أجبروا على النزوح.. أطباء غزة يواصلون مهمتهم الإنسانية في رفح
تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT
غزة- على الأرض وبأغطية متواضعة لا تقيهم البرد القارس، يعيش الطبيب محمد ماضي وأسرته، منذ نحو أسبوعين، في مركز للإيواء داخل مدرسة القدس الحكومية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
لهذه المدرسة لجأ الطبيب محمد ماضي بأسرته، رفقة أطباء وممرضين من زملائه مع عائلاتهم، قبل 12 يوما، بعدما قضوا أياما عصيبة داخل مستشفى الرنتيسي في مدينة غزة، حيث أطبق الاحتلال حصاره المستشفى بالدبابات والآليات العسكرية.
وتزامن حصار المستشفى مع قصف جوي ومدفعي شكل أحزمة نارية حول أسواره، وتسبب في جروح جديدة لـ8 مصابين داخل غرفه وأقسامه.
3 أيام من الحصار والغارات الجوية والقصف المدفعي، وتهديدات إسرائيلية للطواقم الطبية والمرضى والجرحى، انتهت بإخلاء المستشفى بتدخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويقول أطباء وممرضون نازحون -للجزيرة نت-، "أُجبرنا على إخلاء المستشفى، بعدما رفضنا لأيام إخلاءه دون المرضى والجرحى، ونحو 2000 نازح من المدنيين يحتمون به".
الطبيب محمد ماضي عاش وأسرته وطواقم مستشفى الرنتيسي أياما عصيبة بسبب الحصار قبل النزوح لمدينة رفح (الجزيرة) أيام عصيبة"هي الأصعب في حياتي"، هكذا يصف محمد ماضي أيام الحصار الثلاثة داخل مستشفى الرنتيسي الذي لم يغادره منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويقول للجزيرة نت "دخلت المستشفى في اليوم الأول للحرب، ولحقت بي أسرتي، وخرجنا منه مجبرين بعد توغل الدبابات وفرض حصار خانق حوله، بالتزامن مع قذائف تتساقط من حولنا وتنثر الموت والخوف".
والتحقت بماضي أسرته المكونة من زوجته و6 أبناء بعدما دمرت غارات جوية إسرائيلية شقتين يمتلكهما في بناية سكنية شمال مدينة غزة، ويوضح "فضلت أن نبقى سويا بعدما استشعرت الخطر مبكرا بأن هذه الحرب مغايرة لكل حروب الاحتلال السابقة على غزة".
قبيل حصار المستشفى تلقت إدارته وكغيرها من مستشفيات مدينة غزة وشمال القطاع، إنذارات إسرائيلية عبر الاتصالات الهاتفية وبإلقاء منشورات من الطائرات، بضرورة إخلائه.
ومع التوغل الإسرائيلي برا من شمال القطاع نحو مدينة غزة، كان المستشفى المجاور لمستشفيات أخرى في حي النصر، هدف الاحتلال بالحصار والاستهداف المباشر.
وأضاف ماضي أن الحركة من قسم لآخر ومن مبنى لآخر داخل أسوار المستشفى كانت مهمة صعبة ومحفوفة بمخاطر كثيرة، في ظل إطلاق نار من مسيرات إسرائيلية تحلق في أجواء المستشفى على مدار اللحظة، وتستهدف كل من يتحرك على الأرض.
الطبيب ماضي يقول إن غالبية الحالات المرضية بمراكز الإيواء بسبب الاكتظاظ الشديد وعدم توفر المرافق المؤهلة (الجزيرة) تحديات ومعوقاتومع أن مستشفى الرنتيسي متخصص بالأورام وسرطانات الأطفال، إلا أن تداعيات الحرب الإسرائيلية وأعداد الجرحى المهولة، جعلته يفتح أبوابه لتخفيف الضغط عن باقي المستشفيات العامة، خاصة مستشفى الشفاء الرئيسي، بحسب ماضي وهو مدير التمريض في المستشفى، وترأس قسما للجراحة تم افتتاحه للتعامل مع طوارئ الحرب.
ووفقا لماضي، اضطر المستشفى إلى وقف العمل بـ11 قسما تخصصيا، والإبقاء على 3 أقسام هي العناية المكثفة، وغسيل كلى الأطفال، والأورام، لمواكبة تداعيات الحرب على غزة، والتعامل مع حالة الطوارئ الناجمة عن شلال الدم الذي لا يتوقف، نتيجة الغارات الإسرائيلية جوا وبرا وبحرا.
ولأن المستشفى غير مؤهل للتعامل مع حالات الحروب، فقد واجه تحديات ومعوقات شديدة، ناجمة عن نقص الكوادر البشرية من الأطباء والتمريض، وعدم توفر الإمكانيات والمستلزمات الطبية اللازمة لتقديم الرعاية للجرحى، يقول محمد ماضي.
هذا الواقع دفع الممرضين محمود بردع وزوجته إلى التطوع في مستشفى الرنتيسي، حيث انتقلا إليه رفقة أطفالهما الستة، وخرجوا منه رفقة البقية، ونزحوا جنوبا نحو مدينة رفح، حيث يقيمون مع ماضي وأسرته وآخرين من طواقم المستشفى في مدرسة القدس الحكومية.
يقول بردع -للجزيرة نت- إن أياما من الرعب قضوها في مستشفى الرنتيسي، والموت كان قريبا منهم ليس فقط جراء الصواريخ والقذائف، وإنما جوعا وعطشا.
وأضاف أنهم اضطروا إلى خلط المياه المالحة بمياه طبية تُستخدم في عمليات غسيل الكلى للتخفيف من ملوحتها واستخدامها للشرب، بينما كانت حبات قليلة من التمر يوميا وجبتهم الأساسية.
تطوع ومساعدة
وبعد إجبارهم على إخلاء المستشفى، اختار بردع مرافقة صديقه ماضي نزوحا إلى مدينة رفح، ورغم هذه التجربة المريرة إلا أنهما وزملاء آخرين قرروا مواصلة أداء رسالتهم الطبية الإنسانية داخل مراكز الإيواء في مدارس حكومية بهذه المدينة، التي لجأ إليها أكثر من 300 ألف نازح، بحسب تقديرات رسمية.
وحوّل أطباء وممرضون في مدرسة القدس الحكومية غرفة صغيرة كانت تُستخدم مطبخا إلى عيادة، لتقديم خدمات رعاية طبية أولية لآلاف النازحين لها من منازلهم في مناطق خطرة في شرق مدينة رفح، أو من مدينة غزة وباقي مدن شمال القطاع.
وأوضح بردع أن أفراد طواقم مستشفى الرنتيسي الذين نزحوا إلى مدينة رفح، اتفقوا فيما بينهم على توزيع أنفسهم على مراكز إيواء داخل مدارس حكومية، لا تتلقى خدمات ومساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والتخفيف عن كاهل مستشفى أبو يوسف النجار الوحيد في المدينة، عبر تقديم الرعاية الأولية للمرضى من النازحين.
وبأقل الإمكانيات يتعامل الأطباء يوميا مع عشرات الحالات، ويقول الدكتور ماضي إن الغرفة صغيرة للغاية وغير مؤهلة كعيادة طبية، ولا تحتوي إلا على القليل جدا من الأدوية والمستلزمات الطبية، وبحاجة إلى الكثير لتقديم رعاية أفضل للنازحين داخل المدرسة.
وبينما كان ماضي منشغلا في فحص طفل نازح مع أسرته من مناطق شرق مدينة رفح المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي، أفاد بأن غالبية الحالات المرضية تعاني من النزلة المعوية والتهابات الصدر، والأمراض الجلدية كالجرب والجدري.
وأوضح أن كل هذه الأمراض ناجمة عن الازدحام الشديد، وتدني مستوى النظافة، وانعدام المياه الصالحة للشرب، وعدم توفر مرافق مؤهلة داخل مراكز الإيواء في المدارس لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من النازحين، وجلهم من الأطفال والنساء وكبار السن.
ويقول والد الطفل سليمان (3 أعوام)، صبحي عدوان -للجزيرة نت- إنه أنجبه وتوأمه بعد نحو 12 عاما من الزواج، ويخشى عليهما جراء الأوضاع الكارثية داخل مراكز الإيواء، بعدما اضطر إلى النزوح بأسرته من منزله شرق المدينة، بسبب الغارات الجوية والقصف المدفعي الإسرائيلي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مستشفى الرنتیسی مراکز الإیواء للجزیرة نت محمد ماضی مدینة رفح مدینة غزة
إقرأ أيضاً:
تحقيق لأسوشيتد برس: إسرائيل لم تقدم دليلا على وجود حماس في المستشفيات
ذكر تحقيق لوكالة أسوشيتد برس أن إسرائيل لم تقدم دليلا يُذكر على وجود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المستشفيات المستهدفة بقطاع غزة.
وذكرت الوكالة أنها أجرت تحقيقا على مدى أشهر، جمعت خلاله شهادات عن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مستشفيات العودة والإندونيسي وكمال عدوان بقطاع غزة، وأجرت مقابلات مع أكثر من 30 مريضا وشهودا وعاملين في المجال الطبي والإنساني، فضلا عن مسؤولين إسرائيليين.
وخلص التحقيق إلى أن "إسرائيل لم تقدم أدلة تذكر على وجود مقاتلي حماس في تلك الحالات".
وذكرت الوكالة أن مكتب المتحدث العسكري الإسرائيلي رفض التعليق على قائمة بحوادث مرتبطة بهجمات إسرائيلية على مستشفيات في قطاع غزة، ونقلت عن المكتب قوله إنه "لا يستطيع التعليق على أحداث محددة".
وأشارت الوكالة إلى أن المنشآت الطبية قد تتعرض للنيران خلال الحروب، لكن أطراف الصراع عادة ما يصورون تلك الحوادث على أنها عرضية أو استثنائية، نظرا لأن المستشفيات تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي، غير أن إسرائيل في حربها المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام تنفذ حملة مفتوحة على المستشفيات، حيث حاصرت وداهمت على الأقل 10 مستشفيات عبر القطاع، بعضها عدة مرات، فضلا عن استهداف العديد منها بغارات.
وبررت قوات الاحتلال ذلك بأنه ضرورة عسكرية في سعيها لتدمير حماس، وتدعي أن الحركة تستخدم المستشفيات كـ"مواقع قيادة وتحكم" للتخطيط للهجمات، وإيواء المقاتلين، وإخفاء المحتجزين. وتقول إن ذلك يلغي الحماية الخاصة بالمستشفيات.
العودة والإندونيسيوذكرت الوكالة أن جيش الاحتلال لم يسبق أن قدم أي ادعاءات بوجود لحماس في مستشفى العودة، لكن ذلك لم يمنعه من فرض حصار خانق على المستشفى خلال الأسابيع الماضية، ومنع إجلاء مرضى كانوا في حالة حرجة، فيما اكتفى طاقم المستشفى بتناول وجبة واحدة يوميا اقتصرت أحيانا على قليل من الخبز أو الأرز.
ونقلت شهادات أكدت أنه في غياب جراحين متخصصين اضطر من تبقى من الأطباء في المستشفى إلى بتر أطراف مصابين لإنقاذ أرواحهم، فيما تم توثيق العديد من جرائم جيش الاحتلال، ومن بينها إطلاق نار على امرأتين كانتا على وشك الولادة وتركهما تنزفان في الشارع حتى الموت، كما تم استهداف غرفة العمليات بقذيفة تسببت بقتل 3 أطباء وأحد مرافقي المرضى.
وفي المستشفى الإندونيسي، نقلت أسوشيتد برس شهادة الممرض تامر الكرد، الذي أكد أنه بقي في المستشفى رفقة طبيبين ونحو 44 مريضا، وقال إنه كان يعاني من الجفاف بدرجة بدأت تسبب له الهلوسة.
وأوضحت أن المستشفى هو الأكبر في شمال غزة، وطوابقه العليا اليوم متفحمة، وجدرانه مغطاة بالشظايا، وبواباته مغطاة بالأنقاض المتراكمة، وقالت إن ذلك إرث حصار إسرائيل للمستشفى في خريف 2023.
وقبل ذلك الهجوم، زعم الجيش الإسرائيلي أن هناك مركز قيادة وتحكم تحت المستشفى، غير أنه وبعد حصار ومداهمة المستشفى، لم يقدم الجيش أي دليل على وجود ذلك المركز، وذكرت الوكالة أن مكتب المتحدث باسم الجيش لم يرد عند توجيه سؤال له عما إذا وجدت أية أنفاق في المنطقة.
مستشفى كمال عدوانوعن مستشفى كمال عدوان، ذكرت الوكالة أن مدير المستشفى حسام أبو صفية بقي وحيدا رفقة طبيب آخر لعلاج عشرات الجرحى، وذلك بعد احتجاز جميع العاملين الطبيين تقريبا خلال استهداف قوات الاحتلال للمستشفى نهاية الشهر الماضي.
وأوضحت أن أكثر من 30 فردا من الطاقم الطبي لا يزالون محتجزين، بمن فيهم رئيس التمريض الذي يعمل في منظمة "ميدغلوبال" الأميركية التي ترسل فرقا طبية إلى مناطق الكوارث، والدكتور محمد عبيد، الجراح لدى منظمة أطباء بلا حدود الذي كان يعمل سابقا في مستشفى العودة، وانتقل إلى كمال عدوان.
وقالت الوكالة إن الجيش الإسرائيلي قال إنه احتجز 100 شخص، بعضهم "كانوا يتظاهرون بأنهم موظفون طبيون، وزعم الجيش أن المستشفى كان "يعمل بكامل طاقته، مع جميع الأقسام التي تعالج المرضى"، ونشر لقطات لعدة أسلحة وراجمات "آر بي جي" مع عدة طلقات قال إنه وجدها داخل المستشفى.
وأشارت الوكالة إلى أن الجيش زعم أن حماس استخدمت المستشفى كمركز قيادي دون أن تقدم أي دليل، وأكد أن الجنود عثروا على أسلحة، لكنه اكتفى بعرض لقطات لمسدس واحد فقط.
وأكدت أسوشيتد برس أن الجيش يشير كثيرا إلى أن المستشفيات مرتبطة بشبكات أنفاق تابعة لحماس، إلا أنه أظهر نفقا واحدا فقط في المستشفيات التي قام بمداهمتها.