لا شكّ أن إيران هي المستفيد الأوّل من حرب غزّة. سمحت تلك الحرب لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" بأن تكون في موضع المفاوض مع الولايات المتحدة، خصوصا بسبب قدرتها على توسيع الحرب عبر أدواتها المختلفة من جهة ورغبة الإدارة الأميركيّة في الحؤول دون أي توسيع الحرب من جهة أخرى.
تبيّن أن الأوراق التي تمتلكها إيران، من العراق إلى اليمن مرورا بسوريا ولبنان، تسمح لها بالدخول في مساومات مع “الشيطان الأكبر” الأمريكي.
هناك جانب آخر كشفته حرب غزّة. يتعلّق هذا الجانب بتعويم فلاديمير بوتين. لافت أنه في الأيام القليلة الماضية، خرج غير تحليل وتحقيق في صحف عالمية محترمة بينها “وول ستريت جورنال”، و“لوموند” عن حرب أوكرانيا المنسية. ثمة إجماع على تحسّن كبير طرأ على وضع الرئيس الروسي الذي اتخذ قرارا باجتياح أوكرانيا في 22 فبراير (شباط) 2022. اعتمد بوتين في قراره على ضعف أوكرانيا أوّلاً. اكتشف لاحقا أن ذلك ليس صحيحا. الأهمّ من ذلك كلّه، استخفافه بردّ الفعل الأمريكي والأوروبي على وضع روسيا يدها على أوكرانيا.
لم يدرك بوتين في أي لحظة أنّ العالم الغربي لا يستطيع القبول بذلك. لم يعرف خصوصا أن كلّ دولة أوروبيّة ستشعر نفسها مهدّدة عندما تكون أوكرانيا تحت السيطرة الروسيّة. هذا ما يفسّر ردود الفعل الأوروبية والأمريكيّة على المغامرة التي أقدم عليها الرئيس الروسي الذي تبيّن أنّه حليف وثيق لإيران التي هبت لمساعدته. فعلت إيران ذلك عندما واجه الجيش الروسي عجزا عن متابعة القتال. زودته بكلّ ما يحتاجه من قذائف ومسيّرات لمتابعة الحرب.
قبل حرب غزّة، التي كانت هديّة من السماء للرئيس الروسي، فشل الجيش الروسي فشلاً ذريعاً في إخضاع أوكرانيا واحتلال كييف التي كان الجنرالات الروس يعتقدون أنّها ستسقط بمجرد بدء الزحف في اتجاهها. في أواخر فبراير (شباط) 2002، راح ضباط روس كبار يلمعون الأوسمة التي يضعونها على صدورهم استعداداً لعرض عسكري في العاصمة الأوكرانيّة بمناسبة تحقيق النصر على الرئيس فولوديمير زيلينسكي. هذا العرض لم يحصل ولم يكن هناك احتفال بالنصر الروسي في كييف… أقلّه إلى الآن.
بعد سنة وتسعة أشهر من فشل الهجوم الروسي على كييف، لا تزال الحرب مستمرّة في أوكرانيا، مع فارق أنّ روسيا ما زالت تحتل قسما لا بأس به من الأراضي الأوكرانية. خفت الحماسة الأمريكيّة والأوروبيّة لتحقيق انتصار كبير على روسيا وردع بوتين نهائيا. يمكن اختصار الوضع بكلمة الجمود على الجبهات، فيما الجيش الروسي يعزز مواقعه. وينتاب أوكرانيا شعور بأنّ الغرب تخلّى عنها إلى حد ما.
كانت الحاجة إلى زيارة قام بها وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد كاميرون إلى كييف ليشعر الرئيس زيلينسكي ببعض الاطمئنان. في النهاية كانت زيارة كاميرون إلى أوكرانيا الأولى التي يقوم بها إلى بلد أجنبي منذ توليه موقعه الجديد قبل أيّام قليلة. الأكيد أن للزيارة معنى وبعدا ما. لكن مجيء وزير الخارجية البريطاني إلى كييف لا يغيّر شيئا في موازين القوى على الأرض من جهة وفي مجال تلبية حاجات الجيش الأوكراني إلى أسلحة متطورة من جهة أخرى.
استفاد الرئيس الروسي من عوامل عدة في حرب لم يستطع تحقيق انتصار فيها، بل كادت تقضي على مستقبله السياسي. أكثر من ذلك، كشفت حرب أوكرانيا ضعف الجيش الروسي والمستوى المتدني، حتى لا نقول للسلاح الروسي الذي يصلح لقمع الشعوب، مثل الشعب السوري، وليس لخوض حروب بين دول. لعل أبرز هذه العوامل فشل الهجوم المضاد الذي شنه الجيش الأوكراني في يونيو (حزيران) الماضي. اصطدم الهجوم بحقول ألغام روسية غطت مساحات شاسعة ومنعته من تحقيق تقدّم حاسم وتحقيق اختراق كبير على أي جبهة من الجبهات. أدى ذلك إلى الجمود السائد حاليا، وهو جمود أثر على معنويات الجنود الأوكرانيين سلبا وأعطى الجيش الروسي ثقة بالنفس.
انتعش بوتين. بات متأكدا من أن لا ضغوط داخلية كبيرة عليه. استطاع إبقاء النظام الذي أقامه، وهو نظام مبني على شخصه. لا يزال بوتين حيا يرزق سياسيا. لعبت حرب غزّة دورا في نقل الحرب الأوكرانية إلى مرتبة ثانية في الأولويات الأمريكيّة.
تبين، بكل بساطة، أن أمريكا لا تستطيع خوض حربين في الوقت ذاته. لا تستطيع الاستمرار في تزويد الجيش الأوكراني بالذخائر بالوتيرة نفسها التي كانت معتمدة في الماضي القريب. يعود ذلك إلى أن عليها تزويد الجيش الإسرائيلي بمثل هذه الذخائر، خصوصا أن إسرائيل تخوض في غزة ما تعتبره حرب حياة أو موت بالنسبة إليها.
لم يستفد الرئيس الروسي من حرب غزّة فحسب، بل استفاد أيضا من بقاء أسعار النفط مرتفعة ومن فشل العقوبات الأميركيّة والأوروبيّة التي فرضت على بلده. يمكن الكلام عن حياة سياسيّة جديدة لبوتين الذي سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في مارس (آذار ) 2024 ويفوز فيها بسهولة. لم يعد لديه خصوم في الداخل، خصوصا بعد تخلصه من تمرد زعيم مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين الذي قضى الصيف الماضي في حادث تحطم طائرة. تحيط بالحادث كل الشكوك وكلّ أنواع الريبة.
في هذا الوقت بالذات، يمكن القول أيضاً إن الرئيس الروسي نجح في الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة من كوريا الشمالية كما استعان بالصين والهند في تجاوز العقوبات الأوروبيّة والحصار الأمريكي الذي لم يكن حصاراً فعلياً، بل جدياً.
بعد إيران، يمكن اعتبار بوتين الرابح الثاني من حرب غزّة. خدمته حماس إلى حد كبير. هذا لا يعني أنه عدو لإسرائيل، هو الذي ارتبط بعلاقة قويّة مع بنيامين نتانياهو، بمقدار ما يعني أن فلاديمير بوتين بات على قاب قوسين أو أدنى من القول إنه نجا بجلده في أوكرانيا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل بوتين غزة الرئیس الروسی الجیش الروسی من جهة
إقرأ أيضاً:
بوتين مستعد للتحدث إلى ترامب بشأن أوكرانيا
أعلن الكرملين، اليوم الاثنين، أن الرئيس فلاديمير بوتين لا يزال "منفتحا" على التحدث مع دونالد ترامب، بعد أن عبّر الرئيس الأميركي عن "غضبه الشديد" من نظيره الروسي في ظل تعثر جهود استئناف محادثات وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
وأفاد دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) الصحافيين بأن "الرئيس لا يزال منفتحا على التواصل مع الرئيس ترامب".
وأضاف أنه لم يحدد بعد موعد لإجراء مكالمة هاتفية بين الزعيمين، ولكن يمكن "تنظيمها على الفور" في حال "الضرورة".
وقال بيسكوف "نواصل العمل.. أولا على تطوير العلاقات الثنائية، ونعمل أيضا على تنفيذ بعض الأفكار المتعلقة بحل (النزاع) الأوكراني".
وأضاف أن "الجهود مستمرة. لا يوجد شيء ملموس حتى الآن. هذه العملية تستغرق وقتا طويلا ربما بسبب تعقيدها".