مسلسل The Crown 6.. شبح ديانا يغطي على التاريخ
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
متابعة بتجــرد: لا يملك المرء حين يُشاهد الجزء الأول من الموسم السادس لمسلسل The Crown، الذي يُعرض حالياً على منصة نتفلكس، إلا أن يفكر في ملك وملكة بريطانيا الحاليين، والرحلة الطويلة جداً التي قطعاها ليصلا إلى هناك، والأمر ذاته مع الأميرين ويليام وهاري، اللذان تحولا إلى مادة دائمة لصحف التابلويد، مثلما كان والداهما، وكأن التاريخ يعيد نفسه، وكأن هذا المسلسل “برنامج واقع” لا يتوقف منذ عقود.
على مدار سنوات، حقق مسلسل The Crown شعبية كبيرة بين قطاعات من الجمهور العالمي، بفضل نفاذه إلى كواليس أكبر مملكة وأطولها عمراً على مر التاريخ، وهي العائلة الملكية البريطانية، وبالتحديد فترة حكم الملكة إليزابيث الثانية، التي رحلت العام الماضي بعد عمر مديد، مخلفة موجة من الحزن والحنين إلى زمن مضى، شغل معظم سنوات القرن الـ20، وشهد أحداثاً جساماً وتحولات هائلة، كادت تعصف بالملكية البريطانية أكثر من مرة، وحملت خلالها الملكة عبئاً لا يمكن تخيله أحياناً.
وعلى مدار 5 مواسم، تنقل المسلسل بين أهم المحطات التاريخية والسياسية، من الحرب العالمية الثانية وحركات الثورات والاستقلال، مروراً بفترة حكم رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر (المرأة الحديدية)، وصولاً إلى سلسلة الفضائح والخيانات التي أحاطت بولديها تشارلز وإدوارد وطلاقهما، والحرب التي اشتعلت بين الأمير تشارلز وزوجته الأميرة ديانا، التي كانت المادة الأساسية لصحف التابلويد، وحتى بداية العلاقة التي ربطت الأميرة الجميلة المحبوبة بالشاب المصري عماد (دودي) ابن رجل الأعمال محمد الفايد.
كان من المفترض أن يتوقف المسلسل الذي تنتجه وتعرضه منصة نتفليكس عند هذا الحد، بما أن ما تلى ذلك أمر معروف، سواء ما يخص العائلة المالكة أو الشأن العام السياسي البريطاني والعالمي، ولكن صُنّاع العمل أعلنوا عن موسم 6 وأخير، يتكون من جزءين، وقد بدأ بث الجزء الأول في 16 نوفمبر الحالي، على أن يبدأ بث الجزء الثاني خلال الشهر المقبل.
هل كان قرار استكمال المسلسل بجزء سادس صائب؟، أم أنه كان ينبغي عليهم الاكتفاء بالأجزاء الـ5 الناجحة؟، يطرح الجزء الأول من الموسم الـستة هذا السؤال، من بين أسئلة أخرى تتعلق بمدى الدقة التاريخية التي يلتزم بها المسلسل، والمقارنة بينه والأجزاء السابقة لا من ناحية الجودة الفنية فحسب، وإنما أيضاً من ناحية المضمون والتركيز الدرامي وبناء العمل ككل.
يتكون الجزء الأول من الموسم الـسادس من 4 حلقات فقط، ولا تزيد فترة أحداثه عن 8 أسابيع، تبدأ من حيث انتهى الموسم الخامس، بقصة تعارف وعلاقة ديانا بدودي الفايد، وحتى وفاتهما المروعة في حادث سيارة داخل نفق في باريس.
يبدو هذا الجزء وكأنه قصة مستقلة، منفصلة، تتراجع فيها الملكة وأسرتها، والخلفية السياسية العامة التي دائماً ما كانت حاضرة في الأجزاء السابقة، ليركز على تفاصيل الأسابيع الأخيرة في حياة ديانا وتأثير سلوكياتها على طفليها وزوجها السابق والملكة.
أول ما يلفت الانتباه هنا، هو الأداء التمثيلي العالي لإليزابيث ديبيكي، التي تؤدي دور ديانا، والذي سبق أن أدته في الموسم الـخامس، لكنها هنا أكثر ثقة واسترخاء، لا تقلد شكلها وطريقة كلامها بقدر ما تتلبس روح وشخصية الأميرة بحضورها الكاريزمي وانفعالاتها الحادة، وتناقضاتها التي لا تهدأ.
ومن بين كل اللواتي قدمن شخصية ديانا، سيظل أداء ديبيكي في هذا الجزء هو الأفضل بمراحل، وهي حاضرة حتى في المشاهد التي لا تظهر فيها، حرفياً، إذ يدور الحديث عن أفعالها، ومن الواضح أن كاتب ومنتج العمل بيتر مورجان (ومعاونيه) كانوا واقعين تحت سحر ديانا خلال كتابة هذا الجزء، بدليل أنهم فعلوا شيئاً ليس له سابقة في هذا العمل، وهو تحويل شخصية ديانا إلى شبح تظهر بعد موتها لتتحدث إلى تشارلز والملكة، وهي حيلة درامية تنقل المسلسل الذي اتسم دائماً بالرصانة والذوق الرفيع إلى حدود الميلودراما والابتذال العاطفي اللذين يسمان مسلسلات Soup Opera، والتي تباهى The Crown دوماً بأنه لا ينتمي إليها.
الميلودراما تتبدى بشكلٍ آخر في الصورة التي رسمت بها شخصية رجل الأعمال محمد الفايد، والتي قام بها الممثل سليم الضو، بطل فيلم “غزة مونامور” وأعمال أخرى مميزة.
يعاني الضو من عدم التمكن من اللهجة المصرية العامية (السوقية) التي كتب بها حواره، ليعبر عن وضعه الطبقي كصعلوك “مُحدث نعمة” يريد أن ينضم إلى طبقة الأرستقراط الإنجليز.
الحوار على الورق مكتوب بشكلٍ جيد يعبر عن الشخصية، ولكنه على لسان الضو وطريقة أدائه يصبح كاريكاتورياً مفتعلاً، ما يجرد شخصية الفايد من الواقعية والتوازن (اللذين تنعم بهما معظم شخصيات المسلسل بكل أجزائه)، ويحوله إلى “شرير” نمطي، وهذا التنميط يرجع من ناحية إلى وجهة نظر صُنّاع العمل الطبقية (إن لم نقل العنصرية) للرجل، ومن ناحية لأداء سليم الضو.
ولست أقول أن الفايد لم يكن يتحدث بهذه المفردات، ولكن بالتأكيد لم يكن ينطقها بمثل هذا الابتذال، ويتأكد ذلك حين نستمع إلى ابنه دودي (خالد عبد الله)، الذي يتحدث العامية بطلاقة وطبيعية.
بعد الانتقادات التي وجهت للموسم الـخامس بوجود أحداث ومواقف تخالف الوقائع التاريخية الثابتة، وضعت “نتفليكس” تنويها بأن العمل “معالجة درامية خيالية”، ولكن تظل هناك مشكلة تتعلق بتلقي العمل، فالمشاهد لا يمكن أن يتوقف عن استقباله كسرد لأحداث وشخصيات حقيقيين، خاصة أن معظمهم لا يزالون أحياء، تتناول وسائل الإعلام أخبارهم كل يوم.
وبالنسبة لمن يعرف الوقائع الحقيقية، فإن تغييرها يمكن أن يكون مزعجاً، وبالنسبة لمن لا يعرفها، فإن هذا التغيير قد يكون مضللاً، هذه الإشكالية تتعلق بالأعمال “التاريخية” عموماً، وليس لها حل تقريباً، ومع ذلك فإن المشاهدين لا يستطيعون مقاومة غواية تجسيد وبث الحياة والمشاعر في أوراق التاريخ الجافة.
هناك الكثير من الأحداث والشخصيات الخيالية في الجزء السادس، وهناك الكثير من التخيل بشأن ما دار داخل الغرف المغلقة وداخل عقول وصدور الشخصيات، ولأن هذا الجزء تحديداً يركز على الحياة الخاصة أكثر من الحياة العامة للشخصيات، فإن المشكلة تبدو أكثر وضوحاً، وأكبر مثال على ذلك ليس مسألة شبحا ديانا ودودي، اللذين يظهران في الحلقة 4، ولكن أيضاً الحوار الطويل الذي يدور بينهما قبل الحادث مباشرة، والذي يؤكد أن ديانا رفضت خطبة وخاتم دودي، وأنه لم يكن سوى لعبة في يد أبيه.
تغلب القصة المأساوية لديانا ودودي على هذا الجزء، وتغيب السياسة -إلا ما يخص تأثير الحياة الشخصية لتشارلز وديانا على شعبية العائلة المالكة- كما تغيب بقية أفراد العائلة، من الملكة التي لا نرى شيئاً سوى ردود فعلها على ما تنشره صحف الفضائح، إلى بقية الشخصيات، الذين يبدون كأشباح، مقارنة بشبح ديانا الأكثر حضوراً!.
main 2023-11-21 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: الجزء الأول هذا الجزء من ناحیة
إقرأ أيضاً:
إسطنبول: المدينة التي حملت أكثر من 135 اسمًا عبر التاريخ
إسطنبول، مدينةٌ عريقة تُعدّ عاصمة العالم. يعود تاريخها إلى 8500 سنة مضت، واستضافت خلال 2700 سنة من تاريخها المدوّن ثلاث حضارات كبرى. كما تُعتبر إسطنبول واحدة من أكثر مدن العالم التي حظيت بتعدد الأسماء. المؤرخ في تاريخ الفن سليمان فاروق خان غونجوأوغلو، الذي تناول تاريخ المدينة في كتابه “كتاب إسطنبول”، قدّم معلومات لافتة بهذا الخصوص.
لا مثيل لها في العالم
في حديثه لصحيفة “تركيا”، الذي ترجمه موقع تركيا الان٬ قال غونجوأوغلو: “إسطنبول مدينة تُبهر الإنسان. ولهذا، امتلكت خصائص لم تُكتب لأي مدينة كبيرة أخرى. فعلى سبيل المثال، أُطلق على إسطنبول عبر التاريخ ما يقارب 135 اسمًا ولقبًا مختلفًا. ولا نعرف مدينة أخرى لها هذا العدد من الأسماء. من بين أشهر هذه الأسماء: “روما الثانية” (ألما روما)، “القسطنطينية”، “قُسطنطينيّة”، “بيزنطية”، “الآستانة”، “دار السعادة”، “الفاروق”، “دار الخلافة”، و”إسلامبول”. كما أن إسطنبول، بتاريخها وأسمائها، ليس لها مثيل في العالم.”
فعاليات في أنحاء تركيا احتفالًا بعيد السيادة الوطنية…
الأربعاء 23 أبريل 2025كل أمة أطلقت اسمًا مختلفًا
أشار غونجوأوغلو إلى أن كل أمة أطلقت على المدينة اسمًا مختلفًا، وقال:
“أطلق اللاتين عليها اسم مقدونيا، والسريان أسموها يانكوفيتش أو ألكسندرا، واليهود دعوها فيزاندوفينا، والفرنجة قالوا عنها يافورية أو بوزانتيام أو قسطنطينية، والنمساويون (النمساويون الألمان) أطلقوا عليها قسطنطين بول، والروس سموها تكفورية، والهنغاريون فيزاندوفار، والهولنديون ستفانية، والبرتغاليون كوستين، والمغول أطلقوا عليها تشاقدوركان أو ساكاليا، والإيرانيون قالوا قيصر الأرض، والعرب سموها القسطنطينية الكبرى (إسطنبول الكبرى). ووفقًا للحديث النبوي الشريف، فإن اسم المدينة هو (قُسطنطينيّة).”