الجزيرة:
2025-03-06@10:35:12 GMT

في تفسير التوحش في سلوك الاحتلال تجاه الفلسطينيين

تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT

في تفسير التوحش في سلوك الاحتلال تجاه الفلسطينيين

دأبت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة على التنظير لفكرة ديمقراطية الكيان وطبيعته "المدنية والحضارية"، وعلى أنه الديمقراطية الوحيدة في المنطقة العربية، والامتداد الحضاري للغرب، وأنه خط الدفاع الأول عنها في مواجهة بربرية الشرق. وقد تميز رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو أكثر من غيره في التركيز على هذه الفكرة في كتاباته ومخاطبته الإعلامية للغرب، وركز دومًا على فكرة أن "إسرائيل" تخوض هذه الحروب والمواجهات نيابةً عن الغرب، وقد ذكر ذلك في آخر اجتماع له مع سفراء عدد من الدول الغربية.

في الوقت ذاته، استمر الاحتلال في وسم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ومحاولة ربطها بكل تجارب الحركات المتطرفة والإرهابية في العالم، وقد نجح في دفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تبنّي تلك الرواية، وإدراج غالبية حركات المقاومة الفلسطينية على قوائمها للإرهاب.

إلا أنّ سلوكه المتوحش في الحرب الدائرة على غزة اليوم، تجاوز كل تلك الادعاءات، وكشف عن الطبيعة الراسخة للكيان كدولة احتلال استيطاني إحلالي فاشيّ. ورغم كل محاولاته في بداية المعركة لإظهار المقاومة كمجموعات إرهابية، ومحاولة ربطها بتنظيم "داعش"- من خلال عدد كبير من الروايات الكاذبة والتي تساقطت سريعًا، وكُشف كذبها وفبركتها حتى أمام ومن خلال الإعلام الغربي ذاته الذي تبنّى تلك الروايات في البداية- ظهرت الحقائق واضحة أمام العالم، وبدأت الشعوب والمؤسسات وجهات دولية كثيرة تتبنّى الرواية الفلسطينية المحقة، وترفض وتدين السلوك المتوحش للاحتلال، والمتمثل في محاولة إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وتهجيره من جديد، من خلال ارتكاب عدد هائل من المجازر أدّت حتى اليوم لاستشهاد ما يقارب 15 ألفًا من الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء.

السلوك المتوحش للاحتلال الإسرائيلي يشبه إلى حد كبير سلوك الأنظمة الفاشية والدكتاتورية في العالم، كما أنه يتطابق مع سلوك القوى الإمبريالية في كل عصر، فهو امتداد لوحشية وإجرام المغول والنازية والمحتل الفرنسي في الجزائر، والأميركي في فيتنام والعراق وأفغانستان، وغيرها من القوى الإمبريالية التي اعتمدت المجازر والبطش بالشعوب والمدنيين، وسيلةً للإخضاع، وطريقًا للسيطرة والهيمنة. وهو بالتأكيد لا يفكر ويتصرف بشكل طبيعي- لأنه إن فعل ذلك لا يمكن أن يكون محتلًا- ذلك أن السلوك الطبيعي والعقل والفطرة السوية لا يمكن أن تقبل القهر والظلم وسلب الحقوق والحريات. فالمحتل له طبيعته الخاصة، التي لا تشبه الآخرين، طبيعته المرضيّة التي تجعله قادرًا على التوحش والتصرف كشيء مختلف عن البشر وبعيدًا عن طباعهم.

الاعتقاد بالتفوق، والنظرة الدونية للآخر هي من أهم سمات الحركة الصهيونية، والتي قادت لتصنيفها رسميًا في الأمم المتحدة  كحركة عنصرية

النقاط التالية يمكن أن تساهم في فهم وتفسير هذا السلوك الإسرائيلي الذي يبدو منهجيًا ومتعمدًا ومدركًا:

القناعة الداخلية بعدم وجود حقّ له في هذه الأرض- وبزيف ادعاءاته التاريخية والدينية حولها، وفقدان شرعية الوجود عليها- يدفعه، وفي محاولة لتعويض ذلك، للاعتماد على القهر والتخويف والقمع والتفوق في امتلاك القوة الذي قد يقود- كما يظن- إلى الإخضاع، لضمان البقاء. وهو في ذلك يستلهم تجارب دول أخرى أقدمت على إبادة السكان الأصليين وقتل الملايين من المواطنين لفرض وجودها، كما حدث مع الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا على سبيل المثال. إعادة رسم عقيدة عسكريّة جديدة قائمة على إلحاق الأذى الهائل بالحاضنة الشعبيّة والبنى المدنيّة، وكافة مقوّمات الحياة الطبيعية، لكل من يفكر في المقاومة أو يواجه الاحتلال، وهو ما يعني الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويطابق أفعال النازية والفاشية تمامًا. ويمكننا القول إنه يحاول أن يطور على ما عُرف بعقيدة الضاحية الجنوبية التي استُخدمت في لبنان عام 2006، وينتج منها نسخة 2023 الأكثر دموية وعنفًا ووحشيةً، بعد أن ضربت عملية القسام العسكرية في السابع من أكتوبر عقيدة ومنظومة الاحتلال العسكرية والأمنية التي اعتمد عليها لعقود طويلة، فقد قُهر الجيش الذي لا يقهر، وانهارت قواته بطريقة فاجأت الجميع أمام رجال المقاومة الفلسطينية، واتضح مدى عجز منظومته وأجهزته الأمنية التي لم تتوقع العملية، ولم تتمكن من إحباطها، وكذلك تبددت أوهام التفوق التكنولوجي الذي طالما تغنى الاحتلال به، وانبهرَ به الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية. عدم الانتماء للمنطقة فكريًا وثقافيًا وتاريخيًا واجتماعيًا، ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي متحررًا من تبعات هذا الانتماء والارتباط بمكونات المنطقة. فانعدام الصلات القومية أو الفكرية والثقافية مع شعوب المنطقة، يجعل الاحتلال غير مهتم بنظرتهم له أو بعلاقاته المستقبلية معهم؛ لاعتقاده أنه موجود رغمًا عن إرادتهم، وبقاؤُه مرتبطٌ باستمرار التنكر لهذه الإرادة وقمعها. الاعتقاد بالتفوق، والنظرة الدونية للآخر، وهذه من أهم سمات الحركة الصهيونية، والتي قادت لتصنيفها رسميًا في الأمم المتحدة- ولفترة طويلة- كحركة عنصرية. وفي هذه المعركة تجلت هذه الصفة بشكل كبير في الخطاب الصهيوني سواء على لسان وزير الحرب أو على لسان الكثير من الصحفيين والأكاديميين والمحللين، وحتى عوائل الجنود، الذين وصفوا الفلسطينيين في غزة بأنهم "حيوانات بشرية"، وأنه لا يوجد أبرياء في غزة سوى الأسرى الإسرائيليين والأجانب، وأن كل سكان غزة إرهابيون يستحقون الموت. الخوف الذي يسكن أعماق كيان الاحتلال بكل مكوناته، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي. هذا الخوف المرتبط ببعض العوامل التي ذكرت أعلاه، يحرص الاحتلال على إخفائه دومًا، والعمل على إظهار صورة معاكسة له حتى وإن كانت زائفة؛ لأن ظهور أيّ من علامات الخوف أو الضعف ستعني اقتراب النهاية. وللتغطية على هذا الخوف العميق المسكون به الاحتلال- والذي عبر عنه عدد كبير من قياداته من خلال كثرة الحديث عن الخطر الوجودي- يرفع من وتيرة البطش والقتل والمجازر والتدمير "أي التوحش"؛ ليظهر ما يعتقده قوة تساعده على إحداث التوازن النفسي لديه. ضمان عدم المساءلة والمحاسبة على وحشيته وجرائمه التي لا يتوقف عن ارتكابها؛ نظرًا لاستمرار النفاق والانحياز الغربي الذي يوفر للاحتلال الغطاء لكل جرائمه، ويحول بينه وبين المساءلة من قبل المؤسسات الدولية، يتقاطع ذلك مع الضعف العربي والإسلامي وعدم القدرة على لجم عدوانه ومعاقبته عليه، ولو بالحد الأدنى كقطع العلاقات السياسية والاقتصادية.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من خلال ة التی

إقرأ أيضاً:

رمضان في غزة.. جوع وصمود رغم الألم في معركة الاتّفاق

عبدالحكيم عامر

تعيشُ غزة والضفة الغربية شهر رمضان المبارك مجدّدًا، وسط مشهد قاتم من الجوع والخوف وانعدام الأمن، بينما يراقب العالم بصمتٍ مريب، وعلى الرغم من العدوان الصهيوني المُستمرّ منذ أكثر من 512 يومًا، تواصل المقاومة الفلسطينية التمسك بالكرامة والإرادَة، مؤكّـدة للعدو أن “الوقت ينفد” وأن الأسرى لن يعودوا إلا في إطار صفقة شاملة.

بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي تدمير غزة والضفة، مستبدلاً التصعيد العسكري في القطاع بحصار نكث للاتّفاق، وبعمليات إجرامية موسَّعة في الضفة الغربية، في انتهاك صارخ لوقف إطلاق النار، وكل الاتّفاقات الموقّعة يطالب الكيان حماس بتنازلات إضافية، متجاهلًا كُـلّ خروقاته، وفي الوقت ذاته، يسعى الاحتلال إلى إخلاء ثلاث مخيمات شمالي الضفة ووقف أنشطة “الأونروا”، ضمن مخطّط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل ممنهج، عبر توسيع الاستيطان وفرض واقع جديد يهدّد بضم الضفة وتهجير سكان غزة.

وشهدت الأيّام الماضية تطورًا بارزًا في ملف تبادل الأسرى، حَيثُ أُجبر الاحتلال على الإفراج عن عدد من المعتقلين المحكومين بالمؤبد؛ ما جعل المرحلة الثانية من الصفقة أكثر حساسية وتعقيدًا، وبينما يحاول الاحتلال، بدعم أمريكي، المناورة والالتفاف على الاتّفاق، يبقى التحدي الأكبر متمثلًا في إدارة المراحل القادمة بما يحقّق أقصى المكاسب للمقاومة.

وفي ظل حالة التوتر المتصاعدة بين المقاومة والاحتلال، يرى المراقبون أن الوضع قد ينزلق إلى تصعيد ميداني خطير، خَاصَّة مع استمرار المقاومة في استغلال ورقة الأسرى الصهاينة للضغط على حكومة نتنياهو، ودفعها نحو تقديم تنازلات على طاولة التفاوض.

وفي هذا الإطار؛ نشرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، مساء السبت، فيديو جديدًا لأسرى صهاينة، بعنوان: “أخرجوا الجميع ولا تفرّقوا بين العائلات.. لا تدمّـروا حياتنا جميعًا”.

وظهر في الفيديو الأسير “إيتان هورن” وهو يودّع شقيقه “يائير” الذي أفرجت الكتائب عنه من الأسر سابقًا، فيما بقي هو في أسر المقاومة بانتظار إنجاز مراحل اتّفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية.

ولم يتأخر تأثيرُ هذا الفيديو في الشارع الإسرائيلي، حَيثُ خرج المستوطنون في غضون ساعة إلى شوارع “تل أبيب” والداخل المحتلّ، في مظاهراتٍ واسعة تطالب حكومة نتنياهو بإتمام الصفقة بشكل كامل، في إشارة واضحة إلى تصاعد الضغوط الداخلية على الاحتلال.

ومع انتهاء المرحلة الأولى من الاتّفاق، يحاول الاحتلال التلاعب بالمفاوضات من خلال طرح شروط جديدة، أبرزها تسليم مزيد من الأسرى الأحياء والجثامين مقابل تمديد التهدئة، وهو ما رفضته المقاومة، مؤكّـدة ضرورة التزام الاحتلال بالاتّفاق والانتقال للمرحلة الثانية دون مماطلة.

ويرى مراقبون أن حكومة الاحتلال تتبع تكتيكاً معروفاً، يتمثل في الإيحاء بتحقيق تقدم في المفاوضات بينما تعمل في الخفاء على عرقلة التنفيذ، وهو ما يظهر في تراجعها عن الانسحاب من “محور صلاح الدين”، رغم كونه بنداً أَسَاسيًّا في الاتّفاق، والمقاومة، بدورها، تدرك هذه المناورات وتؤكّـد استعدادَها لأي سيناريو، بما في ذلك استئناف العمليات العسكرية إذَا استمر الاحتلال في التلاعب بشروط الصفقة.

المقاومة تفرض قواعدها والاحتلال أمام مأزق استراتيجي، ومع تزايد الضغوط على حكومة الاحتلال من عائلات الأسرى والمجتمع الصهيوني، تزداد فرصُ تحقيق المقاومة مكاسب إضافية. فالاحتلال جرّب استراتيجية الحرب الشاملة لمدة 15 شهراً، ولم يجنِ سوى الفشل والخسائر الأكبر في تاريخه، في ظل مقاومة مُستمرّة استطاعت أن تُنهك الجيش الصهيوني وتفرض معادلات جديدة.

وفي الأخير، تطرح المرحلة الثانية من الاتّفاق في غزة تحديات كبيرة على جميع الأطراف، فبينما تمكّنت المقاومة الفلسطينية من تعزيز موقعها، يواجه نتنياهو تحديات عسكرية وسياسية ودولية قد تعيد تشكيل المشهد الإسرائيلي، وفي هذا السياق، تبقى الأوراق المؤجلة من الزيارة الأمريكية عاملاً مهمًّا، لكنها قد لا تكون كافية لتحقيق الاستقرار.

وفي الوقت الذي تسعى فيه حكومة نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب والتهرب من الالتزامات، فإن المقاومة تظل متأهبة، مدركة أن معركة الإرادَة مُستمرّة، وأن الوقت ليس في صالح الاحتلال؛ فمع تصاعد التظاهرات داخل الكيان، واستمرار العمليات البطولية في الضفة، تبدو المعادلةُ واضحة “غزة لن تستسلم، والمقاومة لن تتراجع، والمواجهة لم تنتهِ بعد”.

مقالات مشابهة

  • رمضان في غزة.. جوع وصمود رغم الألم في معركة الاتّفاق
  • معتمدًا على نص توراتي.. رئيس الأركان الإسرائيلي يتعهد بالقضاء على المقاومة
  • سلوك ترامب يؤجج سعر الذهب
  • حزب الحرية المصري: القمة العربية أعلنت الموقف العربي الرافض لتهجير الفلسطينيين
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • الجيش الإسرائيلي يقر بفشله في حماية مستوطنة كفار عزة
  • تفسير حلم مشاهدة المسلسلات في المنام
  • محمد الأشمر.. من هو الثائر السوري الذي تحدى الفرنسيين؟
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 48,397 شهيدًا