ما دامت أموال المؤسّسات العامّة والجمعيّات والجماعات تندرج في إطار المال العام في التّوصيف الشّرعي، فلا بدّ من الوقوف على مدى الصّلاحيات الممنوحة للقائمين عليها ونقصد بهم المسؤول الرّئيس ومن معه قي المستوى الأوّل في المسؤوليّة كمجلس الإدارة وأشباهه.

من هو مالك المال في هذه الجمعيّات والمؤسّسات والجماعات؟

من لوازم معرفة طبيعة الصّلاحية الممنوحة للقائمين على هذه المؤسسات أن نتعرّف قبل ذلك عن حقيقة المالك لهذه الأموال كما قرّرها الفقه الإسلاميّ.



وإذا أردنا مقاربة توصيف هذه المؤسسات وأموالها في كتب الفقه التراثيّة؛ فلا بدّ أن ندرك أنّ الفقهاء كانوا إذا أرادوا الحديث عن المال العام تحدثوا عن "بيت المال" بوصفه مكان استقرار الأموال العامّة، والمتصرّف فيه هو وليّ الأمر، والقائمون على المؤسسات والجماعات يأخذون توصيف "وليّ الأمر" في جزئيّة التّعامل مع المال العام.

قرّر الفقهاء واتفقت كلمتهم على أنّ مالك الأموال في هذه المؤسسات هم المسلمون والمواطنون الذين تمّ تخصيص المال لأجلهم في المؤسسة أو الجماعة أو الجمعيّة، وهو مالٌ مملوك لهم جميعا وليسَ مختصّا بأحدٍ منهم، كما أنّه ليس مملوكا بشكلٍ خاص للمسؤول في الجمعيّة أو الجماعة
وبناء على هذا يمكننا القول: لقد قرّر الفقهاء واتفقت كلمتهم على أنّ مالك الأموال في هذه المؤسسات هم المسلمون والمواطنون الذين تمّ تخصيص المال لأجلهم في المؤسسة أو الجماعة أو الجمعيّة، وهو مالٌ مملوك لهم جميعا وليسَ مختصّا بأحدٍ منهم، كما أنّه ليس مملوكا بشكلٍ خاص للمسؤول في الجمعيّة أو الجماعة.

ومن أقوال الفقهاء في ذلك ما قاله ابن قدامة في المغني: "مال بيت المال مملوك للمسلمين"، وقال أبو عبيد في كتابه "الأموال": "ومال بيت المال ليس مال الخليفة بل فيء الله"، وقال الشّوكاني في كتابه "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار": "بيت المال هو بيت مال المسلمين، وهم المستحقون له"

وظيفة رئيس ومجلس إدارة الجمعية أو الجماعة أو المؤسسة العامّة في المال

اتفقت كلمة الفقهاء على أن رؤساء الجمعيّات والجماعات والمؤسسات التي تندرج أموالها تحت توصيف المال العام موقعهم هو موقع النائب عن أصحاب المال في التصرّف، وهو ليسَ مالكا أصيلا ولا يحقّ له التصرّف في المال بوصفه مالا خاصّا.

فموقعهم هو موقع المؤتمن على المال القاسم له بين المستحقين له من أصحابه، وهم الذين جُعلت الأموال في هذه الكيانات لأجل مصالحهم، وكذلك عليهم وضعها في المصالح التي أنشئت لأجلها الجماعة أو المؤسسة.

في صحيح البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "ما أُعْطِيكُمْ ولَا أَمْنَعُكُمْ، إنَّما أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ" وفي لفظ عند أبي داود "إنّما أنا خازن".

فرسول الله صلى الله عليه وسلّم يبيّن أن وظيفته في المال العام أنّه خازنٌ له وقاسمٌ له بين مستحقّيه وفي مصالحهم، وهذا يدلّ على أنّ كلّ من كان في موقع مسؤوليّة في المؤسّسات العامة والجماعات فإنّما وظيفته على الأموال هي وظيفة الخازن المؤتمن والقاسم لها في المصالح التي وُضعت لها وبين مستحقيها.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "منهاج السنّة": "وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنّي والله لا أُعطي أحدا، ولا أمنع أحدا، وإنّما أنا قاسم أضع حيث أُمِرتُ؛ يدل على أنه ليس بمالكٍ للأموال".

وعندما ناقش ابن تيمية المنح العقاريّة من أراض وعقارات يوزّعها الحاكم على المسلمين بيَّن بوضوح أنّ هذا ليس تبرّعا من الحاكم وليسَ تفضّلا بل هو نوع من التصرّف بوصفه قاسما لا مالكا، فيقول في "مجموع الفتاوى": "وأما أراضي المسلمين فمنفعتها حق للمسلمين، وولي الأمر قاسم يقسِم بينهم حقوقهم، ليس متبرعا لهم".

ومعنى الخازن والقاسم في طبيعة وظيفة المسؤول على المال العام كان واضحا في عموم مراحل التاريخ الإسلاميّ عند الحكّام والفقهاء.

فقد ذكر ابن زنجويه في كتابه "الأموال" أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خاطب المسلمين في شأن المال العام فقال: "أما والله ما أنا بأحقٍ بهذا الفيء منكم، وما أحد مِنّا بأحقٍ به من أحد، وما مِنّا أحدٌ من المسلمين إلا وله في هذا الفيء حقّ، ولئن بقيت ليبلغنّ الرّاعي وهو في جبال صنعاء حقه من فيء الله".

وقد جاءت بعض العبارات واضحة لا لبس فيها حول تصرّفات بعض المسؤولين عن المال العام، فها هو القرافي المالكي في كتابه "الفروق" يتحدّث عن الملوك والحكّام والمسؤولين الذين يُنشئون أوقافا من الأموال العامّة وينسبونها إلى أنفسهم متفاخرين بذلك فيقول:

التّفريق عند الفقهاء في تصرّف المسؤول بين ماله الخاص والمال العام الموكل بحفظه؛ إضافة إلى أنّ القائمين على شؤون المال العام في المؤسسات والجمعيّات لا يملكونه؛ فإنّه يدلّ أيضا على ضرورة أن يجنّب هؤلاء المسؤولون عند تصرّفهم في الأموال العامّة عقليّتهم وسلوكهم في التّعامل مع مالهم الخاص، ويكونوا أكثر حرصا وانتباها إلى أنّ هذه الأموال العامّة مختلفةٌ في منهجيّة التّعامل معها
"فإن وقفوا وقفا على جهات البرّ والمصالح العامّة ونسبوه لأنفسهم، بناء على أنّ المال الذي في بيت المال لهم، كما يعتقده جهلةُ الملوك؛ بطُل الوقف، بل لا يصحّ إلا أن يوقفوا معتقدينَ أنّ المال للمسلمين، والوقف للمسلمين، أمّا إنّ المال لهم والوقف لهم فلا، كمن وقفَ مال غيره على أنّه له فلا يصح الوقف فكذلك هاهنا".

وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ الفقهاء فرّقوا في طبيعة تصرّف المسؤول بين تصرّفه في ماله الخاص والتصرّف في المال العام. فأكّدوا أنّ له أن يتصرّف بأمواله الخاصّة عطاء ومنعا كما يحبّ ويريد، كما أنّ له أن يتصرّف في ماله الخاص على الوجه غير الأصلح ولا تثريب عليه، بينما المال العام فقد قرّر الفقهاء أنّه لا يجوز للمسؤول عنه التّصرّف فيه إلّا على الوجه الأصلح، وهذا ما ذكره الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدّين" وأشار له السّرخسي الحنفي في "المبسوط".

وهذا التّفريق عند الفقهاء في تصرّف المسؤول بين ماله الخاص والمال العام الموكل بحفظه؛ إضافة إلى أنّ القائمين على شؤون المال العام في المؤسسات والجمعيّات لا يملكونه؛ فإنّه يدلّ أيضا على ضرورة أن يجنّب هؤلاء المسؤولون عند تصرّفهم في الأموال العامّة عقليّتهم وسلوكهم في التّعامل مع مالهم الخاص، ويكونوا أكثر حرصا وانتباها إلى أنّ هذه الأموال العامّة مختلفةٌ في منهجيّة التّعامل معها.

twitter.com/muhammadkhm

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ملكية ادارة اموال جمعيات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأموال العام ة هذه المؤسسات ة أو الجماعة المال العام الجماعة أو فی کتابه فی المال الجمعی ة فی الت فی هذه على أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

فرنسا تطالب الحكومة السورية بمعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات في الساحل

طالبت فرنسا، الاثنين، الحكومة السورية بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت بحق مدنيين في منطقة الساحل السوري خلال اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن العام ومجموعات مسلحة موالية لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، إنه تواصل مع نظيره السوري أسعد الشيباني وأبلغه تنديد بلاده "الشديد" بأعمال العنف التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة.

Je me suis entretenu avec le ministre des Affaires étrangères intérimaire de Syrie. Je lui ai exprimé notre vive inquiétude, notre ferme condamnation des exactions commises contre des civils et notre exigence que les coupables de ces crimes soient punis. — Jean-Noël Barrot (@jnbarrot) March 10, 2025
وأضاف في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس"، أنه أبلغ الشيباني كذلك بمطالبة باريس معاقبة المسؤولين عن الجرائم التي شهدتها سوريا.


وكان الاتحاد الأوروبي علق على التطورات الأخيرة سوريا عقب الهجمات التي شنها "فلول" النظام المخلوع على قوات الأمن في مناطق مختلفة من الساحل، مشيرا إلى أنه "يدين الهجمات التي قيل إنها من عناصر موالية للأسد على قوات الحكومة المؤقتة في الساحل السوري".

وشدد الاتحاد الأوروبي في رسالة إلى القيادة السورية، على ضرورة "حماية المدنيين في جميع الظروف، مع الاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني"، داعيا "جميع الجهات الخارجية إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها".

وخلال الأيام الأخيرة، شهدت محافظات اللاذقية وطرطوس الساحليتين توترات أمنية غير مسبوقة على وقع هجمات منسقة شنتها قوات موالية للنظام المخلوع، ما أسفر عن قتلى ومصابين في صفوف قوات الأمن العام والمدنيين.

ووثقت تقارير وقوع انتهاكات وإعدامات ميدانية طالت مدنيين في مناطق الاشتباك، ما دفع الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في ملف الانتهاكات بالإضافة إلى لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي في البلاد.

ومساء الأحد، قال الشرع في ثاني كلمة له منذ بدء التطورات في الساحل السوري الخميس الماضي إن "المخاطر التي نواجهها اليوم ليست مجرد تهديدات عابرة، بل هي نتيجة مباشرة لمحاولات انتهازية من قبل قوى تسعى إلى إدامة الفوضى وتدمير ما تبقى من وطننا الحبيب".


وتابع بالقول "نجد أنفسنا أمام خطر جديد يتمثل في محاولات فلول النظام السابق ومن وراءهم من الجهات الخارجية (لم يسمها) خلق فتنة وجر بلادنا إلى حرب أهلية، بهدف تقسيمها وتدمير وحدتها واستقرارها".

وشدد الرئيس السوري على أن "سوريا ستظل صامدة، ولن نسمح لأي قوى خارجية أو أطراف محلية بأن تجرها إلى الفوضى أو الحرب الأهلية".

وأردف قائلا: "لن نتسامح مع فلول الأسد، الذين قاموا بارتكاب الجرائم ضد قوات جيشنا ومؤسسات الدولة، وهاجموا المستشفيات وقتلوا المدنيين الأبرياء، وبثوا الفوضى في المناطق الآمنة".

مقالات مشابهة

  • نائب: استرداد اثنين من المتورطين في “سرقة القرن” سيكشف خفايا نهب المال العام
  • فرنسا تطالب الحكومة السورية بمعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات في الساحل
  • ترامب يقلص صلاحيات ودور إيلون ماسك
  • زكاة الفطر 2025.. موعد إخراجها وقيمتها والشروط
  • تبديد المال العام يزج برئيس أكاديمية سوس ماسة السابق في السجن
  • بالفيديو.. إبراهيم الهدهد: الكبر هو أصل الفساد في الأرض
  • استضافة زوجات المسؤولين في الإعلام العراقي جدل متصاعد
  • ترامب يحد من صلاحيات مليادريره المفضل .. ودعوى قضائية ضد إدارته
  • الوهم التراكمي: هل الوعي الجمعي محض تكرار بأدوات أكثر تعقيدًا؟
  • بريطانيا تلاحق أبراموفيتش من أجل نقل أموال تشلسي لأوكرانيا