لماذا تؤيد دول أميركا اللاتينية قضية فلسطين بهذه القوة؟
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
أمريكا - صفا
قال موقع "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأميركي إن هناك 3 عوامل تفسر تأييد زعماء دول أميركا اللاتينية قضية فلسطين إلى حد لافت للانتباه.
وأوضح الموقع الذي يشرف عليه "معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول" وهو مؤسسة فكرية أميركية تأسست عام 2019، وتقع في واشنطن العاصمة، أن الخبراء الذين تحدثوا إليه قالوا إن الأمر يرجع في الغالب إلى استقلال أميركا اللاتينية المتزايد عن الولايات المتحدة، وصعود الحركات اليسارية والسكان الأصليين، ووجود جاليات عربية كبيرة في الشتات في معظم أنحاء المنطقة.
وقبل أن يوضح الموقع في تقرير للكاتب كونور إيكولز، العوامل الثلاثة، قدم سردا لتأييد غالبية دول أميركا اللاتينية للقضية الفلسطينية. وبدأ بـكولومبيا، التي أحدث رئيسها غوستافو بيترو، حسب وصف الموقع، صدمة في العالم الدبلوماسي مؤخرا عندما اتهم إسرائيل بتنفيذ "إبادة جماعية" في غزة.
وكان بيترو نشر تغريدة على موقع "إكس" قال فيها إن "رئيس الدولة الذي ينفذ هذه الإبادة الجماعية هو مجرم ضد الإنسانية. ولا يمكن لحلفائهم التحدث عن الديمقراطية".
موقف كولومبيا لافت تماما
وقال إيكولز إن كولومبيا ظلت تاريخيا حليفة للولايات المتحدة فيما يتعلق بالشؤون الدولية. ونقل عن أليكس ماين، مدير السياسة الدولية في "مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية" أنه "كان من غير المتصور أن تتخذ الحكومة الكولومبية موقفا كهذا مختلفا تماما عن موقف الولايات المتحدة".
وأضاف أن بترو، وهو أول رئيس يساري للبلاد، كثف من انتقاداته لإسرائيل في الأسابيع الأخيرة، وأعاد تغريد صورة كرتونية لطفل مهدد بالبنادق الإسرائيلية، ووصف الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الشفاء بأنه "جريمة حرب"، ووعد بتقديم التماس إلى الأمم المتحدة لجعل فلسطين دولة كاملة العضوية، وهدد بمحاكمة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.
غالبية دول أميركا اللاتينية
وأوضح الكاتب أن بيترو ليس الوحيد الذي يتبنى مثل هذا الموقف في أميركا اللاتينية، فقد أدانت أغلب دول المنطقة الهجوم الأوّلي الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكان ردها قاسيا على الهجوم الإسرائيلي على غزة، ولم يعادله سوى رد فعل الدول ذات الأغلبية العربية والإسلامية، وقطعت كل من بليز وبوليفياعلاقاتها مع إسرائيل بسبب الحرب، واستدعت كولومبيا وتشيلي وهندوراسسفراءها من تل أبيب.
وأدانت دول أميركا اللاتينية التي تعتبر نفسها محايدة بشأن الصراع مثل البرازيلوالأرجنتين بشدة الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في غزة، وقال الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إن "هذه ليست حربا.. هذه إبادة جماعية".
للبرازيل مسار مختلف عن الولايات المتحدة
وأفاد الموقع أن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا أمضى قسما كبيرا من العام الأول بعد عودته إلى منصبه وهو يرسم مسارا مستقلا للسياسة الخارجية للبلاد، وقاد الزعيم اليساري حملة لإجراء محادثات لإنهاء الحرب في أوكرانيا مع المساعدة في تعزيز نفوذ "مجموعة البريكس". لذلك، عندما اندلعت جولة جديدة من القتال في إسرائيل وفلسطين، لم يكن هناك أدنى شك في أن الرئيس البرازيلي سوف يتدخل ويحاول حل هذه الجولة.
ومن الناحية العملية، كان هذا يعني قيادة الجهود الرامية إلى إصدار قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى هدنة إنسانية للسماح بدخول المساعدات التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة، لكن مبادرته وصلت إلى طريق مسدود عندما استخدمت الولايات المتحدة حق النقضضد القرار.
استقلال متزايد عن واشنطن
وقال إيكولز إن الضغط الأميركي "لم يعد بالقدر نفسه الذي كان عليه من قبل"، مضيفا أن المنطقة تغيرت بشكل كبير من حيث اعتمادها على الولايات المتحدة ومستوى التأثير الذي يمكن أن تتمتع به واشنطن على السياسة الخارجية.
ويقول الخبراء إن هذه الحادثة تسلط الضوء على المدى الذي تضاءل فيه النفوذ الأميركي في أميركا اللاتينية بعد ذروته في لحظة القطب الواحد بعد حرب الخليج الأولى.
صعود حركات اليسار والسكان الأصليين
وذكر الكاتب أن الموقف المؤيد لفلسطين يعود أيضا إلى تزايد "المد الوردي" للناشطين اليساريين والسكان الأصليين الذين استولوا على السلطة في السنوات الأخيرة. والآن يسيطر ساسة يسار الوسط على السلطة في ثلثي دول أميركا اللاتينية، ويمثلون أكثر من 90% من سكان المنطقة وناتجها المحلي الإجمالي.
وشاركت هذه المجموعات منذ فترة طويلة في حملات التضامن مع فلسطين وغيرها من حركات حقوق السكان الأصليين، خاصة وأن إسرائيل ساعدت في تسليح العديد من حكومات المنطقة الأكثر قمعا في القرن الـ20.
وأفاد الموقع بأنه بالنسبة للعديد من الناشطين في المنطقة، فإن خيبة الأمل في عملية أوسلو للسلام في التسعينيات دفعتهم إلى النظر إلى الوضع في إسرائيل وفلسطين على أنه ليس أكثر من مجرد شكل جديد من أشكال الاستعمار.
علاقات عميقة مع العالم العربي
وذكر الكاتب أن الشتات العربي في أميركا اللاتينية يشكّل قوة رئيسية وراء النشاط المؤيد لفلسطين، إذ تضم البرازيل وحدها نحو 16 مليون مواطن من أصل عربي، وتشيلي لديها أكبر عدد من السكان الفلسطينيين مقارنة بأي دولة أخرى خارج الشرق الأوسط.
وبين الكاتب أن ظاهرة الهجرة العربية إلى المنطقة تعود إلى أواخر القرن الـ19، عندما فر العديد من المهاجرين اللبنانيين والسوريين إلى الأميركيتين، وتبعهم الفلسطينيون في موجات بعد كل حرب كبرى بين إسرائيل والدول العربية.
ويتمتع هذا الشتات الضخم بنفوذ سياسي كبير في جميع أنحاء المنطقة، حيث يشغل السياسيون العرب مناصب عليا في العديد من الحكومات. ووفقا لصحيفة "واشنطن بوست"، فإن 10% من أعضاء البرلمان البرازيلي من أصول عربية اعتبارا من عام 2016.
وقارن الكاتب ذلك مع الجالية اليهودية الصغيرة نسبيا في المنطقة، والتي بلغ عددها 500 ألف فقط عام 2017، مشيرا إلى أن يهود أميركا اللاتينية الذين يدعمون إسرائيل ليس لديهم أيضا ما يعادل الجماعات الصهيونية الأميركية القوية مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، والتي يقال إنها سوف تنفق 100 مليون دولار العام المقبل لمحاولة تنحية المشرعين الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة من مناصبهم.
المصدر : الصحافة الأميركية / الجزيرة
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: طوفان الأقصى دول أمیرکا اللاتینیة الولایات المتحدة الکاتب أن
إقرأ أيضاً:
لماذا لم يكن للولايات المتحدة لغة رسمية؟
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
هناك تقارير إخبارية تفـيدُ بتوقيع الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفـيذيًا يكرّس اللغة الإنجليزية كلغة رسمية للولايات المتحدة. ورغم أن معظم سكان الولايات المتحدة يتحدثون الإنجليزية، إلا أنها لم تُعتمد رسميا من قبل كلغة أمريكية.
يرجع ذلك جزئيًا إلى أن الولايات المتحدة تأسست على الهجرة من دول أخرى، حيث جلب المهاجرون لغاتهم الأصلية معهم. غالبًا ما انتقل هؤلاء إلى مجتمعات تتحدث لغتهم، وأقاموا فـيها أعمالًا تجارية وأسسوا عائلات. ربما لم يتعلموا الإنجليزية أو لم يتقنوها، لكن أبناءهم تعلموها، ليصبحوا الجيل الجديد من الأمريكيين المنخرطين فـي التراث المشترك للبلاد.
سُمحَ لهذا الأمر بالحدوث كجزء من عملية الاندماج. فالأشخاص المولودون فـي بلدان أخرى ويسعون للحصول على الجنسية الأمريكية يخضعون لاختبار فـي مدى إلمامهم باللغة الإنجليزية، ولكن تقديم الدعم للمهاجرين وعائلاتهم، بما فـي ذلك تسهيل استخدامهم للغتهم الأم، كان النهج السائد فـي البلاد.
ومن السهل أن نرى لماذا لا يتوافق هذا مع نهج ترامب. فقد جعل الرئيس الجمهوري من عدائه للمهاجرين محور طموحاته السياسية الوطنية، حيث بدأ حملته الانتخابية لعام 2016 بمهاجمة الهجرة، ثم استغل انتخابات 2024 ليجعل المهاجرين كبش فداء بكل السبل الممكنة. وشمل ذلك تركيزًا على اللغة، حيث أطلق ترامب العام الماضي تصريحًا غامضًا قال فـيه: «لدينا لغات تدخل إلى بلادنا، ولا يوجد من يتحدث تلك اللغات. إنها لغات أجنبية بالكامل. لا أحد يتحدث بها».
بالنسبة لترامب، فإن اللغات الأجنبية تمثل علامة غير مقبولة على «الغربة»، ولذلك يعتزم اتخاذ خطوة رسمية لرفض اللغات الأجنبية فـي الولايات المتحدة، رغم أن ذلك لن يعود بأي فائدة تُذكر، إن لم يكن بلا فائدة على الإطلاق.
من المهم أن نتذكر أن وجود أشخاص فـي الولايات المتحدة لا يتحدثون الإنجليزية ليس أمرًا جديدًا ولا حتى غير معتاد. فقد طرحت دائرة الإحصاء الأمريكية أسئلة حول مهارات اللغة الإنجليزية بشكل متقطع فـي الماضي، قبل أن تعتمدها كمقياس ثابت منذ عام 1980. ولكن إذا نظرنا إلى بيانات تعداد عام 1910، أي قبل أكثر من قرن، سنجد صورة مألوفة.
فوفقًا لدائرة الإحصاء، لم يكن حوالي 4٪ من سكان الولايات المتحدة فـي عام 1910 يتحدثون الإنجليزية. وكان معظمهم مصنفـين على أنهم «بيض مولودون فـي الخارج»، أي أنهم وُلدوا خارج الولايات المتحدة لكنهم لم يكونوا آسيويين أو من ذوي البشرة السوداء.
كما قيّم ذلك التعداد اللغات التي كان يتحدث بها سكان الولايات المتحدة آنذاك، حيث استخدم فئة تُدعى «الأصول الأجنبية»، وتشمل الأمريكيين البيض الذين وُلدوا خارج الولايات المتحدة أو وُلدوا فـيها لأحد الوالدين على الأقل من المهاجرين.
ومن بين هذه الفئة، أشار نحو ثلثهم فقط إلى الإنجليزية (أو إحدى اللغات السلتية) كلغتهم الأم، بينما اختار عدد مقارب منهم الألمانية، وأشار نحو واحد من كل عشرة إلى إحدى اللغات الإسكندنافـية .
فـي عام 2023، قدّرت دائرة الإحصاء الأمريكية أن أقل من 2٪ من سكان الولايات المتحدة لا يتحدثون الإنجليزية، بينما قال 3٪ آخرون إنهم لا يتحدثونها بطلاقة (وهو تمييز لم يكن موجودًا فـي تعداد 1910). ويتحدث الناس فـي الولايات المتحدة مئات اللغات المختلفة، وأكثرها شيوعًا بعد الإنجليزية هي العربية والصينية والإسبانية والتاغالوغية والفـيتنامية.
لا شك أن عداء ترامب تجاه اللغات الأجنبية (وكذلك تجاه الهجرة عمومًا) له جذور مرتبطة بالعرق والإثنيات، لا سيما بالنسبة لأولئك الذين يسعون للانتقال إلى الولايات المتحدة. على سبيل المثال تعليقاته التي صدرت فـي عام 2018. ومن الواضح أيضًا أن العديد من أنصاره يشعرون بالانزعاج من استخدام لغات غير الإنجليزية فـي مجتمعاتهم.
ولا يُعد أمر ترامب التنفـيذي مجرد إجراء رمزي تمامًا، إذ من المتوقع أن تقلل الحكومة من تقديم المعلومات للجمهور بلغات غير الإنجليزية. لكنه فـي الغالب إجراء رمزي، يمثل مجرد عرض آخر من ترامب لمناصرة الأمريكيين الذين ينظرون إلى الأجانب، وخاصة غير البيض منهم، بشك وخوف.
لكن هذا الأمر، حتى لو تم تطبيقه، لن يقضي على المتحدثين باللغات الأجنبية بطبيعة الحال. بل إنه، فـي الواقع، قد يجعل عملية الاندماج أبطأ، وربما أكثر خطورة، حيث سيوظف تصنيف «اللغة الرسمية» كأداة لإسكات أو إحراج أولئك الذين لا يزالون فـي بداية طريقهم ليصبحوا مواطنين أمريكيين.
فـيليب بامب هو كاتب عمود فـي صحيفة واشنطن بوست ومقره نيويورك. مؤلف كتاب «التبعات: الأيام الأخيرة لجيل الطفرة السكانية ومستقبل السلطة فـي أمريكا».