جنوب السُّودان.. ماضيه وصيرورته (4 من 21)
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
shurkiano@yahoo.co.uk
كان الحجَّاج السُّودانيُّون قبيل الاستقلال يُطلقون عليهم اسم التكارنة في مكَّة المكرَّمة، والتكارنة هم شعوب غرب إفريقيا الذين كانوا يسافرون لأداء مناسك الحج عن طريق السُّودان، ثمَّ يُحسبون عليه، بل ضاع اسم السُّودان، وطغى اسمهم، وكان الاستعمار البريطاني في السُّودان يمنحهم جوازات حج سُّودانيَّة.
وقد ذهب خضر حمد في تبريراته المخيَّلة في ذهنه قائلاً: "إنَّ السُّودانيين عرب أقحاح لا يتكلمون غير العربيَّة، ولا يدينون بغير الإسلام، وإنَّ هذا الخلط بين السُّودانيين والتكارنة لأمر نتأذَّى منه كثيراً." بهذا النكران للذوات السُّودانيَّة الأخرى، لغة وديناً وثقافة، كان خضر حمد يكابد نفسه في إلباس أهل السُّودان كافة ثوب العروبة، وأن يستعرض ما نفخ فيهم من روح الإسلام. كذلك كان يظن و"إنَّ بعض الظن إثمٌ" (الحجرات: 49/12). التكارنة هم النيجيريُّون الذين استوطنوا في السُّودان. إزاء ذلك الاستيطان ليسوا أفارقة فحسب، بل مسلمين، حيث أخذوا يشاركون السُّودانيين في المساكن والمعابد، ومع ذلك باتوا ينظرون إليهم باحتقار. بما أنَّ الإسلام لا يفرِّق بين معتنقيه على أساس الأصول الإثنيَّة، كان من المفترض أن يكون قد جمع وأوعى بين هؤلاء التكارنة والسُّودانيين المستعربين إخوة في الله. علاوة على أنَّ التكارنة ارتبطوا بالثقافة الإسلاميَّة التي يتبنَّاها أهل الشمال، كان ينبغي ألا تشكِّل ثقافتهم الفرعيَّة إعاقة في سبيل الاندماج في المجتمع السُّوداني، أو الاعتراف بهم من قبل النخبة السُّودانيَّة كسواسية.
لا نظن الظن الذي يرقي إلى اليقين بأنَّ تاريخ السُّودان هو ذاته تاريخ شبه الجزيرة العربيَّة سواء قبل الإسلام أو في فجر الإسلام أو في ضحى الإسلام؛ ولا تراث أهل السُّودان هو نفسه تراث وتقاليد وعادات أهل نجد وتهامة وعسير، أو عرب بلاد الرافدين، أو حتى أهل الشام في الهلال الخصيب، الذين اختلطوا بشيء من الفينيقيين والأتراك وغيرهم. وإذا كانت هناك ثمة دماءً عربيَّة قليلة ظلَّت تسيل في بعض أعراق أهل السُّودان، فلا يمكن تعميمها على كل أرجاء البلاد كثقافة قاهرة، وسلطة سياسيَّة طاغية، وديانة شاملة. إنَّ اعتناق الإسلام والتحدُّث باللغة العربيَّة لا يجعلان من السُّوداني عربيَّاً، بل سيظل سودانيَّاً؛ كما أنَّ اعتناق المسيحيَّة والتحدُّث باللغة الإنجليزيَّة لا يجعلان من المواطن الأمريكي إنجليزيَّاً، بل سوف يظل أمريكيَّاً؛ وكذلك البرازيلي الذي يتكلَّم اللغة البرتغاليَّة لا يمكن أن يدَّعي بأنَّه برتغالي، بل هو برازيلي؛ وهكذا يجري الأمر على جميع سكان القارة الأمريكيَّة اللاتينيَّة الذين يتحدَّثون بالأسبانيَّة، فهم ليسوا بأسبان في شيء، ولكنهم ينتمون إلى تراب بلدانهم التي هم فيها نشأوا وترعرعوا، برغم من أنَّ أجدادهم قد هاجروا إلى هذا المستعمرات الجديدة، واستوطنوا فيها منذ حقبٍ سحيقة.
الحال كذلك فإنَّ الإسكتلنديين الذين يتحدَّثون بالإنجليزيَّة، وثقافتهم لا تختلف كثيراً أو قليلاً عن ثقافة الإنكليز، وهم جزء لا يتجزأ من بريطانيا العظمي، لا يرضون أن يُقال لهم إنكليز، بل يغتاظون من ذلك أشد الغيظ، لأنَّهم إسكوتلنديُّون؛ وأهل ويلز كذلك الذين يتكلَّمون الإنكليزيَّة ويعتزون بلغتهم الويلزيَّة، وهي اللغة الثانية في مملكة ويلز، لا يرضون أن يُشار إليهم بالإنكليز، بل هم ويلزيُّون. كذلك الدول الفرانكوفونيَّة، التي تتحدَّث باللغة الفرنسيَّة في إفريقيا، فإنَّ مواطنيها ليسوا بفرنسيين في شيء، بل هم أفارقة ينتمون إلى دولهم في القارة الإفريقيَّة، ثم كذلك الأنجلوفونيُّون، أي أهل الدول الناطقة بالإنجليزيَّة، فهم ليسوا بإنكليز في شيء، بل أفارقة أقحاح. وهل أنبئكم بالبوير، أي المزارعون الهولنديُّون، الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا منذ القرن السابع عشر من الميلاد، فلم يقولوا إنَّهم هولنديُّون، بل تبنوا هُويَّة جديدة نابعة من الأرض التي احتوتهم، وأطلقوا على أنفسهم الأفريقان أو الأفريكان، وكذلك على لغتهم الأفريكانيَّة التي يتحدَّثون بها، والاسم المحلي للغة هو "أفريكانس"، والتي تعني بالهولنديَّة "إفريقي".
للمقال بقايا باقيات،،،
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی شیء
إقرأ أيضاً:
أبرز المسؤولين العسكريين الإسرائيليين الذين أطاح بهم طوفان الأقصى
أدت عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى استقالة عدد من كبار المسؤولين في جيش الاحتلال.
ففي 8 فبراير/شباط 2024، استقال مسؤول قسم الأبحاث بالاستخبارات العسكرية بسبب فشله في قراءة المعلومات المتعلقة بقطاع غزة قبل طوفان الأقصى.
وفي 22 أبريل/نيسان 2024، استقال رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أهارون هاليفا، وأعلن تحمله مسؤولية الإخفاق في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
كما استقال قائد فرقة غزة آفي روزنفيلد في 9 يونيو/حزيران 2024 بسبب فشل الفرقة في صد الهجوم، واحتلال مقارها من جانب نخبة كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس.
وفي 11 يوليو/تموز 2024، أعلن قائد المنطقة الجنوبية بجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" عن استقالته بسبب إخفاقه في التعامل مع الهجوم.
فشل استخباري
وشملت القائمة أيضا ضابط شعبة الاستخبارات في فرقة غزة الذي استقال في 29 أغسطس/آب 2024، بعد اتهامه بتجاهل تقارير عن تحركات غير اعتيادية للقسام قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية.
ومطلع سبتمبر/أيلول 2024، استقال اللواء يوسي شارييل -قائدة وحدة الاستخبارات 8200– على خلفية فشل فرقته في تقديم إنذار مبكر عن طوفان الأقصى.
إعلانوفي الرابع من الشهر نفسه، أعلن اللواء تامير ياداي -قائد القوات البرية في جيش الاحتلال- استقالته من منصبه لأسباب شخصية.
وفي 9 يناير/كانون الثاني الجاري، بعث اللواء أمير برعام -نائب رئيس أركان الجيش- رسالة إلى رئيس الأركان أوضح فيها عزمه الاستقالة من منصبه نهاية الشهر المقبل.
كما استقال وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير من منصبه في التاسع عشر من الشهر الجاري اعتراضا على اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة.
واليوم الثلاثاء (21 يناير/كانون الثاني) أعلن رئيس الأركان هرتسي هاليفي عن استقالته وتحمله مسؤولية الفشل الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي اليوم نفسه، أعلن قائد الفرقة الجنوبية في الجيش اللواء يارون فنكلمان عن استقالته بسبب فشله في التصدي للهجوم.