الكيان الصهيوني ومحكمة الجنايات الدولية
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
عبدالنبي العكري
تابع العالم المؤتمر الصحفي الذي عقدة القاضي كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في الجانب المصري من معبر رفح بعد أن منعته السلطات" الاسرائيلية" من العبور إلى الجانب الفلسطيني من المعبر، وابلغته إلى السلطات المصريه
وقد أكد كريم خان أن الهدف من زيارته التفقدية والتي لم تتحقق هو تفقد أوضاع الفلسطينيين في غزة في ظل الحصار وحرب الإبادة الصهيونية والتحقيق في الجرائم التي بموجبها احيلت دولة إسرائيل وأطراف فلسطينية غير نظامية للمحكمة الجنائية الدولية.
أما الحدث الثاني فتمثل في تصريح المدعي كريم خان بتاريخ 17 نوفمبر 2023: "أنه في ضوء حرب "إسرائيل" على غزة وما رافقها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فقد تقدمت خمس دول وهي جنوب أفريقيا وبوليفيا وجبوتي وجزر القمر وبنجلادش وهي أطراف في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية بمذكرات احاطة لدى مكتب نيابة المحكمة للتأكيد على تحقيق مكتبة في الجرائم المرتكبة في أراضي فلسطين المحتلة والتي هي من اختصاص المحكمه".
وشرح بالتفصيل مسار عملية التحقيق من قبل فريق عمل خاص بالقضية بدءا ب 3 مارس2021 من قبل المدعي السابق القاضية فاتو بن سودا، بحيث تشمل جميع الجرائم المرتبطة بنظام روما والمرتكبة منذ 13 يونيو 2014.
هكذا يتبين لنا أن التحقيق في هذه القضية الخطيرة تركت جانبا، في حين احتلت قضايا أخرى مثل أوكرانيا الاولوية ووصل الأمر إلى إصدار مذكرات قبض بحق الرئيس الروسي بوتين ومساعديه.
وهكذا فان هذه الحرب "الاسرائيلية" على غزة والتي لاسابق لها في وحشيتها وما اثارته من تفاعلات عبر العالم، طرحت بقوة ضرورة التحقيق الجدي في جرائم الحرب والتطهير العرقي والإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينين على امتداد عقود واخر حلقاتها الحرب الاخيرة، وضرورة إحالة المسؤليين الإسرائيليين إلى المحكمة كما احيل رئيس صربيا الاسبق ميلوسفيتش مثلا. فما هي تطورات القضية ؟ وما هي احتمالات محاكمة جدية للمسؤليين الإسرائيليين عن هذه الجرائم ؟
في 5 فبراير 2021، وبطلب من مدعي المحكمة الجنائية الدولية حينها القاضية فاتي بن سوده، نظرت المحكمة الاولية من ثلاثة قضاة في مدى اختصاص المحكمة في النظر في الجرائم ذات العلاقة والمرتكبة في دولة فلسطين المحتلة منذ 2014 والتي قامت حينها إسرائيل بحرب أخرى على غزة وكان ضحينها مايقارب 1500 شهيد . أكّدت المحكمة في حكمها ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبارها تابعة لدولة فلسطين عضو المحكمة، وبالتالي فان مايرتكب فيها من جرائم هي من اختصاص المحكمة.
هذا القرار يُفسح المجال أمام مكتب الادعاء للمحكمة للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكِبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لكن المحكمة الجنائية دولية الدولية تعتمد على التسويات السياسية، وما دام الأمر يتعلق بمحاسبة "لإسرائيل" والتي تمتعت منذ قيامها في، 1948 بالحصانة والإفلات من المحاسبة على جرائمها وانتهاكها لجميع القوانين الدولية في فلسطين ومحيطها العربي بما في ذلك نظام روما، وبدعم من الغرب، فإنه يتوجب علينا خفض توقعاتنا بقدرة المحكمة على القيام بتحقيق جدي ومحاكمة صارمة "لإسرائيل" والمسؤؤلين "الإسرائيليين" عن هذه الجرائم ومعاقبتهم، وتحقيق العدالة والإنصاف للشعب الفلسطيني.
لكن مدعي المحكمة القاضية فاتو بن سودا انتهت ولايتها في يونيو 2021 ولذى لم يتسنى لها مباشرة التحقيق.
وقد خلفها في منصبها القاضي البريطاني كريم خان والذي تمتد ولايته لعشر سنوات.
من ناحية أخرى فعندما أرسلت بن سودا اشعارا إلى حكومة "إسرائيل" في 8 أبريل 2021 بقرار المحكمة فقد رفض الكيان الصهيوني قرار المحكمة بقوه، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو رسميا "ان حكومته لن تتعاون مع تحقيق تجرية المحكمة الجنائية الدولية بشان جرائم قد تكون ارتكبت في الأراضي الفلسطينة المحتلة وانها ليست طرفا في المحكمه".
ووصف المحكمة بما فيها النيابة "بمعاداة السامية" وهو شي غريب بالنسبة لمحكمة دولية، أما وزير الخارجية الأميركية حينها مايك بومبيو فقد أدان قرار المحكمة وأعلن إلغاء جميع تاشيرات أعضاء نيابة المحكمة بمن فيهم القاضية بن سودا ومنعهم من دخول الولايات المتحدة الأمريكية.
وكما تعاملت "إسرائيل" مع جميع لجان التحقيق والمقررين الخاصين للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى المكلفة بالتحقيق في الجرائم والانتهاكات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد رفضت إسرائيل التعامل مع نيابة المحكمة ومنعتها من زيارة الكيان وفلسطين المحتلة، ورفضت الرد على جميع مراسلاتها، أما الولايات المتحدة، فبالاضاف إلى إجرائها المذكور فقد مارست ضغوظا على حلفائها الأعضاء في المحكمة لاعاقة التحقيق وعدم المضي قدما في اجرءات المحكمة لمحاكمة المسؤؤلين الإسرائيليين، علما بأن كلا من إسرائيل والولايات المتحدة لم تنضما للمحكمة. وبالنسبة للحكومة الفلسطينية فقد رحبت بقرار المحكمة وأبدت استعدادها للتعاون مع تحقيقات النيابة لكنها لاتملك أي سلطة لدخول مندوبيها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة .
جرائم اسرائيلية من اختصاص المحكمة
تختص محكمة الجنايات الدولية باربعة أنواع من الجرائم وهي 1- جريمة الابادة الجماعية 2- حرائم الحرب 3- جرائم ضد الانسانية 4 -جريمة العدوان، وقد وجدت نيابة المحكمة ان هناك من الدلائل مايكفي للشروع في التحقيق في مدى ارتكاب المسؤؤلين "الإسرائيليين" لهذه الجرائم وتقديمهم للمحاكمة اذا ماثبت ذلك .
من أهم التقارير التي توثق للجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بأنواعها الأربعة تقرير بعثة الأمم المتحدة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون والتي تشكلت بقرارمن مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في 12 يناير 2009 وذلك اثر الحرب "الاسرائيلية" على قطاع غزة خلال ديسمبر 2008-يناير2009 والتي ذهب ضحيتها مايقارب 1500 مدني، وذلك للتحقيق في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية خلال هذه الحرب.
وقد رفضت "إسرائيل" الاعتراف بها والتعاون معها. ورغم ذلك استطاعت البعثة أن تدخل قطاع غزة عبر معبر رفح وتقوم بتحقيقات متشعبة في قطاع غزه.
وقد نشرت البعثة تقريرها في سبتمبر 2009 وأكدت فيه ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب ترقى لجرائم ضد الإنسانية، كما شكل مجلس حقوق الانسان فريق عمل للتحقيق في حرب إسرائيل على قطاع غزة في 2012 وتوصل إلى ذات النتائج.
ومنذ العام 2009 وبموجب قرار من مجلس حقوق الانسان، فقد انشات مفوضية حقوق الانسان في الأراضي الفلسطينة المحتلة لرصد الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني ومقرها رام الله، كما أن مجلس حقوق الانسان عين المقرر الخاص لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى ذلك فهناك المثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمنسق الخاص لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هؤلاء وغيرهم من الهيئات والشخصيات الأممية والمنظمات الحقوقية الفلسطينية والعربية والدولية، قدمت مايكفي من التقارير الموثقة حول ارتكاب إسرائيل المنهجي لجرائم ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بانواعها الأربعة.
1-جريمة الابادة الجماعية والتطهير العرقي
لقد توصلت كبرى المنظمات الفلسطينية ومن بعدها الدولية إلى ان إسرائيل تركب جريمة الابادة الجماعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويتمثل بالحصار الاقتصادي الخانق على قطاع غزة منذ 2006 واضحى حصارا شاملا منذ 7اكتوبر 2023، كما أن استهداف مساكن وتجمعات وأماكن لجؤ المدنيين في غزة أكثر منطقة مزدحمة بالسكان في العالم بالتدمير، إضافة إلى العمليات العسكرية والامنية في الضفة والقدس المحتلة، أدى إلى مقتل الآلاف في الحروب السابقة وعشرات الالاف في هذه الحرب، مما أدى إلى شطب عائلات بأكملها مما يعني حرب إبادة، وأضحت غزة أكبر مقبرة مفتوحة في العالم، كما أن مسؤلين إسرائيليين كبار أكدو على دونية الشعب الفلسطيني عن البشر وحبذ وزير الترلث استخدام القنبلة النووية للخلاص من سكان غزة وغيره من تنظيرات صهيونية لابادة الشعب الفلسطيني واجباره على التهجير لخارج فلسطين في تطهير عرقي واضح .
2- جرائم جرب
تنظم اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 وملحقاتها لعام 1978 قواعد التعامل مع الجرحى والأسرى والمدنيين والمنشئات المدنية في زمن الحرب لكن "إسرائيل" عمدت بشكل منهجي إلى انتهاك هذه الاتفاقيات وملحقاتها كما هوواضح في الحرب الحالية، فعمدت قواتها إلى التمثيل بجثث الشهداء ومصادرتها وحالت دون دفنهم بشكل لائق. إن "إسرائيل" تعتبر الفلسطيني أما إرهابيا او متعاطف مع الإرهاب أو حاضن للإرهاب، وبذلك يستحق التصفية.
عمدت القوات "الاسرائيلية" إلى استهداف المنشئات المدنية والسكان المدنيين باستخدام افتك الاسلحة بما فيها المدمرة والحارقة والسامة مما ترتب علية جسامة التدمير وارتفاع مخيف في عدد المصابين م المدنيين كما يتبين لنا من الحرب الحالية في غزة وجزئيا في لبنان وعمليات عسكرية وأمنية في الضفة والقدس فهذه جرائم حرب واضحة.
3- جرائم ضد الإنسانية
القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد التي ترمي إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية. ويحمي هذا القانون الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة أو بشكل فعال في الأعمال العدائية أو الذين كفوا عن المشاركة فيها مباشرة أو بشكل فعال، كما أنه يفرض قيودًا على وسائل الحرب وأساليبها. ويُعرَف القانون الدولي الإنساني أيضًا "بقانون الحرب" أو "قانون النزاعات المسلحة".
عمدت "إسرائيل" في حربها الجارية في غزة إلى فرض حصار شامل على قطاع غزة وقطعت عنة كل أسباب الحياة في عقاب جماعي اودي إلى جانب الحرب بموت عشرات الالاف.
بالنسبة لإسرائيل فان الفلسطينين أما إرهابيين اومتعاطف مع الإرهاب او محتضن للإرهابيين، وهكذا فانها في عملياتها العسكرية لاتقتصر على المحاربين بل تستهدف المدنيين غير المشاركين في المقاومة المسلحة.
ففي الضفة الغربية حيث هناك عشرات من المسلحين فانها تستهذف مليوني مواطن، وفي غزة حيث بضعة آلاف منتمين للمقاومة الفلسطينية فإنها تستهدف 2.3 مليون فلسطيني. كذلك استهداف المساكن والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمرافق العامة ومنشئات الاونروا (رغم تمتعها بالحصانة ).
وتسوق إسرائيل وحلفائها ادعائات كاذبة مثل وجود انفاق لحماس تحت هذه المنشئات أو وجود مراكز سيطرة لحماس فيها أو اختلاط مقاتلي حماس بالمدنيين . وبالطبع فان القانون الدولي يحرم استهداف الأماكن المدنية حتى لو تموضع بها عسكريون واستهداف المدنيين حتى لو خالطهم عسكريون.
4-الحروب العدوانية
بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، فان شن الحرب العدوانية محرم ويحصر شرعية الحرب يالدفاع عن الوطن والشعب في مواجهة العدوان، وتجادل إسرائيل وحلفائها إنها في حربها الحالية كما في حروبها السابقة ضد الفلسطينيين والعرب كانت في حالة الدفاع عن النفس في تبرير لما ترتكبة من جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
في الحقيقة فإن جميع حروب اسرائيل واعتدءاتهاعلى الفلسطينين والعرب منذ تاسيسها في 48 (النكبة الفلسطينية ) هي حروب عدوانية وليست دفاعية.
ففي حرب 47-1948 والذي تطلق علية "حرب الاستقلال"، فأن التنظيمات الصهيونية شنت الحرب ضد الشعب والوطن الفلسطيني، وواصلت الحرب بعد قرار التقسيم الذي خصص لليهود 53% من أرض فلسطين و47% لعرب فلسطين لتنتزع غالبيتها ويتبقى 22% فقط وهي الضفة والقطاع والقدس الشرقية غير المتصلة جغرافيا وشردت نصف شعب فلسطين حينها (750 ألف) وتحويلهم إلى لاجئين، وارتكبت خلالها مجازر مريعة ومثالها مجزة دير ياسين.
وتبع ذلك سلسلة من الحروب العدوانية "الاسرائيلية" منها حرب السويس (العدوان الثلاثي) على مصر بمشاركة بريطانيا وفرنسا، وحرب حزيران 1967 حيث الحقت الهزيمة بالدول العربية الثلاث، مصر والأردن وسوريا، بدعم أميركي وغربي عسكري وسياسي ودبلوماسي واحتلت ماتبقى من فلسطين (الضفة والقطاع والقدس الشرقية ) وسيناء المصرية والجولان السوري.
وجاءت حرب أكتوبر1973 من قبل مصر وسوريا لاسترجاع أراضيهما المحتلة من قبل "إسرائيل" الغير شرعي، وبالرغم من قرارات مجلس الامن رقم 242، و383 بالنص على انسحاب إسرائيل لخطوط 4 يونيو 1967 فانها لم تنفذ ذلك.
وهنا أيضا فإن إسرائيل لم تكن في حالة دفاع عن "دولة إسرائيل" كما حددتها الأمم المتحدة بقرار التقسيم في 1947.
وبعد اتفاقيات التطبيع مابين "إسرائيل" وكلا من مصر والأردن ومنظمة التحرير بشروط مخالفة للقانون الدولي ولصالح "إسرائيل"، فقد أضحت مطلقة اليد في شنها حرب تطهير عرقي على الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، للاستيلاء على أراضية وممتلكاته ومواردة لصالح المستوطنين اليهود باقامة المستوطنات والاستيلاء على الاحياء الفلسطينية في المدن، وإجبار الشعب الفلسطيني إما للنزوح أو الخضوغ .
إن الحرب الحالية على غزة والعمليات العسكرية والامنية في الضفة والقدس هي امتداد لسلسلة من الحروب المستمرة من قبل إسرائيل المحتلة ضد الشعب فلسطين الذي يقاوم الاحتلال ومن اجل تحرير وطنه وهي مقاومة مشروعة حسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحده.
وكما عبرت عن ذلك مقررة الأمم المتحدة لحقوق الانسان في فلسطين المحتلة، فرانسسكا البانيز، "بانه لايمكن اطلاق تعبير حرب "إسرائيل" على غزة بانها تندرج في إطار حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، لأنها حرب من قبل دولة محتلة ضد شعب يقاوم الاحتلال وأن إسرائيل غير مهددة من قبل دولة أخرى، فهي المعتدية على شعب تحتل أرضه".
الخلاصة
من خلال استعراضنا لتاريخ الحروب والاعتداءت الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والبلدان العربية المحيطة بفلسطين، طوال 75 عاما في انتهاك فاضح للقانون الدولي بما في ذلك نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، وتمتعها بالحصانة وافلاتها من المحاسبة والعقاب، بمشاركة ودعم من الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فهل ستتم محاسبة "إسرائيل" أمام المحكمة الجنائية الدولية، في ضوء التفاعلات الدولية لحرب الإفناء "الاسرائيلية "على غزة والتي لاسابق لها في تاريخ الحروب المعاصرة؟
الحقيقة أنه في ظل مجريات هذه الحرب، والدعم الغربي المطلق "لإسرائيل"، وتبني مواقفها بالكامل بما في ذلك رفض وقف لاطلاق النار ولو لأسباب إنسانية، والاستمرار في الحرب الدموية والمدمرة ضد شعب فلسطين، وإعاقة دور ومهام الأمم المتحدة بما فيها مجلس الأمن ووكلات الأمم المتحدة للاغاثة والمنظمات الدولية الأخرى واستهدافها، يؤكد أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة سيحول دون محاسبة "اسرئيل" ومسؤؤليها أمام المحكمة الجنائية الدولية،علما بأن "إسرائيل" ترفض بشكل قاطع التعاون مع المحكمة بما فيها النيابة، مما سيعيق مهامها.
لكن ذلك وغيره من العقبات التي نعرفها، يجب أن لايحبط جهود كل من يؤمن بالعدالة لشعب فلسطين والإنسانية ككل، من أن يعمل لكي تنهض المحكمة الجنائية الدولية بواجبها ومسؤؤلياتها دون تأخير أو مماطلة للتحقيق الجدي في جرائم "إسرائيل" وجلب "المسؤولين "الاسرائيلين" عن تلك الجرائم، للمثول أمام المحكمة، وإلا فقدت المحكمة مصداقيتها ونزاهتها واستقلاليتها، وأنها الملاذ الأخير للعدالة لضحايا منتهكي القانون والعدالة الدولية.
*استخدمنا هنا تعبير "إسرائيل "ليس اعترافا او اقرارا بشرعيتها وانما اشارة لما هو سائد في الخطاب الإعلامي، مع التأكيد انة كيان غاصب لفلسطين من النهر إلى البحر.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تصفية القضية الفلسطينية الهدف الاستراتيجي لبلطجة الكيان
يمانيون ـ تقرير | وديع العبسي
بخطة استعمارية تشرف عليها أمريكا لخلق واقع جديد، تحرك الكيان الصهيوني في سوريا على وقع تقهقر الصوت العربي والغيرة العربية. انقلب الوضع في سوريا رأسا على عقب فجأة، ووجد الكيان الصهيوني أن ما اشتغل عليه بمشاركة أمريكية خلال السنوات الماضية بدأ يهيئ الفرصة المواتية للشروع في مخطط القفز إلى الأمام وتجاوز مطالب العرب والمسلمين بشأن القضية الفلسطينية، بحيث تصير القضية جزءاً من ثقافة ماضوية ولا يعود لها ذاك الوقع في قلوب العرب والمسلمين، لذلك لم يجد حرجا من الدخول بطائراته الحربية إلى الأراضي السورية تحت جنح الظلام وفي العلن، وشن مئات الغارات وتفجير آلاف القنابل، فالوضع العربي يبدو قد فضّل الانكفاء كلٍ على جغرافيته، وقد ترك -من قبلُ- فلسطين ولبنان فكيف سيكون له موقف في سوريا.
في ظل تخاذل تام
دُبر المخطط بليل وكان لابد من تجاوز الحائط السوري قلعة المقاومة التي كان لحضورها وقع الرادع عن استسهال أي تحرك لتجاوز خطوط التماس غير المعترف بها أصلا، وذلك بتدمير القلعة وسلبها قوتها، وحتى قدرتها مستقبلا على النهوض، ليصير الواقع ألى مناطق تتنازعها فصائل خارجية الولاء، بفكر خالٍ من هوية قومية عروبية، ويتشكل وفق موجهات أمريكية تركية ويتواطأ مع رغبات صهيونية، وقد ظهرت علامات هذا المنحى بغزو الكيان للأراضي السورية غداة سقوط النظام في دمشق، وأشار إلى ذلك قائد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي -الأربعاء- بتأكيده بأنه لا ينبغي الشك في أن ما جرى في سوريا هو نتيجة مخطط مشترك بين أمريكا والكيان الصهيوني.
وكشف السيد الخامنئي عن إسهام عربي مباشر نفذته إحدى دول الضعف والهوان المجاورة بقوله ان “إحدى الدول المجاورة لسوريا لعبت دوراً واضحا في هذا المجال، ولا تزال تلعبه –وهذا أمر يراه الجميع– ولكن المتآمر الرئيسي والمخطط الأساسي وغرفة العمليات الرئيسية هي في أمريكا والكيان الصهيوني. لدينا دلائل على ذلك، وهذه الدلائل لا تترك مجالاً للشك لدى الإنسان.”، حسب السيد الخامنئي.
والخميس أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي أن هذه الجرائم تحدث في ظل حالة التخاذل التام من معظم المسلمين والعرب. وأكد السيد القائد أن الحقائق تشهد أن الأمريكي والإسرائيلي هم أعداء للأمة بكلها مهما كان اتجاهها السياسي ومذاهبها ومهما كانت مواقفها. وقال السيد القائد إن العدو الإسرائيلي يسعى إلى نهب الثروات ومصادرتها في معادلة الاستباحة ضمن إعلانه عن “الشرق الأوسط الجديد”.
اللعبة القذرة
على ذات السياق وصف البرلماني المصري مصطفى بكري ما حدث بـ”اللعبة القذرة”، كاشفا عن اتفاقية أُبرمت بين الكيان الصهيوني والتكفيريين، والتي بموجبها تمكنوا من الدخول إلى سوريا. وقال بكري: “بوادر الاتفاق بين الإرهابيين والصهاينة، والشروط التي وافق الإرهابيون عليها للوصول إلى السلطة كان من أبرزها السماح لجيش الاحتلال الإسرائيلي بتدمير الأسلحة الاستراتيجية السورية وضرب المطارات”.
وتابع بكري: “يليها الترحيب بتعديل اتفاقية ١٩٧٤ بين العدو وسوريا، واحتلال المنطقة العازلة بين الطرفين ثم قطع الطريق الذي يربط بين طهران ولبنان، ومنع وصول أية أسلحه أو أموال إلي حزب الله، وتوقيع اتفاقية سلام بين سوريا و”إسرائيل” وإقامة سفارة “إسرائيلية” في دمشق”. وأضاف بكري: “إسرائيل” تعربد في كل مكان، والحكام الإرهابيون مشغولون بالانتقام وتوزيع الغنائم”.
تحذير السيد القائد
الموقف العربي المتخاذل -ملامحه ومستواه- شخّصه قائد الثورة في كلمة الخميس الماضي بدقة، راسما صورة للمآل الذي يصير عليه المرء حين يوالي أعداء الله من ضعف وخنوع، وقال السيد: من المؤسف جداً ومن المحزن للغاية أن الأمريكي والإسرائيلي يتجه في تنفيذ عنوان “الشرق الأوسط الجديد” أو تغيير ملامح الشرق الأوسط إلى تفعيل أنظمة وجماعات وتيارات إسلامية وعربية.
السيد القائد في الكلمة التاريخية خاطب وحذر الأمة الإسلامية من فداحة المؤامرة التي تحيط بها، وقال: “الإسرائيلي هو العدو لكم جميعا يا أيها العرب، يا أيها المسلمون، وهو لا يتردد عن استهدافكم وفرض معادلة الاستباحة لكل شيء. العدو يسعى لاستنزاف قدرات الأمة من خلال الاقتتال الداخلي لتصل إلى مستوى الانهيار التام وتصبح أمة مفرقة ومتناحرة وضعيفة، العدو الإسرائيلي يسعى لمسخ الهوية الدينية للأمة لتبتعد عن القرآن الكريم، ويعمل على تحريك كل العناوين لصالحه حتى العنوان الديني”.
وأضاف السيد القائد مخاطبا الأمة العربية الإسلامية: “وجهوا سلاحكم نحو العدو الإسرائيلي، ووجهوا نحوه التحريض والتعبئة وإعلان الموقف الصريح منه، كونوا واضحين في عداوتكم للكيان الإسرائيلي وكونوا جادين وصادقين في عداوتكم له”.
إذا تجبّر الكيان فلتحذر الأنظمة
وزاد الصمت المطبق عربيا وإسلاميا ودوليا تجاه العدوان الجديد على سوريا من التطاول الصهيوني ليظهر بعض قادته في فيديوهات قصيرة وهم في نشوة، متوعدين بفرض الواقع الذي يريدونه لشعوب المنطقة، وهو ما تعاملت معه الأمم المتحدة بمجرد تحذير من هذا العمل دون إظهار أي مؤشرات لتحركات عملية تحاسب الكيان على التجاوز.
الحالة التي صار عليها الكيان من الاستعلاء والتجبُّر على العالم والمنطقة، ليس لقدرته على الاستمرار في ارتكاب الجرائم في غزة والخروقات في جنوب لبنان وتدمير سيادة سوريا على أراضيها، وإنما للثقة التي صار عليها في القيام بكل ذلك، دون أن يكون هناك صوت ذو تأثير يمكن أن يولد لديه حالة ردع أو حتى إرباك، لا من المجتمع الدولي، ولا من الدول “الشقيقة”.
كما كشف التمادي الصهيوني في العربدة -بلا أي اعتراض- عن استفحال سيطرة شعور العرب بالضعف، وهي حالة نجحت الإجراءات الأمريكية الراعية والحامية للصهيونية في زرعها وترسيخها لدى الأنظمة العربية، فيما الشعوب هزمتها سلبية هذه الأنظمة واستسلامها، فصارت تنظر إلى أن التطبيع مع الحال القائم هو أفضل طريقة للهروب من تأنيب الضمير والشعور بالمسؤولية. إذ يُظهر التقهقر العربي ما صارت إليه مكانة القضية الفلسطينية التي ظلوا يزايدون بكونها ستظل القضية الأولى في اهتمامات شعوب الأمة، وعندما صاروا في المحك ها هم يتابعون منذ أيام ما يقوم به العدو الصهيوني من شن للغارات على سوريا، ونهش لأراضيها.
تؤكد التحليلات على أن الأنظمة العربية تحاول التكيف الآني مع ما هو حاصل مع قناعة تامة بأن الجميع سيأتي عليه الدور، ويرى الخبراء بأن الركون إلى هذه القناعة مع تفضيل التزام الصمت أو اللعب بالكلمات الدبلوماسية يؤكد الاضطراب النفسي الذي تعيشه هذه الأنظمة.
عاصفة الشعوب على المتخاذلين
في الوقت الذي بدأ فيه الكيان بقصف المناطق الاستراتيجية السورية، فإنه حافظ على وتيرة الاستهداف للفلسطينيين وارتكاب المجازر التي كانت حتى وقت قريب تلقى شيئاً من الرفض والمعارضة الدولية، ليكشف ذلك بأن الكيان بعملياته ضد سوريا يحاول صرف أنظار العالم عن مشهد الإبادة المستمرة في غزة، ليبدأ بخطوات عملية في إعادة الحضور المباشر في الضفة الغربية باستمرار الاعتقالات، ومؤخرا بالمصادقة على بناء مستوطنات جديدة في الضفة والقدس.
يلتهب “الشرق الأوسط”، والكيان هو اللاعب البارز في كل ما يجري، ناهيك عن أن ما حدث في سوريا يصب في مصلحة العدو لجهة تنفيذ مخطط التجزيء، فإن استعادة هيبة الردع التي نسفتها المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة تتجسد من خلال هذه التحركات العدوانية المريحة، للتخلص من قدرات عسكرية كان يمكن أن تمثل عامل دعم قوي وفاعل ومؤثر في معركة تحرير المنطقة من هذه الغدة السرطانية.
وعندما يحل الخراب على دولة وترى الآخرين يتحسسون رؤوسهم فإن هذا يشير إلى خلل غير طبيعي، ما يشير بدوره إلى أن العالم العربي والإسلامي ربما يكون قادماً على تحولات جديدة ليس فقط في سياق المخطط الصهيوني الأمريكي، وإنما في واقع الشعوب التي ربما في لحظة اليأس ستتجه إلى القصور الرئاسية لإسقاط هذه الأنظمة، وتنطلق الشعوب في ذلك من إدراك حقيقة إنه رغم هذه الخدمات الجليلة التي تقدمها الأنظمة للمشروع الاستعماري الجديد،
إلا أن لا انعكاساً يمكن أن تجنيه الشعوب، اذ لا تزال تعيش في دوامة الهموم المعيشية والبيروقراطية المقيتة، ومصادرة الثروة، فضلا عن حالة الامتهان التي ترى بأنها قد أطبقت عليها بسبب تمادى القوى الاستعمارية في استهداف دول المنطقة مع تواطؤ من قبل الأنظمة.
مثيرات هذا الواقع المزري
حتى الآن لم يخرج نظام عربي بأي شكل من الأشكال بخطاب توضيحي إلى شعبه يشرح فيه حقيقة ما يجري، أو يبرر حالة التخاذل تجاه هذا الذي يجرى وينال من كرامة شعوب المنطقة واستقرارها، فالقضية الفلسطينية ليست فعلا طارئا، ومعاداة الكيان الصهيوني ليس موقفاً جديدا، ورفض لغة الإرهاب والتطرف واللجوء إلى العنف ليس حادث يوم وليلة، وإنما هو حاصل معاناة مريرة تعيشها المنطقة منذ أعلن الأمريكان حملتهم لـ”محاربة الإرهاب” في العام 2001.
مثيرات هذا الواقع المزري لا تزال قائمة بل وبعنف أكبر، بينما تغيرت المواقف تجاهه، فلا حديث عن القضية الفلسطينية، وإن حدث فإنه يأتي في حدود ما تعيشه الأراضي المحتلة في اللحظة من عدوان جديد، وكأن هذا العدوان إنما هو فعل طارئ، وأن الوضع قبله كان مستقرا، ولا تعاطٍ مع العدو الصهيوني بوصفه كائناً اغتصب الأراضي واستباح الدماء وانتهك كل المحرمات، حتى ليصير الأمر عادة ومشهداً طبيعياً لا يستحق أي تحرك، كما لا انتباه حتى لجماعات كان الجميع ينظر إليها ويتحدث عنها أنها جماعات “إرهابية” من “داعش” وأخواتها، فحين تحرك -الثلاثاء- رتل للمسلحين يحمل رايات “داعش” الارهابية غازيا مدينة اللاذقية السورية، لم يستوقف المشهد أي نظام ليطلب تفسيرا لما يحدث، وهُم من كانت أمريكا تقول إنها تلاحقهم على الأراضي السورية وادّعت تكوينها لـ”تحالف مكافحة الإرهاب” لأجل القضاء عليهم، بينما لا وجود لهذا التحالف إلا على الورق وهي كل التحالف من يقتل ويحتل الأراضي ويحاول توجيه الأحداث في المنطقة تحت هذا المبرر لما يخدم سياستها ومخططها الخاص بتمكين العدو الصهيوني.
مجلس الأمن
في الأثناء، لم يحرك مجلس الأمن ساكناً تجاه الانتصار للمبادئ التي أنشئ لأجلها، وهي مسألة لم تعد بالخافية وهي ليست بالجديدة، فالمجلس -الخاضع لسيطرة أمريكا- ليس في سجله أي تحرك عملي لصالح المنطقة العربية، وفي عدوان “إسرائيل” على غزة والذي يأتي منطَلَقا لتغيير وجه المنطقة وإنهاء القضية الفلسطينية، لم يغادر هذا المجلس ازدواجية المعايير في التقييم وإصدار الأحكام على الأحداث بنفس الدرجة التي هي عليها في الواقع، إذ مات الضمير ولم يفعل شيئا لآلاف النساء والأطفال الذين أعدمهم السلاح الأمريكي والإسرائيلي، ولم يحرك إنسانيتهم إنهاء كل مظاهر الحياة في قطاع غزة، أو محاصرة عشرات الآلاف من الفلسطينيين في شمال القطاع بلا مأكل أو مشرب أو دواء أو ملابس تقيهم برد الشتاء أو منازل يأوون إليها.
موقف مجلس الأمن يبدو نتيجة طبيعية وامتداداً لحالة التخاذل العربي، فلا ضغط يمارس على المجلس ولا رد فعل يجبر المجتمع الدولي للعمل على إيقاف البلطجة الصهيونية عند حدها، وحصْر الأمريكان في زاوية الاتهام الصريح بتسببهم بكل ما تعيشه المنطقة من ويلات من خلال تبنيهم لأهداف الكيان الصهيوني ودعمهم المادي والمعنوي له لبلوغ هذه الأهداف.