سلط الكاتب الصحفي البريطاني، جو جيل، الضوء على تأثير الاحتجاجات العالمية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشيرا إلى أن تصاعدها الكبير "قد يغير قواعد اللعبة".

وذكر جيل، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أنه التقى فلسطينية بريطانية من غزة، تدعى "نداء اليمان"، لم تنم منذ أسابيع، وتحاول يائسة مساعدة والدتها، البالغة من العمر 80 عامًا، وشقيقتها على الخروج من القطاع منذ بدء الحرب، كما أن عائلة زوجها محاصرة هناك، وقتل بعضها.

وأوضح جيل أنه أجرا المقابلة مع "نداء" على هامش احتجاج "الموت" من أجل غزة في برايتون، حيث استلقى أكثر من 100 شخص في الشارع مغطين بملاءات بيضاء، مصحوبين بالأغاني والأشعار.

أضاف أن الوضع في غزة هو أن الرعب والفظائع التي ترتكب في اليوم السابق ليست سوى مقدمة لجرائم الحرب الأكثر بشاعة في اليوم التالي، والتي يتم تنفيذها في الظلام مع انقطاع الإنترنت والكهرباء الذي تفرضه إسرائيل، على مرأى من العالم.

تقول نداء: "الأمر فظيع. لا أستطيع التحدث مع عائلتي. كل صباح، يجب أن أستيقظ مبكرًا جدًا لمحاولة الاتصال بهم... ليس لديهم أي إنترنت أو أي خط أرضي، لقد قطعه [الإسرائيليون]".

والدتها، التي تعاني من مشاكل في الكلى، تسكن في الصبرة، غرب غزة، وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني، استهدفت غارة جوية إسرائيلية مسجد الصبرة وقصفته، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 50 شخصًا.

ومع الضربات المكثفة في المنطقة، دفعت نداء والدتها إلى التوجه جنوبًا، ولم يكن هناك سيارة أجرة، لذلك كان عليها أن تمشي.

وينقل جيل عن نداء قولها: "مشيت 6 ساعات أو أكثر. لقد سقطت مرتين لأنهم أطلقوا النار على الناس لإخافتهم، وأطلقوا النار بين أرجلهم.. كان [الجنود الإسرائيليون] يضحكون عندما سقطت، وإذا ذهبت أختي للمساعدة، يصرخون، لا يريدون أن يساعد أحد أي شخص".

وأضافت: "إذا كان أي شخص يحمل خبزًا أو رقائق البطاطس للأطفال أو شوكولاتة أو أي شيء متبقي في المنزل، يطلبون منه التخلص منه. قالت أختي إنها في طريقها إلى الجنوب وجدت الكثير من الطعام على الأرض، خبزًا وبسكويتًا. ولا يُسمح لهم بتناول أي شيء أثناء المشي".

والدة نداء الآن في دير البلح، موطن مقبرة الكومنولث البريطانية للقوات الهندية التي قاتلت من أجل الإمبراطورية البريطانية ضد الأتراك في الحرب العالمية الأولى.

ومنذ يوم الجمعة الماضي، لم يساعده عائلة نداء أحد، لا الصليب الأحمر، ولا الأمم المتحدة، ولا أي سيارة إسعاف، فيما قُتل الكثير من أفراد عائلة زوجها أثناء محاولتهم الفرار بعد أن أمرتهم إسرائيل بالمغادرة، وخرجت إحدى قريباتها المسنة من منزلها مع حفيدتها المعاقة وزوجة ابنها، وهي تلوح بالعلم الأبيض، وتقول نداء إن القوات الإسرائيلية أطلقت النار عليهم.

ويعلق جيل بأن أولئك الذين تابعوا الحروب في الشرق الأوسط منذ عام 2001 يشهدون على عدد لا يحصى من الهجمات المروعة على المدنيين، بدءًا من حرب الخليج الثانية، عندما شاهد الملايين قصف الولايات المتحدة لبغداد كما لو كان عرضًا للألعاب النارية، مع الآلاف الذين قتلتهم الصواريخ الأمريكية بعيدا عن أنظار الكاميرات، ثم جاءت الحروب في سوريا واليمن، ثم العدوان على غزة اليوم.

الاحتجاجات العالمية

ويشدد الكاتب الصحفي: "مرة أخرى حكوماتنا الغربية هي التي أيدت ودعمت حرب الإبادة الإسرائيلية. وكما حدث مع غزو العراق قبل 20 عاما، خرج الملايين إلى الشوارع للاحتجاج على الحرب التي شنت باسمهم".

ويؤكد جيل أن غزة تمثل "حرب الحكومات ضد شعوبها"، حيث تحاول وسائل الإعلام الغربية الانحياز لإسرائيل بينما يرى الملايين في الدول الغربية على نحو متزايد أن الموازين تسقط من أعينهم.

فالاحتجاجات، بما في ذلك الاعتصامات في محطات السكك الحديدية الرئيسية، تجتاح المدن الأوروبية والأمريكية، وفي الأسبوع الماضي، توجهت مجموعة من 50 شخصًا إلى جسر خليج سان فرانسيسكو-أوكلاند خلال ساعة الذروة الصباحية وأوقفوا سياراتهم، وألقوا مفاتيح سياراتهم في الخليج وأعاقوا حركة المرور لساعات.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "15 متظاهرًا غطوا أنفسهم بالأكفان واستلقوا أمام المركبات لتمثيل الجثث في غزة".

وفي واشنطن، احتشد مئات المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، عند ميناء تاكوما لمنع سفينة إمداد عسكرية يعتقدون أنها كانت تحمل أسلحة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل.

اقرأ أيضاً

ارتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 14352 والمصابين لـ35 ألفا.. ومطالب عاجلة في ظل الهدنة

وفي السياق، ينقل جيل عن وسيم حاج، منسق التوعية المجتمعية في المركز العربي للموارد والتنظيم، وهو منظم مسيرة تاكوما، قوله: "نريد وقف إطلاق النار الآن. نريد أن يتوقف الناس عن القتل الآن. نريد فحصًا وعملًا حقيقيين بشأن السياسة الخارجية الأمريكية والتمويل الأمريكي لإسرائيل".

وأغلقت مجموعات أخرى الموانئ لمنع تحميل شحنات الأسلحة على السفن المتجهة إلى إسرائيل، في كاليفورنيا وبلجيكا وأستراليا وفي مصنع أسلحة لشركة BAE في كينت بالمملكة المتحدة، وينتشر هذا النوع من الاحتجاج المباشر لمنع شحنات الأسلحة، بحسب جيل.

ويعلق الكاتب الصحفي على تلك الاحتجاجات: "بينما تقدم نخبنا السياسية دعماً مطلقاً للحرب الإسرائيلية الشاملة على 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، تجتاح الاحتجاجات العالمية، بما في ذلك التحركات المباشرة والاعتصامات في محطات السكك الحديدية الرئيسية من نيويورك إلى لندن، المدن الأوروبية والأمريكية".

ويضيف: "بالنسبة للملايين من المحتجين في مختلف أنحاء العالم ضد الحرب، فإن هذه هي أوضح حالة ممكنة لقوة عسكرية تشن حرباً شاملة على شعب محاصر وأعزل، ويؤيدها ما يسمى بالساسة الديمقراطيين، ضد كل ما يزعمون أنهم يدافعون عنه".

تأطير وسائل الإعلام

ويشير جيل إلى أن الصحفيين وصناع الرأي الغربيين يسعون إلى تأطير الحرب على أنها دفاع إسرائيل ضد حماس، في مواجهة هذه المعارضة الجماعية للإبادة الجماعية، ومنهم جوناثان فريدلاند، "الذي تحول، في عموده الأسبوعي بصحيفة الجارديان يوم السبت إلى مارك ريجيف، المتحدث باسم الدعاية الإسرائيلية".

 ويصر فريدلاند على أن هذه كانت مجرد حرب ضد طائفة الموت الجهادية التي "يجب هزيمتها"، على الرغم من إعلانات الإبادة الجماعية الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية.

وعلى المنوال ذاته، يطالب مقدم البرامج التلفزيونية، بيرس مورغان، دائما كل ضيف بإدانة حماس، ولم يطلب أبدًا من الضيوف المؤيدين لإسرائيل إدانة الدولة العبرية بسبب إرهابها.

ويلفت جيل إلى أن صحفي يعمل في إحدى الصحف البريطانية الرائدة أخبره، هذا الأسبوع، أن جميع كتاب الأعمدة الذين يكتبون عن غزة "مؤيدين لإسرائيل أو يهود، في حين لم يكن أي منهم فلسطينيًا أو عربًيا".

ويضيف: "بغض النظر عن مدى عرض وسائل الإعلام لوجهة النظر الإسرائيلية، فإن الناس في المملكة المتحدة يعرفون أن ما كنا نشهده من قتل جماعي للمدنيين والأطفال، كان خطأً جوهريًا".

ويستطرد جيل: "في هذه الأثناء، يمكن لأي شخص يراقب أن يرى أن إسرائيل تمارس نكبة ضد كل سكان غزة، بحجة أن كل مدرسة ومستشفى ومخيم للاجئين هي مركز لحماس".

ويشير الكاتب الصحفي إلى أن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) هدمت كل ادعاءات إسرائيل الكوميدية بشأن مستشفى الشفاء، الذي احتلته ودمرته أمام أنظار العالم، حيث أصبح الأطفال المبتسرون ومئات من المصابين بجروح خطيرة بلا حول ولا قوة، قبل أن يتم طردهم.

وعلى عكس ما جرى في العراق، يمكن للجمهور الغربي الوصول إلى أهوال الحرب مباشرة من خلال هواتفهم على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يشارك الصحفيون والناشطون مقاطع الفيديو والصور والقصص دون وساطة وسائل الإعلام الخاصة المملوكة للشركات.

اقرأ أيضاً

ملك الأردن والسيسي يبحثان تحويل هدنة غزة إلى وقف دائم لإطلاق النار

ويؤكد جيل، في مقاله، أن موقف الطبقة السياسية الأنجلوأمريكية غير مسبوق إزاء احتجاج الملايين من الذين يشعرون بالاشمئزاز إزاء الفظائع الجماعية المرتكبة ضد المدنيين، وأغلبهم من النساء والأطفال، الذين يعانون بالفعل تحت الحصار والاحتلال.

وفي حين جرى تنظيم الاحتجاجات المناهضة لحرب العراق في المملكة المتحدة عام 2003 بشكل رئيسي من خلال تحالف "أوقفوا الحرب"، مع وجود كبير للحركة العمالية، فإن احتجاجات اليوم "شبابية ومتنوعة ولا مركزية، مع حضور كبير للأغلبية الإسلامية واليهودية والعالمية"، بحسب جيل.

وكانت استجابة وزيرة الداخلية البريطانية المعزولة مؤخرًا، سويلا برافرمان، لهذه الحركة الشعبية بتحريض اليمينيين المتطرفين على مهاجمة المتظاهرين السلميين عبر مقال نشرته بصحيفة "التايمز"، وهو ما دعمته صحافة حزب المحافظين البريطاني، وجميع الحركات العنصرية الكبرى.

ويشير جيل إلى أن تصاعد حركة الاحتجاج ولد شعورا بأن الحركة ضد الحرب الإسرائيلية في غزة يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار مواقف النخبة السياسية الغربية المؤيدة للصهيونية والعنصرية والمؤيدة للحرب، والتي ظلت دون تغيير إلى حد كبير على الرغم من الكوارث في العراق وليبيا وأفغانستان.

المؤسسة الغربية

ويضيف: "يمكننا أن نرى اليوم في الاشمئزاز والشك الموجهين نحو الحركة الجماهيرية، التي تقودها إلى حد كبير الطبقة العاملة وشباب ما بعد الاستعمار في الغرب، مدى تهديد هذه الاحتجاجات للمؤسسة الغربية".

وعن زعم بعض الساسة البريطانيين بأن الاعتصام في مكاتب النواب يمثل ترهيباً، يعلق جيل: "كأن المظاهرات السلمية تشكل تهديداً أو يحتمل أن تكون عنيفة على نحو ما. لم يتعرض أي عضو في البرلمان للهجوم. لكن لا يمكن للسياسيين الاستمرار في تجاهل مطالب الآلاف من الناخبين، والتي تم التعبير عنها في رسائل البريد الإلكتروني والرسائل والاحتجاجات، ويتوقعون أن يعارض ممثلوهم علناً الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وأن يطالبوا بوقف إطلاق النار".

ويلفت جيل إلى أن "نداء" حضرت، مثل العديد من الفلسطينيين البريطانيين الآخرين، الاحتجاجات والوقفات الاحتجاجية الأخيرة بالقرب من منزلها، وقالت له: "أنا أقدر ما يفعله الناس، فهم يذهبون ويسيرون كل يوم سبت.. لكن الحكومة لا تسمع أي شيء. نريد فقط وقف إطلاق النار. هذا يكفي. كم عدد الأطفال الذين يجب أن يقتلوا؟ هل يريدون قتلنا جميعاً، مليوني شخص؟".

ويقر جيل بأن الاحتجاجات المناهضة للحرب قد لا تكون قادرة على وقفها، "لكنها يمكن أن تتحدى الدعاية المؤيدة للحرب والدعم السياسي النخبوي لها، ما يؤدي إلى تشويه القادة الذين يدعمون النزعة العسكري في الخارج"، حسب تعبيره.

وضرب جيل مثالا بتوني بلير، الذي تجاهل احتجاجات عام 2003 على دور المملكة المتحدة في غزو العراق، لكنه أصيب بأضرار قاتلة عندما ذهب للدفاع عن إسرائيل في هجومها على لبنان عام 2006، إذ انقلب عليه زملاؤه في الحزب بسبب "رفضه انتقاد استراتيجية إسرائيل أو تكتيكاتها في لبنان أو الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار".

ويختم جيل مقاله بالتذكير بأن حرب الولايات المتحدة في فيتنام، منذ أكثر من نصف قرن، أدت إلى تكثيف الحركة العالمية ضد الحرب والإمبريالية، وأثارت موجة من التطرف في مختلف أنحاء العالم الغربي، وكان لها أثر كبير على الرئيس الأمريكي.

فمع انخفاض معدلات تأييده وانهيار سيطرته على الكونجرس بسبب المعارضة المستمرة للحرب، قال الرئيس، ليندون جونسون، لزوجته في عام 1967: "لا أستطيع الخروج، لا أستطيع إنهاء الأمر بما لدي. ماذا أفعل بحق الجحيم؟" ثم استقال من منصبه بعد مرور عام.

اقرأ أيضاً

ترحيب عربي بهدنة غزة ودعوات لتمديدها وتحويلها لمسار حل الدولتين

المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة إسرائيل حماس المقاومة الفلسطينية توني بلير الکاتب الصحفی وسائل الإعلام

إقرأ أيضاً:

NYT: بعد 7 أكتوبر غيّرت إسرائيل قواعد الاشتباك ولم تعد تهتم بالمدنيين

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا، لمجموعة من مراسليها قالت فيه إنّ: "إسرائيل تساهلت في القواعد لملاحقة مقاتلي حماس بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ما أدى إلى مقتل المزيد من المدنيين في غزة".

وتابع التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي "أصدر في الساعة الواحدة مساء تماما من يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر أمرا أطلق العنان فيه لواحدة من أكثر  حملات القصف كثافة في الحروب المعاصرة".

وأضاف: "اعتبارا من ذلك الوقت، بات لدى الضباط الإسرائيليين من ذوي الرتب المتوسطة سلطة ضرب آلاف المسلحين والمواقع العسكرية، وهي التي لم تكن أبدا أولوية في الحروب السابقة في غزة".

وأضاف: "بموجب الأمر أصبح للضباط الآن فرصة ملاحقة ليس فقط كبار قادة حماس، ومستودعات الأسلحة وقاذفات الصواريخ التي كانت محور الحملات السابقة، ولكن أيضا المقاتلين من ذوي الرتب الدنيا". 

"سمح الأمر للضباط في كل ضربة، بالمخاطرة بقتل ما يصل لـ20 مدنيا. ولم يحدث أن صدر هذا الأمر، الذي ليس له مثيل في تاريخ إسرائيل العسكري. ومنح ضباط الوسط صلاحية لضرب أكبر عدد من الأهداف ذات الأهمية العسكرية وبثمن كبير على المدنيين" وفقا للتقرير نفسه.

وأكد: "كان هذا يعني على سبيل المثال، ضرب الجيش للمسلحين العاديين وهم في منازلهم ووسط أقاربهم وجيرانهم، بدلا من استهدافهم فقط عندما يكونون بمفردهم في الخارج".

وأبرز: "في الصراعات السابقة مع حماس، لم تتم الموافقة على العديد من الضربات الإسرائيلية إلا بعد أن خلص الضباط بعدم تعرض أي مدني للخطر"، مردفا: "في بعض الأحيان، كان الضباط يخاطرون بقتل ما يصل إلى خمسة مدنيين، ونادرا ما ارتفع الحد إلى 10 أو أكثر، على الرغم من أن عدد القتلى الفعلي كان أعلى من ذلك بكثير في بعض المرات".

وأكد: "لكن القيادة العسكرية غيّرت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر قواعد الاشتباك، حيث اعتقدت أن إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا، وفق مسؤول عسكري أوضح الأمر بشرط عدم الكشف عن هويته".


وقال المسؤول، وفقا للصحيفة، إنه: "بعد ساعات من دخول مقاتلي حماس إسرائيل وسيطرتهم على بلدات وقواعد عسكرية، وقتل 1,200 شخص واحتجاز 250 أسيرا، خشيت إسرائيل من غزو يأتي من الشمال وتنفذه الجماعات الموالية لإيران، مثل حزب الله اللبناني".

وفي خطاب ألقاه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في 7 تشرين الأول/ أكتوبر: "كل الأماكن التي انتشرت فيها حماس بغزة، وكل الأماكن التي اختبأت فيها حماس وتعمل منها، سوف تتحول إلى أنقاض".

إلى ذلك، توصل تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز"  إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أضعفت بشدة نظام الضمانات الذي كان يهدف إلى حماية المدنيين، واعتمدت أساليب تعاني من القصور للعثور على الأهداف، وتقييم خطر وقوع إصابات بين المدنيين.

كذلك، بحسب التحقيق نفسه: "فشلت بشكل روتيني في إجراء مراجعات ما بعد الضربة وتقييم الأذى الذي لحق بالمدنيين أو معاقبة الضباط على المخالفات وتجاهلت التحذيرات من داخل صفوفها ومن كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين بشأن هذه الإخفاقات". 

إثر ذلك، راجعت الصحيفة عشرات السجلات العسكرية وأجرت مقابلات مع أكثر من 100 جندي ومسؤول، بمن فيهم أكثر من 25 شخصا ساعدوا في فحص الأهداف أو الموافقة عليها أو ضربها. 

وتوفر رواياتهم مجتمعة صورة لا مثيل لها لكيفية شن الاحتلال الإسرائيلي لواحدة من أعنف الحروب الجوية في هذا القرن. فيما نقلت الصحيفة شهادات الجنود والإسرائيليين شريطة عدم الكشف عن هويتهم. وقامت "نيويورك تايمز" بالتثبت من الأوامر العسكرية مع ضباط على معرفة بمحتواها. 

وجد التحقيق الذي قامت به "نيويورك تايمز" الآتي:
أولا: وسع الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير نطاق الأهداف العسكرية التي يسعى إلى ضربها في الغارات الجوية الاستباقية، وزاد في الوقت نفسه عدد المدنيين الذين قد تعرضهم أوامر الضباط للخطر في كل هجوم. 

ما أدّى إلى إسقاط ما يقرب من 30,000  قذيفة على غزة في أول 7 أسابيع من الحرب، وهو ما يزيد عن عددها في الأشهر الثمانية التالية مجتمعة. 

ثانيا: في عدد من المناسبات، وافق المسؤولون البارزون على هجمات ضد قادة حماس، كانوا يعرفون أنها تعرض حياة 100 من المدنيين أو غير المقاتلين لخطر الموت.

ثالثا: ضرب جيش الاحتلال بوتيرة سريعة، كان من الصعب التأكد فيما إن كان يضرب أهدافا شرعية. استنفدت الغارات كل الأهداف العسكرية التي تم التأكد منها في قاعدة بيانات ما قبل الحرب، وخلال عدة أيام. 

وتبنى الجيش نظاما لم تتم الموافقة عليه للبحث عن أهداف جديدة واستخدم الذكاء الاصطناعي وعلى قاعدة واسعة.

رابعا: اعتمد جيش الاحتلال على نموذج إحصائي بدائي لتقييم خطر إلحاق الضرر بالمدنيين، وفي بعض الأحيان شنّ غارات على الأهداف بعد عدّة ساعات من تحديد موقعها، الأمر الذي زاد من نسبة الخطأ. 
واعتمد النموذج بشكل أساسي على تقديرات استخدام الهاتف المحمول في الأحياء، بدلا من المراقبة المكثفة لمبنى محدد، كما كان شائعا في الحملات الإسرائيلية السابقة.

خامسا: منذ اليوم الأول للحرب، قلّل جيش الاحتلال ممّا يطلق عليه الطرق على الأسطح أو الطلقات التحذيرية التي منحت المدنيين فرص الهروب من هجوم محتوم. وعندما كان بوسع الجيش استخدام ذخائر أصغر حجما وأكثر دقة لتحقيق نفس الهدف العسكري، كانت الضربات تتسبب أحيانا بأضرار أكبر من خلال إسقاط "القنابل الغبية"، فضلا عن القنابل التي تزن 2,000 رطل.

إلى ذلك، تعلق الصحيفة أن الحملة العسكرية ضد غزة كانت في أعلى المستويات كثافة خلال الأشهر الأولى الخمسة من الحرب. واستشهد أكثر من 15,000 فلسطيني، أو ثلث الحصيلة الكاملة للقتلى، حسب وزارة الصحة الفلسطينية.


ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 فصاعدا، بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتقليل من الهجمات وتشديد قواعد الاشتباك، وخفض عدد المدنيين الذين قد يتعرضون للخطر عند ضرب المسلحين من ذوي الرتب المنخفضة الذين لا يشكلون أي تهديد وشيك، إلى النصف.

وفي الأسابيع الأولى من الحرب، استشهد أكثر من 30,000 فلسطيني. وفي الوقت الذي شككت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي بالأرقام إلا أن أعداد الشهداء استمرت بالارتفاع.

وعندما قدمت الصحيفة نتائج تحقيقها لجيش الاحتلال الإسرائيلي، رد ببيان مكتوب من 700 كلمة، اعترف فيه بأن قواعد الاشتباك تغيرت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فيما زعم أن قواته استخدمت وبشكل متناسق الوسائل والأساليب الملتزمة بقواعد القانون. 

وأضاف البيان أن: "التغييرات جاءت في سياق صراع غير مسبوق ولا يمكن مقارنته بمسارح أخرى للأعمال العدائية في جميع أنحاء العالم"، مبررا أنها أتت إثر هجوم حماس وجهود المسلحين للاختباء بين المدنيين في غزة وشبكة الأنفاق الواسعة.

وكان أقارب أحد القادة في حركة مرتبطة بحماس، شلدان النجار، أول الضحايا لتغير قواعد الاشتباك الإسرائيلية. فعندما ضرب طيران الاحتلال الإسرائيلي بيته قبل 9 أعوام لم يصب أحد من أفراد عائلته بمن فيها نفسه. 

ولكن بحسب التقرير، عندما استهدفت البيت في الحرب الجديدة لم يقتل النجار فحسب بل و20 فردا من عائلته، وذلك حسب شقيقه سليمان الذي عاش في البيت الذي ضرب وشاهد آثار ما بعد الضربة مباشرة.

وتزعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، المتّهمة بارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل  الدولية أنها تتخذ الإجراءات قبل الضربات، من ناحية إفراغ مدن بكاملها وإسقاط الملصقات. 

وبحسب البروتوكول العسكري الإسرائيلي فهناك أربع فئات لتجنب تعريض المدنيين للخطر: مستوى صفر، الذي يمنع الجنود من تعريض المدنيين للخطر. مستوى واحد، ويسمح بقتل خمسة مدنيين. مستوى اثنين، ويسمح بقتل على الأقل 10 مدنيين. مستوى ثلاثة، ويسمح بقتل 20 مدنيا على الأقل. وقد أصبح الأخير هو المعيار المعمول به بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وفجأة، أصبح بإمكان الضباط أن يقرّروا إسقاط قنابل تزن طنا واحدا على قطاع  من البنية التحتية العسكرية، بما في ذلك مخازن الذخيرة الصغيرة ومصانع الصواريخ، علاوة على قتل جميع مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي.

وكان تعريف الهدف العسكري يشمل أبراج المراقبة والصرافين المشتبه في تعاملهم مع أموال حماس، وكذا مداخل شبكة الأنفاق تحت الأرض. ولم يكن الحصول على إذن من كبار القادة مطلوبا إلا إذا كان الهدف قريبا للغاية من موقع حساس، مثل مدرسة أو منشأة صحية، رغم أن مثل هذه الضربات كانت تتم الموافقة عليها بانتظام أيضا.

وكان الأثر حاسما، فقد وثقت "إيروارز"، التي ترصد  النزاعات من مقرها في لندن، 136 هجوما قتل فيها على الأقل 15 مدنيا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

وتقول المنظمة إن الرقم هو خمسة أضعاف ما وثقته في نزاع آخر، ومنذ بداية عملها قبل عقد من الزمان. وبحسب أربعة ضباط إسرائيليين شاركوا في اختيار الأهداف، سمح أحيانا باستهداف حفنة من قادة حماس، طالما وافق كبار الجنرالات أو القيادة السياسية في بعض الأحيان.

وقال ثلاثة منهم إن واحدا من المستهدفين كان إبراهيم بياري، وهو قائد كبير في حماس استشهد في شمال غزة في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، في هجوم قدرت منظمة "إيروارز" أنه أسفر عن استشهاد 125 آخرين على الأقل. 

أمر آخر، أصدرته القيادة العسكرية العليا في الساعة 10:50 مساء يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر ويعطي صورة عن حجم الخسائر المدنية التي تعتبر مقبولة. وقالت إن الضربات على الأهداف العسكرية على غزة سمح لها بتعريض ما يصل إلى 500 مدني للخطر كل يوم.


ووصف المسؤولون العسكريون الأمر بأنه إجراء احترازي يهدف للحد من عدد الضربات التي يمكن أن تحدث كل يوم. وقال الباحث في الأكاديمية العسكرية، ويست بوينت، مايكل شميدت،  لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنّ: "الأمر قد يفهم  من قبل الضباط من ذوي الرتب المتوسطة على أنه حصة يجب عليهم الوصول إليها".

كذلك، زاد الخطر على المدنيين بسبب الاستخدام الواسع النطاق لجيش الاحتلال الإسرائيلي للقنابل التي يبلغ وزنها 1,000 و2,000 رطل، وكثير منها من صنع الولايات المتحدة، والتي شكلت 90 في المئة من الذخائر التي أسقطها الاحتلال الإسرائيلي في الأسبوعين الأولين من الحرب.

وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر، قال ضابطان، إن: القوات الجوية ألقت عددا كبيرا من القنابل التي يبلغ وزنها طنا واحدا حتى أنها بدأت تعاني من نقص في مجموعات التوجيه التي تحول الأسلحة غير الموجهة، أو "القنابل الغبية"، إلى ذخائر موجهة بدقة. وهو ما أجبر الطيارين على الاعتماد على قنابل أقل دقة.

مقالات مشابهة

  • NYT: بعد 7 أكتوبر غيّرت إسرائيل قواعد الاشتباك ولم تعد تهتم بالمدنيين
  • إسرائيل تقصف طائرة مدير منظمة الصحة العالمية ومنسق الأمم المتحدة بصنعاء
  • نتنياهو ووقف إطلاق النار
  • صحف عالمية: إسرائيل تحاول تغيير المنطقة لكن الأمر ليس سهلا
  • تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
  • إسرائيل تعود لـ"الألاعيب القذرة" لإفساد مفاوضات وقف إطلاق النار
  • زي النهارده.. هدنة عيد الميلاد وإيقاف إطلاق النار في الحرب العالمية الأولى
  • طائرات مسيرة بأشعة الليزر.. هل تغير الصين قواعد الحرب؟
  • بريطاني شارك في الحرب العالمية الثانية يحتفل بـ "ربيعه" ال 110.. فما سرّ هذا العمر الطويل؟
  • إسرائيل: حماس تراجعت عن التنازلات التي أدت لاستئناف مفاوضات غزة