الثورة نت:
2025-03-10@19:35:16 GMT

عطاء العظماء (2)

تاريخ النشر: 23rd, November 2023 GMT

 

عطاء الشهداء العظماء لا يحده حد، ولا يوصفه واصف، عطاء غير مشروط، عطاء خال من أي مطامع أو مصالح أو مكاسب دنيوية، عطاء لله وفي سبيله، يجودون بأرواحهم الطاهرة الزكية، وهي أغلى ما يملكون، دفاعا عن الأرض والعرض والشرف والكرامة والسيادة، لا يبحثون عن مناصب ، ولا رتب ، ولا مرتب ، كل همهم القتال والاستبسال في سبيل الله، إما النصر وإما الشهادة ، ولا خيار ثالث لهم مطلقا ، ومن أجل ذلك تحركوا بكل فاعلية ، من منطلق الواجب المقدس ، واجب الجهاد ، ذروة سنام الإسلام، وأحد أبواب الجنة الذي أعده الله وجهزه لخاصة أوليائه .


ما من شهيد قدم روحه الطاهرة من أجل أن يحظى بمنصب سياسي أو رتبة عسكرية أو من أجل وظيفة هنا أو هناك ، الشهيد قدم روحه الطاهرة في سبيل الله من أجل أن نعيش أعزاء كرماء ، من أجل أن نحيا الحياة التي خلقنا الله من أجلها، حياة العبودية والخضوع والاستسلام لله ولرسوله ، والعمل بمقتضى كتابه الكريم، حياة الشموخ والإباء ، التي لا يمكن القبول بسواها مهما بلغ حجم الأخطار، ومهما وصلت التضحيات ، وليس له أي رغبة في هذه الدنيا ، فهو يراها على حقيقتها، حياة فانية حقيرة ، أشبه بمحطات الترانزيت يتزود منها الإنسان بالزاد النافع له في الآخرة، التي تعد الحياة الحقيقية التي يجب أن يتنافس الجميع على الفوز بها .
لا يرى الشهيد في الدنيا ما يغريه للانغماس خلف ملذات الدنيا وترك واجب الجهاد المقدس، ولذلك لا أهمية لها بالنسبة له، وهو بذلك يجسد أسمى وأرقى صور العطاء والتفاني التي لا نظير لها، كلنا استمعنا إلى وصايا العديد من الشهداء الخالدين العظماء، الأحياء عند ربهم يرزقون، هل سمعنا في وصية أحدهم أنه يطالب الدولة أو الحكومة بمنح ابنه أو شقيقه أو قريبه وظيفة مرموقة أو رتبة عسكرية كبيرة؟ أو أنه طالب القيادة والحكومة بالعناية والاهتمام بأولاده وأسرته وتقديم كل سبل الدعم والعون لهم؟!
كلنا نعرف الإجابة مسبقا ، فما سمعنا ولن نسمع ذلك على الإطلاق ، لأن الشهيد لديه اهتمامات أخرى متجردة من المصالح والمكاسب الدنيوية ، اهتمامات جاهد من أجلها ، وأستشهد في سبيل الله من أجل تحقيقها ، اهتمامات لا علاقة لها بمعايير الربح والخسارة الدنيوية ، لذا تكاد تنحصر وصايا الشهداء العظماء في دعوة أهلهم وذويهم بالسير على خطاهم والالتحاق بركب المسيرة القرآنية ، والانخراط في صفوف المجاهدين وعدم التقاعس والتكاسل في أداء هذا الواجب ، ولسان حالهم يتجسد في قوله تعالى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين).
بالمختصر المفيد عطاء الشهداء هو أرقى صور العطاء، وإخلاصهم وتفانيهم وزهدهم في الدنيا وملذاتها ومغرياتها مدعاة للزهو والافتخار والاقتداء والتآسي لأهلهم وذويهم، للسير على ما ساروا عليه، والعمل بمقتضى وصاياهم التي تجسد طلاقهم البائن للدنيا وعدم اكتراثهم بها، وسعيهم من أجل الفوز بالشهادة والظفر بها، والتي تمثل العطاء الرباني الذي حباهم الله به، مقابل العطاء الذي قدموه، والذي لا عطاء ولا جود أغلى منه .
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم وعاشق النبي يصلي عليه وآله.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

إفطارهم في رمضان.. مصطفى سمير شهيد في ضمير الوطن

في يومٍ عاديٍ في محافظة كفر الشيخ، كان الشهيد مصطفى سمير، ضابط الشرطة، يؤدي عمله بروح القانون التي اعتاد عليها، غير مدرك أن ذلك اليوم سيكتب نهايته، فبينما كان يوقف أحد الأشخاص المخالفين لتوقيع مخالفة مرورية، اندلعت لحظة عنف مفاجئة، في لحظة غضب طائشة، أطلق الجاني رصاصةً عابرة، لتستقر في جسد مصطفى سمير، وتكتب بذلك فصلًا جديدًا في قصة شهيد، كان حياته مليئة بالعطاء والشرف.

على الرغم من كونه ضابطًا في وزارة الداخلية، إلا أن مصطفى سمير لم يكن مجرد رجل يرتدي زيًا رسميًا، كان إنسانًا قبل أن يكون بطلًا، رجلًا يحمل في قلبه حبًا كبيرًا للناس، روح القانون، وفطرة الطيبة، في حياته، عُرف بحسن خلقه مع الجميع، وبأدائه الراقي لوظيفته التي لا تحوي مكانًا للظلم أو القسوة، كانت أفعاله تسبق كلماته، ولعل أكبر دليل على ذلك هو جنازته المهيبة، التي خرج فيها المئات من أبناء كفر الشيخ، شبابًا وفتيات، يحملون لافتات وداعٍ تعبر عن مدى التقدير والمحبة التي كان يكنها له الجميع.

أما زوجته، مروة محمد الشاذلي، فقد سطرت في كلماتها أصدق المعاني التي يتساقط فيها الحزن والفخر معًا. قالت بصوت مليء بالثقة: "زوجي الآن في مكانة أفضل وأسمى من أي مكانة دنيوية، فهو في منزلة الشهداء عند الله"، كانت كلماتها، رغم الحزن الذي يكسو قلبها، تحمل في طياتها إيمانًا عميقًا أن مصطفى لم يذهب إلى مكان بعيد، بل هو حي في قلوب جميع من عرفوه.

"أدعو له بأن ينير الله قبره ويجعله روضة من رياض الجنة"، أضافت مروة، بينما كانت تشعر بالفخر لما كان عليه زوجها من حسن الخلق والمعاملة الطيبة، وهو ما أكده الجميع في كفر الشيخ، بما في ذلك في جنازته التي حضرها الآلاف، وكانوا يتسابقون لتعليق صورة الشهيد على سياراتهم، تكريمًا لشخصه العظيم.

وبينما تردد كلمات الدعاء للموتى في قلبها، لم تخلُ تصريحات مروة من مرارة الفقد والألم. قالت في رسالة لروح زوجها: "أدعو الله أن ينتقم من الإرهابيين الذين رملوا زوجات الشهداء"، إنها كلمات تتنفس عزة، وتعبير عن الكبرياء في مواجهة الطغاة. وتتابع مروة: "أدعو الله أن يحمى ضباطنا ورجال الأمن، وأن يبارك في ابنتي جيسي الصغيرة، التي ستكبر وهي تعرف جيدًا معنى التضحية وحب الوطن".

وفي حديثها عن دعم الدولة لها، أشادت مروة بجهود وزارة الداخلية، وأكدت أن تواجدهم المستمر مع أسر الشهداء يُشعرهم بالطمأنينة، كما عبّرت عن تقديرها البالغ لدور الرئيس عبد الفتاح السيسي في دعم أسر الشهداء، وخاصةً عندما كرّمهم في عيد الفطر المبارك، وأفسح لهم وقتًا للإفطار معه، في لحظة حملت بين طياتها احترامًا وتقديرًا لجميع الأسر التي قدمت أغلى ما تملك فداء للوطن.

رحل مصطفى سمير، لكن روحه لا تزال حية في كل زاوية من كفر الشيخ، وفي قلب زوجته، وابنته الصغيرة. هو ليس مجرد شهيد سقط أثناء تأدية عمله، بل هو رمزٌ لكل ضابط يسعى لحماية وطنه بكل إخلاص. في يومٍ من الأيام، سيحكي التاريخ عن مصطفى سمير، عن رجلٍ سعى للعدل والمحبة في كل خطوة، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الوطن، يتردد في الألسنة على مرّ الزمن.

في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.

هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.

في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.

مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.

إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.

 







مشاركة

مقالات مشابهة

  • إفطارهم في رمضان.. مصطفى سمير شهيد في ضمير الوطن
  • درس التراويح بالجامع الأزهر: استثمار الوقت في الطاعات سبيل للفلاح في الدنيا والآخرة
  • عالم بالأزهر: يوم الشهيد رمز للعزة والفخر الوطني.. فيديو
  • رئيس إسكان النواب: يوم الشهيد يجسد أعظم معانى التضحية والفداء في سبيل الوطن
  • رئيس جامعة الأزهر في يوم الشهيد: الشهادة في سبيل الله أرفع المنازل وأعظم الأعمال
  • عرفان بالجميل.. عطاء لا محدود من جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب لأسر الشهداء والمصابين
  • مفتي الجمهورية: دماء الشهداء سطورٌ محفورة في تاريخ الأمة ومفاتيح عزتها التي لا تذبل
  • هل ابتلاع بقايا الطعام التي بين الأسنان يفسد الصيام؟.. الإفتاء تجيب
  • دعاء اليوم الثامن من رمضان .. يجمع لك خيري الدنيا والآخرة
  • أمير القصيم: التبرع السخيّ من القيادة الرشيدة للحملة الوطنية للعمل الخيري يجسّد نهج العطاء وترسيخ قيم التكافل الاجتماعي