سودانايل:
2024-09-20@03:49:07 GMT

غزة وتغيير المفاهيم

تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT

بسم الله الرحمن الرحيم
غزة وتغيير المفاهيم
في الحق قد تكون هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها أن الشعب الأمريكي الغارق في أوضار ثقافتة المادية, وواقعه الذي يعرفه القاصي والداني, يهتم بقضايا تدور خارج محيطه اللجب, كنت أخال أن الشعب الأمريكي لا يهتم إلا بسداد الفواتير التي تؤرق مضجعه, وتعكر صفوه نهارا وأن يأخذ حظه من قطوف اللذة الدانية والغرق في قاعة المدلهم ليلا, أما نصرته للقضية الفلسطينيه, وتعاطفه معها بهذه الصورة الصلدة التي تدل على تعاطف صادق وعميق هو ما جعلني أرفع حاجب الدهشة,وأظهر هذه الغبطة وهذا السرور, وصفوة القول إنه تعاطف منزه عن المنفعة, وقوامه الشعور الإنساني المحض, الذي يسعى للحفاظ على حياة شعب يريد الكيان البغيض أن يستأصلها ويزهقها,لقد أدركت هذه الشعوب بأن ليس هناك وسيلة لانقاذ غزة, وأطفال وشيوخ غزة, سوى تلك المظاهرات النبيلة المنددة بعسف حكوماتهم, وتعاونها الموثوق مع الكيان المغتصب السادر في غيه, والممعن في ضلاله, هذه الشعوب التواقه دوما للحرية أيقنت حتى تكون غزة في مأمن من خطر الإبادة, وغيرها من الأخطار التي تحدق بها, أن تواصل في تظاهرها المندد بعنجهية الاحتلال, ونازيته الصارخة, وبربريته المعهودة, ولعل كل هذه الشواهد تشير على عدة معطيات من الواجب علينا رصدها والوقوف عندها, ففي وجهة نظري القاصرة إن شيء عظيم قد نشأ, فبوسعي أن أؤكد لكم, وبإمكانكم تصديقي, أن لا ريبة تتنازعي, أو شك يخامرني مطلقا في عاطفة الشعب الأمريكي وإنسانيته المطلقة, و لكن ثمة أشياء ينبغي علينا أن نفكر فيها, ونقف عليها ونطيل الوقوف, حتى ونحن في ظل هذه الجائحة التي تمر بها غزة الصامدة على عرك الشدائد, لقد كانت الأيام تمضي أيها السادة خلال سنوات الابتلاء, دون أن نشاهد مثل هذا التعاضد, والحرص على الحياة الإنسانية التي قدستها الأديان, وصانتها القوانين, ورعتها الأخلاق, وكأن تلك الشعوب أدركت فجأة أن التهاون في مثل هذه الفظائع التي يرتكبها الصهاينة من الآثام التي لا يمكن تداركها, نحن هنا لا نغمط الغرب حقه, أو نجحد فضله, فقد انبرت جموع غفيرة منه فيما مضى مستهجنة ومستنكرة ما تكابده غزة من قتل وتنكيل, ولكن تلك المظاهرات لم تكن بتلك الحدة وهذا الالحاح الذي نبصره الآن, ففي تقديري أن هذه الشعوب المرهفة قد أتيح لها ما لم يكن متاحا لها من قبل من معرفة ودراية بخبايا الأمور, فقد نجحت الجاليات العربية والإسلامية التي تعيش الآن في الغرب في تنوير هذه الأمم بحقيقة الصراع الذي يجري في فلسطين, وأن الشعب الفلسطيني وحضارته ومقدساته التي اجترئ عليها عتاة اليهود هو صاحب الأرض والأحق بالعيش فيها, وأن نفس هذا الشعب الذي تعتدي عليه اسرائيل الآن في عهود غابرة كان يكبر الحياة الإنسانية, ويرفض المساس بها عمدا كان أو خطأ, ولعل الحقيقة التي لا يرقى إليها شك, والواقع الذي لا تسومه مبالغة, أن اليهود في بدايات تدفقهم إلى فلسطين في مطلع القرن الماضي, لم يحتاجوا أن يدفعوا عن أنفسهم أنكال البغي والعدوان, فالشعب الفلسطيني لم يكن يكن يعاني من ضعة النفس التي يعاني منها الصهانية, بل كان سمحا كريما يوادد من قدم إليه, ويتحفهم بسجايا نبيلة توارثوها من أسلافهم ومن نبع دينهم الصافي الذي لا يخالطه كدر, أدركت هذه الشعوب الغربية رغم ضخامه الآله الإعلامية لليهود بفضل تلك الجاليات العربية والإسلامية أن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا واستراليا وغيرها من دول الصلف والغرور التي لا تعرف لحياة الأفراد والجماعات حرمة, أنها قد ألحت على فلسطين بالكيد والتربص والاعتداء, حتى اضطرتها إلى ضعف وهزال شديد, وهدفها من كل هذا أن تذعن إليها, وأن تظهر الطاعة والامتثال لما تبتغيه, ولكن ما ترومه دونه خرط القتاد, فهي وإن لم تستطع أن تدفع عن نفسها مظاهر البغي والعدوان ما زال شبابها وعرانينها يكبرون فلسطين, ويتهافتون على الموت من أجلها, الآن أيها السادة تمعن هذه الشعوب التي نحسبها غنية مترفة, تعيش في دعة وسعة, في مآلات هذا الصراع الدامي بين العرب والصهاينة, ويقينها إن هي صمتت وكفت عن الرفض والانكار أن غزة التي استخفت بالحياة, واستهانت بها, من أجل صون كرامتها وعزتها سوف تؤول إلى زوال, هذا يعني أن تلك الشعوب التي أزرت بها الحروب من قبل ستتصدى لحكوماتها, وستجد منها عنتا لم تلاقيه من قبل, كما أنها لن تكتفي بما يجري في غزة, بل ستنتبه لدماء أخرى تستباح في مناطق أخرى في الشرق الأوسط أو افريقيا, وأنها بعد أن اتضح حجم الكذب والتدليس في التعاطي مع ملف غزة من قبل أشهر المؤسسات والقنوات الاخبارية, لن تكتفي بتصديق كل ما يقال لها, بل ستمحص الأخبار وتسبر غورها, حتى تصل إلى برد اليقين.


أيقنت الشعوب الغربية أن حكوماتها قد سقطت سقوطا مدويا في حضيض البربرية والسادية الهوجاء, وأنها تواطئت مع دولة الاحتلال في كل جرائمها, فهي الداعمة والمهللة لكل فوادحه, أدرك الشعب الأمريكي أن رئيسه ووزير خارجيته, قد أهدرا حياة الأطفال في غزة وأن دولتهم تسلطت على فلسطين كما تسلطت على كثير غيرها من أقطار العرب, ما لا يتنابنا فيه شك أن هذه الشعوب لن تقبع فيما كانت عليه من غفلة غافلة, ولكن ستزيج عنها جدار التقصير وستنفق غداتها, وأول ليلها, في قراءة وتدبر لذلك الدين الذي جعل متحدث حماس يظهر بهذا الجلد والثقة كأنه يمتلك من وسائل البأس والبطش ما لا تملكه اسرائيل, لقد عرفت هذه الشعوب أن مجاهدي القسام وغيرها من حركات الكفاح المسلح ألا أبو عبيده ولا اخوته يطمئنون إلى القتل, ولا يستريحون إليه ولكنهم يقاتلون عدوا غاشما تسود فيه الضغائن والأحقاد, ويدعم هذا العدو دولا لا تبتغي إلا الموارد والمال, على ضوء ما أوردناه نستطيع أن نزعم أن تلك الدول الباغية سيأتي عليها يوما تندم فيه على كل تلك المخاز التي اقترفتها, وأن خططها التي دبرتها, وكيدها الذي كادته, ستنجلي غمرته بفضل جهاد يحرص كماته فيه على الموت كما يحرص جيش اسرائيل على الحياة, إن تلك الدول التي تحرص على الشر, وترغب فيه, وتتهالك عليه, قد علمت أن الصهاينة رغم تبجحهم بقوة جيشهم, وزعمهم بأنه الجيش القاهر لمن حوله, إلا أن كتائب القسام قد فضحت ضعفه, وجبن أفراده.
نذكر في خاتمة هذا المقال شعوبنا العربية الوادعة التي ينظر الكثير منها إلى أحداث غزة في رتابة وملل, أن تحذو حذو الشعوب التي أظهرت حزنا ولوعة, وأن تكشر عن أنيابها, وتهب من سباتها, وتتمسك بعرى دينها, وتعرف أن عزتها تنبع من أصالة هذا الدين وسننه وعوارفه, عليها أن تؤوب إليه, وأن تسعى إلى نشره واذاعته, وأن تتفانى في تطبيق ما جاء به هديه, وأن ترعى سنامه الذي يكفل لها نزع هذا الشر المحيط الذي وضعه الغرب في خاصرتها.
د. الطيب النقر

nagar_88@yahoo.com
//////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشعب الأمریکی هذه الشعوب من قبل

إقرأ أيضاً:

هل يفعلها التونسيون مرة أخرى؟!

كان لشعب تونس شرف السبق في إيقاظ الشعور الثوري لدى الشعوب العربية وفي إحياء موات الجماهير، بعد التصالح الطويل الذي عاشته عقودا متعاقبة ترزح تحت نير القهر والإذلال، ذلك الموات الذي راهنت عليه الجوارح المتربصة بنهش الجسد العليل للأمة مع حرصها على بقائه ميتا لا حراك فيه! ولقد انتفضت الشعوب من أجل كرامتها وعزتها، وكانت كلمة السر في غضبة الشاب "محمد البوعزيزي" الذي أشعل النار في جسده كردة فعل لما لاقاه من إذلال وإهانة، فانتفض له أهله من شعب تونس الكريم وتبعته الشعوب العربية شرقا وجنوبا..

لكنه وفي غفلة من تلك الشعوب ومع غياب النضج الثوري وعدم المعرفة الواجبة لحقيقة المؤامرات التي تحاك في الإقليم الذي يضم أمراء المكر والسوء ممن ابتليت بهم أمتنا، الذين يجودون بفتح خزائنهم من أجل إجهاض رغبة الشعوب في العيش بكرامتهم مثلما تعيش الشعوب الحرة في كل بلاد الدنيا، وفي غفلة شعوب المنطقة العربية عن المؤامرات التي تولت كِبْرها تلك الإمارة! وفي غفلةٍ كذلك عن المؤسسات -التي تمتلك القوة في بلادنا- الكارهة للمساواة والحرية اللتان يهددان بقاء مصالحها..

عادت الدولة العميقة الموالية للاستبداد والدكتاتورية على مقاس الأمير الخليجي للحكم في تونس مرة أخرى، مستغلة أدوات العملية الديمقراطية ومستفيدة من حالة الميوعة التي اتسمت بها حركة النهضة، ومستغلة حالة التسامح البلهاء من عدم الحزم في إزاحة بقايا الأنظمة البالية من سدنة الحكم السابقين
جرى التنسيق بين مايسترو الثورات المضادة في المنطقة العربية وبين حائزي القوة في الدولة التونسية ممن فقدوا شرفهم وحنثوا في القَسم الذي أقسموه بالولاء والطاعة لإرادة الشعب -صاحب الحق الوحيد في إدارة شئون البلاد- وفي سرية تامة دُبر الاتفاق المشئوم لإعادة الأمور في تونس إلى ما كانت عليه قبل الربيع العربي، مدعوما برعاية سياسية من إحدى الدول الأوروبية -فرنسا- التي عُرفت بحقدها والتخطيط لمصالحها التي لا تتفق مع شيوع الديمقراطية في القرن الأفريقي والمنطقة العربية، وحظي الاتفاق كذلك بالرعاية المالية من الإمارة الخليجية التي تكلمنا عنها، وبالمساعدات الاستخباراتية من مرتزقة أحد الأنظمة في المنطقة العربية..

وفي ظل سذاجة مفرطة لأحد أكبر التنظيمات العاملة في تونس -حركة النهضة- فقد ساعدوا في تسليم البلاد لذلك الذي قدم إليهم من جُحر الدولة العميقة، بعدما أداروا ظهرهم لأحد المؤمنين والمنظّرين للديمقراطية في بلاد القيروان، الرئيس الأسبق لتونس د. المنصف المرزوقي، وبسبب شؤم المواءمات السياسية التي اعتادته التنظيمات، فقد تواءمت "حركة النهضة" مع المرشح الغامض "قيس سعيد" ولربما نلتمس العذر للحركة! فقد جرى تقديم "قيس" بطريقة لا تخلو من المكر والدهاء، وظهر مصطفّا مع حركة النهضة في خلفيتها الثقافية والدينية، وجاءت تصريحاته وتغريداته حول فلسطين والقدس وغيرها في ميدان واحد مع الحركة!

والحقيقة أن المحرك الرئيس لتنظيم النهضة في تلك المواءمات كانت مصالحها الانتخابية والشعبوية وليس تطابقها الفكري مع قيس! وهذا ما حملها على الموقف السلبي تجاه الرئيس الأسبق "المنصف المرزوقي"..

وعادت الدولة العميقة الموالية للاستبداد والدكتاتورية على مقاس الأمير الخليجي للحكم في تونس مرة أخرى، مستغلة أدوات العملية الديمقراطية ومستفيدة من حالة الميوعة التي اتسمت بها حركة النهضة، ومستغلة حالة التسامح البلهاء من عدم الحزم في إزاحة بقايا الأنظمة البالية من سدنة الحكم السابقين، تماما كما حدث في البلدان العربية المجاورة!

وظهر "قيس سعيد" على حقيقته لجميع القوى الثورية، مستغلا حالة التطاحن التي قادتها بعض الأحزاب العلمانية واليسارية الكارهة للنهضة والمضحية بالديمقراطية والثورة من أجل النكاية بالحركة الحاكمة! وانضمت المؤسسات القضائية والعسكرية والشرطية -الرافضة للثورات!- جنبا إلى جنب مع رغبة "قيس سعيد" بالانقلاب على الديمقراطية وإعادة الأمور كما كانت قبل إزاحة الرئيس التونسي "زين العابدين بن علي"، وصار الحال في تونس كما حدث في غيره من الأقطار العربية التي عادت إلى الوراء ودفعت ثمن الحلم بالحرية والكرامة..

تحركت جماهير الشعب التونسي مرة أخرى حينما لوّح "قيس سعيد" برغبته في الترشح لولاية ثانية -لا يوجد ديكتاتور يزهد في الحكم!- خاصة وقد افتضح أمره بعد سنوات كئيبة من حكمه؛ قام فيها بحل البرلمان (السلطة التشريعية في البلاد) واعتدى على السلطة القضائية من أجل تقزيم استقلاليتها وسجن الناشطين
وتواصلت حالة الجزر لثورات الربيع العربي في ظل انتعاش عملية التطبيع مع الاحتلال الصهيوني حتى جاءت "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر والتي قضت بدورها على رغبات التطبيع الحثيثة، وأصابت بالخسران مروجيها من كُهّان الإعلام وبطانة الأنظمة الحاكمة في المنطقة..

وتحركت جماهير الشعب التونسي مرة أخرى حينما لوّح "قيس سعيد" برغبته في الترشح لولاية ثانية -لا يوجد ديكتاتور يزهد في الحكم!- خاصة وقد افتضح أمره بعد سنوات كئيبة من حكمه؛ قام فيها بحل البرلمان (السلطة التشريعية في البلاد) واعتدى على السلطة القضائية من أجل تقزيم استقلاليتها وسجن الناشطين، وأشهرهم رئيس مجلس نواب الشعب "راشد الغنوشي"، ولم يبق لقيس سعيد سوى أسلوبه السمج في الحديث عن المؤامرات الخارجية التي تستهدف تونس!

وختاما نرجو الله أن يبارك في حشود الشارع التونسي وأن يُحْيي بهم موات الشعوب العربية كما فعلت في ثورة الياسمين 2010، وكما قدر لها أن تكون أداة إلهام لجيرانها من شعوب المنطقة العربية، وأن تصبح مصدر إلهام لعودة الحياة إلى جسد الأمة العربية الذي نالت منه جوارح الثورة المضادة.

مقالات مشابهة

  • بلا انتخابات بلا بطيخ.. لقد هندسونا
  • ضبط 300 مخالفة تقطيع وتغيير خط السير والوقوف فى موقف عشوائى بالجيزة
  • روسيا تعتزم تسليح الحوثيين وتغيير قواعد اللعبة.. وأمريكا تكشف عن ‘‘أدلة مقلقة للغاية’’ والشرعية ترد!!
  • المستقبل.. وبناء الثقة بين الشعوب ومؤسساتهم
  • الصدر يلغي مظاهرة مليونية بعد انفجارات لبنان
  • هل يفعلها التونسيون مرة أخرى؟!
  • وكيل أوقاف الإسكندرية: الوزارة تعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • «المعاهد الأزهرية» ينظم برنامجا تدريبيا لترسيخ المفاهيم الصحيحة لدى العاملين
  • موعد بدء تطبيق التوقيت الشتوي 2024 في مصر وتغيير الساعة