الجزيرة:
2025-01-22@15:47:21 GMT

طوفان الأقصى والقمة المؤجلة بين العرب وأفريقيا

تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT

طوفان الأقصى والقمة المؤجلة بين العرب وأفريقيا

الإعلان " المفاجئ" عن تأجيل القمة العربية الأفريقية الخامسة للمرة الثالثة- ولأجل غير مسمى بسبب الأحداث في غزة، وبعد فترة إعداد مطول لها، وتأجيل مرتين " 2019، ثم 2020 بسبب كورونا" -يطرح تساؤلات عدة عن الأسباب الكامنة وراء هذا التأجيل.

فحرب غزة، أحد تجليات الصراع العربي- الإسرائيلي الذي كان سببًا في حدوث التقارب العربي- الأفريقي بعد وقوف معظم دول القارة بجانب العرب في حرب 1973، وقطعها العلاقات مع إسرائيل، وما تلا ذلك من الحديث عن وَحدة المصير العربي- الأفريقي في مواجهة الاستعمار الذي كان حينئذٍ جاثمًا على صدور بعض هذه الدول، فضلًا عن الاحتلال الإسرائيلي لبعض أجزاء من الدول العربية، وكان من نتيجة ذلك عقد القمة العربية- الأفريقية التي التأمت للمرة الأولى في القاهرة عام 1977، بمشاركة أكثر من 60 دولةً، وخروج بيانها الختامي الذي سمي، آنذاك، بإعلان القاهرة، لينصَّ على دعم نضال شعوب: فلسطين، وزيمبابوي، وجنوب أفريقيا، والصومال، وجزر القمر؛ لنيل حريتها واستقلالها، وبالفعل نالت هذه الدول الأفريقية استقلالها، وبقيت فلسطين على حالها.

فكيف- إذن- تؤجل القمة الخامسة بسبب قضية فلسطين التي كانت سببًا في وجود هذه القمم بالأساس! وهل حرب غزة تستدعي التأجيل وتجاهل العرب أكبر كتلة أفريقية تصويتية في العالم"54 دولة"، بدلًا من دعم العلاقات بين كيانين يمثلان كتلة تصويتية هامة "64 دولة"، ويمتلكان إمكانات اقتصادية وبشرية هائلة، يمكن استخدامها في مواجهة الغرب الداعم بقوّة لإسرائيل!  أم أن الخوف من عدم الاتفاق على صيغة بيان ختامي في ظل خلافات عربية -عربية ظهرت بشأن غزة قبل القمة من ناحية، مقابل خلافات أفريقية مماثلة، جعلت الإرجاء هو الخيار المفضل، ضاربة بالمنافع عُرض الحائط، التي يمكن أن يجنيها كلا الجانبَين من عقدها.

هل ستظل "البوليساريو" حجر عثرة في عدم إحداث هذا التقارب العربي- الأفريقي، ولماذا لم تشكل عقبة في القمة الثالثة التي استضافتها الكويت 2013! وهل يمكن التوصل لصيغةٍ ما تساهم في تجاوز هذه القضية؟

التأجيل والخلافات العربية- العربية

يمكن القول: إن حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي، كشفت عن تباينات عربية عميقة في التعامل معها بين مجموعة الدول الرافضة للتطبيع والأخرى المؤيدة له؛ ما تسبب ليس فقط في تأجيل عقد القمة العربية- الأفريقية المقررة في نوفمبر، وإنما في عدم عقد القمة العربية الاستثنائية بالرياض، واضطرار" الدولة المضيفة"، لإلغائها بصورة مفاجئة عشية الموعد المحدد لها، ودمجها مع القمة الإسلامية، لتعقد قمة مشتركة عربية إسلامية مفاجئة أيضًا وغير متوقعة، أسفرت عن بيان ختامي يفتقد لجوانب عملية ملموسة تساهم في دعم سكان غزة عبر دخول المساعدات إليهم بصورة فورية، وردع إسرائيل حتى تضطر لوقف إطلاق النار.

هذا الإلغاء للقمة العربية، وتأجيل القمة العربية- الأفريقية، تقف وراءه مجموعة من الأسباب، لعل أبرزها ما تردد عن عجز وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري للقمة، عن التوصل لاتفاق حول البيان الختامي، بعد اقتراح بعض الدول الرافضة للتطبيع- وهي: قطر، والكويت، وعمان، وليبيا، وفلسطين، واليمن، والجزائر، وتونس، وسوريا، والعراق، ولبنان- مشروع قرار يتضمن تصعيدًا وتهديدًا بقطع إمدادات النفط عن إسرائيل وحلفائها الغربيين، وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، ووَفق بعض المصادر العربية، تضمّنت أهم المقترحات المرفوضة والتي قدمت بصورة خطيّة، ما يلي:

 منع استخدام القواعد العسكرية الأميركية وغيرها في الدول العربية لتزويد إسرائيل بالسلاح والذخائر. تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية العربية مع إسرائيل. التلويح باستخدام النفط والمقدرات الاقتصادية العربية للضغط على تل أبيب لوقف العدوان. منع الطيران المدني الإسرائيلي من التحليق في الأجواء العربية. تشكيل لجنة عربية على المستوى الوزاري تسافر فورًا إلى نيويورك، وواشنطن، وبروكسل، وجنيف، ولندن، وباريس، لنقل طلب القمة العربية بضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة.

لكن الدول المؤيدة للتطبيع رفضت هذه المقترحات، وإزاء هذا التباين ألغيت القمة العربية الاستثنائية، ومن قبلها تم تأجيل القمة الأفريقية في ظلّ هذا التباين بشأن الحرب على غزة.

"البوليساريو" والخلافات العربية – الأفريقية

ربما ساهم في تعميق الخلافات العربية – العربية، وتأجيل قمتِهم مع الأفارقة، عدم وجود موقف عربي واحد بشأن تمثيل "البوليساريو أو ما يعرف بالجمهورية الصحراوية " في هذه القمة، فلا يزال هناك محوران عربيان منقسمان حول هذه القضية، الأول يضم كلًا من: السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، وعمان، والأردن، واليمن، والصومال، والكويت، وهو مؤيد لموقف المغرب، من عدم الاعتراف بدولة "البوليساريو"، التي لا تعترف بها أيضًا الأمم المتحدة، والجامعة العربية، مقابل الطرف الآخر- الذي تقوده الجزائر- ويعترف بها كدولةٍ عضوٍ في الاتحاد الأفريقي، ومن قبله منظمة الوحدة الأفريقية.

ومن ثَم تردَّد أنّ السعودية أرجأت القمة لهذا السبب، خاصةً في ظل وجود دعم أفريقي تقوده جنوب أفريقيا يصبّ في اتجاه حضور "البوليساريو"، مقابل رفض الرياض وغيرها من الدول العربية له. ولعل الموقف السعودي استفاد من الأجواء التي سادت خلال القمة العربية- الأفريقية الرابعة التي استضافتها غينيا الاستوائية عام 2016، حيث فشلت القمة بسبب تمثيل "البوليساريو"، واضطرار 8 دول عربية لمغادرتها قبل انتهائها.

لكن يبقى السؤال: هل ستظل "البوليساريو" حجر عثرة في عدم إحداث هذا التقارب العربي- الأفريقي، ولماذا لم تشكل عقبة في القمة الثالثة التي استضافتها الكويت 2013! وهل يمكن التوصل لصيغةٍ ما تساهم في تجاوز هذه القضية؟

الأفارقة و"طوفان الأقصى"

لكن في المقابل لا يمكن الركون إلى الخلافات العربية -العربية فقط، لتفسير إرجاء القمة العربية- الأفريقية، إذ يقابلها أيضًا تباينات أفريقية، بشأن عملية "طوفان الأقصى"، ودعم الطرف الفلسطينيّ أو الإسرائيلي، ساهمت في أن تكون فكرة الإرجاء بمثابة الخيار الأفضل، ولو لفترة مؤقتة، فرغم صدور بيان من رئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي يؤكد فيه أن إنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني- لا سيما حقوقه في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة هو السبب الرئيسي للتوتر الإسرائيلي- الفلسطيني الدائم- فإنَّ التباين لا يزال قائمًا على مستوى الدول، حيث يمكن التمييز بين ثلاث مجموعات:

الأولى: مؤيدة لفلسطين، وتقودها جنوب أفريقيا، والتي أكّدت أن سبب الصراع هو الاحتلال غير القانونيّ، وطالبت بحلّ الدولتَين، وفتح ممرّات آمنة، كما ربطت بين حماس كحركة مقاومة وحركة التحرر الوطني في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، بل اعتبرت الكنيسة الأنجليكانية الجنوب أفريقية، إسرائيلَ دولة "فصل عنصري". الثانية: مؤيدة لإسرائيل، وتقودها الكاميرون، غانا، الكونغو الديمقراطية، كينيا، زامبيا، رواندا، لأسباب مختلفة يتعلق معظمها بالرغبة في الحفاظ على علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، وإسرائيل في آن واحد. الثالثة: محايدة، وتضم كلًا من: نيجيريا، السنغال، تنزانيا، رواندا، حيث تطالب بوقف الأعمال العدائية، والحوار وصولًا لحل الدولتين.

هذه التباينات أيضًا على المستوى الأفريقي، قد تصلح أيضًا لتبرير تأجيل هذه القمة.

لكن يبقى السؤال: إلى متى سيتم التأجيل! وإلى متى سيظل كلا الجانبين، عاجزًا أو غير راغب في تحقيق مصالح مشتركة، وعرقلة حلم إمكانية الدمج بين الكيانين: العربي والأفريقي في إطار ما يعرف بإطار "الأفرو-عربية"، أو "أفرابيا" الذي دعا إليه العلّامة المسلم الأفريقي الراحل علي مزروعي، الذي يرى أن التقارب بين الجانبين أمر واقع لوجود دول عربية غير أفريقية كاليمن أقرب إلى القارة من دول أفريقية مثل موريشيوس، كما يرى في المقابل أن دول الخليج العربي أقرب إلى أفريقيا منها إلى الدول الآسيوية غير العربية.

إن حرب غزة، جعلت الدول الداعمة لإسرائيل تتناسى خلافاتها مؤقتًا، وتقف معها صفًا واحدًا، مقابل تباين عربي – عربي ، انعكس على التقارب مع أفريقيا ، ومن ثَم بات التباعد العربي- الأفريقي سيد الموقف، حتى الآن.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القمة العربیة حرب غزة

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى.. جين الشجعان وجين الجبناء

19 يناير 2025م.. وضعت الحرب أوزارها عن غزة.. بعد انكشاف إسرائيل للعالم بأنها لا تقل فظاعةً؛ قتلاً وتدميراً عن الكيانات الاستعمارية التي لا مشروعية لها، وتفرض وجودها بقوة السلاح. استمر طوفان الأقصى 15 شهراً، تغيّرت فيه الخارطة الجيوسياسية للمنطقة. فإسرائيل أصبحت مهزوزة الوجود، وقادتها أدينوا في المحكمة الجنائية الدولية بأنهم مجرمو حرب، وأمريكا عجزت عن ردع جماعات محدودة العدد والعدة، وإيران خرجت مهيضة الجناح، وسقط نظام الأسد في سوريا، واحتلت إسرائيل جزءاً منها. وأما المقاومة فقد استبان لها أنه لا يمكن أن تعتمد على الإسناد الخارجي وحده؛ مهما كان صادقاً في دعمه لها، فظروف الحرب قلبت الموازين بين عشية وضحاها. لقد خرجت غزة منتصرة بصمود شعبها وشجاعة مقاومتها، ورغم الآلام لم تنكسر عزائهم، فما الذي يقف وراء هذا الصمود العظيم؟

لماذا يتقاتل البشر؟ يبدو السؤال عادياً ومطروحاً، نُجِز من جوابه منذ أمد طويل، فالصراع.. ينتج من جرّاء عدوان الإنسان على أخيه الإنسان؛ في بدنه أو عرضه أو ماله أو في سائر حقوقه، بسبب الأنانية واحتكار الحق وحب التملك بمختلف أنواعه. وهذا صحيح؛ لكنه يتعلق بالأسباب المباشرة للصراع. وإنما أقصد الدوافع البيولوجية لدى الإنسان للصراع، فإن كانت هذه الأسباب هي الدافع للاعتداء؛ فلماذا لم تحل المشكلات بسُبُل أخرى غير الاقتتال والعنف؟ كما أن الإنسان ليس وحده من يمارس العنف، فمعه الحيوان، والنبات في بعض حالاته، مما يجعل ظاهرة العنف أعمق من الصراع على المصالح.

هذه مقاربة للأسباب الكامنة في النفس الإنسانية للصراع مهما كانت دوافعه، وأرى أنها ترجع إلى حالة بيولوجية؛ مما يشير إلى أن في الإنسان «جينات» تدفعه إلى العنف أكثر مما يحركه التنازع على مرافق الحياة. لا يمكن نكران العوامل الخارجية للنزاع، وأن لها أثراً واضحاً عليه، غير أنها تبقى عوامل مُهيِّجة لجينات العنف في نفوسنا. والتعبير بـ«الجينات» تقريب للتأثير البيولوجي العصبي لدى الإنسان، وليس بالضرورة المفهوم العلمي، وإن كان لا شيء يعمل خارج الخارطة الجينية.

إن القتل الجماعي والتدمير الشامل الذي حصل إثر 7 أكتوبر 2023م في غزة ولبنان لا تبرره المواقف الظاهرة وحدها؛ للفعل ورده بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا للمصالح الدولية التي أسفرت عن اشتراك الغرب في الصراع مع الصهاينة، وصمت الصين وروسيا، وبرود العرب والمسلمين.. بل هناك ما هو أعمق من الظاهر، وهو «جراثيم» كامنة في النفس الإنسانية.

توجد مقولة مفادها.. أننا نحن البشر الباقين أبناء الجين الجبان؛ وأما أصحاب الجين الشجاع فقد هلكوا بسبب الاقتتال فيما بينهم، وهذا يحكي جانباً من حكاية البقاء البشري، إذ إنه لولا الجين الجبان لما تمكن الناس من إعمار الحياة، فالإنسان بحاجة إليه؛ للحفاظ على نوعه، فلا يهلك تحت رحى العنف التي لا يتوقف دورانها، ولإعمار الحياة الذي يحتاج إلى هدوء بال لا يتحقق تحت وطأة العنف.

دينياً.. الإنسان ابن العنف: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) «البقرة:30»، وتؤكد ذلك قصة ابني آدم كما وردت في الآيات «27-31» من «سورة البقرة». فإن قلتَ: طالما نتحدث عن الجينات؛ وهذا مجاله العلم، فما دخل الدين؟ قلتُ: إن الدين مهم في فهم الظاهرة الاجتماعية الأزلية لدى البشر؛ لكونه يرصد تجارب غائرة في عمق النفس الإنسانية، ربما ترجع إلى البدايات الأولى للإنسان، وعندما جاء العلم ودرسها قارب بعضها وأثبت بعضها.

•فلسفياً.. الإنسان هو ابن الجبر، وهذا لا يعني التبرير للعنف، فالإنسان قد يكون مجبراً على مستوى الفكرة؛ لكن ليس كذلك في كل الحالات على مستوى الفعل، وقد تطرقت لشيء من ذلك في بعض مقالاتي.

إن امتلاك الإنسان جينَي الشجاعة والجبن هو للحفاظ على نوعه، ففي لحظة مواجهته خطر زواله يثور جين الشجاعة ليدفع عنه الخطر، وعندما يرى أن تهدئة الأمور هي ما تحقق له الحفاظ على وجوده يجنح للسلم. ولا يقتصر الأمر في التوازن لمواجهة الخطر على عمل الجينين لدى الفرد، فهذا المستوى الفردي يتحول إلى مستوى جماعي عندما يداهم الخطر الجماعة، ففي هذه الحالة يتشكل «عقل جمعي» يستثير جين الشجاعة لدى الجميع، حتى تخال الجماعة معدومة من جين الجبن. ومع ذلك؛ تبقى القيادة السياسية للجماعة في منأى إلى حدٍّ كبير من تأثير العقل الجمعي، محافظة على فاعلية جين الجبن. ولذلك؛ من يغتال السياسيين أثناء الحرب ليس في صالحه، ما لم تكن هناك موازين قوى أكبر يعمل عليها القاتل، ولعل إسرائيل تدرك الآن أن اغتيالها للسياسيين الفلسطينيين هو أحد أسباب تقهقرها. فالسياسيون.. هم من يتملكهم الجين الجبان الذي يوازن الأمور من خارج نطاق الصراع المحتدم.

إن إسرائيل بكونها دولة وحماس بكونها جماعة؛ من حيث التكوين البيولوجي لا يختلفان عن بعضهما في وجود جينَي الشجاعة والجبن لديهما، وإنما الاختلاف في الوضع الاجتماعي والحالة النفسية، وهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً مع بعضهما البعض، فالفرد في الحروب يكاد يختفي عقله الفردي ويحل محله العقل الجمعي، بيد أن التركيبة الاجتماعية لما قبل الحرب تؤثر على الوضع أثناءها، وأقصد الإعداد النفسي والاستعداد الاجتماعي لها.

بالنسبة للمقاومة الفلسطينية عموماً، وحماس خصوصاً بكونها الإدارة الحاكمة لقطاع غزة، فقد عملت سنواتٍ عديدة على تأهيل المجتمع في القطاع للصمود أمام آلة الاحتلال الصهيوني الغاشم، فصنعت مجتمعاً شجاعاً منذ وقت مبكر. لقد وصل الحال في ظل الحرب أن تكون أمنية الطفل الفلسطيني أن ينال الشهادة ويلحق بأهله الذين أفنتهم آلة الإبادة الصهيونية، فالحرب.. قبل أن تعدمهم أعدمت جين الجبن في قلبوهم. وقد ساعد المقاومة على ذلك أمور؛ منها:

- إن من كان يحكم قطاع غزة هم العسكر.. بعدما ضيّقت إسرائيل على سياسيِّ حماس في إدارة القطاع، ومن طبيعة العسكر.. أن الجين الشجاع لديهم مستثار لأعلى مستواه، وإن كان جين الجبن لم يختفِ لدى المقاومة تماماً؛ كما لاحظناه متمثلاً في ضبط النفس في التعامل مع الأسرى، وبيانات أبي عبيدة النطاق العسكري لكتائب عز الدين القسام.

- ضِيْق قطاع غزة.. حتى يمكن اعتباره ثكنة عسكرية، فمعظم البرامج الممكنة لإدارة المقاومة تشمل قطاعات الشعب، ففي هذه الثكنة لا يكاد تفرّق بين البرامج المدنية والتعبئة العسكرية التي يتلقاها أهل غزة.

- السياسة العنيفة.. التي مارستها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ بدء الاحتلال؛ أي منذ حوالي مائة عام، خاصةً في قطاع غزة، الذي أصبح أكبر سجن وأطوله مدةً في الوقت المعاصر، وربما في التاريخ عامة.

أما الإسرائيليون.. فلم يختفِ جين الشجاعة منهم، ولكنه غالباً ظل قاصراً على الجنود؛ ومع ذلك فهو أضعف لديهم من الفلسطينيين، لإغراءات الحياة المدنية الواسعة في إسرائيل، ولأنهم يشعرون في قرارة نفوسهم أنهم معتدون وفي أرض ليست أرضهم. إن الشعب الإسرائيلي معظمه يسيطر عليه جين الجبن، ولذا؛ لجأ مئات الآلاف منه إلى الملاجئ، بمن فيهم القيادات السياسية.

لقد لاحظنا يحيى السنوار (ت:2024م) القائد الأعلى لحركة حماس يخوض غمار المعركة ببسالة حتى رمقه الأخير، فجين الشجاعة كان يسيطر عليه تماماً. أما بنيامين نتنياهو فعلى الرغم من كونه القائد الأعلى للحرب في إسرائيل، إلا أن ممارسته السياسية أكبر من قيادته العسكرية، وهذا ما يفسر مسارعته إلى الاختباء كغيره عن صواريخ ومسيرات المقاومة في الملاجئ، لغلبة جين الجبن عنده على جين الشجاعة.

ختاماً.. سيظل الشعب الفلسطيني يتمتع بقسط وافر من الشجاعة لكي يحقق تحرره.

خميس العدوي كاتب عُماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين».•

مقالات مشابهة

  • مواعيد المباريات المؤجلة من دوري الكرة النسائية
  • مصر وجنوب إفريقيا تتصدران الدول الأفريقية التي رفعت قدراتها من إنتاج الطاقة الشمسية في 2024
  • طوفان الأقصى.. جين الشجعان وجين الجبناء
  • المجلس العربي الأفريقي للتوعية يدرس تدشين مبادرات جديدة بالتعاون مع جامعة الدول
  • قمة العرب للطيران 2025 تناقش تحول الصناعة في ظل رؤية السعودية 2030
  • "قمة العرب الطيران 2025" ترسم تحول الصناعة في ظل رؤية "السعودية 2030"
  • ما سر الهدايا التي منحتها «حماس» للأسيرات الإسرائيليات في غزة؟
  • العراق يستعد لتحضيرات إنعقاد القمة العربية في بغداد
  • أبو عبيدة: 471 يوما على معركة طوفان الأقصى التاريخية التي دقت المسمار الأخير بنعش الاحتلال
  • في أول ظهور منذ شهور.. أبو عبيدة: التضحيات والدماء العظيمة التي بذلها شعبنا لن تذهب سدى / فيديو