه معضلة داخلية تتمثل بامتناع سكان المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للبنان عن العودة إلى منازلهم بسبب وجود "قوة الرضوان" عند الحدود. المسألة هذه تؤرق إسرائيل جداً، ولهذا السبب تسعى لانتزاع هدفٍ ما بأسرع وقت ممكن من أجل تقديمه كإنجاز أمام المجتمع الداخلي وتحديداً سكان المستوطنات.
عملياً، فإن الحزب يُدرك تماماً ما تريده إسرائيل ميدانياً، ولهذا السبب يعملُ وفق تكتيكات تمنع تحقيق هدف الإسرائيليين بإستنزاف وإرهاق قدراته القتالية بشرياً وعسكرياً، علماً أن هذا السيناريو حققه الحزب فعلاً في الداخل الإسرائيلي حينما تمّ الإقرار بأنه استطاع فرض نيرانه على الجيش الإسرائيلي وبالتالي بات يخوض حرب إستنزاف صعبة ضد الأخير سواء من خلال قصف مراكزه أو تجمعاته.
إستهدافات مباشرة للقادة
وخلال الساعات الماضية، نعى "حزب الله" 5 شهداء سقطوا في بلدة بيت ياحون – الجنوب إثر قصف إسرائيلي، من بينهم نجلُ رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد.
ما حصل يمثلُ إستهدافاً واضحاً للحزب ولمجموعات أساسية منه. وتفصيلياً، ما يتبين هو أن إسرائيل باتت ترفع من حجم بنك أهدافها ضدّ الحزب عبر إغتيال قادة أساسيين فيه، والأمر نفسه فعلته مع كتائب "القسام" في لبنان حينما استهدفت يوم أمس الأول في بلدة الشعيثية، قائداً عسكرياً فيها وهو خليل الخراز.
ميدانياً، يمكن أن تكون إسرائيل حصلت على لائحة جديدة ببعض المواقع التابعة لـ"حزب الله" عبر أجهزة استخباراتها وجواسيسها بهدف قصفها، ولهذا السبب قد لا تتراجع في الوقت الراهن حتى تحقيق ما يمكنها تحقيقه ضمن المواجهة الحالية.
في الواقع، فإن هذه المسألة التي حصلت خطيرة جداً، فتوسيع إسرائيل بنك أهدافها ضدّ القادة الميدانيين، واستطاعتها الآن تحقيق بعض مما تُريده في عمق متقدم داخل لبنان، قد يدفعها لمواصلة عدوانها أكثر لتحقيق المزيد من الأهداف ضد "حزب الله"، وبالتالي إستغلال ذلك لإراحة الداخل الإسرائيلي كي لا ينقلب ضدّ الحكومة أكثر. أما الأمر الأكثر خطورة فيرتبطُ بدور الجواسيس الذين ساهموا إلى حد كبير في مساعدة العدو على تحديد أهدافٍ غير عادية ميدانياً وعسكرياً داخل لبنان.
ما تقدّم يمكن أن يقدم تحليلاً مبسطاً لما يخطط له العدو ضد "حزب الله" في لبنان خلال "هدنة غزة" وبعدها.. لكن، السؤال: هل ستنتقل المعركة المفتوحة إلى لبنان؟ وهل يمكن اعتبار هذه الحرب المحدودة بمثابة خطوة إستنزافٍ متبادل بين الطرفين لتحقيق معادلة ردع جديدة؟ المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
إنا على العهد.. معادلة لا مجرد شعار
اكتسبت المقاومة الإسلامية في لبنان قوتها وخصوصيتها وتميزها التاريخي من دعائم رئيسية استندت إليها، ولعل أهمها وفي صدارتها تأتي دعامتان لا تقتصران على القيم الأخلاقية والإنسانية فقط، ولكن تتمتعان بانعكاسات إستراتيجية وترجمة عملية في ميادين الجهاد والسياسة، أولهما المصداقية، والتي تترجم عمليًا لجدية وجهوزية وصرامة لا يستهين بها العدو، وثانيهما البلاغة في اختيار العناوين والشعارات المعبرة عن المرحلة واللحظة الإستراتيجية بدقة، وترجمتها العملية هو إعلان الموقف والتوجه، وتضافر الدعامتين بإعلان الموقف المستند إلى المصداقية هو ما يوصل الرسائل للعدو والصديق وبيئة المقاومة، ويكسب المقاومة شرفها وهيبتها وإنجازاتها الكبرى.
ولعل اختيار شعار “إنا على العهد” عنوانًا للتشييع التاريخي المهيب للشهيد القائد السيد حسن نصر الله، وأخيه ورفيقه الشهيد هاشم صفي الدين، يشكل مصداقًا لهذه الدعائم، وهذا التوفيق في اختيار الشعارات، بما يتخطى نطاق الشعار الرمزي إلى نطاق تشكيل المعادلات، وهي مدرسة الشهيد نصر الله التي تعتمد على البصيرة والقراءة وتشكيل المسارات التصاعدية وعدم السماح بالتراجع وعودة المعادلات إلى الوراء.
وعندما أطلقت المقاومة شعار “إنا على العهد”، كانت تبدو واثقة تمام الثقة في جمهور المقاومة الوفي وفي تشكيله لمشهد تاريخي غير مسبوق في لبنان، بل وفي العالم بلحاظ الفوارق الديموغرافية المتعلقة بتعداد السكان، وقد رسمت المقاومة مسبقًا لوحات للتشييع قبل حدوثه تصور مشهدًا جماهيريًا مهيبًا، وهو ما تحقق بالفعل، وكانت الجماهير عند ظن وثقة القادة والكوادر والمجاهدين في الحزب، وهو ما يعكس وعيًا جماهيريًا بأهمية هذا المشهد وبكونه ليس مجرد وفاء لقائد تاريخي استثنائي، بل هو مشهد إستراتيجي مفصلي لا يقل عن مشاهد الجهاد بميادين وجبهات القتال، وهو ما أتاح للجماهير أن تشارك في ميدانه كتفًا إلى كتف مع جحافل المجاهدين والمرابطين على الثغور.
وهنا لا بد من التوقف قليلاً للتأمل في دلالات الشعار، ولماذا نقول إنه يشكل معادلة ولا يقتصر على كونه شعارًا للوفاء، وذلك عبر الإيضاحات تاليًا:
1- أول ما يجب أن يتبادر للأذهان في شعار “إنا على العهد” هو السؤال عن أمرين، الأول من نحن؟ والثاني ما هو هذا العهد؟ والإجابتان تحملان أبعاداً إستراتيجية مهمة.
والسؤال الأول أجابت عليه الحشود الغفيرة من بيئة المقاومة من كل الطوائف المنحازة للمقاومة، بل ورفع الشعار بالتزامن مع التشييع حشود خارج لبنان وعبروا عن تضامنهم وأمانيهم في الوفادة والحضور، وهو ما يعني تماسك بيئة المقاومة وفشل العدو في إرهابها وتفكيكها وثَنيها عن خيار المقاومة وتحول تهديد العدو إلى فرصة لإعلان التماسك والوحدة والاستنفار والجهوزية.
والسؤال الثاني ربما هو الأهم، لأنه يوضح المعادلة التي التفت حولها الجماهير وأعلنت صمودها وتجديدها للبيعة للوفاء به، وهو باختصار عهد التحرر الوطني ورفض الذلة وبذل التضحيات للحفاظ على السيادة والكرامة وإسناد المستضعفين وعدم التخلي عن الثوابت ورفض العودة بالزمن إلى الوراء.
2- يجب مراجعة التاريخ للوقوف عند اللحظة التي تشكل بها حزب الله وريثًا لحركة الجهاد اللبنانية التي اذاقت العدو وراعيه الأمريكي الويلات، هما ومن تحالف معهما من الغرب ومن عملاء الداخل، فقد كانت لحظة مفصلية، أراد العدو بها تفريغ لبنان من المقاومة بطرد منظمة التحرير الفلسطينية، واحتلال الجنوب وتقاسمه مع ميليشيات عميلة تنتسب زورًا للجيش اللبناني، وكان لبنان على وشك التطبيع والاعتراف بالعدو تحت مسميات مثل معاهدة عدم الحرب وتشكيل هيئات دبلوماسية في بيروت وفي داخل الكيان، وهو ما أفسدته المقاومة عبر ملئها لفراغ المنظمات الفلسطينية وتصديها للدفاع عن الجنوب والحفاظ على الوجه العربي للبنان، وصولاً إلى تحرير الجنوب، ثم وصولاً لإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد في العام 2006 عقب محاولة العدو إعادة الكرة وتصفية المقاومة.
واليوم، نحن أمام مشهد شبيه، يقوم العدو بالعودة لكرته محاولًا تصفية المقاومة وخلق مناطق عازلة وتشكيل حلفاء من العملاء بالداخل، وهو ما أعلنت المقاومة وجمهورها عبر شعار “إنا على العهد” عن تصديها له وعدم السماح بتحقيق هذه الأوهام مهما كانت التضحيات.
3- يجب أيضاً تأمل أساليب العدو وراعيه الأمريكي عند الفشل في هزيمة المقاومة بالقوة المسلحة، والاحتيال على ذلك بخلق الفتن وانتزاع المكاسب بالسياسة والمؤامرات، عبر الوقيعة بين المقاومة والجيش والدفع نحو الحرب الأهلية، وهو ما أفشلته المقاومة وجمهورها عبر بصيرتها وصبرها على التجاوزات وأعلنت عبر تجديدها للعهد بالتزامها بمدرسة الشهيد القائد بأن غضبها وسلاحها موجه للعدو الصهيوني حصرًا وليس موجهًا للداخل.
4- هناك رسالة كبرى أيضاً لا بد أن يعيها العدو وكذلك أعداء المقاومة في الداخل والخارج، وهي قدسية سلاح المقاومة وهو عهد السيد القائد الشهيد الذي أكد مرارًا في أحاديثه أن سلاح المقاومة جزء من عقيدة وثقافة بيئة المقاومة وله أبعاد أكبر بكثير مما يظنه بعض الواهمين، وأن من سيجبرنا على نزعه بالتخويف أو الحصار، فإننا سنقتله ويبقى سلاحنا معنا.
وهذا العهد قد جددته المقاومة وجمهورها بأنه لا مساس بالسلاح ولا الكرامة ولا الثوابت وأن هذا السلاح هو درع للبنان كله وليس موجهًا إلا للعدو ورعاته.
لا شك أن شعار “إنا على العهد” هو معادلة تثبتها المقاومة وجمهورها، مفادها الثبات على الخيار المقاوم للاحتلال والحصار والمناصر لقضايا الأمة والمحافظ على قدسية السلاح وامتلاك القوة والجهوزية والحرص على السلم الأهلي وعدم إهدار الجهود والدماء في غير مواضعها والاحتفاظ بها لمقارعة العدو والاستكبار، وهو تأكيد للنصر الإستراتيجي للمقاومة التي أفشلت أهداف العدو بحصارها وانزوائها وعودة الوضع لما قبل تشكيل المقاومة وتصديها لتدجين لبنان في حظائر التطبيع والمهادنة.