غزة- بفرحة ممزوجة بالترقب والقلق، استقبل سكان قطاع غزة اتفاق هدنة مؤقتة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، أعلنت عنه دولة قطر في ساعة مبكرة من صباح لـ4 أيام قابلة للتمديد، ويتضمن وقفا لإطلاق النار وإطلاق سراح نساء وأطفال أسرى من الجانبين.

مضت نحو 7 أسابيع منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الأكثر ضراوة على هذا الشريط الساحلي الصغير، عقب عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تتوقف خلالها أصوات الانفجارات نتيجة غارات جوية وبرية وبحرية، وقد آن للغزيين أن يلتقطوا أنفاسهم ويلملموا جراحاتهم.

في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، وكغيرها من مدن القطاع في جنوبه وشماله، كان لهذا الاتفاق وقعه على سكان المدينة، والنازحين إليها الذين يقدر عددهم بأكثر من 300 ألف، أجبروا على هجر منازلهم في مدينة غزة وشمال القطاع، فضلاً عن آلاف آخرين أجبروا على النزوح الداخلي من منازلهم في المناطق الشرقية المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي، نحو مراكز الإيواء في المدارس والمرافق العامة، وفي منازل الأقارب والأصدقاء.

عودة مؤقتة

تقول أم محمد الصوفي للجزيرة نت إن أيام الهدنة ستساعدها وزوجها للوصول إلى منزلهما في منطقة "الشوكة" القريبة من السياج الأمني، شرق مدينة رفح، وجلب بعض الاحتياجات الضرورية من ملابس وأغطية شتوية، بعدما اضطرا إلى النزوح بأطفالهما الستة، من دون أمتعة، في اليوم الأول للحرب الإسرائيلية.

وتقيم هذه النازحة الأربعينية مع أسرتها في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في وسط المدينة، ولا تعتزم العودة إلى منزلها للإقامة فيه قبل توقف الحرب كليا، وتستحضر تجربة أليمة مرت بها في الحرب الثالثة على غزة عام 2014، عندما انهار اتفاق هدنة مؤقتة، وانهمرت الصواريخ والقذائف على المنطقة، ونجت وأسرتها بأعجوبة.

وبالنسبة لأم محمد فإنه "لا أمان للاحتلال"، وتقول "رغم أنهم يستهدفون كل شيء حتى المدارس، فإن بقاءنا مع الناس (النازحين) في المدرسة، أكثر أمنا من بيتنا بالشوكة".

وتتلهف أم محمد لبدء سريان الهدنة، لتفقد منزلها الذي لا تعلم ما حل به خلال الأسابيع الماضية، وتمنّي نفسها أن تتطور الهدنة إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، وألا يطول بهم المقام في المدرسة.

وضاعفت أجواء الشتاء القاسية من معاناة أم محمد ومئات آلاف النازحين في المدارس والمرافق العامة، التي تفتقر لأبسط المقومات لمجابهة البرد والأمطار، ووفقا لها فإن ما تقدمه أونروا للنازحين من طعام وأغطية غير كاف، وتقول "الحياة هنا مأساوية، والناس بيناموا (ينامون) على البلاط، والأطفال يرتجفون من البرد".

الهدنة لا تتيح لآلاف النازحين من شمال قطاع غزة العودة إلى منازلهم (الجزيرة) حركة باتجاه واحد

وإذا كانت أم محمد أكثر حظا لأن أيام الهدنة ستمكّنها من العودة -ولو مؤقتا- إلى منزلها وجلب مستلزمات تحسّن من حياتها وأسرتها في مركز الإيواء، فإنه لن يكون بمقدور إيمان تايه (41 عاما) التحرك من مركز الإيواء ذاته إلى منزلها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

ويتيح اتفاق الهدنة لسكان شمال القطاع بالتحرك جنوبا مع ضمان عدم تعرض الاحتلال لهم، بينما لن يتمكن آلاف النازحين من العودة إلى منازلهم في مدينة غزة وشمال القطاع، ومنهم إيمان، التي اضطرت وأسرتها وعدد من أقاربها، إلى النزوح مرتين خلال الحرب، الأولى من منازلهم في حي الشجاعية، والثانية من مركز إيواء في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، نحو مدينة رفح.

وتساءلت إيمان بصوت يملؤه الحزن والقهر "ما فائدة الهدنة لنا كنازحين من غزة؟"، مستدركة "الحمد لله على كل حال، يكفي أنها ستوقف نزيف الدم والقتل والدمار".

وتداخلت نازحة تشاركها الغرفة ذاتها بالحوار، وقالت وكأنها تذكرها بفائدة أخرى للهدنة "وكمان (وكذلك) ستحرر نساء وأطفالا من سجون الاحتلال".

وبموجب الاتفاق، تطلق حماس سراح 50 امرأة وطفل من أسرى مستوطنات غلاف غزة، في مقابل تحرير الاحتلال 150 امرأة وطفل، من بين نحو 300 طفل، و33 أسيرة، تعتقلهم في سجونها، وقالت إيمان "ربنا يفرجها على كل أسرانا، ويفرجها علينا في غزة، ويعيدنا سالمين إلى بيوتنا".

وإلى حين هذه العودة، تأمل إيمان أن تحسن أونروا والمؤسسات المعنية من حياة النازحين في مراكز الإيواء، وتمدهم بمقومات الحياة الأساسية. وقالت وهي تنظر نحو ابنتها هديل (20 عاما)، التي ولدت قبل 14 ساعة فقط من النزوح مشيا على الأقدام "لا نجد لها الطعام المناسب، وبصعوبة بالغة أعددت لها شوربة العدس على نار الحطب".

على وقع استمرار الغارات الجوية استقبل سكان رفح اتفاق الهدنة بفرحة ممزوجة بالقلق (الجزيرة) احتياجات حياتية

وينتظر محمد عودة سريان الهدنة، وتدفق المساعدات من أجل التزود بكميات وافية من الوقود ومستلزمات المنزل الأخرى كغاز الطهي والأغذية المعلبة، ويقول للجزيرة نت "لا نعلم حتى اللحظة ما المساعدات التي ستدخل عبر معبر رفح مع مصر؟ ونتمنى أن تلبي احتياجاتنا".

وبحسب بيان أصدرته حماس فإن اتفاق الهدنة ينص على تدفق مئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، بما في ذلك الوقود، الذي ظلت إسرائيل متمسكة برفض دخوله للقطاع، ولم يشمله الاتفاق الثلاثي المصري الأميركي الإسرائيلي، الذي سمح بتدفق كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية، شملت عبوات من مياه الشرب، وأغذية معلبة، ومستلزمات طبية بسيطة.

وواجه محمد خلال الأسابيع الماضية، كالغالبية من الغزيين، صعوبة في توفير كمية قليلة من السولار لتشغيل مولد صغير، يستخدمه لرفع المياه إلى خزانات أعلى سطح منزله في مخيم الشابورة للاجئين وسط مدينة غزة، ويقول للجزيرة نت إنه اضطر إلى شراء لتر واحد بنحو 7 أضعاف سعره الحقيقي.

ودفعت أزمة الوقود، بما فيها غاز الطهي، بمحمد -حاله حال الكثيرين- للعودة إلى الوسائل البديلة، كالحطب، الذي ارتفعت أسعاره لأكثر من الضعف، وهو ما ينطبق على كل السلع التي نفدت من الأسواق، ولم يعد لها بديل، جراء استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، منذ بداية الحرب، وشهدت أسعار الكميات الشحيحة المتبقية من بعض هذه السلع ارتفاعا كبيرا.

الهدنة فرصة للغزيين لالتقاط أنفاسهم بعد أسابيع من القتل والدمار (الجزيرة) هدنة لتسكين الألم

أما محمد أيوب، فلا يشغل باله من الهدنة سوى تمكنه من زيارة قبر ابنته الشهيدة ولاء التي ارتقت في غارة جوية إسرائيلية استهدفت بناية لعائلة زوجها، تضم شقتها السكنية، وحوّلتها إلى كومة من الركام.

وبعد نحو شهر على هذه الغارة، لا يزال أيوب تحت تأثير الصدمة، ويقول للجزيرة نت "الحجر والشجر معوض، لكن مين (من) يعوضني عن ابنتي ولاء؟".

ومنذ أن دفنها بمشاركة عدد محدود من عائلته وعائلة زوجها، التي فقدت ثلة من أفرادها جلهم من النساء والأطفال، يتلهف أيوب لزيارة قبرها في المقبرة الغربية بمدينة رفح، والمكوث مطمئنا إلى جوارها يقرأ القرآن، ويحدثها بهدوء لا تعكره أصوات الانفجارات.

هذه الهدنة ستتيح لأيوب تحقيق رغبته بزيارة قبر ابنته، وستتيح للآخرين دفن ذويهم، ممن لم تسنح لهم الفرصة لانتشالهم من الشوارع والطرقات، ومن تحت أنقاض المباني والمنازل السكنية المدمرة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: منازلهم فی للجزیرة نت مدینة رفح مدینة غزة أم محمد

إقرأ أيضاً:

تأجيل إداري لإعادة محاكمة متهم بأحداث منصة مدينة نصر




 

قررت الدائرة الأولي بمحكمة الجنايات أول درجة المنعقدة بمجمع محاكم بدر، تأجيل  اعادة محاكمة المتهم عاصم أبو الفتوح محمد محمود الصادر ضده حكم غيابي في قضية قتل شريف السباعي ضابط شرطة من قوة الإدارة العامة للأمن المركزي واخرين بأحداث عنف الأزهر وقاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وذلك في القضية  المعروفة إعلاميًا بـ "أحداث المنصة".. وذلك تأجيل إداري بمناسبة المولد النبوي الشريف لجلسة 2 ديسمبر المقبل 
 

تعقد الجلسة برئاسة المستشار محمـد السعيد الشربيني وعضوية المستشارين غريب محمـد متولي ومحمـود زيدان ومحمد نـبيل وسكرتارية ممدوح عبد الرشيد. 

 

كانت قد أصدرت الدائرة الأولي بمحكمة الجنايات أول درجة المنعقدة بمجمع محاكم بدر،  النطق بالحكم  في قضية قتل شريف السباعي ضابط شرطة من قوة الإدارة العامة للأمن المركزي واخرين بأحداث عنف الأزهر وقاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وذلك في القضية  المعروفة إعلاميًا بـ "أحداث المنصة".
 

حيث قضت بالاعدام شنقًا لـ 8 متهمين والسجن المؤبد لـ 37 متهما والسجن المشدد 15 سنوت لـ 6 متهمين والسجن المشدد 10 سنوات لـ7 وقضت المحكمة ببراءة 21 متهما. 
 

ومن الجدير بالذكر ان قضية  أحداث المنصة تحمل رقم 72 لسنة 2021 جنايات أمن الدولة طوارئ ثان مدينة نصر، والمقيدة برقم 9 لسنة 2021 كلى القاهرة الجديدة، والمقيدة برقم 21 لسنة 2021 جنايات أمن الدولة العليا..  والمتهم فيها محمد بديع مرشد جماعة الإخوان الإرهابية، والسيد محمود عزت القائم بأعمال مرشد جماعة الأخوان، والقيادي الأخواني محمد البلتاجي وصفوة حجازي وعاصم عبد الماجد و74 متهما اخرين من عناصر الجماعة الإرهابية

مقالات مشابهة

  • بو حبيب استقبل لازاريني: نشدد على أهمية استمرار الاونروا بمهامها وبالخدمات التي تقدمها
  • لابيد: على نتنياهو إنجاز اتفاق الهدنة في غزة فورا
  • الشيكل يتراجع على وقع أنباء قرب إقالة غالانت واستمرار الحرب
  • الرئيس السيسي يكرم عددا من النماذج التي أثرت الفكر الإسلامي من مصر
  • أنباء عن إطلاق نار قرب ترامب وحملته تصدر بيانا عاجلا.. هل نجا من محاولة الإغتيال الثانية؟
  • جابر استقبل رئيس الجامعة اللبنانية على رأس وفد
  • فيدرالية اليسار تحتج أمام المجلس البلدي على خلفية الأوضاع المتدهورة التي آلت إليها مدينة المحمدية
  • ميدو: جيسوس لو استقبل هدف ما راح ينام.. فيديو
  • «الصحة العالمية»: اكتمال تطعيم أطفال غزة بالجرعة الأولى ضد شلل الأطفال
  • تأجيل إداري لإعادة محاكمة متهم بأحداث منصة مدينة نصر