الاتحادي والأمة وبناء علاقات على التناقض

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن بناء علاقات حوارية بين القوى السياسية خلال الظرف الحرج الذي يمر به السودان مسألة طيبة ومقبولة، باعتبار أن الحوار يعد واحداً من أهم آلية بناء الثقة بين الكيانات السياسية المختلفة، وإذا كانت هناك خلافات جوهرية بين المتحاورين، من الأفضل أن يقدم كل جانب فكرته بشكل متكامل للحوار، حتى يتبين أين المشتركات وأين يكمن الخلاف، وأيضاً سوف يتبين إذا كان هناك أمل في الوصول لاتفاق مشترك، ولكن دون تقديم أي أجندة محورية للحوار من قبل الطرفين، يصبح اللقاء علاقات عامة، ربما يكون الهدف؛ أن كل جانب يريد أن جس نبض الآخر.

وهنا سيظل الخلاف قائماً، ولا يحدث أي جديد في العلاقات. ويخرج بيان اللقاء يعبر عن عموميات لا تؤثر في مجريات الأحداث.

جاء في الخبر (عقدت في القاهرة يوم 19/ 11/ 2023م مباحثات بين نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل جعفر الميرغني، ونائبة رئيس حزب الأمة القومي مريم الصادق المهدي ناقشت وجهات النظر المتعلقة بالوضع السياسي الراهن وملف الحرب وتداعياتها ودور الحركة السياسية والقوى المدنية في هذه المرحلة)، إن اللقاء بين الحزبين التقليديين مسألة مهمة، خاصةً أن الحزبين التاريخيين يملكان قواعد اجتماعية عريضة في كل مناطق السودان، واللقاءات بينهما تاريخياً كان لها صدى كبيراً، في الساحة السياسية لأنها كانت تحدث تغييراً في مجريات العمل السياسي والأحداث في ذلك الوقت. ويصبح السؤال هل الحزبان مايزالان يتمتعان بذات القدرة ذات الأثر الكبير في المجتمع، أم أن التغييرات الديمغرافية والتطور الذي حدث في وسائل الاتصال الاجتماعي وانتشار رقعة التعليم، والتي جعلت الشباب الأكثر أثراً وتأثيراً في مجريات الأحداث قد غيرت تلك المعادلة؟ خاصةً أن الحزبين يشهدان حالة من التشظي بين مكوناتهما، حيث هناك العديد من المكونات الاتحادية في الساحة السياسية لا رابط بينهما، وأيضاً هناك العديد من المكونات لحزب الأمة في الساحة السياسية و بينهما خلافات جوهرية في التعاطي مع الأحداث وخاصة الحرب الدائرة.

يقول البيان الذي صدر عقب المحادثات (اتفق الطرفان على العمل المشترك لإيقاف الحرب وإنهاء القتال بين أبناء الوطن الواحد. والعمل من أجل تكوين لجنة مشتركة للعمل على إيصال المساعدات الإنسانية والاحتياجات الضرورية للنازحين واللاجئين تداركاً للكارثة الإنسانية التي خلفها النزاع. وجدد الحزبان دعمهما لمنبر جدة الرامي لوقف القتال وجهود الاتحاد الأفريقي والإيقاد ومبادرة دول الجوار وحثا على ضرورة التنسيق بينهم)، إن القضايا التي اتفقا عليها الحزبان تعتبر قضايا عامة لم تسبر غور المشكل، لذلك لن تحدث أي متغيرات في المواقف وفي الساحة السياسية، لأنها لا تحمل أي رؤية جديدة. ربما تكون نقطة “العمل من أجل إيقاف الحرب” هي التي تحمل المضمون الأعمق في ذلك، إلا أنها تعتبر إشارة فقط دون أن تقديم أي فكرة جديدة؛ تطرح تساؤلات مغايرة عن الموجودة الآن في الساحة السياسية. خاصةً أن الاتحادي الديمقراطي الأصل يقف مع الجيش، وهو محكوم بإدارة الصراع التي ينتهجها الجيش، وحزب الأمة يقف في الاتجاه المضاد تماماً لذلك، ولم يقدم الطرفان أي رؤية تحرك الساكن من أجل تضيق المسافة بينهما، كما أن الخلافات الدائرة داخل كل حزب بسبب الحرب الدائرة، لا تساعد الحزبين على طرح قضايا تقود لحوار جاد يتناول كل الخلافات بصورة أعمق.

كان المتوقع بعد الثورة أن تلتقي الأحزاب التقليدية باعتبارها قد مرت بعدد من التجارب التي فشلت أن تؤسس نظاماً ديمقراطياً قابلاً على الاستمرار ومواجهة التحديات، لكن الأحزاب نفسها كانت وماتزال تعاني من إشكاليات تنظيمية وفكرية، فكانت حركة الشباب خارج المنظومات الحزبية أكثر فاعلية و تقدماً من الأحزاب في شعاراتهم ورؤاهم لمستقبل العمل السياسي، بينما كانت الأحزاب تصب جل اهتمامها على السلطة، وظهر ذلك جلياً عندما عجزت جميعها أن تقدم مشاريعها السياسية لمستقبل الدولة، أو رؤيتها لكيفية أن تحدث عملية التحول الديمقراطي. الأمر الذي يؤكد غياب المفكرين داخل هذه الأحزاب، التي تتعامل في السياسة كما يقول مهدي عامل “بجدل السياسة اليومي” أي تغرق في الأحداث التي تتولد يومياً دون رؤى بالخروج من شرنقة الأزمة، فالذي يغرق في جدل الأحداث اليومي لا يملك رؤى للمستقبل.

إن الحزبين الاتحادي الأصل وحزب الأمة لا يملكان أي تصور يمكن أن يؤدي لوقف الحرب، ويساعد على عملية التحول الديمقراطي. لأن عملية وقف الحرب والتحول الديمقراطي لا تتأسسان بالشعارات، ولا بالجدل حول الوصول للسلطة، لأن جدل السلطة يعني مزيد من التشرذم والصراع، لأنه مبني على مصالح ضيقة، إذا كانت حزبية أو فردية، ومصالح الوطن والمواطن تؤسس على الأفكار، لأن الأفكار وحدها هي التي تساعد على التغيير، أي أن تضخ أكبر كمية من الأفكار في الساحة السياسية لكي تقود لحوار وطني، مهمة الحوار أن يضعف مسألة الغلو والشطط ويبني قاعدة للثقة بين الجميع، هو الطريق الوحيد الذي يؤسس لدولة جديدة، هذا العمل يحتاج لتجرد وإرادة، والعمل فيه يجب أن يؤسس على المعرفة وليس المراوغة. فهل يستطيع الحزبان الخروج من دائرة العلاقات العامة، ويقدمان أفكاراً ناضجة لكي تؤسس عملاً سياسياً جديداً يؤدي لطريقة تفكير جديدة تقود لمشتركات؟ هذا هو التحدي ليس أمام الاتحادي والأمة وأيضاً معهما الأحزاب الأخرى بكل مدارسها الفكرية.. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

الوسومالأحزاب التقليدية الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل السودان القوات المسلحة جعفر الصادق الميرغني حزب الأمة القومي زين العابدين صالح عبد الرحمن مريم الصادق المهدي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأحزاب التقليدية الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل السودان القوات المسلحة حزب الأمة القومي فی الساحة السیاسیة

إقرأ أيضاً:

رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!

 

رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!

رشا عوض

إنها قوانين متواترة في الاجتماع السياسي بكل أسف!

الحركات الفاشية تظن أن استعبادها المستدام للشعوب بواسطة القوة العسكرية هو قانون طبيعي لا يناقش ناهيك عن المطالبة بتغييره!

عندما تتزاوج الفاشية الدينية مع الفاشية العسكرية كحال المنظومة الكيزانية يصبح التمسك بنظام الاستعباد أكثر شراسة كما نرى في هذه الحرب!

الذي جعل هذه الحرب القذرة حتمية هو إصرار الكيزان على استدامة استعبادهم للشعب السوداني عبر القوة العسكرية الأمنية ممثلة في الأخطبوط الأمنوعسكري بأذرعه المتعددة: جيش ودفاع شعبي وكتائب ظل وأمن رسمي أمن شعبي واحتياطي مركزي ووووووووووو

ظنوا أن العقبة الوحيدة أمام هيمنتهم العسكرية هي الدعم السريع، غرورهم وحساباتهم الرغائبية التي زادتها الأطماع وتضليل دوائر إقليمية خبيثة، كل ذلك جعلهم يظنون أن ضربة عسكرية خاطفة وقاضية تدمر الدعم السريع في سويعات أو أسبوع أسبوعين ممكنة!

ولكن هل يعقل أن الكيزان لم يضعوا احتمال أن الحرب يمكن أن تطول وتدمر البلاد؟

مؤكد ناقشوا هذا الاحتمال ولكن ذلك لن يجعلهم يترددوا في الحرب! لأن التضحية بالسلطة الاستبدادية المحمية بالقوة العسكرية غير واردة مطلقا، والخيار الافضل حال فشلت الحرب في إعادتهم إلى السلطة والتحكم في السودان كاملا هو تقسيم السودان وتقزيمه أرضا وشعبا إلى المقاس المناسب لقدرتهم على التحكم! وإن لم ينجحوا في ذلك فلا مانع من إغراق البلاد في حرب أهلية طويلة تؤدي إلى تدمير السودان وتفتيته وطي صفحته كدولة (يا سودان بي فهمنا يا ما في سودان) كما قال قائلهم!

الانعتاق من استعباد الكيزان مستحيل دون تجريدهم من قوتهم العسكرية! لن يتنازلوا عن السلطة الاستبدادية إلا إذا فقدوا أدواتها! لن يكفوا عن نهش لحم الشعب السوداني إلا إذا فقدوا أنيابهم ومخالبهم!

وحتما سيفقدونها!

لأن المنظومة الأمنية العسكرية التي راهنوا عليها أصابها ما يشبه المرض المناعي الذي يصيب جسم الإنسان، فيجعل جهاز المناعة يهاجم أعضاء الجسم الحيوية ويدمرها إلى أن يقضي على الجسم نهائيا!

الدعم السريع الذي يقاتل الجيش وكتائب الكيزان كان ذراعا باطشا من أذرع المنظومة الأمنية العسكرية الكيزانية حتى عام ٢٠١٨، وحتى بعد الثورة لم يكف الكيزان عن مغازلته ولم يقطعوا العشم في احتوائه! ولكنه “شب عن الطوق” فأرادوا ترويضه بحرب خاطفة والنتيجة ماثلة أمامنا!

المرض المناعي ليس فقط مهاجمة الدعم السريع للجيش والكتائب! بل المنظومة الأمنية نفسها انقسمت بين الطرفين ومعلومات التنظيم الكيزاني والدولة السودانية بيعت في سوق النخاسة المخابراتية الإقليمية والدولية والنتيجة هي واقع الهوان والهشاشة الماثل الذي لا يبشر بأي نصر عسكري حاسم في المدى المنظور!

المؤلم في كل ذلك هو أن المواطن السوداني البريء هو الذي يدفع الثمن الأكبر في هذه الحرب القذرة قتلا واعتقالا وتعذيبا وسلبا ونهبا وتشريدا وجوعا ومهانة في حرب صراع السلطة لا حرب الكرامة ولا حرب الديمقراطية كما يزعمون.

هذه الحرب هي عملية تفكك مشروع الاستبداد العسكر كيزاني وانشطار نواته المركزية عبر مرض مناعي أصاب منظومته الأمنية والعسكرية نتيجة تراكمات الفساد وغياب الحد الأدنى من الكفاءة السياسية والأخلاقية المطلوبة للحفاظ ليس على الدولة والشعب، فهذا خارج الحسابات منذ أمد بعيد، بل من أجل الحفاظ على النظام الفاسد نفسه!! حتى عصابات تجارة المخدرات تحتاج إلى قدر من الأخلاق والانضباط بين أفرادها للحفاظ على أمن العصابة وفاعليتها!! هذا القدر افتقده نظام الكيزان!!

ومع ذلك يرفعون حاجب الدهشة ويستغربون سقوط نظامهم صبيحة الحادي عشر من أبريل ٢٠١٩ !!

يعاقبون الشعب السوداني بهذه الحرب على ثورته ضدهم!!

يعاقبونه على أنه أكرم جنازة مشروعهم منتهي الصلاحية بالدفن لأن إكرام الميت دفنه!!

تفادي الحرب بمنطق البشر الأسوياء عقليا واخلاقيا لم يكن مستحيلا، وهو الهدف الذي سعت إليه القوى المدنية الديمقراطية بإخلاص ولكن الكيزان اختاروا طريق الحرب مع سبق الاصرار والترصد! وفرضوه على البلاد فرضا!

المصلحة السياسية الراجحة للقوى السياسية المدنية هي استبعاد البندقية كرافعة سياسية لأنها ببساطة لا تمتلك جيوشا ولا بنادق!!

والتضليل الفاجر بأن هذه القوى المدنية متحالفة مع الدعم السريع لاستغلال بندقيته كرافعة سياسية لا ينطلي على عاقل! بندقية الدعم السريع التي تمردت على صانعيها هل يعقل أن تضع نفسها تحت إمرة مدنيين عزل يرفعون راية الجيش المهني القومي الواحد وإنهاء تعدد الجيوش!

الحرب ليست خيارنا وضد مصالحنا! اشتعلت غصبا عنا كمواطنين وكقوى مدنية ديمقراطية سلمية ومسالمة!!

الحرب قهرتنا وأحزنتنا وأفقرتنا وفجعتنا في أعز الناس وأكرمهم، ومنذ يومها الاول لم نتمنى شيئا سوى توقفها وعودة العقل لمشعليها ولكن ذهبت امنياتنا ادراج الرياح!

ليس أمامنا سوى مواصلة مساعي السلام، والتماس العزاء في أن قسوة هذه الحرب وجراحها المؤلمة ونزيف الدم الغزير الذي روى أرض الوطن ربما نتج عنه “فصد السم” الذي حقنه نظام الكيزان في شرايين الوطن على مدى ثلاثة عقود!

إخراج السموم من جسد الأوطان عملية شاقة ومؤلمة!!

تمنينا أن يتعافى جسد الوطن من سموم الاستبداد والفساد والفتن العنصرية بالتدريج وبأدوات نظيفة ورحيمة وعقلانية عبر مشروع انتقال مدني ديمقراطي سلمي يفتح للبلاد طريقا لعهد جديد يضعها في خانة القابلية للتغيير والحياة المستقرة!

الكيزان أشعلوا الحرب ضد تعافي جسد الوطن من سمومهم! أشعلوها لإعادة الوطن إلى حظيرتهم البائسة! يظنون أن عجلة التاريخ يمكن أن تدور إلى الخلف!

ربما تكون نتيجة هذه الحرب على عكس ما أرادوا وخططوا!! فتفصد السم الزعاف بآلام مبرحة ولكن بشفاء كامل!!

أليست المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن!

ألم يسخر كتاب الله من المجرمين والظالمين على مر العصور “يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”.

 

الوسومالدعم السريع ثورة ديمسبر حرب الكيزان

مقالات مشابهة

  • دور الأحزاب في التوعية السياسية .. ندوة بـ الحرية المصري
  • «الحرية المصري» ينظم ندوة عن دور الأحزاب في التوعية السياسية
  • رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
  • وحدة السودان بين تعددية الجيوش والمليشيات وتعددية المراكز الجغرافية السياسية
  • الساحة اللبنانية… ثوابت تحدّد شكل المرحلة المقبلة
  • تحالف الأحزاب يدعو لاصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية في مواجهة التحديات
  • تحالف الأحزاب يدعو لاصطفاف المصريين وتوحيد الجهود خلف القيادة السياسية
  • تحالف الأحزاب يدعو المصريين للاصطفاف خلف القيادة السياسية وتوحيد الجهود الحزبية
  • الأحزاب السياسية الأردنية: تجديد النخب والديمقراطية الداخلية لاستعادة الحيوية
  • رئيس "المستقلين الجدد" يوضح دور الأحزاب السياسية في دعم القضية الفلسطينية