بوابة الوفد:
2025-03-11@15:13:35 GMT

جرائم الصهاينة فى غزة.. عار على المجتمع الدولى

تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT

بدأ العدوان الصهيونى على غزة، عصراً جديداً من الانتهاكات والإبادة الجماعية التى لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، وارتكب الصهاينة مجازر يندى لها جبين الإنسانية، وستظل وصمة عار فى تاريخ كل من أيدها أو ساندها أو حتى اكتفى بالصمت عليها.

والحقيقة أن وعد بلفور المشئوم، الذى أعطى للحركة الصهيونية دون حق وطناً ودولة ومستقبلاً، كان فاتحة مسلسل الجرائم المتصلة فى فلسطين، لتعقبه حلقات من الجرائم الشاملة التى لم تبلغ نهايتها حتى يومنا هذا ونحن فى الألفية الثالثة.

ومن بداية تأسيس الكيان المحتل، ظهرت موجات الهجرة والتهجير، وبدأت مرحلة تطبيق المشروع الصهيونى على الأرض الفلسطينية، وهو الاستيلاء على أكبر مساحات ممكنة من الأراضى العربية وبناء أكبر عدد ممكن من المستعمرات الاستيطانية فيها، بالتزامن مع بناء جيش حربى صهيونى محترف مدجج بأحدث أنواع الأسلحة فى ذلك الوقت.

وأمام هذه الجرائم المروعة وغير المسبوقة، كان المتوقع أن ينتفض العالم للتصدى لها، ولكن المفاجأة أن المجتمع الدولى اكتفى بالصمت، وخلعت دول الغرب قناع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وظهرت على حقيقتها، فبدت كدول استعمارية ظالمة معتدية وقاتلة.

الملف التالى يرصد أسرار الصمت العالمى على جرائم الصهاينة فى فلسطين طوال تاريخ الاحتلال، والذى يبرز حالياً فى أكبر عملية إبادة جماعية لأكثر من 2 مليون فلسطينى دون أن تنجح القوى العالمية ومؤسساتها فى وضع حد للوحوش الإسرائيلية التى تتغذى يومياً على لحم أطفال غزة.

 

إبادة جماعية.. والجناة بلا عقاب

منذ هجمات حماس المشروعة ضد الاحتلال الصهيونى فى 7 أكتوبر الماضى ما زال الكيان الصهيونى مستمراً فى ارتكاب جرائم حرب بشعة ضد الشعب الفلسطينى الأعزل.

وخلال الأيام الماضية، شهد قطاع غزة قصفاً إسرائيلياً كثيفاً أدى إلى سقوط أكثر من 12 ألف شهيد وأكثر من 30 ألف جريح، وحوالى 3250 مفقوداً «وما زالت الأعداد تتصاعد كل يوم» كان أبرزها استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلى بشكل مباشر المرافق المدنية، فقصف أغلب مستشفيات قطاع غزة وكانت البداية بمستشفى «المعمدانى الأهلي» الذى أوقع قرابة 500 شهيد من المدنيين، كما استهدفوا دور العبادة وقصفوا أقدم كنيسة للروم الأرثوذكس فى غزة، ودمّروا المسجد العمرى فى مدينة جباليا.

من جانبها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أن هجمات الجيش الإسرائيلى المتكررة، وغير القانونية على المرافق، والطواقم، ووسائل النقل الطبية تتعمد تدمير نظام الرعاية الصحية فى قطاع غزة ويجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب.

وقالت المنظمة إنها حققت فى هجمات على المستشفيات ووجدت أن القوات الإسرائيلية قصفت مستشفى الإندونيسى مرات عدة بين 7 و28 أكتوبر، فقتلت اثنين من المدنيين على الأقل، وتعرض المركز الدولى للعيون لقصف متكرر ودُمِّر بالكامل بعد غارة فى 10 و11 أكتوبر، كما قُصف مجمع مستشفى الصداقة التركى الفلسطينى ومحيطه يومى 30 و31 أكتوبر، مشيرة إلى أن الأضرار بالمستشفى، بالإضافة إلى نقص الوقود اللازم لمولدات المستشفى، أدت إلى إغلاقه فى الأول من نوفمبر الجارى.

وأفادت منظمة الصحة العالمية بأنه حتى 10 نوفمبر، اضطرت 18 من أصل 36 مستشفى و46 من أصل 72 عيادة للرعاية الأولية إلى الإغلاق، ويعود سبب الإغلاق القسرى لهذه المرافق إلى الأضرار الناجمة عن الهجمات، فضلاً عن نقص الكهرباء والوقود.

وأكدت منظمة العفو الدولية، خلال الأسبوعين الماضيين، أن هناك أدلة دامغة على جرائم حرب ارتكبتها القوات الإسرائيلية، حيث تقضى هجماتها على عائلات بأكملها فى غزة، بما فى ذلك الهجمات العشوائية، التى تسببت فى خسائر كبيرة فى صفوف المدنيين، ويجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب، ودعت المنظمة المجتمع الدولى إلى التحرك الآن، لمنع تحول غزة إلى مقبرة عملاقة، بعد تحويلها إلى أكبر سجن مفتوح فى العالم.

وأضافت المنظمة أنه من الضرورى أن يقوم مكتب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية على وجه السرعة بتسريع تحقيقاته الجارية فى أدلة جرائم الحرب وغيرها من الجرائم بموجب القانون الدولى من قبل جميع الأطراف، وشددت على أنه بدون تحقيق العدالة وتفكيك نظام الفصل العنصرى الإسرائيلى ضد الفلسطينيين لن تكون هناك نهاية لمعاناة المدنيين المروعة التى يشهدها العالم.

فى السياق، أشار مصطفى كامل، استشارى تدريب وتطوير دولى إلى أن وزارة الخارجية الفلسطينية أكدت أن الاحتلال الإسرائيلى يستخدم ضدّ الفلسطينيين أسلحة محرمة دولياً (مثل الفسفور الأبيض).. وقال: «استخدام هذا النوع من الأسلحة المحرمة دولياً فى مناطق مدنية مكتظة، يعتبر خطراً كبيراً يتمثل بإحداث حروق مؤلمة ومعاناة مدى الحياة للبشر، بالإضافة إلى تدمير المنازل المكتظة بالمدنيين».

وتابع: الممارسات التى تقوم إسرائيل بها ضد المدنيين الفلسطينيين، والمقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس، تمثل انتهاكات جسيمة للقانون الدولى الإنسانى وحقوق الإنسان، وتصل إلى جرائم حرب.

وقالت داليا نعمان، المحامية بالنقض: «قلوبنا تنزف مع كل قطرة دم للضحايا فى غزة، خاصة الأطفال الأبرياء، فبأى ذنب يقتلون ويشردون وبأى حق استحل الكيان الصهيونى دماءهم».

وأضافت: ما يحزننى كثيراً، هو موقف الكثير من الدول الغربية، التى تعتنق ديانات غير الإسلام وتتحدث غير العربية والتى انطلقت فيها مظاهرات صادقة تنادى بوقف إطلاق النار على غزة النار ووقف المجازر التى يرتكبها المحتل الصهيونى فى حق الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء والشباب.

واختتمت كلامها قائلة: «إن عجز المجتمع الدولى ومنظماته الدولية عن وقف إطلاق النار بغزة، يجعل العقل البشرى فى حيرة من أسرار عدم قدرة المجتمع الدولى على دفع جرائم الإبادة الجماعية التى يرتكبها الكيان المحتل ضد شعب فلسطين، لإكراههم على التهجير القسرى بالمخالفة للقانون الدولى والقانون الإنسانى».

 

 

أصوات أحرار العالم.. داعم قوى للفلسطينيين

خرجت مظاهرات ومسيرات فى دول عربية وإسلامية عدة تأييداً للفلسطينيين للتنديد بالضربات الإسرائيلية على قطاع غزة، فمن العراق إلى الأردن والبحرين وإيران وقبلها مصر وتونس، ترددت شعارات مناهضة لإسرائيل ودول غربية.

فى العراق وإيران وتونس والجزائر، خرج الآلاف للمشاركة فى مظاهرة داعمة للفلسطينيين ومنددة بالقصف الإسرائيلى على غزة، مرددين عبارات: «كلا كلا للاحتلال» و«الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل» و«الشعب يريد تجريم التطبيع» و«مقاومة مقاومة لا صلح ولا مساومة» و«فلسطين عربية»، فيما رسم علم إسرائيلى ضخم على الأرض ليدوس عليه المتظاهرون.

وفى شمال البحرين، هتف مئات المصلين داخل مسجد الدراز: «الموت لإسرائيل» و«الموت لأمريكا» وداس المتظاهرون أعلاماً إسرائيلية وأمريكية وضعت على الأرض، وحملوا لافتات كُتب عليها: «لن يهدأ الطوفان» و«طوفان الأقصى معركة الأمة كلها».

وانطلقت مظاهرتان شعبيتان فى كل من الأرجنتين والإكوادور احتجاجاً على الهجمات الإسرائيلية، محتجين على الهجمات المستمرة على قطاع غزة، ورفعوا الأعلام الفلسطينية ولافتات تحمل عبارات «فلسطين حرة»، و«إبادة جماعية».

وشهدت إسبانيا، تظاهر مئات الأشخاص وسط مدينة برشلونة لمطالبة الحكومة الإسبانية بوقف فورى لتجارة الأسلحة مع إسرائيل التى يتهمونها بارتكاب جرائم إبادة جماعية فى غزة، كما شهدت المدينة اشتباكات بين ضباط الشرطة مع المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين أثناء محاولتهم دخول محطة قطار فى برشلونة.

وفى لندن وإيطاليا وأستراليا، خرج حوالى نصف مليون شخص إلى الشوارع، ونشرت الشرطة أكثر من 2000 ضابط لضمان سلمية المسيرة.

ونظم عشرات الآلاف فى بلجيكا والنمسا، مسيرة للمطالبة بوقف فورى لإطلاق النار فى الحرب، منددين بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث رفع المتظاهرون أعلام فلسطين، وتضم التظاهرة ممثلين عن الجمعية البلجيكية الفلسطينية، واتحاد اليهود التقدميين فى بلجيكا، وحركة العمال المسيحيين، والاتحاد العام للعمال البلجيكيين.

وشارك مئات المؤيدين لوقف الحرب على غزة فى مسيرة أمام منزل الرئيس الأمريكى جو بايدن فى مدينة ويلمنجتون بولاية ديلاوير، واتهموه بـ«التواطؤ فى إبادة جماعية» بشأن حرب إسرائيل على غزة، وفق ما نقلت شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية، قائلين «بايدن، بايدن، لا يمكنك الاختباء! نحن نتهمك بالإبادة الجماعية!»، وطالبوه بالضغط من أجل وقف إطلاق النار فى غزة.

ووفقاً لشبكة روسيا اليوم، لم تنجُ تل أبيب من الاحتجاجات، حيث شهدت مظاهرات حاشدة شارك فيها مئات الأشخاص، وطالبوا السلطات الإسرائيلية ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالإفراج عن الأسرى وإعادتهم، حيث تظاهر مئات الأشخاص أمام مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فى قيسارية، مطالبين باستقالته.

وتظاهر الآلاف فى العاصمة السويسرية، جنيف، مطالبين بوقف العدوان على غزة وضمان حق الشعب الفلسطينى فى الحرية وتقرير المصير، ورفعوا شعارات مؤيدة لفلسطين مطالبة حكومتهم بوقف التعامل و«التواطؤ» مع إسرائيل.

وشهدت العاصمة الدنماركية، كوبنهاجن، مظاهرة للمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وجابت المظاهرات الساحات والشوارع الرئيسية فى المدينة، وطالب المشاركون فيها بضرورة وقف القصف الإسرائيلى على القطاع، كما رفعوا أعلام دولة فلسطين وأكدوا دعمهم للشعب الفلسطينى.

وخرجت مسيرة حاشدة فى شوارع العاصمة الفنلندية، هلسنكى، وأيرلندا الشمالية وإندونيسيا، دعمًا لفلسطين وللمطالبة بوقف انتهاكات الاحتلال بحق الأطفال والنساء فى غزة.

وفى مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا تجمع الآلاف، فى مظاهرة حاشدة للتضامن مع سكان قطاع غزة والتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلى فى القطاع.

فيما خرج المئات من التشاديين، فى مدينة نجامينا، جنوب غربى البلاد، للتضامن مع فلسطين والتنديد بعدوان الاحتلال الإسرائيلى فى غزة، والدعوة إلى حماية المسجد الأقصى.

وفى فرنسا، خرجت مظاهرات مؤيدة لقطاع غزة، طالب المشاركون فيها بوقف إطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات ووقف قتل الأطفال الفلسطينيين وهتف المشاركون الذين جابوا شوارع المدينة عبارات: «غزة.. غزة».

تقول ريهام عبدالرحمن، أخصائى الإرشاد النفسى والأسرى والتربوى: «تعانى فلسطين المحتلة منذ القدم من الانتهاكات التى يمارسها الاحتلال الغاشم بحق الفلسطينيين، والتى تبعد كل البعد عن الإنسانية، ولكن وبالرغم من الجرائم المروعة التى ترتكب فى حق الأطفال والنساء، فإن ما حدث فى طوفان الأقصى يعد بداية الانتصار لهذه القضية التاريخية».

وأوضحت أن ما ساعد فى تحويل قضية فلسطين إلى قضية دولية، هو وسائل التواصل الاجتماعى والتى ساعدت فى دعم القضية الفلسطينية والتعبير عنها، وبالتالى وصول صوت هذه القضية لأكبر عدد من المتابعين حول العالم، وترجمة الأحداث باللغة الإنجليزية وتصويرها كمحاولة لشرح القضية بشكل واقعى من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعى ساعد على نشر الوعى حول العالم وتوضيح الصورة.

وأضافت «عبدالرحمن»: أن الرسومات والمقالات كشفت عن جرائم الكيان الصهيونى المحتل وأيضاً الإعلام المرئى والمسموع الذى اعتمد المصداقية فى تحرى الخبر ونشره، إضافة إلى التأثير السلبى على الاقتصاد الأمريكى الصهيونى بسبب القرار بالمقاطعة فى كافة الدول العربية، وهو الأمر الذى لأول مرة يحدث بتكاتف من الجميع، خاصة بعد مجزرة المستشفى المعمدانى واقتحام مستشفى الشفاء، مما ساعد فى نقل الحقيقة للغرب، وعلى الرغم من عدد القتلى والجرحى فى الجانب الفلسطينى، ولكنهم ضربوا مثالاً للقوة والصمود والإرادة التى لا تقهر.

وأشارت إلى أن قمة القاهرة للسلام، التى عقدت فى ضوء تدهور الأوضاع فى قطاع غزة وجهود مصر الدائمة لاحتواء الموقف، عززت رفض حل القضية الفلسطينية وتهجير أهل فلسطين من دولتهم، فهذه القمة كانت على مرأى ومسمع من العالم وبالتالى ساعدت فى تحويل القضية الفلسطينية لقضية إنسانية ودولية، مؤكدة على أن القضية الفلسطينية، لن تنتصر إلا بالتكاتف ودعم الجهود العربية والرجوع إلى منهج الله تعالى فى التعامل مع بعضنا البعض، والوقوف بمنتهى الحزم أمام هذا التعنت الصهيونى ووقف الانتهاكات والظلم الذى يتعرض له الشعب الفلسطينى.

 

 

قرارات المؤسسات الدولية.. حبر على ورق

على مدار سنوات، مارس الغرب سياسة ازدواجية المعايير، وفشل فى كبح تجاوزات الاحتلال، واليوم مع عدوان 2023 على غزة ترفض العديد من الدول الغربية وقف إطلاق النار، كما نشهد عملية تكميم للأفواه التى تتضامن مع المدنيين العزل من النساء والأطفال، ورفض إقامة مسيرات لدعم هؤلاء، بل وتفض التظاهرات التضامنية بالقوة.

وفشلت مساعى وقف العدوان على الشعب الفلسطينى، الذى يواجه إبادة جماعية من الاحتلال الإسرائيلى الغاشم، ولم يعد للفلسطينيين طريق للنجاة مما يواجهونه سوى اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، لوقف العدوان الإسرائيلى وجرائمه فى حق الشعب الفلسطينى.

قالت السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان: إن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية أعلن عن أن إسرائيل انتهكت القانون الدولى فى حربها على قطاع غزة، وهو ما يعد شهادة مهمة، مشيرة إلى أن هناك تغييراً مهماً فى مواقف بعض المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لمساندة الموقف الفلسطينى، عكس مواقف سابقة لنفس هذه المنظمات.

ولفتت «خطاب» إلى أن هناك خطة عمل للتحرك لحماية الحقوق الفلسطينية فى هذا النزاع، ونقطة البداية تمثلت فى إعلان مدعى المحكمة الجنائية الدولية، بأن هناك تفكيراً فى أن الجانب العربى يلجأ إلى المحكمة لأن إسرائيل تنتهك القانون الدولى الإنسانى وقانون حقوق الإنسان.

وطالب المجلس الوطنى الفلسطينى، الأمم المتحدة باحترام مواثيقها وقراراتها بالتدخل العاجل لإيقاف الإبادة للنساء والأطفال، وإيقاف عمليات التهجير وإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة، وتوفير المساعدات، وإغاثة الأبرياء، وتوفير الممرات الآمنة لهم، كما طالب المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق الفورى بهذه الجرائم والتطهير العرقى، وأنواع السلاح المستخدم بحق الأبرياء.

كما توجهت 3 منظمات غير حكومية فلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية للتنديد بـ«جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية» ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة.

وقالت رسالة المنظمات التى وُجهت إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية: إن الوقائع التى عرضتها مؤسسة الحق ومركز الميزان والمركز الفلسطينى لحقوق الإنسان، نُفذت بـ«نية الإبادة الجماعية والتحريض على إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، وطالبت المحكمة بإصدار مذكرات توقيف فى حق «المسئولين الأبرز عن هذه الجرائم»، بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، والرئيس إسحق هرتزوج.

وشددت المنظمات غير الحكومية على أن العمليات التى نفذتها القوات المسلحة الإسرائيلية كانت مدمرة جدًا وقاتلة للسكان المدنيين الفلسطينيين فى غزة، والذين اضطروا إلى النزوح بعد أن تم تجويعهم عمدًا، مشيرة إلى استخدام الاحتلال «الغازات السامة» وتدمير الكثير من المنازل والمبانى غير العسكرية.

من جانبه، أشار محامى المنظمات، إيمانويل داود، إلى أن المنظمات غير الحكومية ترغب فى أن «يفهم المسئولون الإسرائيليون الذين يشنون حربًا مع إفلات تام من العقاب، حيث تُرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كل يوم، أن عليهم أن يتحملوا شخصيًا مسئولية أفعالهم أمام القضاء الدولى»، وفقًا لـ«فرانس برس».

وأضاف قائلاً: «بما أن المجتمع الدولى غير قادر على فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل، فيجب على العدالة الجنائية الدولية أن تتحمل مسئولياتها، فهى تمتلك الوسائل اللازمة للقيام بذلك».

وأوضحت حنان أبوسكين، عضو اللجنة التنفيذية للجمعية العربية للعلوم السياسية، أن المحكمة الجنائية الدولية هى المحكمة الدائمة والوحيدة لجرائم الحرب فى العالم، ومع ذلك فإن هذه المحكمة تنشط فقط مع البلدان الإفريقية، أما عن أوروبا أو الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإن المحكمة غير موجودة وتغض البصر عنها، مؤكدة أن منظمات حقوق الإنسان لن تتكلم أو تتحرك، ولكن رد الفعل الشعبى هو من سيحرك الدول. 

وأشارت إلى أن موقف الأمم المتحدة ضعيف جدًا، لأنه برغم قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة إلا أنها غير ملزمة، أما مجلس الأمن فالفيتو الأمريكى يعطل كل شىء، وبالتالى فإن موازين القوة دائماً لصالح إسرائيل، لأن الدول الغربية تدعمها، أما المحكمة الجنائية الدولية فهى جهاز مستقل ولا يتبع الأمم المتحدة.

وأضافت أنه فى فبراير 2021 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قراراً يقضى بأن الاختصاص الإقليمى للمحكمة يشمل الأراضى التى احتلتها إسرائيل عام 1967 وهى غزة والضفة والقدس الشرقية، على اعتبار أن فلسطين طرف فى نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، ففلسطين عضو فى المحكمة الجنائية الدولية، فبالتالى الأراضى الفلسطينية التى احتلتها إسرائيل شاملة الاختصاص الإقليمى للمحكمة.

وأوضحت أنه من الناحية السياسية، فالدول الغربية متشابكة المصالح مع إسرائيل، لأنها ترى أن حماس ليست فصيل مقاومة ومدعومة من إيران، فالدول الغربية وأمريكا تدعم إسرائيل للوقوف ضد حماس وضد الفلسطينيين، والدول الغربية تعادى إيران وتدعم إسرائيل واللوبى الصهيونى والمصالح المتشابكة، كما أنها تعتبر إسرائيل هى الولاية رقم 51 فهى ستكون مدعومة دائماً بأمريكا والدول الأوروبية، لذا لن يستطيعوا إظهار دعم قوى للقضية الفلسطينية، ولا ننسى عام 2021، حيث تم توقيع اتفاقية استراتيجية فى القدس بين إسرائيل والولايات المتحدة تعهدت بدعم إسرائيل وأمنها وتفوقها النوعى.

واختتمت كلامها قائلة: «لن نستطيع غض البصر عن أن الرأى العام العالمى، بدأ يتحرك رغم الصورة القاتمة، إلا أن هناك ظلالاً مضيئة، وهى المظاهرات فى الدول الأوروبية، ولكن للأسف الدول وقراراتها لن تبنى على الرأى العام بل على المصالح السياسية».

من جانبه، قال وليد فاروق، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات: إن الحرب المستعرة والإبادة الإنسانية الواضحة التى يتم ارتكابها فى حق الشعب الفلسطينى فى غزة، أمر يجعلنا نكتشف حالة الارتباك الشديد داخل أروقة المنظمات الدولية، التى كانت لها إسهامات قوية فى الحرب الروسية - الأوكرانية، إلا أنهم صمتوا كثيراً أمام إبادة شعب وقصف المستشفيات والمدارس وارتكاب مجازر، وهذا يوضح مدى التدخل الواضح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية فى عمل هذه المنظمات، وذلك لعرقلة أى قرارات من شأنها إدانة جرائم الكيان الصهيونى، ضد شعب أعزل أغلب ضحاياه من الأطفال والنساء.

وأكد «فاروق» أن شعوب العالم، تتعاطف مع غزة، وهذا ما شاهدناه ونحن متواجدون فى جنيف وحضرنا وقفة لدعم القضية الفلسطينية، ووجدنا كم التعاطف من المواطنين والمارة بالشارع كلها تعاطف مع القضية الفلسطينية، وبرغم ذلك فإن صمت المنظمات الدولية واضح، بسبب النفوذ الصهيونى الكبير داخل الكيانات الاقتصادية الكبيرة فى أوروبا وأمريكا، والتى تساهم بشكل واسع فى أعمال الأمم المتحدة كمنظمة للاجئين، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونيسف، الأمر الذى يقيد عملها فيما يخص الاحتلال الصهيونى الفج على الأراضى الفلسطينية.

ولفت إلى أنه من العجيب أن هناك قرارات خرجت من مجلس الأمن، بمنع الاستيطان فى ٢٠١٦، وإلى الآن لم ينفذ ويستمر الكيان فى ضرب بقرارات الأمم المتحدة عرض الحائط.

 

الفيتو الأمريكى.. صك حماية لوحوش إسرائيل

أدت وحشية الاحتلال الصهيونى عبر تاريخه إلى تحويل الشعب الفلسطينى إلى لاجئين فى بلدان العرب والعالم، بلا وطن وبلا هوية وبلا حقوق وبلا مستقبل، ولتتحول العصابات الصهيونية إلى نظام ودولة معترف بها لها وطن وهوية وحق فى الوجود والمستقبل، حيث بدأت بسلب الأرض كلها واستيطانها وتهويدها، واستمرت بمنهجية سياسية فى توقيع العقوبات الجماعية الشاملة ضد الفلسطينيين من اعتقالات ومحاكمات وهدم وإغلاق بيوت وإجراءات خنق اقتصادية، وإجراءات تهويد ثقافية وتعليمية وغير ذلك، ولتصل إلى اقتراف المجازر الدموية الجماعية والفردية.

وأكدت بعض تقارير منظمة العفو الدولية، أنه بات من الصعب على منظمات حقوق الإنسان، توثيق الانتهاكات وجرائم الحرب ضد المدنيين فى غزة، وذلك بسبب تعمد الاحتلال الإسرائيلى قطع الاتصالات خلال القصف العنيف الذى يشنه على القطاع منذ نحو أكثر من شهر، وذلك لطمس الأدلة ومنع توثيق جرائم الحرب ضد المدنيين.

وأضافت «العفو الدولية» أن المدنيين فى غزة معرضون لخطر غير مسبوق وسط قطع الاتصالات خلال القصف وتوسيع الهجمات البرية، حيث انتقدت منظمات دولية، منها «هيومن رايتس ووتش»، تلك الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنسانى الدولي.

وبحسب تقرير المنظمة الدولية، أكدت أن عدوان أكتوبر 2023 هو الأعنف حيث استشهد فيه أكثر من 12 ألف مواطن، بمن فيهم حوالى 5 آلاف طفل و3 آلاف امرأة، وتجاوز عدد الجرحى 35 ألفا، إضافة إلى تدمير ما يزيد على 50% من المنازل والوحدات السكنية، وفرض حصار شامل يمنع دخول الماء أو الغذاء أو الدواء أو الوقود، فى انتهاك صارخ للقانون الدولى الإنسانى.

وقال عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، وأستاذ القانون الدولى والعلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية: «العالم مقسم لعدة أقسام، القسم الأول هو الغرب الذى أعلن صراحة عن تأييده للعدوان الصهيونى على الفلسطينيين والقسم الآخر هم الدول العربية والإسلامية، الذين يعقدون اجتماعات متتالية، إلا أن القرارات التى يتخذونها، بدون أى آلية تنفيذ ولا يستطيع أحد منهم فتح معبر ناحية إسرائيل، فهى تفرض خطتها على العالم كله بما فيهم العالم العربى والإسلامى».

وأوضح «الأشعل»، أن الدول الكبرى عبارة عن مجموعتين هما: دول تنحاز لإسرائيل كأمريكا وفرنسا وبريطانيا، والمجموعة الأخرى على رأسها الصين وروسيا وليس من مصلحتهم محاربة إسرائيل أو الضغط عليها، لأن الصين لديها المسلمون التى تفعل فيهم أسوأ من اليهود، وروسيا ليست من مصلحتها توسيع الجبهات ومساعدة غزة بالتورط فى الصراع العربى الإسرائيلى، مؤكدًا على أن المجتمع الدولى سيظل صامتاً إلى أن تقضى إسرائيل على المقاومة الفلسطينية، وتطرد الأحياء منهم إلى سيناء، أو انتصار المقاومة الفلسطينية على إسرائيل.

وتابع مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الغرب هم الذين صنعوا إسرائيل وزرعوها وتعهدوا بحمايتها، وبسبب صمود المقاومة وكسر هيبة الجيش الإسرائيلى، يخرج الغرب من جحورهم متصدين لها، وذلك لأنهم لا يريدون أن تفنى إسرائيل، لأنها الوكيل الحصرى لهم فى المنطقة.

وأضاف أن بايدن قال فى الأيام القليلة الماضية: «إنه لو لم توجد إسرائيل لاخترعناها» وأن إسرائيل مهمة جدًا لاستمرار المصالح الأمريكية، وعدم وجودها سيجعل روسيا والصين من السهل لهم الاستيلاء على تلك المصالح فى الخليج والمنطقة العربية وهما الغاز والبترول، بالإضافة إلى رفض أمريكا عودة اليهود مرة أخرى للمجتمع الغربى.

ويرى «الأشعل» أنه لا أحد يستطيع أن يعاقب إسرائيل أو أن يقف فى وجهها، ما دامت تتمتع بالدعم والحماية الأمريكية والغربية، والفيتو الأمريكى الذى يمنع أى عقوبة عن إسرائيل، وتوجيه التأنيب إليها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المنظمات الأممية وقف العدوان جرائم الصهاينة المجتمع الدولي للمحکمة الجنائیة الدولیة المحکمة الجنائیة الدولیة الاحتلال الإسرائیلى القضیة الفلسطینیة الشعب الفلسطینى الکیان الصهیونى وقف إطلاق النار المجتمع الدولى القانون الدولى لحقوق الإنسان الأمم المتحدة الدول الغربیة حقوق الإنسان إبادة جماعیة على قطاع غزة جرائم الحرب جرائم حرب فى مدینة أکثر من أن هناک على غزة إلى أن فى غزة على أن إلا أن

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟

قالت مجموعة الأزمات الدولية إن الأزمة الوجودية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تفاقمت، ويلومها الفلسطينيون إما لضعفها في مواجهة عدوان الاحتلال أو بسبب تنسيقها الأمني معه. في حين تتهمها إسرائيل بعدم الفعالية في قمع المسلحين الفلسطينيين، وفرض الأمن على عناصر المقاومة بالضفة الغربية.

جاء ذلك في تقرير نُشر الأسبوع الماضي لكبير محللي فلسطين في مجموعة الأزمات الباحثة تهاني مصطفى بعنوان "توغلات إسرائيل في الضفة الغربية تسلط الضوء على معضلات السياسة الفلسطينية".

وقد بدأت إسرائيل عملية "الجدار الحديدي" في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، مما أدى إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لقمع المقاومة المسلحة الفلسطينية في الضفة.

وتسببت عمليات الاحتلال في دمار واسع للمخيمات والمناطق الحضرية المجاورة لها بالضفة، حيث وصف السكان أحياءهم بأنها "غزة مصغرة". وأدى هذا الدمار إلى تشريد ما لا يقل عن 40 ألف شخص، في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بعودة هؤلاء إلى مخيماتهم، حسب ما جاء في التقرير.

الاحتلال دمر عشرات المنازل والشوارع بشكل جزئي وكامل في مخيم طولكرم (الجزيرة)

الجزيرة نت حاورت محللين وباحثين مختصين في الشؤون الفلسطينية لتسليط مزيد من الضوء على هذه القضية، وخلاصة ما وصلوا إليه يمكن إجمالها في النقاط التالية:

إعلان السلطة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث في الضفة الغربية. السلطة لم تقدم البدائل الحقيقية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وخلقت حالة من الترهل داخل المنظومة السياسية الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسام الداخلي بوصفها السلطة الحاكمة والمسؤولة عن إدارة البيت الفلسطيني. تخلي السلطة عن مسؤوليتها الوطنية في قيادة الشعب نحو التحرير وإقامة الدولة يدفع الشعب نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية. السلطة لا تعتمد على الشعب الفلسطيني في البقاء، فهي لا تحتاج إليه ماليا أو سياسيا، بل تحتاج إلى دعم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد في الواقع أي بديل حاليا للسلطة الفلسطينية، ورغم الاستياء الشعبي من أدائها الذي تعكسه استطلاعات الرأي فليس هناك دافع للإصلاح. السلطة واقعيا أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال حيث توفر الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية. السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو، بعد أن فقدت أوراق المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها وتقليص دورها. السلطة ما زالت تعوّل على اتفاق أوسلو رغم أنه انتهى سياسيا وواقعيا، وهناك قرارات من الكنيست تمنع تطبيق بنوده. السلطة تتحمل مسؤولية انهيار المنظومة الأمنية أمام توحش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين، وعدم الاعتراض على ذلك. السلطة تخشى مواجهة الاحتلال أو غض الطرف عن نشاط المقاومين في الضفة خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطة المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني. الوجود العسكري الإسرائيلي المتكرر في الضفة حوّل السلطة إلى شبه بلدية تتحمل الأعباء الصحية والتعليمية الثقيلة، وباقي الملفات المصيرية ذهبت لإدارة الاحتلال العسكرية. إسرائيل تنوي تحويل المخيمات في الضفة الغربية إلى "غزة مصغرة"، أي تدميرها بالكامل. ليس من الصحيح أن السلطة الفلسطينية كانت تحتكر السيطرة في الضفة، فمنذ نشأتها وهي تواجه صعوبة في فرض إرادتها على كامل الضفة، فهي كيان نشأ في الخارج أولا ثم فُرض على الفلسطينيين. يجب على السلطة أن تأخذ قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأن تتحول إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال. يجب فصل السلطة الفلسطينية التي تقدم الخدمات للمواطنين عن منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بتحقيق تقرير المصير.

 

تقول تهاني مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عما حدث، إما من خلال تقديم بدائل محدودة جدًا لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل فرص اقتصادية ضعيفة، وتدهور مستويات المعيشة، وعدم القيام بأي شيء لمحاولة التخفيف من حدة العنف في الضفة الغربية من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين بشكل صحيح سياسيًا على الساحة الدولية.

إعلان

لا أعتقد أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الفلسطينيين للبقاء، فهي لا تحتاجهم ماليًا أو سياسيًا، إنها تحتاج دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهما الكيانان القويان اللذان يحددان بقاء السلطة، وهي تعرف ذلك، ورغم الاستياء الشعبي الكبير الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا فليس لديها أي دافع للإصلاح.

ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في توفير البقاء للسلطة، وتستمر أوروبا في تقديم الدعم، وإسرائيل تسمح لها بالبقاء، فإنها ستبقى. وهذا شيء كان واضحًا جدًا خلال 16 شهرا الماضية، فالسلطة الفلسطينية لا تريد التعامل إلا مع الأميركيين والأوروبيين.

لم يحاول قادة السلطة حتى القيام بالكثير فيما يتعلق بما يحدث في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، حتى أن الوسطاء الإقليميين مثل قطر كانوا يقولون إن المشكلة ليست أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار، بل لأنها ترفض الحضور.

طبيعة الاحتلال قد تغيرت، فإسرائيل لن تتحمل أي مسؤولية تجاه 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية من حيث توفير الخدمات، والمجتمع الدولي لن يتمكن من القيام بذلك مباشرة، وليس هناك بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية.

حتى الفلسطينيين لا يستطيعون تصور بديل الآن، وهو ما يعد أكبر إنقاذ للسلطة الفلسطينية، فبقاؤها بالكامل يعتمد على التنسيق الأمني، وحتى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس تدرك أنه يجب أن يكون هناك هذا التنسيق.

السلطة الفلسطينية بشكل عام بدأت تفقد قبضتها منذ فترة طويلة، وهذا ليس لأن الفلسطينيين لا يريدونها أو لأنهم يرون بدائل، ولكن لأنها من الناحية المالية مقيدة جدًا نتيجة ممارسات الاحتلال، بالإضافة إلى الفساد الداخلي للسلطة الفلسطينية الذي يسهم في أن تفقد السلطة قبضتها.

السلطة الفلسطينية لم تكن تحتكر السيطرة على الضفة الغربية طوال الوقت، فعملها كان شاقا للغاية منذ نشأتها، فهي لم تكن كيانًا طبيعيًا نشأ في الضفة الغربية، لقد كانت شيئًا مفروضًا على الفلسطينيين من الخارج.

 

السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن انهيار المنظومة الأمنية الحامية للفلسطينيين أمام توحّش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها:

إعلان التزامات اتفاقية أوسلو التي جعلت الأجهزة الأمنية والأمن الوطني أداة لحماية المستوطنين، وملاحقة النشطاء والمقاومين للاحتلال، بذريعة محاربة الأعمال "الإرهابية" الضارّة بالسلام ومسار المفاوضات المتوقّف منذ عام 2014. مع أن اتفاقية أوسلو انتهت سياسيا وواقعيا، فإن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة الاحتلال وانتهاكاته أو غض النظر عن النشطاء والمقاومين، وذلك خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطوية المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني الذي يشكّل حاجة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدّة. استخدام الولاء المطلق لمنتسبي الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين عبر الاعتقال أو الحرمان الوظيفي أو التحييد كما حصل مع المعارض نزار بنات ابن مدينة الخليل الذي توفي بعد ساعات من اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة في يونيو/حزيران 2021.

خطورة ذلك أن السلطة الفلسطينية ستفقد شرعيتها في عين المواطن الفلسطيني الذي ينتظر منها الحماية أمام انتهاكات الاحتلال وعبث المستوطنين الذين وصلت بهم الجرأة إلى سرقة الأغنام وقطع أشجار الزيتون وحرق المركبات والبيوت، كما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس في فبراير/شباط 2023، دون أي حراك من السلطة أو دفاع من أجهزتها الأمنية.

التخلي عن المسؤولية الوطنية يُفقد السلطة أهليتها السياسية في قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاتجاه نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية.

فكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال تعد خطيئة من حيث البدء، وكان من المفترض ألا تكون، فمن غير المنطقي أن تعمل سلطة فلسطينية وأجهزتها الأمنية لصالح الاحتلال أو تمنحه معلومات عن النشطاء والسياسيين والعاملين في الحقل الوطني.

الاحتلال تنصّل سياسيا من التزامات اتفاقيات أوسلو، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي تشريعا في يوليو/تموز 2024 يرفض فيه قيام دولة فلسطينية بوصفها خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها.

إعلان

أصبح من الضرورات السياسية والوطنية أن تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تتحوّل إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال بكافة الوسائل وأشكال المقاومة.

واقعيا، السلطة الآن أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال عبر توفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وبجودة منخفضة، بسبب الفساد الإداري والعجز المالي وغياب معايير الشفافية.

السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو بعد أن فقدت ورقة المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها، وتقليص دورها حتى الإداري بسحب العديد من صلاحياتها التي من المفترض أن تطلع بها، لا سيّما في المناطق المصنّفة "إي" حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو لأراضي الضفة الغربية.

الرئيس محمود عباس يفقد بالتدريج قدرته على السيطرة، ولو على أجزاء من الضفة الغربية، وسيحوّله الاحتلال واقعيا وفي وقت قريب إلى رئيس لسلطة مدنية محلية تحت السيادة الإسرائيلية، إن بقيت السلطة على هذه الشاكلة من دون استدراك عاجل على دورها السياسي والوطني.

 

لا يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى ممن ينتمون لحركة فتح التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية على أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في الضفة الغربية، نظرا لعدد  من الأسباب:

السلطة تتحمل الجزء الأكبر فيما يتعلق باستمرار الانقسام الفلسطيني لأنها في النهاية السلطة الحاكمة والمسؤولة. عدم قدرتها على تجديد الوجوه مما خلق حالة من الترهل داخل أجسام السلطة في كافة المستويات، وهذا الأمر انعكس على رؤية السلطة السياسية نتيجة الاتكاء على فرضية أن الولايات المتحدة معنية بحل الدولتين، وبالتالي لا حاجة لاستحداث وسائل أخرى. السلطة لم تخلق أي رؤية إستراتيجية واكتفت بخط سياسي غير موجود عمليا، مع وجود حالة من البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، وبالتالي وصلنا إلى هذا الوضع المتردي أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي السلطة الفلسطينية تتحمل الجانب الأهم في ذلك. إعلان

جزء من الفلسطينيين يرى أن السلطة عقبة أمام القدرة على مواجهة الاحتلال، وكذلك هناك من يرى أن وجودها بات عبئا على الفلسطينيين كون سلاحها مستخدما ضد الفلسطينيين بشكل أو بآخر.

هذه الحالة من التخلي عن البعد السياسي وقبول البعد الإداري فقط يترتب عليها ما يلي:

السلطة الفلسطينية ستتحول إلى جهاز إداري فقط يتحمل جزءا من أعباء الفلسطينيين لكنه في الوقت نفسه سيستميت من أجل الدفاع عن نفسه. سنكون أمام حالة من السلطة التي وافقت على تحديد صلاحياتها وتقزيم نفسها، لكنها لن تقبل التخلي عن أي دور. سيولد ذلك حالة من اصطدام داخلي إن لم يكن هناك حراك داخلي فلسطيني باتجاه ترسيخ حلول داخلية ووحدة فلسطينية وإنتاج مظلة جديدة تجمع الكل الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية يجب أن تتخلى عن التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة، وكانت هناك قرارات من المجلس المركزي الفلسطيني نفسه طالب السلطة بضرورة التخلي عن التنسيق الأمني.

في الفترة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تكترث بالتنسيق الأمني كثيرا مع السلطة، لأن إسرائيل عمليا باتت تسيطر أمنيا على الضفة الغربية بشكل كبير.

السلطة الفلسطينية فقدت أوراق السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، فهي اليوم ترمى في زاوية تحمل أعباء الفلسطينيين الصحية والتعليمية وغيرها، وباقي الملفات تسحب منها شيئا فشيئا وتذهب لإدارة الاحتلال العسكرية.

السلطة بذلك تحولت إلى شبه بلدية في الضفة الغربية، وهذا لا يرجع فقط للاجتياح المتكرر لمناطق الضفة، بل لأنها قبلت على نفسها مع مرور الوقت الانحناء كثيرا تحت عنوان "الصبر الإستراتيجي" و"الحكمة في التعاطي"، وتحت عناوين مختلفة ومتنوعة ومتعددة.

مقالات مشابهة

  • استئناف إدخال المساعدات ضرورة| وخبير: يجب إعادة القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية باستمرار
  • الخارجية الفلسطينية: قطع إسرائيل الكهرباء عن غزة “تعميق لحرب الإبادة”
  • إعلام الفيوم ينظم لقاء حواريا مع شباب كلية الخدمة الاجتماعية
  • الخارجية الفلسطينية تدين قطع إسرائيل الكهرباء عن غزة
  • «الصحة الفلسطينية» تدين اقتحام إسرائيل للمستشفى الأهلي بالخليل
  • الصحة الفلسطينية تدين اقتحام إسرائيل ساحات المستشفى الأهلي في الخليل
  • لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
  • منظمة التحرير وروسيا تبحثان مجمل التطورات على الساحة الفلسطينية
  • مسؤول عسكري سابق: إذا تجددت الحرب لن تُهزم حماس و”إسرائيل” ستفقد شرعيتها الدولية 
  • "حماس" تدعو المجتمع الدولي لحماية الفلسطينيات من جرائم إسرائيل