ذات يوم موغل من تاريخنا وفي منطقة نائية من مناطق دولة الخلافة مر (علج رومي) براعية فصفعها فهتفت الراعية المسلمة بأعلى صوتها قائلة (واامعتصماه) فسمعها بعض أرباب القوافل العابرين بالطريق، فحملوا صوتها معهم حتى وصلوا إلى حضرة الخليفة (المعتصم)، فأبلغوه بحكاية الراعية، فقام على الفور وأرسل لقيصر الروم برسالته ورسوله طالبا منه تسليم (العلج) الذي أهان المرأة المسلمة، ما لم فإنه سيرسل إليه جيشا أوله في روما وآخره في بغداد، ثم خرج الخليفة المعتصم علي رأس جيشه نحو الثغور فارتجت دولة القيصر الروماني فتحرك بدوره وأرسل الضابط الروماني إلى الخليفة المعتصم مكبلا بالأغلال مقرونا بالأسف والاعتذار، ولما وقف ( العلج الروماني) أمام الخليفة أشار الخليفة إلى المرأة قائلا لها هل هو من اعتدى عليك؟.
كم امرأة هتفت من غزة بصوتها الباكي والمرعوب من الخوف ونادت وااعروبتااه.. واااإسلاماااه.. كم طفل من غزة هتف بصوته المرتجف خوفا من بطش علوج الصهاينة باسم العروبة والأخوة والإسلام، باسم الإنسانية والطفولة، باسم القيم والأخلاقيات.. لكن لا أحد سمع صرخات نساء غزة وفلسطين، لا أحد سمع صرخات الأطفال في غزة والضفة والقدس، لم يسمع أحدا في الأمة أصوات الثكالي، والأرامل والأيتام، لم يسمع أحد أين (الأطفال الخدج) وأطفال المدارس، لم يشفق أحد على أطفال غزة، ولم يكترث أحد باستشهاد 7000 ألف طفل.. نعم سبعة آلاف طفل سقطوا في غزة ضحايا أبشع وأقذر حرب همجية عرفها التاريخ الإنساني الحديث والمعاصر، وهناك أكثر من أربعة آلاف طفل تحت الأنقاض، وأكثر من خمسة آلاف امرأة سقطن في هذه المجزرة الصهيونية التي لم يسبق أن ارتكبها طاغية قبل الصهاينة ولن يرتكبها أحد بعدهم، فما يحدث في غزة وفلسطين من جرائم لا يرتكبها إلا الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني لا فرق عنده بين طفل أو امرأة أو شيخ، أو جنين لا يزال يكمل نموه داخل (حضانة في مشفى) فكل هؤلاء دون استثناء، وجدوا أنفسهم أهدافاً عسكرية للقوات الصهيونية (الأكثر أخلاقا في العالم والأكثر ديمقراطية، والأكثر تحضرا) حسب رؤية أمريكا وبريطانيا والغرب والعالم المنحط، هذا العالم الذي هزمته غزة، وأهانته غزة، وداست على قيمه غزة، وجردته من كل القيم غزة، وعنه أسقطت غزة آخر أوراق التوت التي كانت تستر عورات النظام الدولي الأقبح والأبشع في تاريخ الإنسانية..!!
إن الجرائم التي طالت أطفال ونساء وشيوخ غزة وفلسطين ستبقى وصمة عار في وجوه كل عربي ومسلم، ووصمة عار في جبين النظام العالمي المنحط والمجرد من كل القيم والأخلاقيات، هذا العالم المتشدق بالحقوق والحريات، وحقوق الطفولة والمرأة، والإنسان، تلعنه غزة، ويلعنه أطفال غزة الشهداء وأولئك الذين تحت النقاب، ويحتقرهم الناجون من أطفال غزة حتى الازدراء..!
أن أطفال ونساء وشيوخ فلسطين الشهداء وأولئك الذين تحت الأنقاض أو الناجين منهم والجرحى، كل هؤلاء يلعنون هذا العالم، ويحتقرون هذا العالم، ويزدرون هذا العالم المنافق والمجرد من كل المشاعر الإنسانية، وفي مقدمة من يزدريهم أطفال غزة ونساءها وشيوخها هم الأنظمة العربية، أولئك الذين سيضعهم التاريخ في صفحاته كأنداد لابن (العلقمي)، وكخونة ومرتهنين وجبناء وأكثر انحطاطا من العدو، الذي ارتكب كل هذه المجازر بحق أطفال ونساء وشيوخ غزة..؟!
أي أمة عربية هذه التي عجزت عن حماية أطفال من عدو مجرم..؟ ويعرف الجميع أنه مجرم ومنحط، لا قيم له ولا أخلاقيات، عدو استيطاني عنصري ليس لديه مشاعر إنسانية ولا ينتمي للإنسانية أصلا..
نعرف أن كل الأنظمة العربية والإسلامية هي أعجز منفردة أو مجتمعة من خوض الحرب من أجل تحرير فلسطين، فهذا الأمر يحتاج إلى رجال وزعماء أحرار وليس لحكام (مثليين) يرتعبون من مشاهدة أفلام عمر المختار، أو صلاح الدين، أو فيلم الرسالة، نعم يرتعبون حين يشاهدون هذه الأفلام عبر الشاشة، ومن سيرة أبطالها العظام.. فكيف لهم أن يقوموا بأعمال تتماهى مع ما قام به أبطال هذه الأفلام أو من تحكي هذه الأفلام قصصهم.؟!
لهذا وأمام هذا الواقع المؤلم دخلت اليمن ممثلة بقائدها سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي كان سيكون له ولليمن دور وموقف لو كانت الأقدار قد جعلتنا على حدود جغرافية هذا الوطن العزيز حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومع ذلك فقد قام هذا القائد اليمني والعربي والمسلم بما عجز عنه (57 علجا) عربيا وإسلاميا، يصعب على أي حر أن يصفهم بغير العلوج المرتهنة، والاتباع المجردين من الشرف والرجولة والمروءة، وليس فيهم من يحمل وإن بقايا غيرة ونخوة إسلامية أسطوانة ذات يوم وجدان بقايا ( مماليك)، فاسقطوا بإسلامهم وعروبتها المكتسبة إمبراطورية جنكيز خان وهزموا جحافل هولاكو..؟!
(علوج الأنظمة) طلب منهم علنا الجزار الصهيوني قاتل الأطفال ومجرم الحرب النتن.. ياهو أن يصمتوا..!! فصمتوا جميعا ولم يتجرأ أحدهم أن يدخل لأطفال غزة علبة ماء أو دواء أو حليب، بل قعدوا يتفرجون على مجزرة أطفال غزة وعلى أنين الأمهات وصراخهن وكأنهم يتفرجون فيلماً من أفلام هوليود أو برنامج ترفيهي من برامج (خادم الحرمين) الذي لم يخجل حين راح يدشن في أرض الحرمين مهرجاناً (دولياً للكلاب) فيما أطفال غزة يذبحون بأسلحة حلفائه الصهاينة والأمريكان، هل هذا يستحق أن يلقب بخادم الحرمين؟! هل هذا يستحق أن يكون أمينا على المشاعر المقدسة؟! ومن منحه هذه الصلاحية وهو ليس أهلا لها ولا يستحقها، ولا يؤمن عليها..
لهذا نقول.. إن حذاء السيد عبد الملك بدر الدين أشرف وأطهر من وجوه كل هؤلاء الخونة الذين يتلذذون بصراخ وأنين أطفال فلسطين وعويل أمهاتهم ولا يحركون ساكنا وفي أيديهم أن يعملوا الكثير، ليس حربا فنحن أعلم أنهم أجبن وأنذل من أن يكونوا رجال حرب ومواقف، بل كنا نأمل أن يتماهى موقفهم مع أهلنا في غزة مع موقفهم مع أوكرانيا، وإن من باب أضعف الإيمان، هذا إن كانوا يعرفون معنى الإيمان وقيمه ورسالة المؤمن.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
خالد حمادي.. رجل الأعمال الذي باع (طريق الشعب) في الإشارات الضوئية !
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
يتفق معي الكثيرون على أن الكتابة عن (شخص غريب) أبسط وأسهل من الكتابة عن (شخص قريب).. وصدقاً أني لم أتوصل لمعرفة أسباب ذلك، رغم أني تعرضت الى هذا الامتحان الصعب أكثر من مرة، سواء في استشهاد شقيقي خيون (أبو سلام) أو عند رحيل والدي الحاج أبو خيون، أو بإصابة ابن عمي المناضل (النصير) سامي الدراجي (أبو سومر) ومن ثم رحيله الموجع، أو في نكبات عديدة أخرى توقف فيها قلمي عن الكتابة تماماً، ولم تسعفني كل الأدوات والخبرات الكتابية والصحفية التي في حوزتي.. وحالة الشهيد الشيوعي البطل خالد حمادي واحدة من الحالات التي جف فيها حبر قلمي، ولم أستطع الكتابة قط.. فخالد حمادي لم يكن شخصاً مثل غيره، ليس لأنه يخصني بأكثر من خصوصية وعلاقة وقربى فحسب.. إنما ثمة علاقة روحية وشخصية بيننا.. فهو خال بنتي ومسؤولي الأول في اتحاد الشبيبة الديمقراطي، ومسؤولي في الحزب الشيوعي بمطلع سبعينيات القرن الماضي، وهو صديق عزيز، وشخص نبيل، وهادئ، ومثقف سياسي من النوع العالي، وهو متحدث رائع لا يظاهى رغم أنك لا تسمع صوته حتى لو جلست بجواره كتفاً الى كتف.. إنه باختصار، شخص رائع (تخليه بنص گلبك) كما يقول العامة ..
نعم، لقد تأجلت الكتابة عن إعدام الشهيد خالد حمادي عندي أكثر من ربع قرن، وهي فترة تتناسب مع الفترة التي توقف فيها قلمي عن الكتابة في نكبات ومصائب مماثلة أخرى .. واليوم حين وجدت أن ( ماعون الصبر قد فاض) بحيث لم يعد ثمة مجال لأي تأجيل آخر، جلست أمام الكيبورد، وفي رأسي وقلبي شريط طويل عن خالد حمادي.. شريط طوله 53 سنة، يبدأ من جذر العلاقة والرفقة والصداقة مع هذا الكائن المثالي في المبادئ والقيم والنبل والكرم والبسالة والثبات على المبدأ.. نعم لقد مرت 53 عاماً على أول لقاء لي به، حين دخل علينا في بيت أحد الرفاق وقدم لنا نفسه باسمه الحزبي قائلاً : أنا مسؤولكم الجديد .. رحبنا به، وبدأ الاجتماع بحديثه عن تجاوزات السلطة البعثية رغم أنها تعرض ميثاقاً للتحالف الجبهوي ..!
لقد كان يتحدث بهدوء عجيب، ولغة صافية ودقيقة، وكان يختصر موضوعاته بتكثيف فذ يذكرك بالحكواتي الذي يمسك بتلابيب حكايته مثلما يمسك بتلابيب قلوب مستمعيه الصغار .. كان أعضاء خليتنا ينصتون اليه فحسب، بينما كنت الوحيد الذي ينصت اليه وفي نفس الوقت ينظر الى ملامحه ويتفرس وجهه الممتلئ باللحم .. حتى كنت أقول في سرّي : (كيف صار هذا البرجوازي – أبو لغد – شيوعياً) ؟
لم أكن أعلم أن صاحب هذا اللغد (شابع ضيم وظلايم)، وأن خلف هذا (البرجوازي المترف) تاريخاً من الفقر والعوز والنضال، وظلمة الزنازين والمعتقلات السرية.. وليالي طويلةً من التعذيب الدامي في (قصر النهاية) الذي أفقده إحدى عينيه..
وطبعاً انا لم أكن ولا حتى رفاقي في الخلية يعلمون أن صاحب البدلة الأنيقة الذي يدير اجتماعنا هو خالد حمادي القادم من منطقة ( العذارية ) في الديوانية، والمنتقل مع أسرته الى قطاع 24 في مدينة الثورة، وأنه شقيق لثلاثة أخوة شيوعيين، وثلاث شقيقات شيوعيات – واحدة منهن ستصبح زوجتي يوماً ما ، والأخرى زوجة للشاعر الشهيد ذياب كزار أبو سرحان- ولم أكن أعرف أن هذا الرجل الوديع قد ( دوّخ ) الحرس القومي و الأجهزة الأمنية في محافظة الديوانية بل وفي عموم منطقة الفرات الأوسط، ولم تسترح هذه الأجهزة منه حتى اعتقلته وحكمت عليه محاكمها بالإعدام ليُخفض الحكم – جماعياً – الى السجن المؤبد ..
لقد مرّ الشريط أمامي وأنا أبدأ كتابة هذا المقال، وها هي سيرته المكتنزة تلمع بالمواقف المبدئية، والقصص الإنسانية، والتأريخ المزدحم بالمآثر والتضحيات، فتحار من أين تبدأ، وماذا تختار وأنت امام سفر مليء بالحكايات التي تصلح جميعها للتدوين! ..
وأذكر هنا أن الرفيق حيدر الشيخ علي طلب من ( الرفيق ) خالد حمادي قبول زيارة وفد من الحزب لغرض طلب يد شقيقته.. باعتبار أن خالد هو صاحب الكلمة المسموعة في بيت الراحل حمادي راضي، رغم وجود أشقائه خزعل وطارق وشاكر وباسم، لكن خالد ابتسم وقال : آني راح أجي وياكم خطّاب مادام الخطوبة لرفيق فالح .. !!
وبهذه الجملة حسم خالد موضوع الخطبة لصالحي.
ثمة مواقف أخرى لأبي أحمد، منها موقفه الشهير في محكمة المجرم عواد البندر عام 1989 بعد إعلان حكم الإعدام عليه وعلى مجموعته الشيوعية التي ضمت سبعة رفاق .. حيث وقف خالد بقامته المديدة، وراح يهتف بسقوط صدام حسين، وحياة الشعب العراقي والحزب الشيوعي، حتى أن أحد الحراس في المحكمة حكى بنفسه لأبناء قطاع 24 في مدينة الثورة ما فعله خالد حمادي في تلك المحكمة، وما قاله للمجرم عواد بندر، وقد إختصر هذا الحرس كلامه بجملة واحدة، قال فيها: ( هذا خالد حمادي ما جايبته مرة إنما جايبته نسره) .. !!
ثمة موقف كبير اخر يجب أن أحكيه للتاريخ وللأمانة..
لقد عمل خالد حمادي بعد خروجه من المعتقل و انتقالهم الى بغداد في نهاية الستينيات في مجال الصناعة، ولأنه رجل نزيه وصادق في عمله فضلاً عن مهاراته الصناعية، فقد نجح نجاحاً كبيراً وأصبح علماً من أعلام صناعة الأصباغ والبتروكيماويات والشتايكر وغيرها، و رقماً مهماً بشركاته ( شركة الشرق ) وغيرها ليس في العراق فحسب بل حتى في بلدان الخليج وعموم المنطقة أيضاً، ورغم ذلك لم ينقطع خالد عن عمله الحزبي كشيوعي مناضل جسور، إذ تعرض للأسف الى خيانة (أحدهم)، اعتقل على إثرها مع مجموعته الشجاعة، وقد استخدمت ضده في التحقيق وفي المحكمة كذلك، مستمسكات ووثائق زودهم بها من (خان الأمانة) !.. فجاء الحكم عليه بالإعدام، وقد نفذ الحكم في عام 1989 وهو يهتف بحياة الشعب والحزب الشيوعي ..
وهنا أذكر موقفاً آخر لأبي أحمد، حين حاصرت الأجهزة الأمنية توزيع جريدة طريق الشعب بعد منتصف السبعينيات، وشددت مراقبتها على المكتبات ومنافذ بيع الصحف وأصدرت أوامرها السرية بعدم توزيع وبيع جريدة الحزب الشيوعي (طريق الشعب) وإلا فثمة عقوبات صارمة تنتظر المخالف، اضطر على إثرها الحزب الى توزيعها وبيعها يدوياً بواسطة الرفاق في المنظمات الحزبية .. وهكذا تطوع عدد كبير من الرفاق في مختلف مدن العراق، ومن بينها مدينة الثورة للوقوف عند الإشارات الضوئية والمناداة : اشترِ طريق الشعب .. اشترِ جريدة الحزب الشيوعي .. وكان رجال الأمن يتحاشون الاصطدام المباشر بهؤلاء الرفاق، فقد كانت الجبهة الوطنية لم تزل موجودة آنذاك.. ورغم الصعوبة فقد كان لخالد حمادي دور لم يزل يرويه بعض الرفاق في الجلسات والإجتماعات، حين وقف أبو أحمد بجثته وهيئته الفخمة، ووجهه الباذخ، مرتدياً بدلته الإنكليزية، وربطة عنقه الفرنسية، وحذاءه الإيطالي عند ( الترفيك لايت )، منادياً باسم جريدة طريق الشعب..في مشهد غريب لا يتناسب وهيئة بياعي الصحف، لكن خالد كان يتقصد ذلك المشهد والظهور بتلك الصورة من أجل الفات نظر الناس، وفضح السلطة البعثية .. وفي مرة أراد أحد رجال الأمن السريين إهانته عند الترفيك لايت، فقام بوضع درهم في يد خالد مثلما يوضع عادة في يد الشحاذ، لكن خالد لحقه وأعطاه جريدة طريق الشعب، إلا أن رجل الأمن أعاد اليه الجريدة قائلاً: أنا لا أقرأ هذه الجريدة !!
فضحك خالد وقال له بخشونة : إذن خذها وأعطها للضابط المسؤول عنك ليقرأها، عسى أن يتثقف ويصير آدمي !!
فالح حسون الدراجي