نثر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما في جعبته بحثا عن حجج تسند روايته لمواصلة حربه على الفلسطينيين في قطاع غزة، فكان استدعاء النصوص التوراتية القديمة ترسانته المساندة لتأجيج المشاعر الدينية عند الجمهور الإسرائيلي.
في خطاب متلفز يوم الأربعاء 25 أكتوبر الماضي، استدعى نتنياهو «نبوءة إشعياء» في إطار سعيه لمواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة، وقال «نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام، وسينتصر النور على الظلام».


وأضاف نتنياهو «سنحقق نبوءة إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب في أرضكم، سنكون سببا في تكريم شعبكم، سنقاتل معا وسنحقق النصر».
كما استدعى نصا دينيا آخر، حين قال «يجب أن تتذكروا ما فعله عماليق بكم، كما يقول لنا كتابنا المقدس. ونحن نتذكر ذلك بالفعل، ونحن نقاتل بجنودنا الشجعان وفرقنا الذين يقاتلون الآن في غزّة وحولها وفي جميع المناطق الأخرى في إسرائيل».
وكلمة العماليق تحيل إلى قبيلة من البدو الرحل سكنوا شبه جزيرة سيناء وجنوبي فلسطين، وصارت تعني في الثقافة اليهودية «ذروة الشر الجسدي والروحي».
لذلك نقرأ في سفر صموئيل الأول «اذهب وحارب عماليق، اقض عليهم قضاء تاما، هم وكل ما لهم. لا تشفق عليهم، اقتل جميع الرِجال والنساء والأطفال والرضع، واقتل ثيرانهم وغنمهم وجمالهم وحميرهم، وحاربهم حتى يَفنوا».
ويبدو أن مصطلح «كي الوعي» الذي كان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق الجنرال موشيه يعالون أول من استخدمه، ينطبق تماما على هذا التوصيف.
فهذا المصطلح يشير إلى استخدام القوة الطاغية في الانتقام الشرس من قوى المقاومة، بتنفيذ سياسات العقاب الجماعي ضد المدنيين، وسفك الدماء وتدمير المنازل على رؤوس أصحابها، وإعادة الحياة قرونا إلى الوراء.
ومن مضامين هذا المصطلح أيضا استخدام سياسة الحصار والإذلال، والقضاء على مصادر الرزق، ومنع حرية الحركة ومنع الخدمات الصحية، وشن عمليات الاعتقال والتعذيب، في محاولة من جيش الاحتلال لهزيمة الفلسطيني نفسيا وإشعاره بالعجز ليستسلم للأمر الواقع.
ولما كان قادة الاحتلال يحاولون دائما تثبيت مقولة إن الجيش الإسرائيلي «هو أكثر جيش أخلاقي في العالم»، فقد لجؤوا إلى هذه المقولات التوراتية لتسويغ حربهم في غزة واعتبارها «حربا أخلاقية» تهدف إلى إبادة «مجموعة من العصابات التي لا تفهم معنى الإنسانية».
غير أن الحاخام مانيس فريدمان -ربما كان أكثر تصالحا مع نفسه- حين تحدث صراحة عما سماها «قيم التوراة» أو «الطريقة اليهودية» في الحرب الأخلاقية، رافضا ما سماها «الأخلاقيات الغربية» في الحرب.
وقال إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية «دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم».
وتابع أن تلك هي قيم التوراة التي ستجعل الإسرائيليين «النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات (الغربية) المُدمِّرة التي اخترعها الإنسان»، ويؤكد أنها الطريقة التي تشكل «الرادع الوحيد والحقيقي للتخلص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة».
ولم تكن تصريحات وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، التي دعا فيها إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة وإعادة بناء المستوطنات فيه، خارج سياق الفكر التلمودي، بل إنها تعبر عن تيار كبير متغلغل داخل المجتمع الإسرائيلي، ويحظى بنفوذ داخل دوائر صنع القرار السياسي.
ويبرر هذا التيار -الذي تقوده التعاليم التوراتية المحرفة- العنف ضد من يسميهم «الأغيار» من غير اليهود وطردهم مما يزعمون أنها أرض إسرائيل أو قتلهم، فليس أمام هؤلاء الأغيار خيار غير الإبادة أو التهجير، وفق معتقداتهم.
في كتابه «الجريمة المقدسة»، ذكر الدكتور عصام سخنيني أن خطاب الإبادة الصهيوني استخدم التوراة وأسفارها لشرعنة جرائمه وممارسته في فلسطين.
ورغم التعارض الصارخ بين الصهيونية بوصفها حركة علمانية والتوراة بوصفها نصا دينيا، فقد استغلت الأولى الشريعة اليهودية حتى تتحقَّق لها أطماعها الاستعمارية في فلسطين.
وقد اعتقد المسؤولون الإسرائيليون هذه الفكرة، فهذا ديفيد بن غوريون أول رئيس للوزراء في إسرائيل يقول إنه «لا بد من وجود استمرارية من يشوع بن نون إلى الجيش الإسرائيلي». ويشوع -في اعتقادهم- قد مارس الإبادة، حسب نصوص العهد القديم.
ويقودنا الحديث إلى أغنية صدرت مؤخرا بعنوان «أطفال جيل النصر» وهي نسخة معدلة من أغنية «الشرور»، التي كتبها الإسرائيلي الراحل حاييم غوري.
ولا تبدو هذه الأغنية خارجة عن السياق السياسي العام في إسرائيل التي يدعو قادتها إلى إبادة السكان في غزة، إذ يؤدي هذه الأغنية مجموعة من الأطفال، وفيها يحثون جنود الاحتلال على إبادة كل شيء في غزة، وتضمنت كلماتها دعوة صريحة لإبادة جماعية.
وعلق المحلل الجيوسياسي باتريك هيننغسن على كلمات الأغنية قائلا «يحتاج الأميركيون إلى فهم أن الصهيونية هي أيديولوجية عنصرية وإبادة جماعية، تماما مثل أي حركة أو طائفة أخرى للتفوق العرقي».
يحفل التاريخ الإسرائيلي القريب بكثير من المذابح والمجازر التي نفذت ضد الفلسطينيين على مدار عقود، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يذكر المؤرخ العسكري الإسرائيلي أرييه يتسحاقي أن «القوات الإسرائيلية ارتكبت في عام واحد فقط بين عامي 1948 و1949، أكثر من «10 مذابح كبرى» ضد سكان الأرض، لكن نادرا ما وصفت تلك المذابح على المستوى السياسي بأنها حرب إبادة.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: قطاع غزة بنيامين نتنياهو إبادة الفلسطينيين

إقرأ أيضاً:

سيدة بريطانيا الأولى.. يهودية متدينة ولديها عائلة في إسرائيل

بعد فوز حزب العمال بالانتخابات العامة في بريطانيا، اقترب زعيم الحزب كير ستارمر من أن يتولى رئاسة الوزراء، وبالتالي ستصبح زوجته فيكتوريا ستارمر السيدة الأولى في البلاد.

وفيكتوريا ستارمر امرأة يهودية، تلعب دورا مهما في تشكيل قيم وممارسات عائلتها، وفقما ذكرت صحيفة "جيروسالم بوست" الإسرائيلية.

وأوضحت الصحيفة أن "فيكتوريا ملتزمة بالعقائد والتقاليد الثقافية اليهودية وتشارك في مكافحة معاداة السامية".

ولدت فيكتوريا ستارمر، واسمها الأصلي فيكتوريا ألكسندر، عام 1963 في شمال لندن.

وكان والدها يهودي بولندي، ووالدتها طبيبة تحولت إلى اليهودية عند الزواج.

ولدى سيدة بريطانيا الأولى عائلة تعيش في إسرائيل، وأعرب كير عن قلقه العميق على سلامتهم أثناء هجوم 7 أكتوبر.

وخلال نشأة فيكتوريا، كانت منغمسة في التقاليد والممارسات الثقافية اليهودية، التي لعبت دورا مهما في تشكيل قيمها ونظرتها للحياة.

وأضافت "جيروسالم بوست"، أنه "في منزل ستارمر تتم مراعاة التقاليد اليهودية، ورغم كون كير ملحدا فإن الأسرة تحتفل بانتظام بالسبت، وهو يوم الراحة الأسبوعي، مع التجمعات العائلية والطقوس التقليدية".

وذكرت صحيفة "جويش كورونيكل"، أن "الأسرة تربي أطفالها على الوعي بهويتهم اليهودية، ويشاركون في مختلف العادات والاحتفالات الدينية".

وأكد كير للصحيفة على "أهمية هذه التقاليد في المنزل، مما يضمن أن يفهم أطفالهما ويقدرون تراثهم الثقافي والديني".

وتنتمي الأسرة إلى الكنيس اليهودي الليبرالي في سانت جونز وود بلندن، مما يعكس مشاركتهم النشطة في المجتمع اليهودي.

وصرح كير للصحيفة: "زوجتي على وجه الخصوص تريد أن يعرف أطفالنا ديانة عائلتها".

والكنيس اليهودي الليبرالي جزء من الحركة اليهودية الليبرالية، وهو فرع تقدمي من اليهودية يشبه اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • تداول صورة لرئيس وزراء بريطانيا الجديد بـ"الكيباه" اليهودية.. وإسرائيل تهنئ
  • إسرائيل تهنئ رئيس وزراء بريطانيا الجديد بعد تداول صورة له بالزي اليهودي
  • معلومات عن كير ستارمر رئيس وزراء بريطانيا الجديد.. أسرته يهودية ويؤيد إسرائيل
  • سيدة بريطانيا الأولى.. يهودية متدينة ولديها عائلة في إسرائيل
  • إبادة عرقيّة وإبادة مجتمعيّة
  • فلسطين والنِّكروبوليتيكس: هل يملك أحد الحق في قتلنا؟
  • مندوب فلسطين بالجامعة العربية يدعو لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة
  • ‏نتنياهو: قادة إيران يقفون وراء محور القتل والحرب
  • كيف يحاول الاحتلال إبادة الوجود الفلسطيني من التاريخ؟!
  • الأمم المتحدة: محاكم "إسرائيل" بالضفة توفر غطاء لتعذيب الفلسطينيين