فيصل الباقر

مدار أوّل:
“وما الحربُ إلّا ما علمتم وذُقتم .. وما هو عنها بالحديث المرجّم .. متى تبعثوها تبعثوها ذميمة .. وتضر إذا ضريتموها فتضرم .. فتعرككم عرك الرحى بثقالها .. وتلفح كِشافاً ثمّ تحمل فتُتئمِ .. فتنتج لكم غِلمان أشأم كُلّهُمُ .. كأحمر عادٍ ثُمّ تُرضع فتفطم” ((زهير بن أبي سلمى))
-1-
أكتب صباح اليوم الإثنين 20 نوفمبر 2023، والعالم من حولنا يحتفل بـ((اليوم العالمي للطفل)) فى يوم (20 نوفمبر) من كل عام .

. ويأتي الإحتفال هذا العام تحت شعار “لكل طفل .. كل حق”، حيث يوفر هذا الشعار للأطفال التمتع بالحقوق بشكلٍ تام، وقد سبقه فى العام السابق 20 نوفمبر 2022، الإحتفال تحت شعار “الشمول … لكل طفل” .. ويذكر التاريخ هذا اليوم من عام 1954، باليوم المجيد الذي أُعلن فيه “يوم الطفل العالمي”، والذي جاء – يومها – وِفق توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثمّ توالت الأحداث والمناسبات والأجندات الأُممية، فى رحلة البحث الجاد عن إحترام وتعزيز حقوق الطفل، فى العالم أجمع، فتبنّت الأمم المتحدة عام 1959، النسخة الموسعة من النص، بإضافة عشرة مباديء جديدة، لتعزيز حقوق الأطفال.
-2-
وجاء اليوم الأعظم، والنصر الأكبر، فى 20 نوفمبر 1989، بإقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لـ((اتفاقية حقوق الطفل)) بموجب معاهدات حقوق الإنسان، التي أقرت الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والصحية والثقافية للـ(الأطفال)، فتمّت دعوة جميع الدول، إلى التصديق والإمتثال بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وما زال الطريق طويلاً أمام جهود النضال العالمي، لتحقيق المزيد من الحقوق والرفاه والحماية للأطفال والطفلات، وبخاصةٍ فى عالمٍ تدمره الحروب، وتحرم أطفاله – عنوةً – من السلام، الأمن والأمان والإطمئنان، والحلم المشروع بالمستقبل السعيد!.
-3-
ثُمّ جاء البروتوكولان الإختياريان فى عام 2020، لاتفاقية حقوق الطفل، لزيادة الحماية للأطفال، من العنف أثناء النزاعات المسلحة، ومن البيع، والإستغلال فى البغاء، وفى المواد الإباحية، وقد أُقرّ فى عام 2014، بروتوكولاً إختيارياً ثالثاً، يتيح للأطفال “رفع شكاوي” بصفة مباشرة إلى ((لجنة حقوق الطفل)).
-4-
كما أنّ هناك آليات إقليمية، تمضى فى ذات المنحي الأممي لتعزيز حقوق الأطفال والطفلات، وتعني بحمايتهم/ ن، لم نتعرض لها فى هذا المقال والمقام، المكرّس للإتفاقية الأُم، والبروتوكولات الأم، المعنية بحقوق الطفل فى أزمنة النزاعات المسلحة، وربما نعود لهذه الآليات، ولذكرها بالخير، فى مناسبات أُخري، ومن أهمها ومقدمتها ((الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته)) الصادر فى عام 1990، عن ((منظمة الوحدة الأفريقية)) “وقتها”، والتي أصبحت لاحقاً ((الإتحاد الأفريقي))، وقد بدأ العمل به فى 29 نوفمبر 1999.
-5-
أتت كل هذه الجهود الأممية لتعزيز ((اتفاقية حقوق الطفل))، بالبروتوكولات الإختيارية، بقصد حماية الأطفال فى أوقات الحرب وأثناء النزاعات المسلحة، ولتاكيد وضمان حماية الأطفال والطفلات من التجنيد فى الجيوش والمليشيات – البعض يسميها “الحركات” – المسلحة، ولضمان حماية الأطفال والطفلات من البيع والإستغلال، بما فى ذلك، الإستغلال الجنسي، أثناء النزاعات، مضافاً إلى تمكين الأطفال والطفلات من تقديم الشكاوي إلى ((لجنة حقوق الطفل))، كما أسلفنا من قبل، وهي الهيئة الأممية الرقابية، غير القضائية، المسؤولة عن مراقبة تنفيذ أحكام اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكوليها الإختياريين، ومهامها ملزمة للدول الأطراف فى الإتفاقية، والتي يجب أن تلتزم بإجراءاتها ((المادة 44 من اتفاقية حقوق الطفل)).
-6-
نقول هذا، ولن ننسي أن نذكّر أن السودان دولة مُصادقة على ((اتفاقية حقوق الطفل))، و((الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته )) الذي بدأ العمل به فى 29 نوفمبر 1999. وكل هذا وذاك، يلقي على طرفي الحرب الكارثية فى السودان، كامل المسئولية القانونية، وكل تبعات عدم الإلتزام تجاه حماية الأطفال، وفق ((القانون الدولي لحقوق الإنسان))، فى أزمنة السلم، وكذلك، وفق ((القانون الدولي الإنساني))، فى أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، ويعني هذا، عدم تجنيد الأطفال أو إستغلالهم، بأيّ شكلٍ من الأشكال فى الحرب.
-7-
هذا يعني ببساطة، إنّ مسؤلية زيادة حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، تقع على طرفي النزاع المسلح الدائر فى السودان منذ 15 أبريل 2022، دون أدني احترام لحقوق الأطفال والطفلات، وهذا يشكّل انتهاكاً بائناً وصريحاً لحقوق الأطفال والطفلات، يجعل مرتكبوا هذه الجرائم، مُسائلين وفق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بما فى ذلك، القانون الدولي لحقوق الإنسان، ووفق القانون الدولي الإنساني، ولن تمر هذه الجرائم المرتكبة بحق الطفولة والأطفال والطفلات فى السودان، بغير حساب، طال الزمن أم قصّر!.
-8-
نعم، أكتب صباح اليوم الإثنين 20 نوفمبر 2023، أي بعد سبعة أشهر، وخمسة أيّام، منذ أن اندلعت الحرب “المليجيشية” الطاحنة بين (قوات الدعم السريع والجيش)، والتي بلا شك حرمت – ومازالت تحرم – ملايين الأطفال من الحق فى الحياة والحق فى التعليم والحق فى الصحة، بما فى ذلك، الصحة النفسية، والحق فى العلاج، والحق فى عدم إستخدام الأطفال والطفلات فى الحرب، بل، والحق فى أن يتمتع الأطفال والطفلات بالحماية أثناء النزاع المسلح. نقول هذا وهناك عشرات التقارير الموثقة بصورة احترافية عن استغلال الاطفال فى الحرب المليجيشية الطاحنة، وهي جرائم حرب تمر دون مساءلة، ودون أن يرعوي طرفا الحرب، ودون أن يشعر قادة وجنرالات ومليشيات الحرب، بأيّ مسئولية تجاه أطفال السودان وحاضرهم/ ن، ومستقبلهم/ن الذي أصبح وأضحي وبات فى مهب الريح، بسبب هذه الحرب الخاسرة.
-9-
مازلنا نذكر كيف حذّرت – وما زالت تحذر – منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فى تقارير دورية كثيرة منشورة، كان أوّلها بعد شهرٍ واحد من اندلاع الحرب، وثّقت فيه لمقتل 190 طفلاً، قُتلوا بسبب المعارك، فى تلك الأيام، واليوم وبعد سبعة أشهر، ونيف، نعيد السؤال ذات السؤال القديم والمتجدّد، تُري كم من الأطفال والطفلات ماتوا – ويموتون – بعد مرور أكثر من سبعة أشهر، كم عدد من حرموا، وحُرِمن من الحق فى الصحة والصحة النفسية؟!.. كم عدد من حرموا وحرمن من الحق فى الحياة أو التعليم، أو فى السكن الآمن ؟!.. كم من الطفلات بيعن فى الأسواق الجديدة، التي تحدثت عن بعضها التقاير الموثقة ؟!.. كم من الأطفال – دون الثامنة عشر – اُستخدموا وقوداً فى هذه الحرب الكارثية اللعين؟!. كم من الأطفال المفقودين، وكم من الطفلات المفقودات، وماهو مصيرهم، وأين هم/ن الآن، وفى أيّ أوضاعٍ صعبةٍ يرزحن ويرزحون ؟!..كم .. وكم .. وكم ؟!.. إنّها أسئلة مشروعة، ستظل تُلاحق جنرالات الحرب “المليجيشية”، إلى يوم الدين؟!.
-10-
فى اليوم العالمي للطفل، دعونا نختم بالسؤال المشروع فى أوجه جنرالات الحرب هل مات طفلٌ واحدٌ من أطفالكم وطفلاتكم بسبب الطلعات الجوية والقصف العشوائي للبيوت والشوارع والأسواق، أو بنيران المدافع والمسيرات التي تنفقونها فى المزيد من التقتيل والتهجير القسري، أم أنهم/ ن فى مقاركم المحصنة يلعبن ويلعبون؟!… أما يكفيكم سبعة أشهرٍ ونيف، مازال فيها شعاركم المفضّل، كلمات فارغة ووعود زائفة بإقتراب “ساعة النصر”، فى الحرب الخاسرة، التي يسميها بعضكم “حرب الكرامة”، وعن أيّ كرامةٍ تبحثون على جماجم وأشلاء أطفال وطفلات السودان، وفى المقابل يقول بعضكم عنها إنّها حرب الدفاع عن الديمقراطية والانتقال !.
-11-
تُري عن أيّ نصرٍ وانتصار تبحثون، فوق جماجم الأطفال، وأشلائهم المبعثرة فى كل جبهات معارككم الخاسرة.. ما هذا الهراء الذي به تنطقون، وأطفال وطفلات السودان يموتون، جماعات ووحدانا دون أن يرمش لكم جفن، ولا تدمع عين ؟!… فلنرفع الصوت عالياً ضد الحرب، ولنطالب بوقها اليوم قبل الغد، فأطفال السودان هم بذرة مستقبله الذي ننشد ونتطلّع لأن يكون!.
جرس أخير:
“من يعرف الحرب .. لا يدنو لمرقدها .. الريح تعصف .. والكبريت يتّقد .. الحرب نارٌ.. إذا اشتعلت مواقدها.. من يطفىء النار .. لا ينظر لها أحد.. نحن الشعوب .. ضحاياها .. فيا أسفي.. ضعنا.. وضاعت دوننا البلد…” ((نجيب محمد علي))
فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: النزاعات المسلحة القانون الدولی لحقوق الإنسان حمایة الأطفال حقوق الأطفال حقوق الإنسان سبعة أشهر فى الحرب

إقرأ أيضاً:

فعالية توعوية في ثقافي دير الزور بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة مخاطر الألغام ومخلفات الحرب

دير الزور-سانا

بحضور محافظ دير الزور ومدير الشؤون الاجتماعية والعمل.. فعالية توعوية في المركز الثقافي بدير الزور بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة مخاطر الألغام ومخلفات الحرب.

اليوم العالمي لمكافحة مخاطر الألغام ومخلفات الحرب 2025-04-09sebaسابق وفد من سفارتي سويسرا في بيروت وعمان برفقة مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في إدلب فراس كردوش يطلع على واقع عدد من مخيمات الشمال السوريآخر الأخبار 2025-04-08طقس الغد: سديمي مغبر على الجزيرة وشرق سوريا مع هبات رياح قوية على أغلب المناطق 2025-04-08ملك الأردن يؤكد حرص بلاده على دعم جهود سوريا بحفظ أمنها واستقرارها 2025-04-08مياه دمشق وريفها والصليب الأحمر تنفذان مشروع ‏إعادة تأهيل لوحات تشغيل المضخات لنبعي عين الفيجة وعين حاروش 2025-04-08لاعبة نادي الجيش آليسار محمد تحرز المركز الثالث في بطولة أندية غرب آسيا لألعاب القوى 2025-04-08أرسنال في مهمة صعبة أمام ريال مدريد 2025-04-08وزير الزراعة ومحافظ السويداء يشاركان بحملة المليون شجرة “غرسة أمل” 2025-04-08مديرية الحج والعمرة تجري قرعة للمسجلين لأداء ‏فريضة الحج لموسم 2025‏ 2025-04-08بسمة الحرية…أسبوع علاجي مجاني في كلية طب الأسنان بجامعة حمص 2025-04-08منتخب سوريا للشابات بكرة القدم يفوز على نظيره الكويتي بسداسية في بطولة غرب آسيا 2025-04-08وزير الصحة يتفقد سير العمل في مشفى سلمية الوطني

صور من سورية منوعات أول دراسة سريرية بالعالم… زراعة الخلايا الجذعية تحسن الوظائف الحركية لمرضى الشلل 2025-03-26 جامعة ناغازاكي تطور “مرضى افتراضيين” لتدريب طلاب كلية الطب 2025-03-24فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • «الاقتصاد» تمنح «الإمارات لحقوق الموسيقى» رخصة لممارسة نشاط حماية حقوق المبدعين
  • اقتحام ونهب واعتقال.. مفوضية حقوق الإنسان تفتح النار على الحوثيين
  • مليشيا الحوثي تغتال حياة 3 أطفال كانوا يلعبون في فناء منزلهم.. تفاصيل جريمة مروعة ارتكبت في الحديدة (صور)
  • آلاف المفقودين في السودان بعد عامين من الحرب وخبير أممي يؤكد ضرورة حماية المدنيين
  • جمعية الأطفال ذوي الإعاقة تحتفل باليوم العالمي لاضطراب طيف التوحد
  • د. الهمص: الحرب تقتل أطفال غزة والاحتلال يمنع اللقاحات
  • أطفال من غزة يروون قصص نجاتهم من بين فكي الموت
  • فعالية توعوية في ثقافي دير الزور بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة مخاطر الألغام ومخلفات الحرب
  • بوعياش تشتكي تهميش الإعلام لقضايا الإعاقة وتطلق مبادرة وطنية للتميز في مجال الإعاقة
  • تفسير رؤيا الأطفال في المنام لابن سيرين