واشنطن- تنتهي نقاشات كثيرة في العاصمة الأميركية بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى أن إسرائيل ستنتصر في النهاية، ويتبارى الخبراء في تأكيد وتكرار حقيقة تفوقها الساحق على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ماديا وعسكريا، سواء من حيث أعداد القوات أو الإمكانيات التسليحية من طائرات وصواريخ ومدرعات ودبابات ومدافع.

ولا يتخيل هؤلاء أي نتيجة أخرى إلا انتصار إسرائيل، ويبقى السؤال بالنسبة لهم دائرا بشأن الإطار الزمني للانتصار وتكلفته.

وعلى النقيض، يشير عدد متزايد من المعلقين إلى إمكانية انتصار حركة حماس أو هزيمة إسرائيل، بل يذهب البعض إلى تأكيد أن حماس قد انتصرت بالفعل.

وأسفرت عملية "طوفان الأقصى" -التي بدأت بهجوم مفاجئ شنته الحركة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على إسرائيل- عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي وإصابة ألفين آخرين واحتجاز أكثر من 240 شخصا لدى حماس.

ودفع ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فورا إلى إعلان أن بلاده "في حالة حرب وأن الجيش الإسرائيلي سينتقم".


"حماس انتصرت بالفعل"

وردت إسرائيل بهجمات غير مسبوقة على قطاع غزة نتج عنها استشهاد أكثر من 13 ألف شخص وإصابة قرابة 30 ألفا آخرين حتى الآن، مع تدمير البنية التحتية في القطاع، بما فيها من محطات مياه وكهرباء ومدارس ومستشفيات.

وفي حديث سابق مع الجزيرة نت أكد ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركي السابق سكوت رايتر أن حركة حماس أصبحت أكثر من منظمة أو جماعة في صورتها المادية التقليدية.

وقال رايتر إن "حماس أصبحت مفهوما أوسع لمعنى المقاومة، وعلينا أن نتذكر أنها قامت بعمل لم يقم به من قبل إلا الجيش المصري الذي استطاع هزيمة الجانب الإسرائيلي في ساحة القتال، حماس انتصرت بالفعل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا يمكن تغيير ذلك".

وأشار إلى أنه "عندما عبرت القوات المصرية قناة السويس يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 انتصرت مصر، بعد ذلك قامت إسرائيل بهجمات مضادة وقوية، لكن ذلك لم يغير أن القاهرة انتصرت، والشيء نفسه مع حماس اليوم، لقد انتصرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول حتى لو قامت إسرائيل بالعمل على تدمير الحركة".

بدوره، يرى البروفيسور أفراهام شاما من جامعة نورث ويسترن أنه بغض النظر عن الكيفية التي تتكشف بها حرب غزة وما جرى وما يجري الآن فقد خسرت إسرائيل بالفعل وانتصرت حماس.

واستشهد شاما بمغادرة مئات آلاف الإسرائيليين منازلهم في الشمال والجنوب، وانتقالهم إلى ملاجئ أو مراكز آمنة نسبيا في وسط البلاد، وإغلاق مدارس وجامعات كثيرة أبوابها، وتدهور الوضع الاقتصادي بصفة عامة.


خسارة عميقة وطويلة الأمد

وقال شاما إن "الإسرائيليين عانوا من نوع آخر من الخسارة، وهو شعور بخسارة عميقة وطويلة الأمد، وهذه الخسارة مست نفسياتهم بالأساس وإحساسهم بالذات الجماعية والرفاهية، ويمكنك سماع ذلك في أصواتهم وتدويناتهم واختيارهم للكلمات، ويمكن رؤيتها على وجوههم".

كما أشار إلى أنه قبل هجوم حماس كان الإسرائيليون يتمتعون بالثقة، واعتقدوا أن حربا مفاجئة مثل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 لا يمكن أن تحدث مرة أخرى، وأنه إذا حدث ذلك فإن جيشهم سيقضي عليها في مهدها، ثم جاء هجوم حماس بعد 50 عاما تقريبا، وهو ما مثل لهم صدمة عميقة.

واعتبر الأكاديمي أنه رغم "خسارة أكثر من 13 ألف فلسطيني فإن حركة حماس تمكنت من غزو بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 9 ملايين نسمة ولديه جيش قوي، وهو ما نجح في تحطيم النفسية الإسرائيلية ودفع تجديد الكفاح الفلسطيني من أجل إقامة دولة مستقلة إلى الواجهة العالمية".

من جانبه، قال البروفيسور ستيفن والت من جامعة هارفارد إنه "وكما هو متوقع يلوم كل جانب الآخر، تصور إسرائيل ومؤيدوها حماس على أنها ليست سوى عصابة وحشية من الإرهابيين المدعومين من إيران الذين هاجموا المدنيين عمدا".

ويضيف "بينما يعترف الفلسطينيون ومؤيدوهم بأن مهاجمة المدنيين أمر خاطئ لكنهم يلومون إسرائيل على فرض نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين وتعريضهم للعنف المنهجي وغير المتناسب على مدى عقود عديدة، كما يشيرون إلى أن القانون الدولي يسمح للشعوب المضطهدة بمقاومة الاحتلال غير القانوني حتى لو كانت الأساليب التي اختارتها حماس غير نظامية".

واعتبر والت أن السمة الجديدة لهذه الجولة الأخيرة من القتال هي أن حماس حققت مفاجأة شبه كاملة مثلما فعلت مصر وسوريا قبل 50 عاما خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وأظهرت قدرات قتالية غير متوقعة، وقد ألحق الهجوم أضرارا بإسرائيل أكثر من أي من حروبها السابقة.

وأضاف أنه من الواضح أن الهجوم صدم المجتمع الإسرائيلي، وأن الحرب الجارية قد تكشف أيضا عن حدود القوة "والحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، والدول القوية تفوز أحيانا في ساحة المعركة وما زالت تخسر سياسيا، انتصرت الولايات المتحدة في جميع المعارك الكبيرة في فيتنام وأفغانستان، لكنها خسرت في النهاية كلتا الحربين".

وبرأيه، فإن حماس لن تتمكن أبدا من هزيمة إسرائيل في اختبار مباشر للقوة، لكن هجومها هو تذكير مأساوي بأن إسرائيل ليست محصنة ولا يمكن تجاهل الرغبة الفلسطينية في تقرير المصير.

ويتابع "كما أنه يبين أن اتفاقيات أبراهام والجهود الأخيرة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية ليست ضمانا للسلام، في الواقع ربما جعلوا هذا الصراع الأخير أكثر احتمالا".


عقود من النضال

من جهته، اعتبر جون ألترمان رئيس وحدة الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن أن تجنب الجيش الإسرائيلي الأخطاء الأميركية قد انتهى.

وقال ألترمان في تقرير نشره المركز إن "الجيش الإسرائيلي تجنب إلى حد كبير التاريخ المتقلب الذي ابتليت به الولايات المتحدة عسكريا منذ بدء حرب فيتنام، فقد أنهى الجيش الأميركي الاشتباكات في لبنان والصومال وهاييتي دون انتصارات واضحة".

وأضاف "كما انتهت حروب ما بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول في العراق وأفغانستان ومنطقة الحدود السورية العراقية رغم الموارد الضخمة وسنوات من القتال ومليارات الدولارات وآلاف القتلى الأميركيين بالفشل في تأمين النصر".

وأشار ألترمان إلى أن مفهوم حماس للنصر العسكري يدور حول "تحقيق نتائج سياسية طويلة الأجل، لا ترى حماس النصر في عام واحد أو 5، ولكن من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد التضامن الفلسطيني ويزيد عزلة إسرائيل".

ويضيف "في هذا السيناريو تحشد حماس السكان المحاصرين في غزة حولها بغضب وتساعد على انهيار حكومة السلطة الفلسطينية عبر ضمان أن ينظر إليها الفلسطينيون أكثر على أنها مساعد عاجز للسلطة العسكرية الإسرائيلية".

ويتابع ألترمان "وفي الوقت نفسه تبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع، وينحاز الجنوب العالمي بقوة إلى القضية الفلسطينية، وتتراجع أوروبا عن تجاهل تجاوزات الجيش الإسرائيلي، ويندلع نقاش أميركي بشأن إسرائيل، مما يدمر الدعم من الحزبين، والذي تتمتع به إسرائيل في واشنطن منذ أوائل سبعينيات القرن الـ20".

وقال إن حماس "وبدلا من الاعتماد على القوة الكافية لهزيمة تل أبيب فإنها تسعى عوضا عن ذلك إلى استخدام قوة إسرائيل الأكبر بكثير لهزيمتها، إن قوة إسرائيل تسمح للبلاد بقتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية الفلسطينية وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس، كل هذه الأمور تعزز أهداف حماس الحربية".

واعتبر أن "النجاحات غير المتوقعة التي حققتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول ستلهم الأجيال القادمة من الفلسطينيين الذين يعتزون حتى بالانتصارات الصغيرة رغم الصعاب المستحيلة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی 7 أکتوبر تشرین الأول الجیش الإسرائیلی حرکة حماس أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

الدكتور محمد أبو هاشم: الإقراض أعلى ثوابا من الصدقة لهذه الأسباب

حسم الدكتور محمد محمود أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، الجدل حول سؤال يشغل الكثيرين، وهو: أيهما أفضل الإقراض أو السلف أم الصدقة؟

وقال الدكتور أبو هاشم، وهو عضو مجمع البحوث الإسلامية، وشيخ الطريقة الهاشمية الخلوتية الأحمدية، خلال لقائه ببرنامج «مع الناس»، المذاع على فضائية «الناس»، اليوم الثلاثاء، أن الإقراض أو السلف في ميزان الشرع أعلى ثوابًا من الصدقة، لأن الصدقة بعشرة أمثالها والإقراض بعشرين مثل كما جاء في الحديث، وبعد أن يعاد المبلغ ونظيره يبقى ثمانية عشر ثوابا.

وأوضح عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، أن العلماء بينوا لماذا الإقراض أعلى ثوابًا من الصدقة؟ وذلك لأن الإنسان الذي يقترض منك لابد أن يكون محتاجًا، ولكن من يطلب الصدقة قد يكون محتاجًا وقد لا يكون، فالناس في الشارع تطلب منك صدقة قد تكون مهنة أو حرفة أو استغلال وما إلى ذلك.

وأضاف أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، أنه في القرض لا يأتيك ويقترض منك إلا إذا كان الإنسان محتاجًا، وعليك أن تدرس هذا الشخص، وهل هو إنسان صادق وسوي وعلى دين ومروءة ويعرف الحلال من الحرام، مشيرًا إلى أن أناس كثيرون أيضا يتخذون مسألة الإقتراض مهنة، إذ يقترضون من الناس ولا يسددون ويتخذونها وسيلة من وسائل الحصول على الأموال بأي طريقة.

وتابع شيخ الطريقة الهاشمية الخلوتية الأحمدية: إن الشخص إذا ماطل وهو قادر على سداد القرض يدخل في دائرة الحرمة، وإذا طالت المدة وهو قادر فعليه رد قيمة المال بالذهب، حتى لا يماطل الناس، أما إذا كان الإنسان غير قادر وبمجرد أن يستطيع أن يرد المال رده نقبله منه، والله يبارك فيه ويكون المُقرض كسب ثوابًا كبيرًا بسبب هذا القرض.

واستشهد الدكتور محمد أبو هاشم، بأحد المواقف، قائلًا: «عندما ركبت مع أحد الأشخاص رأيته يضع بعد النقود (الفكة) في السيارة، وكان عندما يأتيه أي شخص يطلب الصدقة يُعطيه، فقلت له لماذا تفعل هذا؟ قال: ألا تتذكر الحديث الذي قرأته وأنا حاضر أمامك: من سألكم بالله أو بالرسول فأعطوه، فلابد أن أعطيه شيئًا ولو بسيطا امتثالًا لهذا الحديث».

اقرأ أيضاًوزارة الأوقاف ترفع قيمة القرض الحسن للمواطنين.. اعرف كام

الأوقاف تخصص 10 ملايين جنيه لـ مشروع القرض الحسن.. «موعد التقديم والشروط»

مقالات مشابهة

  • لهذه الأسباب .. الدفاع المدني تحذر من خطورة استخدام التدفئة التقليدية!
  • الدكتور محمد أبو هاشم: الإقراض أعلى ثوابا من الصدقة لهذه الأسباب
  • العراق يصدر أكثر من 103 ملايين برميل نفط خلال تشرين الأول
  • العراق يصدر أكثر من 100 مليون برميل نفط في تشرين الأول الماضي
  • العراق يصدر أكثر من 100 مليون برميل للنفط الخام خلال تشرين الأول الماضي
  • لهذه الأسباب سلّمت إسرائيل بوقف هجومها
  • خطورة المراهنات الإلكترونية بين الشباب في مصر: الأسباب والحلول المقترحة
  • سر الـ6 أيام.. كيف أفشل «السنوار» خطة إسرائيل للهجوم على غزة قبل 7 أكتوبر؟
  • الزيود: لهذه الأسباب نطالب برفع الحد الأدنى للأجور إلى ٥٠٠ دينار
  • إيبن بارلو للجزيرة نت: التاريخ سيكون أكثر قسوة على إسرائيل