هدنة غزة المؤقتة.. هزيمة السردية الإسرائيلية!
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
"لقد وضعنا هدفين للحرب، وهما تصفية حماس من خلال تدمير قدراتها العسكرية والسلطوية، والقيام بكل ما يمكن لإعادة المختطفين".
هكذا حدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أهداف الاجتياح البري لقطاع غزة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، مؤكدًا أيضًا أن "كل عناصر حماس سيموتون فوق الأرض وتحت الأرض، داخل غزة وخارجها".
لكن نتنياهو عاد قبل أسبوع – بحسب ما نشرته سي إن إن – وأمسك بذراع بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، عقب اجتماع للحكومة الإسرائيلية ليقول له: "نحن نريد هذه الصفقة".
ما بين التاريخين، جرى تحت الجسر – كما يقال- الكثير من مياه النهر، دفعت رئيس الوزراء "المتغطرس" للتقليل من توقعاته بشأن العدوان الوحشي، الذي يشنّه جيشه على قطاع غزة، والموافقة على قرار الهدنة المؤقتة الذي وصفه بـ "القرار الصعب".
أهم ما جاء في الاتفاق، يشمل الإفراج المتبادل عن أسيرات وأطفال، ووقف إطلاق النار من الطرفين مؤقتًا لمدة أربعة أيام، وإدخال مئات الشاحنات الإنسانية والإغاثية والطبية، وضمان حركة مواطني القطاع من الشمال إلى الجنوب.
هذا الاتفاق لم يكن ليكتب له النجاح لولا الجهود المضنية التي بذلتها الدبلوماسية القطرية على مدار أيام طويلة.
فكيف تمت هزيمة السردية الإسرائيلية على هذا النحو؟ حتى وإن لم يكن بشكل نهائي؛ نظرًا لعدم انتهاء الحرب بعد، إذ الحديث لا يزال عن وقف مؤقت للقتال.
وكيف تمثل صعودًا جديدًا للدبلوماسية القطرية في المنطقة؟.
السردية الإسرائيلية المهزومة منذ السابع من أكتوبرتأسست الرؤية الإسرائيلية لأمنها القومي على ثلاث دعائم أساسية:
الأولى: التفوق المطلق للجيش الإسرائيلي.
الثانية: وحدة المجتمع الإسرائيلي.
الثالثة: العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة.
ما حدث يوم السابع من أكتوبر الماضي مثّل انهيارًا واضحًا، لدعامة تفوق الجيش الإسرائيلي، حيث نجحت تل أبيب في إعادة ترميم ما أصابها عقب حرب أكتوبر 1973، قبل أن تتلقى مجددًا الضربة الأشد تأثيرًا على يد كتائب القسام.
من أجل ذلك سارع نتنياهو وأعضاء حكومة الحرب- مدفوعين بتشجيع ودعم عسكري أميركي- إلى إعلان الحرب على قطاع غزة، لكن بالقيادات العسكرية نفسها، والإستراتيجيات الحربية، التي قادت إلى هزيمة السابع من أكتوبر.
اعتمدت إسرائيل نظرية الصدمة والرعب، التي انتهجها الجيش الأميركي، في عملياته في العراق، خاصة في مدينتي الفلوجة والموصل، فكان القصف الجوي العنيف، الذي استهدف المدنيين في المقام الأول، والذي خلّف آلاف القتلى والمصابين والمفقودين، معظمهم من النساء والأطفال.
لكن ومع تطوير العمليات العسكرية، والدخول في مرحلة الاجتياح البري، انكشف الأداء الضعيف للجيش الإسرائيلي "الذي لا يقهر" في مواجهة المقاومة الفلسطينية.
فرغم مرور قرابة شهر على العمليات البرية، فشلت القوات الإسرائيلية في تحرير أيّ من الرهائن، أو الوصول إلى قيادات القسام المؤثرين، أو تحجيم قدرات التنظيم العسكرية.
فمع تعاظم الخسائر البشرية، كان واضحًا أن الجيش الإسرائيلي، تغوص أقدامه في مستنقع القطاع أكثر وأكثر، يضاف إليه تدمير صورته الأخلاقية في العالم.
فالجيش الإسرائيلي ارتكب خلال عملياته كل ما يندرج تحت توصيف "جرائم الحرب" من استهداف المشافي والمدارس ودور العبادة ومنازل المدنيين، وقتل الأطفال والنساء، وقطع المياه والكهرباء والإنترنت عن القطاع.
وفي موازاة هذا الفشل العسكري، كان هناك فشلٌ إعلاميّ، في إقناع الرأي العام، فبيانات المتحدث العسكري، يعوزها الدقة. والصورُ المنشورة يفتقد كثير منها إلى المصداقية أو المعقولية، كما رأينا وتابعنا في تبرير استهداف مجمع الشفاء الطبي واحتلاله، أو غيره من مشافي قطاع غزة.
في موازاة ذلك الأداء المضطرب، نجحت المقاومة، من خلال إستراتيجيتها الإعلامية، في إقناع الرأي العام، وذلك بسبب المصداقية في نقل وقائع الحرب، مدعومة بالصوت والصورة، وسأكتفي هنا بمثال واحد فقط، وهو ما أعلنه مؤخرًا المتحدث باسم كتائب القسام، "أبو عبيدة"، من لجوء القوات الإسرائيلية إلى قتل جنودها حتى لا يقعوا في الأسر، الأمر الذي اضطرت معه تل أبيب إلى الاعتراف لاحقًا بفتح تحقيق بشأن استهداف جنود إسرائيليين عن طريق الخطأ!.
كما نجحت المقاومة في اللعب بورقة المحتجزين لديها، وتحويلها إلى أداة ضاغطة على أعصاب نتنياهو وحكومته.
فمنذ الأيام الأولى، والمقاومة تعلن استعدادها للإفراج عن المحتجزين المدنيين، وأخلت سبيل البعض منهم دون مقابل، الأمر الذي أدّى إلى تصاعد احتجاجات عوائل المحتجزين.
فعبر الأداء العسكري، والإعلامي، والسياسي، أجبرت المقاومة نتنياهو ومعه الإدارة الأميركية، على التخلّي عن الأهداف المعلنة للعملية العسكرية، والتفاوض على الأرضية التي أرادتها المقاومة منذ البداية، والتي أتوقع لها أن تتطور خلال المراحل المقبلة للحرب.
نجاح جديد للدبلوماسية القطريةلم تكن هي المرة الأولى التي تنجح فيها الدوحة في لعب دور الوسيط، في العديد من ملفات المنطقة الشائكة، فقد لعبت دورًا مهمًا في المفاوضات بين الإدارة الأميركية وطالبان بشأن الانسحاب الأميركي من أفغانستان، كما ساهمت في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، بشأن أزمة البرنامج النووي الإيراني، قبل تعثره الأخير.
وفي هذه الأزمة نجحت قطر في تحقيق المعادلة الصعبة، فدعمها للقضية الفلسطينية لا يحتاج إلى كثير إيضاح، كما أنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، وأدانت العدوان الإسرائيلي بكل وضوح، وفي الوقت ذاته نجحت في كسب ثقة المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، باعتبارها قناة موثوقة للتفاوض مع حماس.
فبحسب تقرير لـ "سي إن إن" بعنوان: " المفاوضات المضنية بين إسرائيل وحماس والولايات المتحدة وقطر لتحرير 50 رهينة" فإن الدوحة وعلى مسافة منها القاهرة، كانت قِبلة للمسؤولين الأميركيين، في رحلاتهم المكوكية، بينها وبين تل أبيب وواشنطن، من أجل التوصل إلى اتفاق واضح بشأن الرهائن.
تفاصيل كثيرة ومهمة تضمنها التقرير، تبرز دور الدبلوماسية في تذليل العقبات التي كانت تعترض المفاوضات، التي وصفها أحد المسؤولين الأميركيين بقوله: "كل خطوة من هذا تشبه قلع الأسنان".
كانت اللقاءات والمباحثات المباشرة أو الهاتفية لا تنقطع بين واشنطن والدوحة، بداية من المحادثات الهاتفية بين بايدن، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مرورًا باللقاءات الثنائية بين كبار المسؤولين القطريين والأميركيين.
لم يكن لقطر أن تلعب هذا الدور الدبلوماسي المهم والمطلوب، لولا ثقة طرفي الصراع بها، خاصة الجانب الفلسطيني، وحرص الدوحة على توفير استضافة آمنة لقادة حماس، خلافًا لعواصم عربية أخرى.
كما يعكس هذا الأداء نجاحًا مضافًا، في توظيف إمكانات وقدرات قطر، في خلق مكانة بارزة لها على الساحة الدوليّة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كيف أثرت السردية الدينية حول نهاية العالم على فوز ترامب؟
تناول مقال نشره موقع "كاونتربانتش" تحت عنوان "خارج الحدود.. ولكننا بحاجة للحديث عن ذلك"، الانتقادات المستحقة للديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، مسلطا الضوء على أثر ما وصفه بالسردية الدينية حول نهاية العالم على نتائج الانتخابات.
وأشار كاتب المقال بوب توبر، إلى دور الصحافة في التطبيع مع سلوك المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إلى جانب التحيز الواضح لبعض مؤسسات الأخبار، خاصة قناة "فوكس نيوز" التي اعترفت مؤخرا بتقديم معلومات مضللة للجمهور.
كما سلط الضوء على وسائل الإعلام الرقمية غير المنظمة التي تلاعبت بالرأي العام، ونشرت كما هائلا من المعلومات المضللة. واعتبر الكاتب أن أحد العوامل الحاسمة التي غالبًا ما يتم تجاهلها هو تأثير الدين في السياسة الحديثة.
وشدد على أهمية فهم هذا الدور من خلال النظر إلى الانقسام السياسي في الولايات المتحدة باعتباره صراعا بين الفكر الوضعي والمعتقد المسيحي واسع الانتشار.
ويشير الكاتب في مقاله إلى تعليق المؤلف ويليام بيرنشتاين في كتابه "أوهام الحشود"، مؤكدا أن فهم حالة الاستقطاب الراهنة في المجتمع الأمريكي يتطلب إدراكًا عميقًا للسردية الدينية المتعلقة بـ"نهاية العالم"، التي تتوقع المجيء الثاني للمسيح.
ووفقا لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث، فإن 39% من البالغين الأمريكيين يعتقدون أن البشرية تعيش في زمن "نهاية العالم"، ما يبرز التأثير العميق لهذه الرؤية على توجهات المجتمع والسياسة الأمريكية.
نظرية التدبير الإلهي
يطرح الكاتب فكرة أن نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة يمكن تفسيرها كحالة من الهستيريا الجماعية. ورغم صعوبة قياس مدى تأثير نظرية "التدبير الإلهي" على سير الانتخابات، فإن الهواجس المرتبطة بـ"نهاية العالم" تقدم إجابة مؤلمة على السؤال: لماذا انتخب الشعب الأمريكي رئيسًا يواجه انتقادات حادة من خصومه؟
ويرى الكاتب أن الأصوليين الأمريكيين ينظرون إلى العالم كمعركة أزلية بين الخير والشر، بين الله والشيطان، وبين فضائل الإيمان المسيحي وشرور الليبرالية العقلانية.
في هذا السياق، استغلت خطابات حملة دونالد ترامب هذه المخاوف، مصورة الديمقراطيين كرمز للشر الداخلي. ووفق هذه الرؤية، تتضاءل الانتقادات الموجهة لشخصية ترامب، حيث يُنظر إليه كأداة في يد الرب، مما يجعل عيوبه الشخصية مسألة ثانوية في إطار هذه الدراما الروحية، حسب المقال.
الأصوليين المسيحيين وهوية الجمهوريين
ويشير المقال إلى تحذيرات الجمهوري المحافظ باري غولدووتر عام 1994 بشأن نفوذ الأصوليين المسيحيين داخل الحزب الجمهوري.
وقال غولدووتر آنذاك: "صدقوني، إذا سيطر هؤلاء الوعاظ على الحزب الجمهوري – وهو ما يسعون إليه بكل تأكيد – فستكون هذه مشكلة خطيرة للغاية. بصراحة، هؤلاء الناس يخيفونني. السياسة والحكم يتطلبان التسويات، لكن هؤلاء المسيحيين يعتقدون أنهم يتصرفون باسم الله، لذا فهم غير قادرين على التنازل أو التسوية. أعلم ذلك، لأنني حاولت التعامل معهم."
قبل 25 عاما، بدأ الوعاظ الإنجيليون بالتأثير داخل الحزب الجمهوري، مستهدفين قضايا مثل الإجهاض والعلاقات المثلية.
في البداية، رحب الجمهوريون التقليديون بدعم الإنجيليين دون تبني خطابهم. إلا أن الوضع تغيّر تدريجيًا، حيث بات اليمين المسيحي يهيمن على الحزب، مما طمس القيم المحافظة التي دافع عنها غولدووتر والقيم الأمريكية الأساسية مثل الحرية والمساواة والديمقراطية، وفقا للمقال.
ويرى الكاتب أن مخاوف غولدووتر تحققت بالكامل، حيث أصبح الحزب الجمهوري أشبه بحزب ديني ثيوقراطي متنكر في ثوب الحزب الجمهوري التقليدي.
تحديات الفصل بين الكنيسة والدولة
ويؤكد المقال موقع "كاونتربانش" أن احترام الفصل بين الكنيسة والدولة في الولايات المتحدة، واحترام الخصوصيات الدينية، يظل أمرًا واقعًا. ومع ذلك، أصبح انتقاد المعتقدات الدينية أمرًا محظورًا، خاصة مع تحول أحد الفصائل الدينية إلى حزب سياسي.
ويشير الكاتب إلى أنه لم يعد مقبولًا التكيف مع هذه الظاهرة، خصوصًا عندما تتعارض معتقدات هذا الفصيل مع القيم الأساسية للأمة، مثل الحرية والمساواة والديمقراطية. ويشدد على أن كل مواطن أمريكي ملزم بحماية الدستور والدفاع عنه، بما في ذلك القيم التأسيسية التي يضمنها.
ويضيف أن الدين الذي يهاجم هذه القيم لا ينبغي أن يُستثنى من النقد. وكما يرفض الأمريكيون تطبيق "الشريعة"، يجب عليهم رفض أي نسخة دينية أخرى تهدد النظام القانوني والديمقراطية.
فعندما تجعل المعتقدات الدينية النظام الديمقراطي التمثيلي غير قادر على الحكم، فإن المقاومة تصبح ضرورة.
ويختتم الكاتب بقوله: "بينما لا يمكن الاستهانة بنحو 39% من الأمريكيين الذين يعتقدون أننا نعيش في نهاية العالم، عليهم أن يدركوا أن هذه نهاية العالم مجرد أسطورة. قد يحترمها المسيحيون المؤمنون، لكنها تظل خيالًا، تمامًا كما تقبلوا حقيقة أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس."