صفقة تحرير الرهائن ونهاية نتنياهو.. الحكاية كاملة لانتصار المقاومة الفلسطينية
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
واحدة من الدوافع الرئيسية لتبرير ما قامت به إسرائيل من أفعال إجرامية داخل قطع غزة من وجهه نظر حكومة بنيامين نتنياهو هو البحث عن الرهائن اللذين إقامتهم حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد تنفيذ عملية طوفان الأقصى إلى داخل القطاع، وتحريرهم وإعادتهم إلى ذويهم.
طوفان الأقصى اتفاق الهدنة وأبرز بنودهوتعرضت حكومة نتنياهو خلال الفترة الماضية لضغوط كبيرة لم يشهدها نتنياهو منذ توليه المسؤولية داخل إسرائيل على فترات متقاطعة بسبب ازمة الرهائن وفشل العملية العسكرية داخل قطاع غزة في تحرير الرهائن الامر الذي نجحت فيه حماس بشدة.
ووافقت إسرائيل وحماس على هدنة، فجر اليوم الأربعاء، بوساطة مصرية قطرية أمريكية، مدتها أربعة أيام قابلة للتجديد، تُفرج خلالها الحركة الفلسطينية عن 50 امرأة وطفلا من بين الأسرى الذين تحتجزهم في غزة، مقابل إطلاق نساء وأطفال فلسطينيين مسجونين في إسرائيل.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن صفقة تبادل الأسرى، والتي وصفها بنيامين نتنياهو بالقرار الصعب، تشمل وقفا لإطلاق النار لمدة أربعة أيام، فيما قال موقع "أكسيوس" إن الصفقة مع حماس ستتم على مرحلتين خلال هدنة مدتها أربعة أيام.
بعد معارضة حزبه القوية.. وزير المالية الإسرائيلي يكشف سبب تأييد صفقة الرهائن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يكشف موقفه من صفقة الرهائنوأضاف أن المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح 50 رهينة من النساء والأطفال خلال أربعة أيام يتم خلالها وقف النار، مقابل إطلاق إسرائيل سراح حوالي 150 سجينا فلسطينيا معظمهم من النساء والقصر.
وقال موقع "أكسيوس" إن الصفقة ستشمل السماح بدخول 300 شاحنة مساعدات يوميا من مصر إلى غزة، كما ستسمح بدخول المزيد من الوقود إلى غزة خلال فترة وقف القتال.
وأضاف "أكسيوس" أن المرحلة الثانية من الصفقة قد تنطوي على إفراج حماس عن عشرات المحتجزين الإسرائيليين مقابل تمديد وقف النار.
نتنياهو تنفيذ الهدنة غدا الخميسومن جهته، قال مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إنه من المتوقع أن تبدأ عملية التنفيذ يوم الخميس، فيما تعهدت الحكومة بمواصلة حربها ضد حماس بعد انتهاء الهدنة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قبل اجتماع الحكومة إن السلطات في إسرائيل تستعد لاتخاذ قرار صعب ولكنه صحيح بشأن صفقة الإفراج عن بعض الأسرى المحتجزين في غزة، والتي سيتم من خلالها إطلاق سراح الأسرى على مراحل.
كما أكد نتنياهو أن القيادات الأمنية تدعم القرار بالكامل، والذي سيسمح للجيش بالاستعداد لمواصلة القتال.
وأضاف نتنياهو أن الرئيس الأميركي جو بايدن ساعد في تحسين الاتفاق ليشمل المزيد من الأسرى، بالإضافة إلى تأكيده بأن الحرب مستمرة حتى تحقيق جميع أهداف إسرائيل.
ومن جانبها، قالت حركة المقاومة الفلسطينية حماس في بيان إن الصفقة تشمل ضمان حرية حركة المواطنين من شمال غزة لجنوبها على طول شارع صلاح الدين والتزام إسرائيل بعدم التعرض أو اعتقال أحد في كل القطاع خلال الهدنة.
وأضافت حماس أن الصفقة تشمل وقف حركة الطيران في شمال غزة لمدة 6 ساعات يوميا مقابل وقف حركة الطيران في جنوب غزة على مدار هدنة الأيام الأربعة.
كما أن الاتفاق يسمح بإدخال مئات شاحنات المساعدات والوقود إلى كل مناطق غزة شمالا وجنوبا، وأضافت حماس أنه في الوقت الذي نعلن فيه التوصل لاتفاق الهدنة نؤكد أن أيدينا ستبقى على الزناد.
وشنت حماس هجوماً غير مسبوق على إسرائيل انطلاقاً من قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، تم خلاله خطف نحو 240 شخصاً، بينهم أجانب، ونقلهم إلى القطاع، وفق السلطات الإسرائيلية.
وأدى هجوم الحركة إلى مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل غالبيتهم من المدنيين الذين قضى معظمهم في اليوم الأول من الهجوم، وفق السلطات الإسرائيلية.
وتشن إسرائيل قصفاً جوياً ومدفعيا بلا هوادة على القطاع، وبدأت منذ 27 أكتوبر بتنفيذ عمليات برية في داخله، ما تسبب بمقتل أكثر من 14 ألف شخص، حوالي 70% منهم من الأطفال والنساء، وفق السلطات الصحية في غزة.
حركة المقاومة الفلسطينية حماس هدنة مقابل سراح الأسرىوفي هذا الصدد، قال الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، إن الصفقة التي تم الموافقة عليها والاعلان من قبل الدول التي لعبت دورا كبيرا لإتمامها وفقا للجهود التي بذلت من مصر وقطر لأجل اتمامها جاءت في محاولة لإيجاد هدنة مقابل إطلاق سراح مجموعة من الأسرى من الطرفين وهذا الامر يساهم في خفض حدة التوتر ووقف العمليات العسكرية ولو بشكل مؤقت.
وأوضح جهاد ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن ذلك يسمح بإدخال المساعدات ونقل المصابين وعلاجهم ودفن الشهداء حيث ان الاوضاع كانت ولا زالت شديدة الخطورة في حالة كارثية كبرى يشهدها قطاع غزة نتيجة هذا العدوان الغاشم ووفقا لتلك السياقات التي اعلن عنها بأطلاق سراح 50 من النساء والاطفال المتواجدين لدى المقاومة بمقابل الافراج عن 150 من الاطفال والنساء المعتقلين لدى الاحتلال والعمل على زيادة عدد شاحنات الإغاثي والوقود التي تدخل للقطاع مع وقف لأطلاق النار في مناطق معينة ووقفه لساعات محددة بمناطق اخرى الامر برمته يهدف الى خفض حدة العمليات العسكرية.
وتابع: ولكن كنا نأمل ان يشمل هذا الاتفاق بقية الأراضي الفلسطينية لان هناك حالة من التغول والقتل الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكل يومي وممنهج من خلال الاقتحامات وعمليات الاعتقال والقتل فى كافة مدن الضفة الغربية التي اصبحت على فوهة بركان متفجر من الغضب على ممارسات الاحتلال وقطعان مستوطنيه.
واختتم حديثه قائلا: ولذلك نأمل ان تكون هناك وحدة حال جغرافية وسياسية تشمل الأراضي الفلسطينية كاملة ويؤخذ بعين الاعتبار باي اتفاق ان يشمل كافة الأراضي الفلسطينية.
الدكتور جهاد الحرازينفشل إسرائيل أجبر على الاتفاقومن جانبه، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن بعد أكثر من عشرين يوما من المفاوضات والوساطات الأمريكية القطرية والمصرية خرج اتفاق التهدئة للنور بعد ستة واربعون يوم من القتال العنيف الذي لم يشهده قطاع غزة من قبل.
وأوضح الرقب ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن الاحتلال راوغ في كسب الوقت وإطالة أمد المفاوضات عسى أن يصل لطرف خيط في موضوع الأسرى الاسرائيليين لدى المقاومة وخاصة في مستشفى الشفاء ولكنه عندما فشل وافق على الصفقة.
واكد أن الصفقة هي فرصة لتبريد الحرب والتقاط الشعب الفلسطيني الأنفاس و كما حدث سابقا عام 2014 شهدت ايام الحرب على غزة هدن أثناء الحرب ثم استأنف الاحتلال الإسرائيلي الحرب على غزة، وهذا ما أعلن عنه العدو الإسرائيلي باستكمال الحرب على غزة بعد تنفيذ هذه الصفقة، و الجانب المصري يسعى لتمديد التهدئة من خلال إجراء عدة صفقات متتالية من تبادل الأسرى.
وتابع: المهم في الصفقة بجانب تبادل الأسرى هو إدخال المواد البترولية والمواد الغذائية والطبية لقطاع غزة وضمان وصولها لشمال غزة والسماح لسكان الشمال حرية التنقل من الجنوب للشمال.
وواصل: الأمر لم يكن سهل لحكومة الاحتلال ولكنها لم تجد مناص من إتمام الصفقة والتي ستشمل 30 طفل و8 امهات و12 أمرأه أخرى، وسيكون لاحقا صفقة أو صفقات لمدنين آخرين بحوزة المقاومة.
واختتم: نتمنى أن تفضي هذه الصفقة لوقف إطلاق النار قريبا ، رغم هدف حكومة الاحتلال الإسرائيلي المعلن بالقضاء على المقاومة وحركة حماس والا تعود ماكينة القتل الإسرائيلية بقتل شعبنا الأعزل ، رغم أنه من المتوقع استمرار الاحتلال في حربة الإجرامية ضد شعبنا.
وتعاني إسرائيل تعاني في الوقت الحالي انقساما داخليا مستعصيا، حيث تعد الحكومة الحالية التي يرأسها بنيامين نتنياهو من بين المؤشرات الخطيرة على ضعف إسرائيل، فهي تتعرض للعديد من التظاهرات الرافضة لها والمطالبة برحيلها وخاصة بعد فشلها الذريع في التصدي لعملية طوفان الأقصى واختطاف الرهائن.
الدكتور أيمن الرقبالمصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: غزة حماس طوفان الأقصى نتنياهو تحرير الرهائن إسرائيل اتفاق الهدنة بنیامین نتنیاهو طوفان الأقصى أربعة أیام إن الصفقة
إقرأ أيضاً:
أطروحة انتصار المقاومة الفلسطينية..عودة لعبة صراع المفاهيم
مع دخول وقف إطلاق المار حيز التنفيذ، عبرت قوى المقاومة الفلسطينية عن انتصارها وإفشالها لخطط العدو وأهدافه في الحرب على غزة، واطلقت كتابات وتعبيرات كثيرة في الوطن العربي، تنتقد بحدة ما أسمته بأطروحة "وهم الانتصار" مقدمة بين يديها جملة من الحجج التي تحاول من خلالها إثبات مسار الهزيمة العربية، وتكرر لحظة نكبة 1948 و نكسة 1967، وأن الإسلام السياسي، الذي تمثله حماس في غزة، وكل من يدعم أطروحتها في الوطن العربي، لا يفعلون أكثر مما قام به القوميون(جمال عبد الناصر) والبعثيون (صدام حسين) في اللعب بالمشاعر، ودغدغة العواطف، والادعاء بالقدرة على محو إسرائيل من الخارطة، والتبشير بزوالها الوشيك، وأن الحقيقة التي لا تخطئها العين، هم أنهم جميعا حاولوا أن يغطوا على حقيقة الدمار والخراب الذي حل بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بخلق وهم "النصر".
والحقيقة، أن قصد هذه الورقة التي تمزج بين الفكر والتحليل، ليس الدخول في نقاش مع هذا الرأي ومستنداته، وإنما التوقف على الطريقة التي يحاول بها الاحتلال الصهيوني وداعموه، ومن يحملون أطروحته، إعادة لعبة الصراع الفكري، وخلط المفاهيم التي استعملها الاستعمار مع حركات التحرر الوطني، من أجل تبرير هيمنته على مقدرات الشعب، وتشويه صورة المقاومة، وتبخيس جهدها، ومحاولة التأثير على تماسك الجبهة الداخلية، وخلق جيوب مقاومة للمقاومة.
لقد كتب الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي عددا من الكتابات في كشف لعبة التضليل التي مارسها الاستعمار الفرنسي، وكتب كتابا مستقلا في الموضوع أسماه "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، ووقف كثيرا عن عدد من المفاهيم التي يستعملها الاستعمار، لخلق حالة فكرية وشعورية داعمة له، ومناهضة للمقاومة الشعبية أو محبطة لها، وكتب الزعيم علال الفاسي عدد من المقالات والرسائل ينبه فيها إلى مخاطر المفاهيم التي كان الاستعمار يسهر على توليدها وبثها في الفضاء التداولي، بما في ذلك ركوب مطالب سياسية للمقاومة، ومحاولة تفخيخها من الداخل، بصياغات لغوية تحتمل مضمونا نكوصيا يناقض أهداف حركات التحرر الوطني.
في الواقع، تتعدد المقاربات لتقييم أثر هذه الحرب، ومن خرج منها منتصرا ومن خرج منها مهزوما، لكن، بالاعتبار الاستراتيجي والسياسي، ثمة عدد من المؤشرات التي يمكن البناء عليها، لبناء رؤية تقييمية واضحة لا تجيب فقط عمن كسب ومن خسر، ولكن تجيب من باب أولى عن تأثيرات الحرب على مستقبل القضية الفلسطينية، ومواقع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في موازين القوى التي ستصنعها صفقة إنهاء الحرب.في هذا المقال، نحاول أن نناقش أطروحة النصر، ولعبة الصراع الفكري، من زاويتين اثنتين، زاوية التحليل السياسي والاستراتيجي، وزاوية التحليل السيميائي الرمزي، على أن نختمه بكشف خلفيات لعبة الصراع الفكري التي تديرها نخب التطبيع في الوطن العربي.
أطروحة النصر.. في نقد المقاربات الثلاث
في يوم الأربعاء منتصف شهر يناير الجاري، أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، بدأ تنفيذه الأحد 26 يناير، ليفتح بذلك النقاش على مصراعيه حول جدل النصر والهزيمة بعد حرب هي الأعنف في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
في الواقع، تتعدد المقاربات لتقييم أثر هذه الحرب، ومن خرج منها منتصرا ومن خرج منها مهزوما، لكن، بالاعتبار الاستراتيجي والسياسي، ثمة عدد من المؤشرات التي يمكن البناء عليها، لبناء رؤية تقييمية واضحة لا تجيب فقط عمن كسب ومن خسر، ولكن تجيب من باب أولى عن تأثيرات الحرب على مستقبل القضية الفلسطينية، ومواقع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في موازين القوى التي ستصنعها صفقة إنهاء الحرب.
ثمة ثلاث مقاربات للتقييم ملأت المكان، ويفضل هذا المقال تجنبها. تقول الأولى، إن حماس انتصرت لأنها لم تنهزم، وإسرائيل انهزمت لأنها لم تنتصر. وتقول الثانية، إن مؤشر انتصار حماس، هو ما يقوله الإعلام العبري نفسه. وتقول الثالثة: في الحروب غير المتناظرة، ينتصر الضعيف بإفشاله لخطط العدو، ويفشل المتفوق عسكريا حين يعجز عن تحقيق أهدافه المعلنة.
المقاربة الأولى، لا تقدم النقاش إلى الأمام، وتقرأ على أنها مجرد لعب بألفاظ، غرضه منع إجراء تحليل سياسي وعسكري واستراتيجي للحرب ونتائجها.
المقاربة الثانية، هي الأخرى، لا تساعد في إحراز تقييم موضوعي، فالإعلام العبري الذي يتم الاستناد إليه في الغالب، يعكس حساسيات مختلفة، إما يمينية متطرفة، تبكي واقع الصفقة لأنها كانت تتمنى احتلال غزة وتهجير الفلسطينيين، وإما حساسيات يسارية كانت منطلقها في الأصل هو سحب الشرعية عن حكومة نتنياهو من لحظة السابع من أكتوبر.
في الواقع، قد تكون تقييم هذه الحساسيات جزءا مكملا من مؤشرات التقييم الموضوعي، لكن لا يمكن أن ينبى التقييم الموضوعي على أساسه، لأن خلفيته هي أهداف أخرى، ربما كانت في سقفها أعلى من سقف القيادية السياسية الإسرائيلية نفسها.
عطب المقاربة الثالثة، أنها تسقط من الاعتبار، أن قاعدة عدم التكافؤ في الحروب المتناظرة، ومعيار الانتصار فيها بمنع العدو من تحقيق أهدافه، إنما ترتبط باستراتيجية الدفاع، بينما تتداخل الأبعاد الهجومية والدفاعية في عملية "طوفان الأقصى". ففي الوقت الذي تعتبر فيه حماس أن هذه العملية هي استراتيجية دفاعية استباقية لمنع سيناريو أسوأ أعد له الكيان الصهيوني، يقرأها المراقب الخارجي، بأنها إيذان عن تحول من استراتيجية الدفاع إلى الهجوم، بتطلع إلى تغيير المعادلة في المنطقة، وتغيير موازين القوى بشكل كامل لفائدة قوى المقاومة. ولذلك، ينطرح هذه المقاربة جانبا ما دام التأويل لا يقدم قراءة واحدة لـعملية "طوفان الأقصى" وهل يندرج ضمن استراتيجية الهجوم أن استراتيجية الدفاع؟
أطروحة النصر من زاوية التقييم الاستراتيجي والسياسي
ينبغي الإشارة هنا، أن أطروحة النصر لا تتبناها فقط حماس، وإنما يتبناها الطرف الآخر، أو على الأقل الطرف الداعم للاحتلال، فقد أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمته بخصوص هذا الاتفاق إلى بعض عناصر التحليل الاستراتيجي، وذكر مؤشرات الانتصار الإسرائيلي في إضعاف حزب الله، واضطراره لقبول اتفاق لوقف الحرب بما يناقض موقفه الأول الذي ربط فيه مقاومة حزب الله للاحتلال الإسرائيلي بعدوانه على غزة. الرئيس الأمريكي، ذكر أيضا هزيمة إيران في سوريا، وانقطاع الحبل السري عن حزب الله، بعد إسقاط النظام السوري.
إسرائيل لم تجر تقييما موضوعيا استراتيجيا لخارطة مكاسبها الاستراتيجية من وراء صفقة إيقاف وقف الحرب مع حماس، لكن ثمة عدد مهم من المسؤولين السياسيين، كان ينتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويطالبه بوقف الحرب قبل أن تضيع المكتسبات التي حققتها إسرائيل في المنطقة، أي ما ذكره الرئيس الأمريكي من تراجع قوة حزب الله، وانتشاء بأن اتفاق وقف الحرب على لبنان كان مشروطا بنزع سلاح حزب الله، واحتكار الدولة اللبنانية وحدها لحمل السلاح، ثم سقوط نظام الأسد، بما يعني انقطاع تدفق الأسلحة إلى حزب الله، وحصول اختراق مهم في محور المقاومة بما يضمن نقاطا مهمة لمنظومة الأمن الإسرائيلي في المنطقة.
حسابات الاحتلال الإسرائيلي الاستراتيجية، حسب القيادة السياسية الإسرائيلية، حصول نجاح استراتيجي غير مسبوق في تقويض بنية حزب الله السياسية والتنظيمية وقدراته العسكرية وموقعه السياسي والعسكري في لبنان، وتوجيه ضربة استراتيجية كبيرة لإيران وحاورها في المنطقة وبالأخص لبنان وسوريا.
في الواقع التحول في سوريا وإن كان يرمز لهزيمة المحور الإيراني، فهو في حقيقة الأمر مجرد كسب تكتيكي، فتراجع التهديد الإيراني لإسرائيل عبر لبنان وسوريا، لا يعني، أن حدود إسرائيل أضحت آمنة بعد إسقاط نظام بشار الأسد، فإسرائيل نفسها لا ترى في هذا التحول سوى استبدال تهديد شيعي ترعاه إيران، بتهديد آخر سني ترعاه تركيا، ولذلك سارعت إلى شن غارات على المقدرات العسكرية لسوريا واحتلال أجزاء مهمة من أراضيها.
في مقابل هذا الكسب الاستراتيجي غير المقطوع به، ثمة خسارة استراتيجية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، فهذه الحرب أوقفت أو جمدت بشكل كبير مسارا من التطبيع بدا مع اتفاقات ابراهام، وخلقت أجواء كثيفة من الشك في نوايا الاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط بالنسبة للدول العربية التي كانت مبرمجة في استكمال حلقات التطبيع، وإنما أيضا بالنسبة للدول المنخرطة مبكرا في التطبيع، فمصر والأردن، لن تحذفا من ذاكرتها حول حرب غزة، وجود نزوع استراتيجي عميق لدى قادة الاحتلال مختلف نخب الاحتلال الإسرائيلي بأن حل معضلة غزة والضفة تكمن في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن.
والخسارة الاستراتيجية الكبرى بالنسبة إلى إسرائيل، هي العزلة الدولية التي فرضتها عليها الحرب، إذ لم يحدث في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي أن أصدرت الجنائية الدولية حكما يأمر باعتقال بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت)، ولم يحدث أن عاش الاحتلال الإسرائيلية عزلة دولية مثيلة.
خسارة الفلسطينيين الاستراتيجية كبيرة بلا شك، فقد تحولت غزة إلى ركام كبير، وخسرت المقاومة قيادات سياسية وعسكرية من الوزن الثقيل، وتكسر محور الإسناد في جنوب لبنان، وفقد الشعب الفلسطيني قوة ديمغرافية كبيرة بغزة، بسبب استشهاد حوالي 50 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، بما يعني التأثير على نسبة الخصوبة، التي تعتبر إسرائيل ارتفاعها في قطاع غزة قنبلة نووية في مستقبل صراعها مع الفلسطينيين.
في الواقع التحول في سوريا وإن كان يرمز لهزيمة المحور الإيراني، فهو في حقيقة الأمر مجرد كسب تكتيكي، فتراجع التهديد الإيراني لإسرائيل عبر لبنان وسوريا، لا يعني، أن حدود إسرائيل أضحت آمنة بعد إسقاط نظام بشار الأسد، فإسرائيل نفسها لا ترى في هذا التحول سوى استبدال تهديد شيعي ترعاه إيران، بتهديد آخر سني ترعاه تركيا، ولذلك سارعت إلى شن غارات على المقدرات العسكرية لسوريا واحتلال أجزاء مهمة من أراضيها.في الواقع، وعلى الرغم من إشادة حماس بمحاور الإسناد في بيانها الذي أصدرته عقب الإعلان عن الاتفاق وفي كلمة الناطق الرسمي باسم كتائب عزي الدين القسام أبو عبيدة، إلا أنها لم تكن متضررة من إسقاط بشار الأسد، فرؤيتها الاستراتيجية كانت دائما قريبة من المحور التركي السني، ومتشككة من الدعم الإيراني وتوظيفها للقضية الفلسطينية.
يؤكد ذلك إصدار حماس لبيان عقب إسقاط نظام بشار الأسد تبارك للشعب السوري الشقيق نجاحه في تحقيق تطلعاته نحو الحرية والعدالة، راجية أن تواصل دمشق دورها التاريخي والمحوري في دعم مقاومة الشعب الفلسطيني.
في التقدير يمكن أن نعتد بوجود خسارة تكتيكية لحماس، تتعلق بفشل استراتيجيتها من التحول من استراتيجية الدفاع إلى استراتيجية الهجوم، فـ"طوفان الأقصى" الذي ينبئ عن هذا التحول، لم يتحول إلى منعطف استراتيجي حاسم يغير وجه منطقة الشرق الأوسط برمتها لفائدة القضية الفلسطينية، فلا يزال الوضع على ما هو عليه، إلا ما كان من تحول في سوريا، لم تكن قيادة "طوفان الأقصى" تتصوره أو تتوقعه، وإنما حصل بإيعاز من تركيا التي يمكن اعتبارها المستفيد الأكبر استراتيجيا وسياسيا.
في المستوى السياسي والعسكري، كان الفشل الكلي في جانب الاحتلال الإسرائيلي، لأنه بحسب قياداته ووسائل إعلامه، لم ينجح في تحقيق أهدافه المعلنة، أي تقويض قدرات حماس العسكرية، ولم يستطع أن يفرض واقعا لما بعد حرب غزة، بدون حماس، فوزير الخارجية الأمريكي أنتونيو بلينكن، وهو يعلق على الإعلان عن الاتفاق، صرح بشكل واضح بأنه يستحيل هزم حماس عسكريا، وإنها عوضت كل مقاتليها، وجددت قدراتها العسكرية، وقال إن الأيام الأخيرة التي سبقت الإعلان عن الاتفاق، كانت قاسية على إسرائيل في شمال غزة.
مضمون الاتفاق يؤكد فشل الاحتلال الإسرائيلي في فرض أهدافه، إذ يلزمه الاتفاق بالانسحاب من كل غزة، بما في ذلك محوري نتساريم وفيلادلفيا، ومنطقة الشمال التي كان يخطط لاحتلالها وتهجير أبنائها منها، وتظهر مستحقات المرحلة الأولى -من الاتفاق-التي ستستمر لمدة 42 يوما، أن إسرائيل ملزمة بإطلاق سراح نحو ألفي أسير فلسطيني، و250 من المحكومين بالسجن المؤبد، ونحو ألف من المعتقلين بعد 7 أكتوبر 2023، في انتظار ما يمكن أن يؤول إليه التفاوض في المرحلتين الثانية والثالثة.
خسارة حماس، كانت محدودة في الاتفاق، فقد قبلت فكرة الانسحاب التدريجي بعد أن كانت تشترط الانسحاب الكلي والفوري، ثم قبلت فكرة صفقة من ثلاث مراحل، لا يوجد تفصيل دقيق إلا في الأولى، وقبلت أن يبقى الاحتلال على شريط حدود غزة بحوالي 700 متر، بعد أن كان الاحتلال يخطط لإنشاء منطقة عازلة فيها.
لكن مع ذلك، فالفارق بين وضعها قبل طوفان الأقصى ووضعها بعده، كبير، وعلى الرغم من الشعبية التي حازتها بفضل صمودها البطولي في صد العدوان، فإن تحديات ما بعد وقف الحرب ستكون كبيرة، فاستعادة قوتها الأمنية وجهازها السياسي، وقدرتها على تدبير القطاع ستكون مكلفة، خلافا لما كان عليه الأمر قبل السابع من أكتوبر على الرغم مما تضمنه الاتفاق من التزامات إنسانية مهمة، تتعلق بالمساعدات الإنسانية، أو إعادة تأهيل المستشفيات، وإدخال مستلزمات الدفاع المدني والوقود وإيواء اللاجئين.
نجحت حماس في إثبات صورة المقاومة البطولية الصامدة التي لم ترفع أبدا الراية البيضاء أمام همجية الجيش الإسرائيلي، ومنعت الاحتلال من تحقيق أهدافه في القضاء عليها وتهجير الشعب الفلسطيني، وخسرت القادة، وجزءا من السلاح الديمغرافي، وخرابا كبيرا في غزة يصعب تجاوزه إلا في عقد أو أكثر من الزمنلقد حرصت حماس لحظة البدء في تنفيذ تبادل الأسرى، أن تظهر قوتها العسكرية، وقدراتها الأمنية، وجاهزيتها الإدارية والتدبيرية، في رسالة، تثبت بها أن تغييبها عن المشهد السياسي في غزة، مجرد وهم، لا يمكن أن يتحقق، وأن 15 شهرا من الحرب، بقصد تحقيق هدف "غزة من غير حماس" كانت في الواقع مجرد حلم استفاق الاحتلال الإسرائيلي على حقيقة استحالة تطبيقه بسبب قوة حماس أولا، ثم لعدم وجدود بديل عنها يستطيع إزاحتها أو يحظى بشعبيتها وتلتف الحاضنة الشعبية حوله ثانيا.
في المحصلة، نجحت حماس في إثبات صورة المقاومة البطولية الصامدة التي لم ترفع أبدا الراية البيضاء أمام همجية الجيش الإسرائيلي، ومنعت الاحتلال من تحقيق أهدافه في القضاء عليها وتهجير الشعب الفلسطيني، وخسرت القادة، وجزءا من السلاح الديمغرافي، وخرابا كبيرا في غزة يصعب تجاوزه إلا في عقد أو أكثر من الزمن، وفي المقابل، خسرت إسرائيل سمعتها، وفشلت في أن تنهي التهديد الأمني الذي تشكله حماس، وخسرت رأسمال الثقة الذي كانت واشنطن تؤمل دائما في استثماره لتحقيق هدف الاندماج الإقليمي لإسرائيل، ولذلك، يمكن القول بأن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تدرك، أن أمامها مهام كثيرة، لاستئناف رؤيتها السابقة القائمة على تحقيق هذا الهدف، وأنه إذا كانت البداية، هي إنهاء الحرب في غزة، فإن شرط استعادة فعالية هذه الرؤية، يستلزم التضحية بالقيادة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) ومسح الأضرار التي تسببت فيها، في أمل استعادة المبادرة في منطقة الشرق الأوسط، وعدم ترك فراغ ما بعد تراجع النفوذ الإيراني، ومنع سيناريو استبدال المحور الشيعي، بالمحور السني.
أطروحة الانتصار.. الأبعاد السيميائية والرمزية
لا نحتاج إلى كثير من الحجج لنثبت دور الحرب على غزة في تكريس حقيقة الإفلاس القيمي للمشروع الصهيوني، فقد تكرس واقع عدم أخلاقية الجيش الإسرائيلي، وتورطه في جرائم حرب، وجرائم الإبادة، والتطهير العرقي، وأصدرت الجنائية الدولية حكما تأمر فيه باعتقال القيادة السياسية للاحتلال الإسرائيلي (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) والقيادة العسكرية (وزير الدفاع يوآف غالانت)، وخاض العالم كله مظاهرات منددة بانتهاك الاحتلال الإسرائيلي لكل القيم الإنسانية، وبتجميعه وتعطيشه للشعب الفلسطيني، وسياسته الإبادية ضد المدنيين خاصة من الأطفال والنساء، واستهداف المؤسسات الخدمية الصحية والاستشفائية، واستهدافه لمؤسسات التعليم، ودور العبادة، وضربه للبنيات المدنية، ولمولدات الكهرباء، والبنيات الطاقية، وللمياه، وهو ما يعتبر مؤشرات مطردة على إرادة محو الوجود الفلسطيني بالكامل.
ثمة أربعة أبعاد سيميائية ورمزية لانتصار المقاومة أخلاقيا برزت طيلة الأشهر الخمسة عشر للحرب: يتعلق البعد الأول، بأخلاقية الحرب، والثانية بأخلاق العهد والاتفاق، والثاني، بأخلاقية الأسر، والثالث، بأخلاقية وجمالية الوفاء بالعهود والالتزامات وتنفيذ الاتفاقات.
في البعد الأول، قدمت حماس وقوى المقاومة الفلسطينية درسا أخلاقيا وقيميا يصعب نسيانه، فقد كانت كل العمليات التي خاضتها تستهدف الجيش الإسرائيلي، ولم تضع في بنك أهدافها مواجهة المدنيين الإسرائيليين، بخلاف الاحتلال الإسرائيلي، فقد وجه أطنانا من المتفجرات فوق رؤوس المدنيين، وكان كلما تم ضرب وحداته وبنياته العسكرية، يصب انتقامه على الأطفال والنساء من المدنيين.
في البعد الثاني، باشرت حماس مسارا من المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني، وأعلنت بشكل واضح محدداتها في التفاوض، وبقيت متمسكة بها، وأبدت في لحظات كثيرة مرونة كبيرة، خاصة في مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لكن، ثبت في كل المحطات أن النقض كان يأتي من الجانب الإسرائيلي، إما بإدخال شروط جديدة لم تكن موضوع اتفاق سابق، أو باللعب بالوقت، واللعب بالوسطاء، من أجل تخفيف الضغط الدولي على جرائم الاحتلال، حتى إن الوسيط القطري، أعلن بكل وضوح عن غضبه من السلوك الإسرائيلي، الذي يمارس الابتزاز ليمنع الوسيط من القيام بأدواره.
وقد أثبت المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي هو الذي كان المسؤول الأول عن إفشال كل المحطات السابقة للتفاوض، وأنه كان يستثمر المفاوضات للعب بالوقت لإطالة مدة الحرب، وتلافي المساءلة القانونية.
يتمثل البعد الرابع في أخلاقية الأسر، وكيف عملت حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية على حماية الأسرى والمحتجزين، وتأمين حياتهم، وتوفير الغذاء والدواء لرعايتهم حتى والشعب الفلسطيني في غزة في بعض المناطق لاسيما في الشمال كان يموت جوعا وعطشا، دون أن نغفل عددا من التحذيرات التي كانت تصدرها فصائل المقاومة الفلسطينية للجيش الصهيوني من مخاطر قتله للأسرى والمحتجزين بتهوره وهمجيته.
وقد أظهرت روايات المحتجزين الذين أطلق سراحهم في الصفقة الأولى، ثم في الدفعة الأولى من صفقة وقف الحرب، أن الأمر لم يكن يتوقف على هذه المستويات من الرعاية، بل تعداها إلى التعليم، فصرحت المحتجزات الثلاث اللواتي تم الإفراج عنهن يوم السبت الماضي، أنهم تعلمن اللغة العربية خلال مدة الحجز، وصرحت أم إحدى المحتجزات أنها لم تكن تتوقع أن تخرج المحتجزات بالمستوى الصحي الذي كن عليه بفضل الرعاية الصحية والغذائية التي وفرت لهن طيلة مدة الاحتجاز والأسر.
في الصفقة الأولى هذه الصفقة أيضا، توجهت حكاية المحتجزين المفرج عنهم أيضا إلى المواكبة النفسية التي تلقوها طيلة أيام الاحتجاز، والجو الإنساني الذي كان يؤطر علاقات بعضهم ببعض، وصور التأنيس والطمأنة ورفع الخوف عنهم، ومستوى الإحسان اذي تقلوه ممن يفترض أنهم أعداؤهم.
أما البعد الثالث، والمتعلق بأخلاق الوفاء بالعهود والاتفاقات وجمالية الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، فقد تكرر المشهد يوم السبت الماضي، بعد أن بصمت حماس عن تفوقها الأخلاقي في الصفقة الأولى، واضافت إليها ابعادا جمالية أخرى. فقد أثبتت المقاومة تفوقها الأخلاقي من خلال الالتزام الحرفي بمقتضيات الهدنة الأولى، بما في ذلك زمن التسليم ومكانه، مع أن هذه الاعتبارات، قد تكون لها كلفة أمنية، بحكم أن الاحتلال بإسناد أمريكي كان يوفر كل إمكانات التجسس لمعرفة الجهة التي سيخرج منها المحتجزون، ومن ثمة معرفة مكانهم وتيسير الطرق للاحتلال الذي ضل الطريق طيلة خمسين يوما دون أن يعرف مكان المحتجزين. فقد أثبتت المقاومة، إلى جانب تفوقها الأخلاقي الذي تمثل في الالتزام بمقتضيات الهدنة، بما في ذلك التي تترتب عنها كلفة أمنية، سيطرتها على الموقف عسكريا، وأنها لا تزال تمتلك القدرات لإدارة الموقف والتحكم فيه.
وتكرر في صفقة وقف الحرب الشكل الأخلاقي الراقي الذي تم به تسليم المحتجزين، والذي دفع العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية وحتى الإسرائيلية نفسها إلى التوقف عند المفارقة الأخلاقية بين وحشية الجنود الإسرائيليين في التعامل مع الأسيرات الفلسطينيات (السحل وجر الشعر والإهانة والبذاءة في السب والشتم)، والشكل الأخلاقي الراقي الذي تعاملت به المقاومة عند تسليمها للمحتجزين للصليب الأحمر.
تاريخ تجارب المقاومة، لم يكن يذكر خراب العمران، واستشهاد القادة والزعماء، واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء، وصعوبة العيش في العراء، إلا باعتبار ذلك كله جرائم للاحتلال وبصمة عار في جبينه، وكانت في المقابل تعد ذلك تضحيات جسيمة بين يدي غاية عليا هي الدفاع عن الأرض الوطن، وتعتبر فشل العدو في تحقيق أهدافه انتصارا كبيرا لصاحب الحق في الأرض.لحظة التسليم، والإصرار على التوثيق الإداري المحمل بالمعاني الجمالية، والحرص على الهدية الرمزية، والتأمين الصارم لحياة المحتجزين، كل يندرج ضمن الأبعاد السيميائية والرمزية المثبتة لأطروحة الانتصار.
ومع أن هذه المؤشرات الموضوعية والسيميائية تقدم حججا قوية لتثبيت أطروحة الانتصار، إلا أن مواجهة أطروحات نخب التطبيع، يتطلب حججا أخرى أكثر فاعلية ونسفا. حجج تنتمي إلى التاريخ، تاريخ الشعوب في مقاومة الاحتلال، وتجارب حركات التحرر الوطني، ليس فقط في مواجهة الهمجية العسكرية للاستعمار، وإنما أيضا في مواجهة صراعه الفكري في البلاد المستعمرة، والمفاهيم المضللة التي كان ينتجها في مواجهة المقاومة وحركات التحرر الوطني، فالمعركة التي قد تبدو في فلسطين وغزة على وجه التحديد صراع وجود، تحسم بالقوة، تبدو في الساحات العربية والإسلامية، معركة مفاهيم وصراع قيم تقع على ساحة التاريخ العريضة، تتولاها نخب التطبيع بدلا عن الاحتلال الصهيوني.
تاريخ تجارب المقاومة، لم يكن يذكر خراب العمران، واستشهاد القادة والزعماء، واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء، وصعوبة العيش في العراء، إلا باعتبار ذلك كله جرائم للاحتلال وبصمة عار في جبينه، وكانت في المقابل تعد ذلك تضحيات جسيمة بين يدي غاية عليا هي الدفاع عن الأرض الوطن، وتعتبر فشل العدو في تحقيق أهدافه انتصارا كبيرا لصاحب الحق في الأرض.
كما كانت حركات المقاومة تتبع بشكل دقيق لعبة الصراع الفكري، وترسخ في الذهن وجود معادلة غير متكافئة بين الجلاد والضحية، أو بين الظالم المحتل، وصاحب الحق، وبين المغتصب والمقاوم الذي يمتلك شرعية الدفاع عن أرضه ووطنه. وتتعرض بالنقد والنقض للمفاهيم التي يحاول الاحتلال تكريسها ويتولى الدفاع عنها وكلاء يخدمون أجندته، حتى يسووا بين الضحية والجلاد، ويمنعوا المقاوم من حقه في المقاومة، ويمنعوا حتى المتعاطف معه من الاحتفاء بنصر المقاوم، ويجعلون كلفة المقاومة، ذريعة لتبرير إسقاط الحق في مواجهة العدوان.