"مصر المعاصرة: التحديات وآفاق المستقبل" ندوة بمكتبة الإسكندرية
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
افتتح الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، ندوة بعنوان "مصر المعاصرة: التحديات وآفاق المستقبل"، تحدث فيها الدكتور أحمد الشربيني؛ مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الإسكندرية، والأستاذ عصام شيحة؛ عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، والدكتور جميل حلمي عبد الواحد؛ مساعد وزيرة التخطيط والمشرف على مبادرة حياة كريمة، والدكتور عبد الخالق إبراهيم؛ مساعد وزير الإسكان للشئون الفنية، والدكتورة سوزي عدلي ناشد؛ أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد والمالية العامة بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، بحضور الدكتور إبراهيم الجمل؛ أمين بيت العائلة المصرية بالإسكندرية ومدير عام وعظ الأزهر الشريف، والأنبا بافلي؛ ممثل البابا تواضروس الثاني بالإسكندرية، وبمشاركة عدد من نواب مجلسي النواب والشيوخ ووفود شبابية وأهلية وبيت العائلة المصرية، والمهتمين بالعمل العام.
قدم الندوة الدكتور سامح فوزي؛ كبير باحثين في مكتبة الإسكندرية، والمشرف علي الندوة، الذي أوضح إنها تأتي في سياق برنامج "مصر الغد" الذي أطلقه الدكتور أحمد زايد عقب توليه إدارة المكتبة، ليكون معني بتناول جوانب التحديث والتطوير الذي تشهده مصر في شتى المجالات، موضحًا أن الندوة تعرض خطوات التنمية التي تبنتها القيادة المصرية، والتي من بينها؛ مشروع حياة كريمة والقضاء على العشوائيات والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والمواطنة.
وأضاف "فوزي" إن هذه المشروعات والبرامج ترتبط بخطة مصر للتنمية المستدامة ٢٠٣٠، التي وضعتها الدولة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، في وقت يواجه المجتمع المصري تحديات داخلية وخارجية، مشيرًا إلى أن تسليط الضوء على هذه المشروعات بمثابة إعلان عن تجديد الدعم لخطوات التنمية التي تشهدها مصر.
وسلط الدكتور أحمد الشربيني؛ الضوء على التحديات التي تواجه الدولة المصرية منذ عشر سنوات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، التحدي الأول الإرهاب الذي بدأ موجاته عقب ثورة ٣٠ يونيو، وتعد هي الأعنف التي تعرضت لها طوال تاريخها، حيث وصل الأمر إلى وقوع ٢٢٢ عملية في ٢٠١٤، و٥٩٤ عملية في عام ٢٠١٥.
وأضاف "الشربيني" إن الدولة بذلت جهودًا كبيرة لمواجهة هذا التحدي، وفي عام ٢٠١٩ وقعت عمليتين إرهابيتين فقط، واليوم انتهى الإرهاب على المستوى المادي ولكن على المستوى الفكري مازال متواجد، أما التحدي الثاني هو التنمية الاقتصادية؛ حيث وضعت الدولة برنامج إصلاح اقتصادي في عام ٢٠١٦ وقد وصل النمو إلى ٥.٨٪ ولكن بعض الأزمات من انتشار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وأخيرًا الأحداث في قطاع غزة أثرت اقتصاديا.
وأوضح "الشربيني" إن التحدي الثالث هو الزيادة السكانية حيث زادت نسبة السكان خلال ١٠ سنوات ٢٠ مليون نسمة، ومعدل المواليد الجدد في مصر يساوي معدله في أربعة دول أوروبية مجتمعة، أما التحدي الرابع هو الاختراقات المجتمعية.
وتطرق إلى التحديات الخارجية؛ وأولها تحدي الأمن المائي المتمثل في السد الأثيوبي الذي تسعى مصر للوصول إلى حل قانوني ملزم به، والتحدي الثاني هو أمن الطاقة الحقول حيث تقع الحقول المصرية على بعد ١٠٠ كيلو في البحر وهو يحتاج إلى قوات حماية وردع، والتحدي الثالث انهيار الدولة الوطنية في الإقليم الذي يؤدي إلى انتشار الإرهاب، وأخيرًا التحدي الرابع التدخلات الخارجية الذي مارسته تركيا وقطر لفترة من الوقت.
واستعرض "الشربيني" جهود القيادة المصرية لمواجهة هذه التحديات منذ ٢٠١٤، بوضع معادلة استراتيجية للأمن القومي المصري من خلال معالجة التحديات السابقة، ووضع رؤية لإعادة بناء الدولة الوطنية من خلال الاعتماد على عدد من المشروعات القومية العملاقة واقتحام المشاكل ومصارحة الشعب بالواقع فهناك قناعة إن الشعب هو الأساس في عملية الإصلاح.
وأشار "الشربيني" إلى التوازن الخارجي الذي حققته القيادة السياسية بين الردع والدبلوماسية، وحماية مصر لأمنها القومي الذي تمثل في رفض خطة تهجير أهل غزة إلى سيناء المصرية، واللجوء الي التحالفات المرنة من خلال إقامة منتدى الغاز لشرق المتوسط، والتحالف مع العراق والأردن، وأخيرًا دعم ومساندة الدول التي تفككت لاستعادة الدولة الوطني.
فيما أدار الدكتور أحمد زايد؛ الجلسة الحوارية، مؤكدًا أن مصر في حاجة إلى تأمل التحديات والانجازات، هذا التأمل جزء من تكوين مسيرة الدول، ويكون بمثابة ضمانة لها لإيجاد حلول سريعة لهذه التحديات، فهي سمة الدول الكبرى، مشيرًا إلى مصر تشهد حراكًا سواء بعقد الانتخابات الرئاسية، وما شهدته الفترة الأخيرة من التحول والاستجابة السريعة للتحديات سواء في الفجوة الدولارية أو الأزمة في قطاع غزة، والذي يكشف وعي القيادة المصرية بهذه التحديات.
وأكد "زايد" إن القيادة السياسية لا تفكر لوحدها ولكنها تعلن في كثير من المواقف على مشاركة الشعب أولًا والخبراء من مختلف المجالات، وهذه الروح التشاركية هي التي تدفع في مسيرة التقدم، مشيدًا بالإنجازات التي قدمتها الدولة المصرية منذ عام ٢٠١٤، والأهم إنه خلال هذه الفترة تم إرساء قيمة العمل في الجمهورية الجديدة، وإنه لا مكان لشخص كسول أو فاسد أو متخاذل.
وأشاد الأستاذ عصام شيحة؛ باختيار موضوع الندوة، حيث أن مصر واجهت تحديات كثيرة بعضها تم التعامل معها بشكلٍ جيد والبعض حصل به اخفاقات، ولكن الجديد في هذا الأمر وجود مصارحة بين الدولة المصرية والشعب وهو أمر لم يكن موجود من قبل.
وشدد "شيحة" إن حقوق الإنسان في مصر شهدت تقدمًا على المستويات التشريعية والتنفيذية والمؤسسية، ولكن من المتعارف عليه إن دعم حقوق الإنسان عملية تراكمية وتحتاج إلى جهود متواصلة، قائلاً: "حدثت نقلة غير مسبوق بصدور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والأهم أنها صدرت بإرادة مصرية خالصة".
وأوضح "شيحة" إن إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذه الاستراتيجية أحدث نقلة نوعية لأنه بمثابة إعلان عن توافر الإرادة السياسية، وأعقبه انطلاق المؤسسات المختلفة للتواصل مع منظومات حقوق الإنسان داخليًا وخارجيًا، إذ أن حقوق الإنسان قبل الاستراتيجية كانت منصبة على الحقوق السياسية فقط، ولكن مصر حرصت على تسليط الضوء على الحقوق الاقتصادية والمدنية وغيرها من الحقوق، وتكلل ذلك بإعلان عام ٢٠٢٠ عام المجتمع المدني.
وأشار "شيحة" إلى أنه عقب وضع الإستراتيجية تعاملت الدولة بشكل ملحوظ مع الشكاوى التي تتلقاها من منظمات المجتمع المدني، كما أصبح متوفر بشكل أساسي مكتب لحقوق الإنسان في أغلب المؤسسات وأقسام الشرطة، وأهتمت الدولة بالحق في حرية الدين والمعتقد، والحق في الحياة، والحق في الصحة والعمل والسكن اللائق، وكذا الحق في التقاضي.
ولفت إلى أن الأزمة الحقيقية في مصر الوعي، لا يوجد دولة في العالم حققت الأهداف الكاملة لحقوق الإنسان ولكن الأكيد أن القيادة المصرية لديها الإرادة لتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال، مؤكدًا على ضرورة التمسك بحق الانتخاب، إذ أن مشاركة المواطنين في الانتخابات هي الضمانة الحقيقية لها.
فيما تحدث الدكتور جميل حلمي عبد الواحد؛ عن رؤية مصر ٢٠٣٠ التي أطلقتها في عام ٢٠١٦، التي تستهدف أن تكون مصر ذات اقتصاد تنافسي ومتنوع يعتمد على الابتكار وقائم على العدالة الاجتماعية، وكان على رأس المشروعات التي تحقق هذا الهدف مشروع حياة كريمة الذي حصل على إشادات دولية.
وأوضح "عبد الواحد" إن "حياة كريمة" أحدث حالة توازن بين التنمية الريفية والحضرية، حيث أن الريف المصري يعيش فيه ٥٨ مليون مواطن، مما يؤهله ليكون مشروع القرن والأهم في تاريخ مصر من حيث المستفيدين منه لإتاحة وضمان جودة الخدمات في كافة المجالات مع مراعاة البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي به.
وأضاف "عبد الواحد" إن المشروع يتضمن تحسين كافة عناصر البنية التحتية، تقديم الغاز الطبيعي لأول مرة في ليغطي ٧٠٪ من المنازل، وإنشاء شبكة طرق داخلية وتطوير المدارس وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث سيتم مد شبكات الصرف الصحي المستدام لتخدم ٩٠٪ من مساكن هذه القرى.
وشدد "عبد الواحد" إن المبادرة مظلة لكافة المشروعات والاستراتيجيات التي تضعها الدولة المصرية، وتحقق استراتيجية حقوق الإنسان والاستراتيجية المصرية لمواجهة التغيرات المناخية واستراتيجية الشمول المالي، كما أن ٣٠٪ من الاستثمارات التي تنفذ في حياة كريمة مشروعات خضراء.
وأشار "عبد الواحد" إلى أن المرحلة الأولى من المبادرة تشمل ١٤٧٧ قرية مصرية، يعيش بها ١٨ مليون مصري نصفهم تحت خط الفقر، بتكلفة بلغت ٣٥٠ مليار جنيه، وقد وصلت نسبة التنفيذ بها إلى ٨٠٪، بإجمالي ٢٣ ألف مشروع، مشددًا على أنه رغم التحديات الاقتصادية كان قرار القيادة السياسية باستمرار المبادرة بمراحلها الثلاث، فهو المشروع الأكثر إنسانية على مستوى العالم وانحياز للتنمية متعددة الأبعاد.
فيما عرض الدكتور عبد الخالق إبراهيم؛ صورًا يكشف التحول الذي شهدته محافظة القاهرة منذ فترة الستينيات وحتى الأن بسبب الكثافة السكانية، فتحولت من باريس الشرق إلى مدينة الموتى بسبب قاطني المقابر، مشددًا على أن الزيادة السكانية في مصر مشكلتها هي كيفية توزيعها على الموارد، والحاجة إلى فرص عمل ووحدات سكنية.
وأوضح "إبراهيم" إنه منذ عام ١٩٧٦ بدأت أنماط إنشاء الوحدات السكنية، وفي ذلك الوقت تم إنشاء ٤٨ وحدة في العام والمطلوب ٢٠٠ ألف وحدة وهو ما تسبب في ظهور العشوائيات، والمشكلة الأهم التعدي على الأراضي الزراعية، حتى أصبحت كل أطراف القاهرة مناطق غير مخططة.
وأشار "إبراهيم" إلى أن مصر وضعت في عام ٢٠١٩ استراتيجية للسكن اللائق، لدعم محدودي الدخل، وانقسم إلى قسمين الأول تقديم دعم كلي لنقل السكان من المناطق الخطرة، وقد تكلف ٨٥ مليار جنيه أنفقته وزارة الإسكان، والقسم الثاني لتقديم الدعم الجزئي المتمثل في الإسكان الاجتماعي وقد تكلف ما يقرب من ٩٠ مليار جنيه، بالإضافة إلى ٢٠٠ مليار لمشروعات أخرى من بينها ممشى أهل مصر وغيرها من المشروعات.
واختتمت الدكتور سوزي ناشد؛ بالحديث عن تعزيز المواطنة قانونًا وممارسة، موضحة أنه لأول مرة يتم التطرق إلى المواطنة في المادة الأولى من دستور ٢٠١٤، للتأكيد على أن كل مواطن يحمل جنسية الدولة يتمتع بكافة الحقوق وعليه كافة الالتزامات.
وأوضحت "ناشد" إن المشرع الدستوري وجد قبل وضع دستور ٢٠١٤ عددا من الفئات المهمشة وأراد أن يشركها في الحياة العامة، وهم؛ المرأة والشباب والأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة والمصريين في الخارج، الذين كانوا بحاجة إلى الدعم لإدماجهم في المجتمع المصري والمشاركة في صنع القرار.
وأشارت "ناشد" إلى أنه نتيجة لهذه المادة وصلت نسبة المرأة إلى ١٦٪ في برلمان ٢٠١٦، بعد أن كانت ٢٪ في برلمان ٢٠١٢، وارتفعت النسبة إلى ٢٨٪ في برلمان ٢٠٢١، كما أصبحت كل الفئات ممثلة في البرلمان، كما أصبح هناك قانون موحد لبناء وترميم الكنائس عقب ١٦٠ عامًا من الجدل، وتأتي زيارة رئيس الجمهورية للكنائس في الأعياد، لفتة طيبة وتدفع في طريق المواطنة.
ولفتت "ناشد" إلى أن ربع عدد المقاعد الوزارية في الحكومة من النساء وهن على قدر كبير من الكفاءة، كما تم لأول مرة تعيين المرأة في الهيئات القضائية بقرار من رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى برامج الحماية الاجتماعية للمرأة المعيلة والغارمات.
وشددت "ناشد" على أن عودة هذه الفئات المهمشة أمر حيوي وهام في بناء الدولة والجمهورية الجديدة وتحقيق التنمية، داعية المصرين وخاصة هذه الفئات إلى الالتزام بالمشاركة في العملية الانتخابية لأنها جزء من المواطنة.
جدير بالذكر إن المكتبة عرضت في بداية الندوة فيلمًا تسجيليًا عن المشروعات التنموية التي تتبناها الدولة المصرية من انتاج ستوديو المكتبة، ونقلت فعاليات الندوة على الهواء في عبر سفارات المعرفة التابعة للمكتبة بجميع الجامعات المصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدكتور أحمد زايد الإسكندرية مصر المعاصرة باحثين مشروع حياة كريمة القیادة المصریة الدولة المصریة لحقوق الإنسان الدکتور أحمد حقوق الإنسان عبد الواحد حیاة کریمة ا التحدی فی عام على أن فی مصر إلى أن
إقرأ أيضاً:
محاكمة المعتقلين السياسيين بتونس اختبار للقضاء وسط اهتمام دولي
تونس- أطلقت عشرات المنظمات الحقوقية حملة دولية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في تونس، والموقوفين منذ عامين في قضية التآمر على أمن الدولة، تزامنا مع انطلاق الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف في 24 فبراير/شباط المنصرم، مما يمنحها زخما دوليا، وفق مراقبين.
وكثف القائمون على الحملة نشاطهم مع اقتراب أول جلسة محاكمة لهؤلاء المعتقلين يوم 4 مارس/آذار الجاري بالمحكمة الابتدائية بتونس، والتي ستجرى بتقنيات الاتصال عن بعد بدلا من أن تكون علنية، مما أثار استياء واسعا لدى المعارضة وشكوكا حول نزاهتها.
وتروج للحملة في الخارج عديد المنظمات الحقوقية على غرار "جمعية ضحايا التعذيب"، و"مواطنون ضد الانقلاب في الخارج"، ومنظمة "الزيتونة"، ومنظمة "نجدة لحقوق الإنسان"، ومنظمة "العدالة من أجل حقوق الإنسان"، ومنظمة "زرانيق للعدالة والتنمية"، وغيرها.
تدويل القضيةحول أهداف الحملة الدولية يقول عادل الماجري، نائب رئيس جمعية ضحايا التعذيب ومنسق الحملة الدولية للإفراج عن المعتقلين السياسيين، للجزيرة نت إن "الحملة تأتي في سبيل تدويل قضية المعتقلين السياسيين والتعريف بمظلمتهم وحجم الاتهامات الباطلة في حقهم".
إعلانويبين أن الحملة تتزامن، خلال الشهر الجاري، مع انعقاد الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة الذي سيناقش في جلساته تقارير تتعلق بواقع حقوق الإنسان بعدد من دول منها تونس. وسيقدم المفوض السامي تقريره السنوي حول حالة حقوق الإنسان بالعالم.
وتشكل المحاكمة اختبارا حقيقيا للقضاء في ظل اهتمام دولي متزايد بملف حقوق الإنسان في البلاد. فبينما تؤكد السلطات أن المحاكمات تسير وفق الإجراءات القانونية، ترى منظمات حقوقية أنها محاكمات ذات طابع سياسي تستهدف استئصال المعارضين.
ويأمل الماجري أن يسلط الرأي العام الدولي ضغطا على السلطات التونسية لإطلاق سراح هؤلاء المعتقلين.
وقبل أيام أفرجت السلطات عن 3 سجناء وهم رئيس هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين ووزير البيئة الأسبق رياض المؤخر والصحفي محمد بوغلال.
وجاء الإفراج عنهم عقب بيان أصدره المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في 18 فبراير/شباط المنصرم، ودعا فيه إلى إطلاق سراحهم. ونظر مراقبون لتلك الخطوة بأنها تشكل بداية انفراج في ملف المعتقلين السياسيين الموقوفين على ذمة قضية التآمر على أمن الدولة.
غير أن آخرين خاب أملهم في حصول أي انفراجة بعد إصدار وزارة الخارجية التونسية بيانا ترد فيه على المفوضية السامية لحقوق الإنسان بلغة حادة وتتهم بيانها بنشر المغالطات وتنفي وجود أي سجناء سياسيين في تونس وإنما "سجناء ارتكبوا جرائم حق عام".
فضح المحاكماتويفيد الماجري بأن الحملة الدولية تسعى إلى لفت أنظار الرأي العام الدولي "إزاء الانتهاكات التي يرتكبها نظام الرئيس سعيد في حق خصومه السياسيين وفضح المحاكمات الجائرة والانتهاكات والمغالطات التي يرتكبها النظام".
واعتبر منسق الحملة الدولية أن القضاء التونسي "بات يعمل وفق تعليمات السلطة التنفيذية وليس وفق معايير العدالة".
ومطلع الشهر الماضي أصدر القضاء التونسي أحكاما ابتدائية مشددة ضد عشرات السياسيين من ضمنهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي فيما يعرف إعلاميا بقضية "أنستالينغو" وهي شركة خاصة تعمل في مجال إنتاج المحتوى الرقمي والاتصالي، وُجهت إليها تهم بالتآمر على أمن الدولة.
إعلانوحول أنشطة هذه الحملة يقول الماجري إن النشاطات المبرمجة تشمل تنظيم معارض في ساحات أوروبية لعرض قضايا المعتقلين السياسيين وإبراز مظلمتهم، مع إبراز رسائلهم من سجونهم وشهادات عائلاتهم ونشر فيديوهات ومواد إعلامية توضح ملابسات اعتقالهم وسجنهم.
قضية عادلةمن جهته، يقول القيادي بحركة النهضة بلقاسم حسن إن الحملة الدولية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين "ليست مجرد حملة مؤقتة وإنما التزام أخلاقي وحقوقي مستمر لمواجهة الممارسات القمعية للسلطة والإفراج عن المساجين وإعادة الاعتبار لمبادئ الحرية والعدالة".
ويضيف للجزيرة نت أن الحملة نجحت في تعبئة العشرات من الجمعيات المدنية التي تعتبر أن قضية المعتقلين السياسيين في تونس هي قضية عادلة، معتبرا أن دورهم كمنظمات حقوقية "مهم للغاية في تعبئة الرأي العام الدولي لرفع المظلمة عنهم والانتصار لقيم العدالة".
ويرجع حسن الزج بعشرات المعارضين والنشطاء خلف القضبان، رغم اختلافاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية، إلى مساعيهم للانخراط في حوار وطني سلمي يهدف إلى توحيد صفوف المعارضة ضد ما يعتبرونه انقلابا للرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.
ونشرت المنظمات المنخرطة في هذه الحملة الدولية رسائل كتبها عدد من المعتقلين السياسيين من داخل سجونهم على غرار الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، والقيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي.
وتحدث المعتقلون السياسيون في رسائلهم عن الأسباب السياسية وراء سجنهم متهمين نظام قيس سعيد بالعمل على استئصال كل معارضيه ومحاصرة الحياة السياسية والمدنية وزرع مناخ من الخوف والرعب في المجتمع لإحكام السيطرة على مفاصل الدولة، وفق تعبيرهم.
وقدروا قرار القضاء بمحاكمتهم عن بعد وبشكل غير علني بأنه دليل على خوف السلطة من فضح مزاعمها وكشف ادعاءاتها الباطلة لدى الرأي العام. كما شددوا في رسائلهم على براءتهم من جميع التهم الموجهة إليهم من السلطة وعلى مضيهم قدما في الدفاع عن الديمقراطية والحرية.
إعلانويقول معارضو سعيد إنه "يستخدم أجهزة الدولة ويوظف القضاء لتلفيق التهم بالتآمر على أمن الدولة لخصومه وإرساء حكم فردي"، بعدما أقر جملة من التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 قام بموجبها بحل البرلمان وإلغاء الدستور السابق وحل مجلس القضاء وصاغ دستورا جديدا وسع بموجبه صلاحياته.
سجناء بارزونوتنتمي الشخصيات السياسية الموقوفة في قضية تكوين مجموعة إرهابية والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي إلى عائلات سياسية وتوجهات فكرية متنوعة، لكن أغلبهم ينتمون لحركة النهضة ومنهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (83 عاما) الذي كان يترأس البرلمان من 2019 إلى 2021.
وفي أبريل/نيسان 2023، تم اعتقال الغنوشي بتهم مختلفة منها التحريض على الأمن والتآمر ضد الدولة، وذلك بعد تصريحات اعتُبرت تهديدا للوحدة الوطنية. كما يواجه قضايا تتعلق بتمويلات مشبوهة وشبكات مرتبطة بالإرهاب وحكم عليه بأحكام متفاوتة في عدد من القضايا.
ومن بين المعتقلين البارزين من حركة النهضة نور الدين البحيري وهو محام في الأصل. تقلد منصب وزير العدل عام 2011 عندما كان حزبه يقود حكومة الترويكا. وكان رئيس كتلة حركة النهضة بمجلس نواب الشعب. وتم إيقافه قبل عامين في قضية التآمر على أمن الدولة.
والقائمة طويلة لقيادات حركة النهضة المعتقلين بتهمة بالتآمر على أمن الدولة كرئيس الحكومة الأسبق علي العريض، ووزير الفلاحة الأسبق محمد بن سالم، والنائب بالمجلس التأسيسي الحبيب اللوز، ومنذر الونيسي رئيس الحركة بالنيابة، والعجمي الوريمي أمين عام الحركة.
وليست قيادات حركة النهضة المعنية فقط بحملة الاعتقالات في قضية التآمر على أمن الدولة إذ استهدفت الاعتقالات في فبراير/شباط 2023 عددا هاما من النشطاء من عائلات سياسية مختلفة من بينهم غازي الشواشي (الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي)، ورضا بالحاج (القيادي بجبهة الخلاص المعارضة)، وجوهر بن مبارك (القيادي بجبهة الخلاص المعارضة)، وخيام التركي (رجل أعمال وسياسي مستقل).
إعلانولا يستبعد مراقبون أن يقاطع المساجين محاكمتهم في 4 مارس/آذار الجاري، مما سيدفع هيئة الدفاع بدورها لمقاطعة المحاكمة إذا أصر القضاء على إجرائها عن بعد وهذا يجعل القضية محطة مفصلية في المواجهة الساخنة بين المعارضة والسلطة، ويزيد من الجدل حول محاكمتهم.