قد تعكس الصورة في وسائل الإعلام عكس الحقيقة الدائرة في الغرف المغلقة، وحول ما تم انجازه في صفقة تبادل الأسرى والهدنة المؤقتة في قطاع غزة، فقد أظهرت الصورة في وسائل الإعلام، أن إسرائيل هي التي لم تكن حريصة على الهدنة، ولكن ما كشفته صحيفة بوليتيكو الأمريكية، يكشف حقيقة ما دار في الغرب المطلقة، وأن إسرائيل كانت تلح على مبعوث واشنطن بالمنطقة لإتمام الصفقة، وكذلك أوضحت تلك الكواليس تهديد حماس عدة مرات بوقف المفاوضات.

 

وذكر التقرير المنشور بالصحيفة الأمريكية، كيف كانت الاجتماعات المغلقة في 3 دول رئيسية في التفاوض، وهي مصر وقطر وإسرائيل، وما دار خلال تلك الاجتماعات حتى تم التوصل إلى هذا الاتفاق، وكيف كان هناك تنسيقا بين الجيش الإسرائيلي وأمريكا في العمليات الحربية بما يتوافق مع مسارات التفاوض حول الصفقة، وهنا نرصد ما جاء من تحركات الفريق الدبلوماسي الذي أنجز الصفقة رغم الصعوبات الشاقة للتوصل إليها. 

خلية سرية لإقناع حماس بالصفقة

وينص الاتفاق الذي أعلنه الجانبان أمس الثلاثاء على إطلاق سراح حماس لخمسين رهينة، من بينهم ثلاثة أمريكيين، والموافقة على وقف القتال مع إسرائيل لمدة أربعة إلى خمسة أيام، 

 

أمسك نتنياهو يد مبعوث أمريكا وقال "نحن بحاجة للصفقة"

وبحسب ما كشفته صحيفة بوليتيكو الأمريكية من كواليس، فقد أمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بذراع كبير مسؤولي البيت الأبيض في الشرق الأوسط أثناء خروجهما من اجتماع مثير للجدل في إسرائيل يوم 14 نوفمبر، وكانت المحادثات الرامية إلى تأمين إطلاق سراح 240 رهينة احتجزها مسلحو حماس متوقفة وكانت التوترات شديدة، وهنا استدار بريت ماكغورك ليجد الزعيم الإسرائيلي ينظر إليه مباشرة، وقال نتنياهو: "نحن بحاجة إلى هذه الصفقة"، وبعد أسبوع حصل الزعيم الإسرائيلي على ما أراد.

فقد أعلنت كل من الحكومة الإسرائيلية وحماس ليلة الثلاثاء أنهما اتفقتا على صفقة طال انتظارها، ستطلق حماس سراح 50 امرأة وطفلاً تم أخذهم من إسرائيل في 7 أكتوبر، وسيكون من بينهم ثلاثة أمريكيين، من بينهم فتاة تبلغ من العمر ثلاث سنوات تدعى أبيجيل، والتى قتل والديها خلال هجوم الشهر الماضي في المقابل، ستطلق إسرائيل سراح حوالي 150 سجينًا فلسطينيًا، من النساء والمراهقين، مع توقف القتال في الحرب التي تستمر ستة أسابيع لمدة أربعة إلى خمسة أيام، وقال مكتب نتنياهو مساء الثلاثاء إن إطلاق سراح كل 10 رهائن إضافيين بعد العدد الأولي البالغ 50 رهينة سيؤدي إلى وقف القتال ليوم إضافي .

أكبر اختراق دبلوماسي للصراع

والاتفاق متعدد الصفحات، والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد 24 ساعة من الإعلان، يعرض بالتفصيل الجوانب الفنية للاتفاق الغادر الذي استغرق استكماله خمسة أسابيع مرهقة - على الرغم من وجود اتفاق على الطاولة قبل أن تبدأ إسرائيل عمليتها العسكرية ضد حماس، ولا يزال هذا الترتيب يرقى إلى شيء واحد، وهو أكبر اختراق دبلوماسي للصراع، وهو ما يأمل مسؤولو إدارة بايدن أن يؤدي إلى زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين يعانون في غزة وإفساح المجال لإعادة المزيد من الرهائن إلى الوطن.

"نحن مصممون على إخراجهم جميعًا" .. هكذا قال مسؤول كبير في الإدارة للصحفيين ليلة الثلاثاء قبل الإعلان: "كان هذا هو المطلب الرئيسي لهذه الصفقة"، ولم تتم المهمة بالكامل فسيبقى حوالي 200 رهينة – رجال وجنود في جيش الدفاع الإسرائيلي ومواطنين مزدوجين وأجانب – في الخلف، على الرغم من أن الولايات المتحدة وإسرائيل تأملان في أن يتبع بعضهم على الفور الموجة الأولية، وتستمر المفاوضات من أجل إطلاق سراحهم، حيث أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن حماس، التي تتعرض لضغوط عسكرية هائلة، يمكن أن تستغل فترة توقف القتال لإطلاق سراح المزيد من الأشخاص، حيث تعتزم إدارة بايدن استخدام أول تهدئة حقيقية من جانب إسرائيل وحماس كنقطة انطلاق لإعادة المزيد من الرهائن.

تفاصيل بداية المفاوضات 

ووفقا للصحيفة الأمريكية، فإن الدبلوماسية التي بدأت بعد وقت قصير من وقوع عقب عملية طوفان الأقصى، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، أدت إلى أول إشارة للنور في زمن مظلم، وقال مسؤول كبير في الإدارة للصحفيين في مؤتمر صحفي كيف تجاوزت صفقة الرهائن خط النهاية. وقدم مسؤول كبير آخر في الإدارة تفاصيل إضافية عن المفاوضات إلى بوليتيكو، وقد تم منح كلاهما عدم الكشف عن هويتهما للكشف عن لحظات دبلوماسية حساسة ومكثفة.

في البداية اتصلت قطر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة والتي تتمتع بنفوذ على حماس، بالبيت الأبيض بعد فترة وجيزة من يوم 7 أكتوبر بمعلومات عن الرهائن الذين احتجزتهم الحركة للتو، وكانت إسرائيل لا تزال تعاني من الصدمة، واقترحت قطر تشكيل خلية صغيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل للعمل في قضية الرهائن، وهنا لجأ مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى اثنين من كبار مساعديه، ماكجورك وجوش جيلتزر، نائب مساعد الرئيس في مجلس الأمن القومي، وقد عملوا معًا على اتصالاتهم وهواتفهم للتنسيق حول أفضل السبل للتوصل إلى اتفاق مع حماس.

النتائج الإيجابية بدأت مع خروج رهينتين 

وبحسب كواليس الصحيفة الأمريكية، فقد تم توضيح المخاطر خلال مكالمة Zoom في 13 أكتوبر بين الرئيس جو بايدن وعائلات الأمريكيين المفقودين والرهائن، واستمرت المحادثة لفترة أطول من الجدول الزمني المسموح به، حيث سمح بايدن لجميع الموجودين على الهاتف برواية قصص عن أحبائهم والتعبير عن مخاوفهم. قال المسؤول الكبير الأول في الإدارة: "لقد كان ذلك أحد أكثر الأشياء المؤلمة التي شهدتها في ذلك المكتب على الإطلاق".

وأصبحت قضية الرهائن عنصرًا أساسيًا في مكالمات بايدن الهاتفية المتعددة واجتماعاته المباشرة مع نتنياهو، إلى جانب الضغط على إسرائيل للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين وضمان إعطاء الأولوية للعمليات العسكرية للقضاء على حماس في غزة لسلامة المدنيين، وقد حققت هذه الجهود أول انتصار لها في 23 أكتوبر، فقد قامت حماس بالتخلي عن المواطنين الأميركيين، ناتالي وجوديث رانان، وهي أم وابنتها. لقد أثبت هذا المفهوم القائل بأن عمل الخلية يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إطلاق سراح المزيد من الرهائن.

خطة غزو بري بالتنسيق مع أمريكا 

وبعد ذلك بيوم، أرسلت حماس رسالة عبر قنواتها إلى الخلية: يمكن لعدد من النساء والأطفال المحتجزين مغادرة غزة، لكن المشكلة هي أن عبورهم الآمن إلى الخارج لا يمكن تأمينه إلا إذا لم تشن إسرائيل غزوها البري للقطاع، وقال المسؤول الكبير الثاني في الإدارة: "طرح المسؤولون الأمريكيون على الإسرائيليين أسئلة صعبة حول ما إذا كان ينبغي تأجيل الهجوم البري أم لا لإعطاء فرصة للصفقة، وقد قرر الإسرائيليون أن الشروط لم تكن حازمة بما يكفي لتأخير الغزو البري، ولا يوجد حتى الآن أي دليل على حياة أي رهائن من جانب حماس، ولم توافق الولايات المتحدة أو إسرائيل على ضرورة التوصل إلى اتفاق دون ضمانة بأن المسلحين سيسمحون للناس بالرحيل.

وبالفعل اجتاحت القوات الإسرائيلية قطاع غزة قرب نهاية أكتوبر، لكن المسؤول قال إن "خطة الغزو تم تكييفها لتكون تدريجية ومصممة لدعم التوقف المؤقت إذا تم التوصل إلى اتفاق، حيث كان هناك تنسيق تم بين تل أبيب وواشنطن حول تلك التحركات على الأرض داخل المعركة، وكان هناك أهداف قصيرة المدى يتم إنجازها على الأرض بحيث تسمح في أي وقت التوقف في حال إتمام صفقة تبادل الأسرى".

وكانت موجة من الدبلوماسية تجري خلف الأبواب المغلقة، وكانت ملامح الصفقة تتقارب، ففي البداية قدمت حماس معلومات عن 50 من الرهائن لديها، في إشارة إلى بايدن بإمكانية إخراجهم، وقد نقل الرئيس الأمريكي وجهات نظره لنتنياهو في مكالمة هاتفية أجريت معه في 14 نوفمبر، ووافق الزعيم الإسرائيلي على ذلك، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، طارد نتنياهو ماكغورك، وأخبره بمدى أهمية إنجاز إسرائيل للاتفاق. وبينما كان الشعب الإسرائيلي وراء الحرب، إلا أنهم ما زالوا ينتقدون نتنياهو لفشله في تأمين البلاد من حماس وفشله في إعادة الرهائن الإسرائيليين إلى الوطن، ولم يكن الاتفاق مجرد الشيء الأخلاقي الذي يجب القيام به، بل لقد كانت ضرورة سياسية.

وظلت المضاعفات، وقطعت إسرائيل الاتصالات داخل غزة خلال عملياتها العسكرية، مما جعل من الصعب نقل أي معلومات من وإلى حماس، كما هدد المسلحون بإنهاء المفاوضات بالكامل بعد دخول الجيش الإسرائيلي إلى مستشفى الشفاء في شمال غزة، والذي يزعم المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون أن حماس تستخدمه كمركز قيادة لمهاجمة إسرائيل، ولم يتم استئناف المحادثات إلا بعد أن تلقت إسرائيل، عبر القناة الخلوية، رسالة إلى حماس مفادها أن الجيش الإسرائيلي سيواصل تشغيل المستشفى.

مباحثات مكثفة في آخر 5 أيام

وبحسب ما كشفته الصحيفة الأمريكية، فقد شعر بايدن أن الوقت لتحقيق شيء ما بدأ ينفد. وفي 17 نوفمبر، اتصل بأمير قطر، مشيراً إلى أن ماكغورك سيكون في بلاده في اليوم التالي، ويمكنهم مراجعة النص النهائي لاتفاقية التشكيل، وقبيل وصول كبير مساعدي الشرق الأوسط، تلقت قطر بعض التعليقات على الصفقة المقترحة من حماس. اتصل الرجلان بمدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، الذي كان يقوم بدبلوماسيته الإقليمية الخاصة وكان القناة الرئيسية مع الموساد، وكالة المخابرات الإسرائيلية.

وقال المسؤول الثاني في الإدارة إن الصفقة "تم تنظيمها خصيصًا للنساء والأطفال في المرحلة الأولى، ولكن مع توقع إطلاق سراحهم في المستقبل وبهدف إعادة جميع الرهائن إلى أسرهم"، وفي صباح اليوم التالي، كان ماكغورك في القاهرة للقاء عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية، وبينما كانوا يتحدثون، دخل مساعد مصري حاملاً رسالة مفادها أن قادة حماس في غزة قبلوا تقريباً كل ما تم التوصل إليه في الدوحة في الليلة السابقة.

تفاصيل النسخة الأخيرة للاتفاق

وعاد ماكغورك إلى إسرائيل في 19 نوفمبر للتحدث أمام مجلس الوزراء الحربي، ونقل الصفقة المطروحة ورد فعل حماس عليها، وفي ذلك المساء، أبلغ مسؤولون إسرائيليون كبار الولايات المتحدة أنهم وافقوا على الاتفاقية مع بعض التغييرات الطفيفة فقط، وأرسلت قطر تلك النسخة إلى حماس. "إنه العرض الأخير"، أكد زعيم قطر لنظرائه في حماس، بحسب المسؤولين الأمريكيين.

وكان هناك بعض التحركات البسيطة ذهابًا وإيابًا خلال الـ 48 ساعة التالية، ولكن أصبح من الواضح أن جميع الأطراف ستقبل الاتفاقية،  وفي 21 نوفمبر، أعطت حماس الضوء الأخضر، ولم يتبق سوى موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي بكامل هيئته على الصفقة، التي توقع كل فرد في الخلية حدوثها، وجاءت أنباء توقيعهم في وقت لاحق يوم 21 نوفمبر في واشنطن، لقد انتهى الأمر، وقال المسؤول الكبير الأول في الإدارة: لقد كانت «عملية مؤلمة استمرت خمسة أسابيع»، 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الولایات المتحدة إطلاق سراح من الرهائن فی الإدارة المزید من کان هناک

إقرأ أيضاً:

كيف انهار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟

القدس (CNN)-- انهار اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة "حماس" وإسرائيل، صباح الثلاثاء، حيث استأنفت إسرائيل غاراتها واسعة النطاق على غزة، والتي أسفرت عن مقتل وجرح عشرات الأشخاص.

وبدأت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني الماضي، وشهدت إطلاق سراح العديد من الرهائن لكنها انتهت في الأول من مارس/آذار الجاري، وسط خلافات بين إسرائيل و"حماس" حول الخطوات التالية.

وشهدت الأسابيع التي تلت ذلك مفاوضات شائكة.

وأرادت "حماس" أن تشهد الانتقال إلى المرحلة الثانية المتفق عليها سابقا من الاتفاق، والتي كانت ستشهد انسحابا كاملا للقوات الإسرائيلية من غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء الذين تحتجزهم الحركة وبدلا من ذلك، ضغطت إسرائيل من أجل تمديد المرحلة الأولى، دون الالتزام بإنهاء الحرب أو سحب القوات.

وفي الأسبوع الماضي، طرحت الولايات المتحدة اقتراحا جديدا يتضمن إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن الأحياء الذين تحتجزهم "حماس" مقابل تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهر.

وبحسب ما ذكره مصدر مطلع على المفاوضات لشبكة CNN، الأسبوع الماضي، سترفع إسرائيل حصارها المفروض على المساعدات الإنسانية إلى غزة، والذي استمر قرابة أسبوعين.

وأعلنت "حماس"، الجمعة، أنها مستعدة في المقابل، للإفراج عن الجندي الأمريكي- الإسرائيلي عيدان ألكسندر وجثث أربعة مواطنين مزدوجي الجنسية محتجزين كرهائن في غزة.

لكن إسرائيل زعمت أن "حماس" رفضت المقترح الذي طرحه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف دون التزام إسرائيلي بوقف دائم لإطلاق النار.

وكررت "حماس" هذا الادعاء، الثلاثاء، مع بدء الغارات الجوية على غزة، حيث ألقى كل من وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باللوم على "رفض حماس إطلاق سراح الرهائن" باعتباره السبب وراء استئناف القتال.

وقال كاتس: "لن نتوقف عن القتال حتى يعود جميع الرهائن إلى ديارهم وتتحقق جميع أهداف الحرب".

وردت "حماس" بأن إسرائيل "تراجعت عن اتفاق وقف إطلاق النار"، مما يعرض الرهائن في غزة لـ"خطر مصير مجهول".

مقالات مشابهة

  • هآرتس: نتنياهو يكذب وإسرائيل هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
  • كواليس عودة حرب غزة.. المشاورات في إسرائيل وضوء ترامب الأخضر
  • «إسرائيل على صفيح ساخن»| احتجاجات عارمة ضد قرار نتنياهو باستئناف الحرب.. ومطالبات بإبرام صفقة للإفراج عن الرهائن
  • تحليل لـCNN: لماذا استأنفت إسرائيل حربها على غزة الآن؟
  • إسرائيليون مفرج عنهم يطالبون بوقف الحرب على غزة
  • نتنياهو بعد استئناف الحرب على غزة: مجرد بداية
  • حماس تحمّل إسرائيل مسؤولية التصعيد بغزة: نتنياهو يعرض الأسرى لمصير مجهول
  • كيف انهار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
  • البيت الأبيض: إسرائيل تشاورت معنا بشأن غاراتها على غزة
  • قناة: واشنطن تضغط على نتنياهو لقبول تولي اللجنة الحكومية الفلسطينية إدارة غزة