الحذاء المستعمل/خاطرة حياتية
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
بقلم : د.مظهر محمد صالح ..
في مدينتي الجامعية التي احتلت اخدوداً ساحليا من مقاطعة ويلز في المملكة المتحدة وهي المدينة الصغيرة المسماة ابيرسويث … فان كنيسة مدينتنا هي الاخرى قد احتلت مكاناً شامخا عانقت فيه الساحل الشرقي من البحر الايرلندي الذي مازال يصرخ صمتاً في امواجه.
واللافت في الامر ان سكان مدينتنا قد اعتادوا على التبرع الى كنيستهم بملابسهم المستعملة على الدوام والتي اغلبها مازال في غلافها يوم شراءها ، ليتم عرضها جميعا بشكل منسق في بزار اسبوعي يجري صباح كل يوم سبت بشكل مستمر ،سواء في باحة الكنيسة او داخلها وتعرض المواد المتبرع بها من الملابس المستعملة ( اللنكة) للبيع باثمان رمزية، ومن ثم تذهب عائدات البيع للكنيسة نفسها .
على الشراء النساء والرجال من الطبقة المتوسطة او دونها لكونها تثمن باسعار رمزية !! واللافت ان بقايا الملابس غير المباعة تمنح مجاناً لاي محتاج بعد الساعة 12 ظهرا وحتى ساعة غلق البزار في ذلك اليوم التعاوني الانساني الرائع.
وهناك متجر في سوق مدينتنا الجامعية الجميلة في ابيريسوث، عائد لمنظمة خيرية بريطانية تسمى Oxfam يفتح يومياً من التاسعة صباحًا وحتى السادسة مساءً عدا يوم الاحد، وتجد في كل صباح اكداس من الملابس المتبرع بها من اهالي المدينة لتوضع امام بوابة المتجر قبل ان يفتح المكان ابواب رزقه ، اذ تتولى ادارة المتجر تنظيف الملابس واعدادها وعرضها للبيع …وان عوائد البيع تمثل موارد المؤسسة الخيرية المذكورة .
ولا اخفي سرا اضطرني الحال التفكير بشراء حذاء يقارع الطبيعة (ذلك في يوم اشتدت الامطار فيه وتعالت رطوبة الجو ) وهو حال الجزر البريطانية التي لا تتوقف امطارها الا بهدنة مؤقتة قصيرة طوال العام ، كي اتوجه من فوري نحو المتجر المذكور لشراء حذاء مستعمل شديد الثبات ، عسى ان يعوضني عن شراء حذاء جديد كل ثلاثة اشهر ومن النوعيات الرخيصة السريعة الهلاك والتي تناسب مدخولاتي الشهرية كطالب وقت ذاك ، ففي ذلك اليوم العاصف اخذت ارجلي تسحبني مضطراً نحو متجر Oxfam للملابس المستعملة طالبا حذاءً قاسيا ً يقيني الظروف الجوية و امطار بريطانيا شبه المستمرة والرطوبة العالية التي لم ترحمنِ طوال العام، اذ قام احد الباعة ،الذي قدر ظرفي ،بعرض حذاء متين اصطنع من
جلد صارم لم يذق طعم الراحة دون ان يستوفي التفكير في كافة وجوهه ومقوماته دوافع شراءه واغراءات سعره الذي لم يفلت عن خمس جنيهات استرلينيا، ما أضطرني الحال وانا اقلب الذهن تحت تاثير اعاصير الوجود الى شراءه دون تردد .
واستقر حذائي بجلده البقري القوي يمسك نفسه على ارض باردة رطبة وهو يقارع ما تفشى في تلك الاجواء المثلجة مياه اسالت الارض من كون بارد مجهول قارعته ارجلي بنشوة جنونية و دفئ لم اعهده من قبل .
ظل زميلي (عماد ) الشخصية العراقية الرائعة الذي كان يحضّر
الدكتوراه في علوم الرياضيات والاحصاء ، يمازحني في كل مناسبة عن مصدر الحذاء العملاق المقاوم لمصاعب الحياة وكيفية الحصول علية لكونه موديلًا قديماً ولكنه حامياً للارجل ،وكنت امازحه ايضا بروح الكناية البغدادية : بالقول ان (المرحوم ) كان صاحب ذوق …في اقتناء الأشياء الجميلة والمقاومة لظروف الطبيعة وان ارثه استمر بعد وفاته وكنا نقصد من تبرع به اصلاً !!! وعندها نضحك سويةً …….واستمر امر الحذاء (الفقير )في الاستعمال وهو يقاوم مصاعب الحياة لثلاث سنوات دون انقطاع ولم (( اغادره ))الا بعد حصولي على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد والعودة الى الوطن وانا احتذي هذه المرة حذاءً جديداً لامعاً غالي الثمن يناسب طريق عودتي الى الوطن …!!
وهنا لم تكتمل سعادتي حتى دخلت بلادي ،غداة وصولي ،باشهر قليلة حرب حافية الارجل وحصار اقتصادي قاسي خلع الناس يومها ما تبقى لديهم من شيء، وظل الجميع يحسدني هذه المرة على نظارة حذائي لجمال لونه ونعومة جلده وعلامته التجارية ومن اين مصدر اقتناءه !!! ؟؟؟ وانا فرح في حذائي الجميل ولم ارتديه الا بالمناسبات التي يستحقها في اعوام الرمادة ، ولكن فجأة هو الذي ((غادرني ))هذه المرة قبل ان اغادره !!!! اذ تمت سرقته من فناء واحدة من دور العبادة اثناء الصلاة في مساء يوم داكن وعدت الى داري حافي القدمين وانا اتذكر بحسرة على حذائي الجامعي الصارم الاول المستعمل الذي (غادرته ) بنفسي مثلما تحسرت على حذائي اللامع الجديد الذي (غادرني) دون استئذان مغتربا الى الابد.
انها ازمنة مختلفة مراراتها واحدة، و ذكرى من بين آلاف الذكريات الضائعة التي تجيش فيها صدورنا بعد ان تعبت اقدامنا في السعي نحو سبل الحياة ولكن بحذاء ….سيظل مستعملا ً.!!!
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
التصديري للملابس: 17% نموًا بصادرات القطاع لـ 2.27 مليارات دولار في 10 أشهر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كشف المهندس فاضل مرزوق رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة، عن نمو صادرات الملابس لتسجل 2.27 مليارات دولار مقابل 1.94 مليارات دولار بنسبة ارتفاع 17 % خلال الفترة من يناير إلى نهاية أكتوبر 2024 مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.
وأشار إلى أن هذه الزيادات أحد أسبابها هو زياده الاستثمارات الأجنبية في قطاع الملابس الجاهزة من عدة دول وعلى رأسها استثمارات من الصين و فيتنام وتركيا و الهند، بجانب الاستثمارات المحلية من الصناع المصريين والتوسعات الاستثمارية في المصانع القائمة.
وأوضح أن مستقبل صناعة وصادرات الملابس الجاهزة في مصر مشرق خلال السنوات العشر المقبلة، نتيجة ضخ استثمارات مستمرة والتوسع في الدخول إلى أسواق تصديرية جديدة، واستمرار تنفيذ استراتيجية تطوير القطاع.
وأعلن، أن صادرات القطاع إلى الولايات المتحدة الأمريكية سجلت نموًا ملحوظًا بنسبة 14%؛ لتسجل 971 مليون دولار مقابل 848 مليون دولار، ليظل السوق الأميركي الأكثر استقبالاً للمنتجات المصرية من الملابس الجاهزة.
وتطرق "مرزوق" إلى الارتفاع الكبير في صادرات القطاع إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال أول 10 أشهر من 2024 بنسبة 31% لتسجل 531 مليون دولار مقابل 407 ملايين دولار، ليأتي الاتحاد الأوروبي كثاني أهم سوق يستقبل الإنتاج المصري من الملابس الجاهزة.
وكشف، أن صادرات الملابس الجاهزة إلى الدول العربية صعدت بنسبة 11 % لتسجل 409 ملايين دولار مقابل 368 مليون دولار بزيادة بلغت نسبتها 11% خلال الفترة من يناير إلى نهاية أكتوبر 2024.
وبشأن مستهدفات صادرات الملابس الجاهزة لعام 2025، ذكر، أن المجلس يستهدف نسبة نمو سنوي لا تقل عن 20 % إلى مستويات 3.3 مليار دولار بنهاية 2025، مع التأكيد على استمرار التنسيق مع الجهات الحكومية لزيادة الصادرات.