- عشت الحادثة التي دمرت بطلتي بتفاصيلها مع فرق النوايا

- عند الكتابة لا أفكر في القارئ كثيراً ولا بعناصر الإدهاش والحرفية والصنعة

- اقتربت من العمارة في دمشق رغبة مني في مداعبة خيالات الغرباء

- كنت حذرة جداً ولم أتعامل مع الشام كحالة فلكلورية وبيَّنت حجم الابتذال الذي لحق بها

- أحببت دمشق في فقرها وغناها.

. في تهتكها وفي تعاليها.. في خرابها وخندقة مبانيها

- بيروت أُتخمت بالهراء والفشل السياسي والفساد الاقتصادي والتهاوي الأخلاقي

- دبي مدينة فتية جداً تحتفي بالمخيلة وبالشباب

لم يتغير شيء بالنسبة للكاتبة السورية عبير اسبر منذ صدور روايتها الأولى "لولو"، قبل عشرين عاماً، سوى أنها أضافت لقب عائلتها "داغر" إلى اسمها، حتى يفرِّق الناس بينها وبين فنانة تشكيلية اسمها أيضاً عبير اسبر.

ظلت عبير كامنة في الظل، أصدرت عدداً قليلاً من الروايات، وصل حتى الآن إلى أربعة، دون أن تهتم بمن يكتب عنها أو لا يكتب، ودون أن تصارع لتحصل لنفسها على مكان في الصورة، حتى حينما اختارت مهنة أخرى اختارت أن تكون مخرجة وراء الكاميرا. عبير داغر اسبر روائية شديدة التمكن والصدق، أعمالها تشبه صرخات حادة ضد الخوف والزيف والفساد وانعدام الأخلاق وتفسخ المجتمعات وانحدار الذوق. هنا حوار معها حول روايتها "سقوط حر".

- هل قصدتِ البدء بحدثٍ قاس كـ "قتل الأب" لتحققي أعلى ذروة للرواية من أول لحظة؟

• الحقيقة أني توقفت طويلاً عند فعل "قصدتِ" فباعتقادي أن معظم الكتَّاب يحبون الادعاء بأن كل خياراتهم السردية هي خيارات واعية وبالتالي قصدية وأنا مثلهم، لكنه ادعاء ليس صحيحاً أو دقيقاً بالضرورة، وللدقة فإني في "سقوط حر" فعلت كما أفعل عادة في معظم رواياتي، أن أقول نصف الحقيقة، ربما ثلثها، وأبني حول تلك "الحقائق/ الوقائع" تأملاتي. وبالتالي هل سأكون قاسية كثيراً لو أخبرتك أن عبير داغر إسبر عاشت هذه الحادثة بتفاصيلها مع فرق النوايا! وأن عقلي المتأمل الواعي والقصدي أراد أن يقدم كل ما أخافه من تهم وأرميها على هامة شخصية روائية جاعلة منها النموذج الأكمل لـ"البطل المضاد"؟

وبسبب ضميري المرتبك والمرتاع أمام الحقائق، أردت أن تحمل ياسمينا كل صفات شخصية "الأنتي هيرو" التي لا يمكنك التعاطف معها، ومع ذلك عندما تسمع حكايتها تفعل، فكل ما في ياسمينا أتى صادماً، قاسياً ومثيراً للريبة وأحياناً الغثيان، أردت تقديم شخصية عدمية، تحمل الكم الكافي من الشك كي لا تؤمن بشيء ولا تصدق شيئاً، وكي تحقق ياسمينا مصداقيتها الروائية كحاملة لكل تلك الصفات، كان عليها أن تتورط بفعل القتل، قتل الأب.

- حكمتِ على الرواية وعلى نفسك منذ أول لحظة بحرق الحدث الرئيسي.. فهل مثل لك تحدياً شخصياً لك بجذب القارئ إلى النهاية رغم ذلك؟

• عند الكتابة لا أفكر في القارئ كثيراً ولا بعناصر الإدهاش والحرفية والصنعة وما عليَّ فعله أو عدم فعله كي لا أخسر قارئي كما أشرتْ، ما يعنيني هو تسخير كل ما راكمته من معارف وقراءات، وكل ما طورته من حساسية لتلمس طريق مجهول، شديد الرعب والغموض بأكبر قدر ممكن من الصدق الأدبي والمعرفي. وأعتقد أن الوعي هنا يلعب -باعتباره مسؤولاً عن كل الخيارات- أكبر أدواره، فكل قرار يتخذه الكاتب في هذا السياق هو خيار ملزم وواع سيتم التعامل معه بجدية، ويؤخذ في الحسبان حتى انتهاء العمل الروائي.

- قبل أن أنتقل إلى مناقشة تفاصيل العمل أقول لك إن هناك تماساً في دوافع القتل بين بطلتك وبطل غريب ألبير كامو، وهو "الحَرُّ الخانق" لحظة ارتكاب الجريمة، مع الإشارة إلى أن هناك دوافع أخرى لدى بطلتك طبعاً، ما رأيك؟

• أوافقك جداً.. لقد أردت مداعبة الفكر العدمي الذي يناسب ترددي ولايقينيتي، فتركت ياسمينا تقتل أباها لأنها ببساطة تستطيع أن تفعل. ولأنه لا يهم أن تكون أسبابها قاهرة كي تفعل، فالجنون الذي عاشته تلك المدينة في لحظات مخاضها في 2011 لن يماثله عبثٌ سوى أن تُرتكب الجرائم للاشيء، فهكذا كانت "الشام" بجغرافيتها مكاناً بزعيقه وحره وعبثيته يسبب الجنون ويمكِّنك من القتل بصفاء سفاح، حتى لو قتلت أباك.

- هل يمكن اعتبار روايتك عملاً عن تحولات المدينة التي مرت بأطوار مختلفة، من التقشف إلى سيطرة الاستهلاك والسطحية، ثم تحولها إلى مدينة للموت والأموات؟

• العمل عن تحولات البشر أنفسهم، سواء كانوا دمشقيين أو من وفدوا إلى الشام من أمكنة أخرى، عن المركز المشتهى والهامش المنفي، عن الحجيج إلى المكان الذي نبغي وصولنا إليه وقد يكون بيتاً، منصباً، أو حبيبة. عن السير إلى تلك المدينة المبتغاة، عن إتيانها من فراغ، من هيولى، من اللاقوام. فحكاية الشام، حكاية الريف والمدينة سهلة التفاصيل، المتوقعة والمتنبأ بها ظلت ولا زالت صالحة لتروى حتى الآن. فالمرثيات واللطم ودق الصدور وشق الأثواب لا زالت تمارس على روح تلك المدينة في الخفاء والعلن.

- الرواية مشغولة كذلك بالمعمار، كتأمل تفاصيل بيوت الشام التي تفتح أبوابها ونوافذها على الداخل.. هل كان الهدف وضع أسباب للهوَّة بين مارلا وذوقها الأوروبي وزوجها الطبيب الغارق في شهرته وتمدد نفوذه؟

• اقتربت من تحليل العمارة في دمشق رغبة مني في مداعبة خيالات الغرباء عنها، فالرعب والحسرة من الترييف متجذران في ذاكرة هذه المدينة. مارلا التي امتلكت "المدينة/ الشام" -دون عناء- لم تعان من النفي كما عاناه خليل ابن الريف. وبالتالي استطاعت أن تكره دمشق وتنتقد عمارتها، لأنها في حيازتها وحيازة عائلتها منذ قرون، بينما ظل خليل يترنح تحت تأثير جمال تلك المدينة المخدِّر.

- بهذه المناسبة.. لماذا فضلتِ استخدام مفردة الشام على دمشق؟

• هل باستطاعة أي قاهري أن يشير إلى القاهرة كقاهرة، بالنسبة له هي مصر.. وهكذا هي الشام لسكان سوريا.

- البطلةُ أحبَّت أمها مارلا رغم أنها هربت وتركتها مع الأب.. لماذا؟

• ياسمينا لم تكن ممن يستطعن أن يحببن أحداً، هي فهمت أمها لأنها مضطرة أن تفعل، كما تفعل الضحية عندما تعي أن جلادها أكثر بؤساً من أن تنتقم منه. فغفرت لها كما نغفر للمعذبين أخطاءهم.

- هل الرواية هي أيضاً عمل عن الخوف؟ الخوف من الفقد؟ الخوف من العيون المتلصصة والجبابرة؟

• العمل عن الخوف بالتأكيد، الخوف من الواقع، من البذاءة، وانفلات الجسد في خرابه، في نسيانه وفي وعيه بالمأساة، الخوف من المعتقلات وتعقب تاريخ الألم الإنساني غير الضروري، عبر العصور.

- هل يمكن وصف البطلة ياسمينا خليل داغر بـ"اللامنتمية"؟

• لقد حاولت أن تكون كذلك، حاولت أن تنجو من الانتماء، من الذاكرة بتفتيتها على الأرصفة وفي المطارات ونثرها في طرقات المدن الغريبة وفوق أجساد العشاق، لكنها فشلت وعادت لتموت في مدينتها.

- لماذا صار على الفرد أن يخجل من كونه ريفياً في سوريا ولماذا لم يكن هذا هو الحال في عقود قديمة؟

• الحقيقة أن ما حصل هو العكس فبحكم وصول رجل إلى السلطة في السبعينيات، وهو من أصول ريفية، أتى الترييف المبتذل والانتهاكي للمدن بمجملها، فصار من المحبذ الإصرار على استخدام لهجة ريفية "ساحلية" في دمشف مثل "كود" للسلطة، بحيث لبست تلك اللهجة لبوساً طائفياً كريهاً. وللنجاة وللخوف ولأسباب مركبة ومعقدة تواطأ الجميع على فعل ذلك الترييف من سكان المدن ذاتهم، فخسر الكل أمام سلطة ادعت أنها تناصر العمال والفلاحين وصغار الموظفين، سلطة أتت لتحكي باسم الفقراء وعن الفقراء، ثم أصرت على تمركز الكادرات السياسية والخدمية والتعليمية والاقتصادية في العاصمة، ساحبة البساط من تحت بقية مدن سوريا، وخاصة حلب مدينة سوريا الأجمل والأكثر كمالاً.

للملاحظة "أنا هنا أحلل كروائية" ما حصل ليس لانبهاري بالمدن أو لأنني متعالية على الريف، فأنا ابنة ريف حتى النخاع، شربت روح القرى واندغمت بها، قريتي "مقلس" التي تحدثت عنها طويلاً، لم يكن يتجاوز عدد سكانها بضع مئات عندما وُلدت، وهي منفية... تصلها "البوسطة" مرة في اليوم، وتائهة بضبابها بين أحراش الكستناء وعواء بنات آوى!

- استخدمتِ بعض مفردات اللهجة الشامية بحذر شديد أو فلنقل بنسبة ضئيلة للغاية لماذا؟

• الحقيقة أني كنت حذرة جداً ولم أتعامل مع الشام كحالة فلكلورية وبيَّنت بكثير من الوضوح حجم الابتذال الذي لحق بهذه المدينة بسبب تحويلها وتحويل تقاليدها وعادات رجالها ونسائها وحتى عماراتها إلى مطاعم سياحية ومادة استهلاكية لمسلسلات "البوجقة" وهو التكلم بمحلية شديدة ومبالغة بلهجة أهل الشام.

- ولماذا طغى السرد والاستبطان بينما بدا الحوار شبه غائب؟

• لا أحب استخدام الحوارات إلا لتحديد "التون"، أستخدمه كضربة فرشاة فوق صفحة بياض، كأنه لحظة الصمت في قطعة متواترة الإيقاع، أفضل أن أسرد الحدث، تاركة شخصياتي لتفعل ما تريد قوله. أن تمارس أفعالها تحت سمع وبصر القارئ، هكذا دون وسيط يسمى حوار.

- يمكن تفسير كل شيء في هذه الرواية كذلك بالسياسة.. فهل السياسة تتحكم في الحياة وكذلك الفن؟

• انشغالي الحقيقي لم يكن سياسياً بالمعنى المباشر على الرغم من حضور الأحداث السياسية وخاصة الثورة السورية بتفاصيلها وإحالاتها، لكن رغبتي الأشد الحاحاً كانت نقل روح هذه المدينة على الورق بأشد أصالة وإخلاص ممكنيْن، وهنا كان التحدي الهائل، إذ قلت سابقاً إني كاذبة وأفاقة في كل ما يتعلق بالشام، فحبي لها لم يكن غير مشروط، بل مكبل بآلاف من تلك الشروط. لقد تعلمت أن أحب الشام على مهل، أحببتها بعقلي، وعلى يد الغرباء والعشاق والأصدقاء، تعلمت أن أحبها لأني درستها كطالب عليه أن يأخذ علامة تامة كي يستطيع أن ينتمي لها، تعلمت استقراء منمنماتها وفسيفسائها على يد السينمائيين والتشكيليين والرواة. صرحت مراراً أني لا أحبها وهاجمت كليشيهاتها، من ياسمين ونارنج وبحيرات مياه دافقة، لكن ما حصل عندما غادرتها إلى الصقيع الكندي أن تفجرت في وجداني تلك المدينة إلى ألف ذكرى وحدث، فلم أعد أستطيع التوقف عن استحضارها، فانبعاث عبقها، تعرجات حاراتها، مطبخها العريق، وعمارتها الخلابة كان لها تأثير النشوة، والذاكرة حضرت بحالتها العليا والأشد تكثيفاً كمؤرخ، أحببتها في فقرها وغناها، في تهتكها وفي تعاليها، في خرابها وفي خندقة مبانيها الصلدة كسر لا يمكن البوح فيه، دمشق مدينة لا تتقن الحكي كثيراً، تأتي من تاريخ طويل من اللاإفصاح، تأتي من تحفظ الدمشقيين عن البوح، مدينة راكمت خوفاً ممنهجاً ضد الغزاة وتعلمت أن تخفي جمالها رعباً من معاودة اغتصابها مرة بعد مرة على يد سفاحين قدماء وجدد.

- هل حرك ياسمينا إحساس قديم بالذنب تجاه أسامة بعد وشايتها به، وهذا الإحساس دفعها لحمايته من الحرس الذين اقتحموا البيت؟ ولماذا عادت لخيانته بعد الوداع الأخير بينهما؟

• ياسمينا هي كتلة إحساس بالذنب تتحرك على هذه الأرض وهي تترنح تحت وقع ضربات الحياة، بينما يصرعها وعيُها بحقيقتين متناقضتين، وتتنازعها رغبات كثيرة، أولها أن تكون شجاعة، متفانية، مضحية وعلى قدر المسؤولية، فهي تريد أن تكون ابنة مثالية وترافق والدها مريض الألزهايمر في رحلته الجحيمية، تريد أن تحب أمها التي هجرتها، تريد ألا تشي بأسامة حبيبها حتى لو صُفعت واشتمت روائح فم كريهة، وبللت ثيابها رعباً من الاعتقال بينما هُددت بالاغتصاب. تريد أن تكون قوية وشجاعة ومثالية، لكنها وفي الوقت نفسه لم تستطع إلا أن تلحظ اللاإنسانية والبذاءة والإجرام ممن طلبوا منها بطولة تعجز الألهة عن تأديتها! وهذا ما يُطلب من شعوبنا الآن، يطلب منهم أن يتصرفوا في صمودهم وصراع البقاء الذي يخوضونه كأبطال لا يقهرهم الشك ولا الأسى ولا حتى الجبن.. يريدون من الكل أن يصبح بطلاً فهل هناك ما هو أكثر ابتذالاً وقسوة من طلب كهذا؟ كل ما أرادته ياسمينا أن تكون ضعيفة وأفاقة وخائنة، أي أن لا تكون بطلة لأنها إن قدرت أو احترمت شيئاً في حياتها فهو القدرة على أن تكون ضعيفة، فهي لم تحترم شيئاً كما احترمت الضعف البشري.

- لماذا تحولت بيروت إلى مدينة جامدة؟ وهل كان ذلك التحول سببه أنها أُتخمت بالسوريين؟

• بيروت مثلها مثل كل مدننا، أُتخمت بالهراء. بالفشل السياسي، بالفساد الاقتصادي، بالتهاوي الأخلاقي، بالمعنى الإسبارطي، بالحق والفضيلة والجمال.. عندما تحدثت عن بيروت، تحدثت عن المدينة الحاضنة التي شكلتها في الستينيات، عندما أعاد الغرباء تشكيل منمنماتها وفكرتها عن ذاتها، عن المثقفين العرب.. وعندما عدت لرثائها، رثيت كل ما مات فينا بعد حروب كثيرة.

- لماذا وصفتِ دبي بأنها مدينة لا وقت لديها للذاكرة؟

• لأنها مدينة فتية جداً.. لأنها "حالة" تحتفي بالمخيلة وبالشباب، لأنها تسكن المؤقت الذي قد يستمر سنوات كثيرة، لكنها ليست هناك كي تمتلكها، فهي مدينة لا تلعب الوراثة فيها دورها كحامل للتاريخ وللذاكرة بالمعنى "الفردي/ الشخصي" للأفراد. دبي هي قصتك الشخصية معها. فهي تتشكل الآن تحت سمعنا وبصرنا، مدينة عندها حكاية. أنا صرحت مراراً بأني مفتونة بحالة دبي الجمالية وأنتظرها لتطور معنى خاصاً بها.

- هل كان يجب أن تنتهي الرواية بسقوط ياسمين من نفس السلم الذي سقط منه أبوها؟

• لا أعلم الحقيقة إن كان يجب أو لا يجب.. ما أعلمه أني لم أجد ما أفعله بياسمينا إلا أن أرحمها من عذابها وتيهها وهذياناتها وهي تسير بكيس الجثث على ظهرها، إلا بأن أغلق دائرة البذاءة والعنف من حولها وأرسلها للموت..

- لماذا تصرين على كتابة اسمك الثلاثي؟

• سأوشوش لك بحقيقة صغيرة، هناك فنانة تشكيلية سورية اسمها عبير اسبر وهي تقريباً في نفس عمري ومن مدينتي حمص! وكي أحل هذه المشكلة أضفت اسم عائلتي داغر كي أُميز نفسي بالاسم، وأعتقد أنها تعاني من نفس سوء التفاهم الذي أوقعنا فيه العم "غوغل".

- كيف استفدتِ من كونك مخرجة سينما؟

• استفادتي من السينما لم تكن مباشرة، أنا مفتونة بالاختزال، بالصورة، بالبناء المتسق وأعتقد أن تلك الصفة قد يملكها كل من هو غير سينمائي أيضاً، الاستفادة الحقيقية تكونت من تطوير علاقة مميزة مع الثقافة بمجملها من فلسفة، إنثروبولوجيا، تاريخ وفنون.

- لديك أربع روايات فقط.. فهل ترين أنك مقلة في النشر وهل يشغلك هذا؟

صدرت "لولو" روايتي الأولى منذ عشرين عاماً وخلال الخمس سنوات اللاحقة صدرت لي "منازل الغياب" و"قصقص ورق"، وظننت عندها أني سأتوقف عن الكتابة، وأتفرغ للإخراج، لكني لم أفعل، ثم كتبت "سقوط حر" على امتداد عشر سنوات، ولولا محنة اللجوء وسؤال الهوية الحارق لما كتبتها، قد أبدو مقلة لكني وبأمانة كافية لم أستطع تصديق صفة الروائية إلا مؤخراً جداً، فبعد خمس سنوات من نشر "سقوط حر"، تصدر روايتي "ورثة الصمت" وقد أخذت في كتابتها الكثير من الجهد، ليس النفسي فقط بل البحثي أيضاً، وأنا أتطلع لصدورها وأترقب كيف ستُستقبل وهذا ما لم أفعله في رواياتي السابقة.. أعتقد أني أصبحت روائية على مهل، وقد يصدقُ وصف "مقلة" بهذا المعنى.

- ولماذا لم تفكري في إصدار أعمال قصصية؟

• أجد أن كتابة القصة القصيرة محنة واختبار حقيقي لمقدرتي على الكتابة، حاولت أن أكتب قصة قصيرة، على استعجال ودون جدية كافية وكنت شديدة الواقعية ولم أترك نفسي لتقع في ضلال. أنا عاجزة عن كتابة القصة القصيرة، هي فن مختلف تماماً عن الكتابة الروائية، صعب جداً وتلزمه أدوات لا أملكها، ما هي تلك الأدوات؟ لا أعلم بالظبط . لكن الشيء الوحيد الذي أدركته عند خوضي لتلك التجربة هو أني لا أستطيع أن أترك شخصياتي باكراً وفي القصة القصيرة أعتقد أنك تفعل.

- وما الخطوط العريضة لمشروعك القادم؟

• "ورثة الصمت" تُعنى بالأسئلة الحارقة التي تؤرقنا الآن، تبحث سؤال الهوية وتقدم رؤية متطرفة قليلاً قد لا تعجب كل من يخلط سؤال الهوية بالسؤال الحقوقي، بسؤال الاضطهاد، واستلاب التاريخ والأرض بمعناه الإنساني الشامل، رؤيتي تعارض فكرة الهوية "أي نقاءها، نخبويتها، صفاءها" متتبعة خريطة اللغات وكيف بنيت واشتبكت السلالات اللغوية مع السلالات الإنسانية. فمن راقب بانتباه كيف انجدل التاريخ الانساني بشكل لا يمكن فكفكته دون اللجوء لحضور الآخر وذكره، كيف غمسنا أيدينا ولو لغوياً وانهمكنا بصنع جديلة هائلة وأرخيناها فوق كتف حكايتنا، الحكاية الإنسانية، لوجدنا أنه ليس من الجهل وحده، بل من الغباء أيضاً التحدث عن نقاء الهوية. وهذا ما لا نفعله بالطبع لأن هذا الخيار بحاجة لكثير من الشجاعة، وقد اكتشفنا ولا زلنا نكتشف أن التاريخ يصنعه الأغبياء والمتطرفون لا الشجعان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک المدینة الخوف من أن تکون لم یکن

إقرأ أيضاً:

4000 طن مواد متفجرة بموانئ العراق.. مجلس البصرة يكشف الحقيقة

4000 طن مواد متفجرة بموانئ العراق.. مجلس البصرة يكشف الحقيقة

مقالات مشابهة

  • و أنت عائد إلى بيتك فكر في تلك المدينة الصامدة التي غيرت مجرى الحرب
  • منخفض جوي يؤثر على وسط البحر المتوسط ويتحرك نحو الشرق في الأيام القادمة، فما تأثيره على بلاد الشام؟
  • عاجل | مراسل الجزيرة: جرحى إثر قصف إسرائيلي استهدف معهد الأمل الذي يؤوي نازحين غرب مدينة غزة
  • إسرائيل تدعو سكان صنعاء للمغادرة ..إليك الحقيقة
  • المربّية عبير حلّاق استشهدت مع عائلتها في غارة عين الدلب
  • منسقة الأمم المتحدة في لبنان متوقفة عند الحقيقة القاسية... هذا ما قالته
  • عبير نعمة| أسعار تذاكر حفل مهرجان الموسيقى العربية وطريقة الحجز
  • المدينة التي لا ترحم: ارتفاع الإيجارات يدفع البغداديين نحو المجهول
  • شاهد.. فيديو من داخل الطائرات الإسرائيلية التي أغارت على مدينة الحديدة
  • 4000 طن مواد متفجرة بموانئ العراق.. مجلس البصرة يكشف الحقيقة