كيف غيّر اليمن شكل الصراع مع إسرائيل وكيف بات المرور عبر البحر الأحمر وباب المندب حلماً إسرائيلياً مستعصياً
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
قبل ثلاثة أسابيع من اليوم أعلنت الحكومة اليمنية عبر المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية، الدخول في الحرب ضد إسرائيل بشكل رسمي وعلني. من الناحية العسكرية والجيوسياسية يعتبر تدخل اليمني الرسمي في الحرب نقطة تحول هامة للغاية، إذ أن هذا التدخل أظهر عجز الدول العربية أو عدم رغبتها في تقديم المساعدة الحقيقية للشعب الفلسطيني.
منذ ذلك الوقت تحّول يحيى السريع (المتحدث باسم الجيش اليمني) إلى أبو عبيدة أخر، ينتظر العالم تصريحاته ويراقبون حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي لإنه حمل لهم المفاجأت في كل تصريح أدلى به.
استراتيجية يمنية شاملة
على الرغم من التحليلات السطحية التي صدرت عن بعض المحللين الذين اعتبروا دخول اليمن في الحرب كحالة رمزية فقط وكذلك الأمر بالنسبة لأولئك الذين شككوا في قدرة الصواريخ اليمنية على الوصول إلى إسرائيل، إلاّ أن الجيش اليمني كان مجهزاً بخطة استراتيجية شاملة وتدريجية للتعامل مع ملف إسرائيل.
بدأ اليمن حربه ضد إسرائيل عبر إطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة الموجهة بشكل دقيق. وكان على صواريخ أنصار الله الحوثيين أن تقطع أكثر من 1600 كيلومتر لتصل إلى الأراضي المحتلة. كما عمل الجيش اليمني على تفادي المضادات الجوية المصرية والسعودية عبر المرور عبر البحر الأحمر ومن ثم اجتياز خليج العقبة. وبالفعل فقد تسببت هذه الهجمات بخسائر بشرية ومادية كبيرة في “إيلات” الإسرائيلية.
ومتابعة للخطة اليمنية العسكرية في المواجهة مع إسرائيل، فقد قامت القوات البحرية اليمنية باحتجاز السفينة الإسرائيلية “غالاكسي ليدر” المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي المقرب من الموساد “رامي أنغر”، كما قام الجيش اليمني باقتياد السفينة إلى السواحل اليمنية وتم احتجاز طاقم السفينة والذي يُعتقد بأنّ أغلبهم من الإسرائيليين. إن ما قام به الحوثيون لا يعتبر من أعمال القرصنة أو الإرهاب بحسب القانون الدولي البحري وذلك لإن يحيى السريع صرّح قبل أيام من احتجاز السفينة بأن الجيش اليمني سوف يستهدف السفن الإسرائيلية في المياه الإقليمية كما نصح الدول الأخرى التي يعمل رعاياها في البحر الأحمر بالابتعاد عن أي عمل أو نشاط مع السفن الإسرائيلية. ولذلك فإن احتجاز السفينة يأتي في سياق عسكري بحت ولا يمكن لإسرائيل الترويج لنظرية تعطيل التجارة الدولية أو تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
وكعادتها في كل مرة تتعرض سفنها للاستهداف، فقد نفت إسرائيل عبر وزارة دفاعها ملكيتها للسفينة التجارية ونفت كذلك وجود مواطنين إسرائيليين على متن السفينة. تُذكرنا هذه الحادثة بحادثة استهداف السفينة الإسرائيلية “ميرسر ستريت” عبر طائرة مسيرة انتحارية قبالة سواحل عُمان في يوليو 2021 والتي راح ضحيته اثنين من طاقم السفينة الإسرائيلية. والغريب في التصريحات الإسرائيلية هو أنه لو لم تكن هذه السفينة مملوكة لإسرائيل إذا لماذا كل هذه التهديدات والتصريحات التي تطلقها إسرائيل ضد اليمن!! يبدو بأن نفي إسرائيل المستمر لملكية السفن التي تتعرض لهجمات في الخليج الفارسي أو البحر الأحمر وباب المندب يوفر لها ملاذاً للفرار من الرد العسكري على هذا الاستهداف.
على أي حال يبدو بأنّ أنصار الله يعرفون جميع التفاصيل الاستخباراتية لهذه السفينة وغيرها من السفن الإسرائيلية التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وجاء ذلك عبر تصريح وزير الإعلام في حكومة الإنقاذ الوطني “ضيف الله الشامي” الذي أكد بأنّ لدى صنعاء معلومات عن كل السفن الإسرائيلية التي تعبر البحر الأحمر. وبناء على ما تقدم فإن أنصار الله يعلمون جيداً بأن أغلب العاملين في السفن الإسرائيلية هم إسرائيليون مزدوجو الجنسية ويحملون جنسيات أجنبية أخرى.
اليمن يعطل الاقتصاد الإسرائيلي
تحدثنا أعلاه عن الخطة الاستراتيحية المتكاملة لأنصار الله الحوثي في تدخلهم في الحرب إلى جانب أخوتهم في فلسطين، هذه الخطة التي بدأت عبر استهداف إيلات بالصواريخ والمسيرات. وقد جاءت عملية احتجاز السفينة لإكمال تعطيل ميناء إيلات والممرات البحرية المؤدية إليه. يدرك العالم أجمع والولايات المتحدة على وجه الخصوص أهمية مضيق باب المندب ومياه البحر الأحمر للتجارة العالمية حيث يمر عبر هذا الممر المائي حوالي 6.2 مليون برميل من النفط الخام يومياً إضافة إلى حوالي 30% من التجارة العالمية للغاز التطبيعي تمر عبر هذا المضيق ناهيك عن 10 % من إجمالي التجارة العالمية. ولهذه الأسباب يأتي تحرك الحوثيين تحدياً للولايات المتحدة التي تنشر سفنها وحاملات طائراتها الحربية في المنطقة وهي وقفت عاجزة أمام قوات الجيش اليمني التي احتجزت السفينة عبر زوارق بحرية بدائية وعمليات انزال جوي.
بالإضافة إلى التأثير العالمي لهذه العملية فإن هناك تأثيرات اقتصادية خطيرة على إسرائيل تتمثل بقدرة أنصار الله الحوثيين على تعطيل طرق إمدادت إسرائيل بالبضائع الأساسية التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب والقدرة على تعطيل ميناء إيلات في جنوب الأراضي المحتلة والذي يعتبر أكثر الموانئ الإسرائيلية حيوية إلى جانب ميناء حيفا.
بشكل عام لدى إسرائيل خمسة ممرات بحرية لتأمين وارداتها من النفط والغاز والبضائع الأساسية أهم هذه الممرات يمر عبر مضيق باب المندب الذي يسيطر عليه الجيش اليمني. الممر الاستراتيجي الأول والذي يعتبر عصب الاقتصاد الإسرائيلي هو الممر الذي يصل الهند بإسرائيل مروراً بخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر وينتهي إلى ميناء إيلات في جنوب إسرائيل. 30% من واردات إسرائيل (بقيمة حوالي 30 مليار دولار) يمر عبر هذا الممر. وأما الممر الثاني فهو الممر المائي الواصل بين أمريكا الجنوبية وإسرائيل والذي يمر كذلك عبر المحيط الأطلنطي ومن ثم خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر وصولاً إلى ميناء إيلات.
بعد سيطرة الحوثيين على السفينة الإسرائيلية ظهر عمق تحليل خامنئي لعناصر القوة التي ستلجم إسرائيل. فتأكيده على ضرورة إيقاف تصدير النفط والبضائع إلى إسرائيل ومن ثم دعوة الدول الإسلامية إلى قطع علاقاتها مع الاحتلال ولو لمدة محدودة، يدل على أنّه لو التزمت الدول الإسلامية بهذه النصائح وامتنعت عن أن تكون ممراً للنفط والبضائع إلى إسرائيل سينهار الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كامل وسوف تتوقف إسرائيل عن الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.
تغيير لمجرى الحرب وتعزيز موقف المقاومة
يعتبر تدخل اليمن في الحرب إلى جانب غزة تجسيداً حقيقيا لمفهوم وحدة الساحات الذي يعني إشغال العدو على جبهات متعددة وهو تطبيق عملي للرسالة التي أرسلها قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني إلى قادة المقاومة الفلسطينية التي أكد فيها بأن المقاومة الفلسطينية أظهرت للعالم أجمع بأنّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت كما أكد التزام محور المقاومة وقادته بمنع العدو من الوصول إلى أهدافه القذرة كما أن محور المقاومة سوف يقوم بما يلزم في هذه المعركة التاريخية.
من النتائج غير العسكرية الهامة التي ستحققها عملية احتجاز السفينة والتدخل اليمني الكلي في الحرب إلى جانب الأخوة في قطاع غزة هو تعزيز موقف المفاوض الفلسطيني في طاولة الحوار. وجاءت ورقة التفاوض الرابحة هذه في وقت راوغت ورفضت فيه حكومة نتنياهو أي عملية لتبادل الأسرى أو لوقف إطلاق النار لأكثر من 45 يوماً. ولكن وبعد العملية اليمنية بشكل مباشر، بدأ الإسرائيليون يتحدثون عن تقدم كبير في التوصل إلى صفقة تبادل أسرى وإقرار وقف لإطلاق النار لمدة خمسة أيام متتالية.
وعلى الصعيد الإقليمي، أثبت تدخل أنصار الله في الحرب موقفهم العروبي والإسلامي الثابت تجاه القضية الفلسطينية وما نلاحظه اليوم بأنّ الفئات الشعبية العربية أيدوا الخطوة اليمنية وأثنوا عليها. كما تحدثت بعض التقارير الإعلامية عن قرب توقيع اتفاق مصالحة بين الفرقاء اليمنيين وهذا كله إن دل على شيء فهو يدل على أنه على الرغم من كل المؤامرات والفتن التي زرعتها الولايات المتحدة في المنطقة ها هو اليمن اليوم يتحول إلى قوة إقليمية وجيوسياسية لا يمكن تجاهلها أبداً.
مدير ورئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية .
ـ نقلا عن رأي اليوم
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: السفینة الإسرائیلیة السفن الإسرائیلیة عبر البحر الأحمر احتجاز السفینة الجیش الیمنی وباب المندب میناء إیلات باب المندب أنصار الله فی الحرب إلى جانب
إقرأ أيضاً:
برنامج أممي: اليمن سيفقد 90 مليار دولار جراء تدهور الأراضي الزراعية
قال برنامج أممي إن تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن نحو 90 مليار دولار أمريكي، في حال استمر الصراع في اليمن.
وأضاف مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، في بيان له تدهور الأراضي الزراعية في اليمن- إن البلاد واحدة من أكثر البلدان "عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض"، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال.
وتابع "في حال استمر الصراع فإن سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية".
ولفت إلى أن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.
كما توقع التقرير أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.
وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.
ميرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.
وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.
ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.
وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.
وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.