موقع 24:
2025-01-18@05:42:51 GMT

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT

دروس من أفغانستان والعراق لغزة

تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة بأن الدولة العبرية ستسيطر أمنياً على قطاع غزة، تؤكد أن إسرائيل لم تحاول استخلاص بعض العبر والدروس من حروب حليفتها الكبرى الولايات المتحدة و"غزواتها" في العراق وأفغانستان، والتي انتهت بمآسٍ كبرى دفع ثمنها مئات الآلاف من أبناء الشعبين، وأيضاً هزيمة كبرى للمشاريع الأمريكية التي حاولت هندسة الواقع السياسي والاجتماعي والعسكري في كلا البلدين وكانت نتيجتها فشلاً مدوياً.


العِبر من الغزو الأمريكي لأفغانستان والتخلص من حكم طالبان، 2001 ومن الغزو الأمريكي للعراق والتخلص من نظام صدام حسين، 2003 كثيرة، وكلها لم تحاول إسرائيل أن تقرأها أو الاستفادة منها وهي تعيد تكرار تجارب الفشل نفسها في غزة وبصورة أكثر قسوة ودموية.
صحيح أن غزة ليست العراق وحماس ليست طالبان، لكن يقيناً الفكرة التي حكمت الغزو الأمريكي لكلا البلدين وهي الاستئصال والاجتثاث لحكم طالبان وحكم البعث، وهندسة بديل سياسي جديد على "المقاس الأمريكي" فشلت تماماً مثل الفكرة التي تحكم إسرائيل حالياً، وهي اجتثاث حماس والقضاء على المقاومة و"تنظيف" غزة لصالح بديل تصنعه أو تساهم في صنعه عبر سيطرتها الأمنية.
والحقيقة، أن الولايات المتحدة غزت العراق بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل، وثبت كذبها، ولكنها في الوقت نفسه تصورت أنها يمكن أن تصوغ مشروعاً ديمقراطياً جديداً للعراق يكون نموذجاً لدول المنطقة واعتمدت أطروحة وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس في الفوضى الخلاقة التي من خلالها راهنت على تأسيس شرق أوسط جديد على أنقاض القديم الذي وصفته بالاستبداد وتفريخ الإرهاب.
لم تبنِ أمريكا بعد احتلالها العراق النموذج الذي أرادته، وتحولت حربها على الإرهاب إلى أحد أسباب انتشاره، كما أصبحت القوى المؤثرة على الأرض هي تنظيمات وميليشيات شيعية خارج مؤسسات الدولة ومعادية لأمريكا ومرتبطة بالاستراتيجية الإيرانية. كما أن الحكومة العراقية الحالية اتسمت سياساتها بقدر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة، ورفضت أن تصطف معها في مواجهة إيران والعكس أيضاً، بما يعني أن ما حاولت أمريكا أن تهندسه في العراق حدث تقريباً عكسه.
أما في أفغانستان، فقد كانت أمريكا أكثر سخاءً في الإنفاق على "نموذجها السياسي" مقارنة بالعراق، فقد أنفقت أكثر من تريليون دولار على تأسيس جيش جديد وسلّحته ودرّبته وبنت أشكالاً ديمقراطية ومؤسسات حديثة من الخارج، ولكنها من الداخل كان "يعشش" فيها الفساد وسوء الإدارة رغم مظهرها الحداثي.
20 عاماً قضتها أمريكا في أفغانستان تبني نموذجاً بديلاً لطالبان، وفشلت لأنها كانت قوة احتلال، وانسحبت وتركت السلطة لحركة طالبان التي حاربتها منذ 2001.
والحقيقة، أن هذا الفشل لأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم في اجتثاث أعدائها الذين حاربتهم في العراق وأفغانستان، وجاءتهم لتنتقم بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) لم يلفت نظر إسرائيل، التي تحاول تكرار تجربة الاجتثاث مع حركة حماس في غزة، وتصنيع نموذج جديد لا يحمل أي مشاريع سياسية مثل التي روَّجت لها أمريكا في تجاربها الفاشلة، إنما يعتمد فقط على القتل والتهجير.
إسرائيل ترتكز على القوة العسكرية الغاشمة وقتل المدنيين في رسالة ترويع من أجل عدم تكرار 7 أكتوبر (تشرين الأول) مرة أخرى، وتعمل على ترتيب سيطرة أمنية على غزة منزوع عنها أي رؤية للحل السياسي، إنما اختراع أشكال مختلفة لاستمرار الاحتلال.
إن الخطط الإسرائيلية في تفريغ قطاع غزة والسيطرة الأمنية عليه قد تنجح لبعض الوقت، ولكنها لن تنجح طول الوقت، وستعود الأسباب نفسها، ومعها أخرى، التي أدَّت إلى تفجر المواجهة الحالية لتنفجر مرة أخرى في وجوه الجميع بصورة أكثر قسوة.
إن مشروع اجتثاث حكم البعث في العراق خلّف إرهاب القاعدة، وداعش، وميليشيات شيعية متطرفة، والفشل في خلق نموذج بديل في أفغانستان أعاد طالبان مرة أخرى للسلطة، ومشروع اجتثاث المقاومين والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة سيعيد العنف بصورة أكثر قسوة وعشوائية إلى كل الأراضي الفلسطينية وداخل إسرائيل. المطلوب فتح باب التسوية السلمية الذي سيؤدي إلى ظهور جيل جديد من القادة الفلسطينيين أكثر اعتدالاً وفهماً لما يجري في العالم من قادة حماس الحاليين.
فالاعتدال لن يأتي "بقرار" إسرائيلي أو دولي أو حتى عربي، ولن يأتي بسيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة، إنما بتغيير الواقع الموجود على الأرض وجعل حياة الفلسطينيين مثل باقي شعوب الدنيا طبيعية أو شبه طبيعية فيها مشاكل التنمية ومحاربة الفقر وبناء دولة القانون وليس حياة الذل والقتل والتهجير بسبب سياسات الاحتلال.
المطلوب في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر بساطة من البدائل التي طرحتها أمريكا في العراق وأفغانستان؛ لأنه يقوم فقط أو أساساً على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وليس بناء نموذج وتصنيع نخبة على مقاس إسرائيل أو أمريكا.
ما دامت إسرائيل دولة استثناء فوق القانون والشرعية الدولية لا تلتزم بقرارات الأمم المتحدة وتصرّ على استلهام تجارب الفشل الأميركية في أفغانستان والعراق بصورة أكثر دموية وعنفاً، سيضع المنطقة والعالم أمام مخاطر أكبر.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل غزة العراق أفغانستان فی أفغانستان فی العراق

إقرأ أيضاً:

بالمرتبة 111.. العراق من بين أكثر دول العالم توتراً

بالمرتبة 111.. العراق من بين أكثر دول العالم توتراً

مقالات مشابهة

  • نائب: الوضع السوري معقد والعراق يسعى لحماية مصالحه
  • عودة ترامب: قلق في الأمم المتحدة من انقطاع التمويل.. والعراق يترقب المتغيرات 
  • تداعيات تعاون الهند وحركة طالبان الأفغانية على المنطقة
  • الولايات المتحدة تكشف عدد شاحنات المساعدات التي ستدخلها لغزة
  • ترامب يغير المعادلة والعراق أمام خيار صعب بين إيران وأمريكا
  • ترامب يغير المعادلة والعراق أمام خيار صعب بين إيران وأمريكا - عاجل
  • بتوجيهات محمد بن راشد.. "دبي الإنسانية" تنقل أكثر من 68 طناً من المساعدات لغزة
  • سياسي إيراني: خسرنا لبنان وسوريا والعراق وعلينا تعديل السياسة الخارجية
  • السيادة العراقية!!..إيران ترفض حل الحشد الشعبي
  • بالمرتبة 111.. العراق من بين أكثر دول العالم توتراً