النص المسرحي العماني قضايا وأفكار «1-2»
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
يثار الجدل عن التأليف المسرحي في عمان في كل مرة، وينبع ذلك الجدل من أماكن متباينة، تارة الكتاب أنفسهم الذين ينشغلون بمراجعة كتابتهم للمسرح وللمجتمع، وتارة يُثار ما بين المشتغلين بحقل النقد وقضاياه المتعددة، ثم يتمظهر النقاش حول الموضوع ما بين الجمهور أنفسهم الذين تختلف ردود أفعالهم بعد مشاهدتهم للعرض المسرحي، فهناك من يصرخ قائلا: إن قضية العرض لا تمثّل المجتمع، بينما يذهب آخرون إلى السؤال عن غياب القضايا السياسية ومشكلات الشباب عن المسرح، بينما يكتفي فريق آخر برمي الكرة إلى ملعب الرقابة واشتراطاتها.
في هذه المقالة سوف أعرّج بإيجاز لاستعراض بعض ما أراه يشكّل بعض أفكار الكتاب المسرحيين وقضايا المسرح، منطلقة من أسئلة مفتاحية أرى التفكير بها من طرف الكتاب أسئلة مهمة، وتلك الأسئلة تصلح لمشاريع قادمة للبحوث الأكاديمية المختلفة.
ما قيمة انتماء الكتاب المتحققين أنفسهم إلى المسرح؟ كم عدد المؤلفات والعروض المسرحية والدراسات النقدية المعنية بالمسرح التي اطلع عليها المشتغلون بالمسرح؟ أو من يريدون الانتساب إليه؟
يجمع النقاد المختصون بالمسرح على أن للمسرح خاصية نوعية لا تكون له هوية إلا بها، فالمسرح فن مفارق شديد الخصوصية، يتجسد من خلال مجموعة من العلامات Signes التي تنقسم إلى علامات لسانية وأخرى غير لسانية، وتنقسم غير اللسانية، بدورها، إلى علامات سمعية وأخرى بصرية، وينصهر هذا المجموع من العلامات غير المتجانسة في بوتقة واحدة هي الخطاب المسرحي. ويجري تعريف الخطاب المسرحي على أنه «النظام الذي يحاول أن يقدم موضوعيا فكرة معينة تعبر عن اعتقاد ونظرة كونية للإنسان حول الوجود والحياة، ويعتمد على الإقناع بوسائله الفنية التي تكرّس مشاعر وانفعالات وعواطف المشاهد، إلى جانب إثارة عقله، بهدف خلق التوازن وتطوير الوعي والإدراك. نستنتج مما تقدم، أن للخطاب ثلاث وظائف هي:
وفي سياق آخر يعرف الدكتور الراحل عوني كرومي، في كتابه (الخطاب المسرحي دراسات عن المسرح والجمهور والضحك. دائرة الثقافة والإعلام، ط 1، حكومة الشارقة، 2004م) الخطاب المسرحي أنه ذلك «العمل الممسرح الذي أنجز بهدف الإقناع بأفكاره- أي أفكار العمل المسرحي- عبر أسلوبه وقيمته الفنية وعمق دلالته. ويشتمل الخطاب المسرحي على مجموعة موحدة ومتجانسة من الخطابات؛ الأدبي وبلاغة الخطاب عبر الحوار، والخطاب السياسي من خلال الفكرة، والخطاب الجمالي من خلال الوضعية المسرحية، والشخصية، والدلالية، من خلال الحركة والإشارة والإيماءة، ومكونات العرض المسرحي، والخطاب الاحتفالي من خلال الفعالية الاجتماعية، والخطاب الدرامي من خلال لحظة الحضور الدرامي للفعل». وعطفا على ما تقدم، دعونا نفكر كقراء ومتابعين ومنتسبين إلى المسرح عند أهم ما اشتغل عليه الكاتب المسرحي العماني، وبالنسبة لي فقد تمظهر ذلك في اشتغالين:
الاشتغال الأول: «مضامين وأشكال» واستعير هذا العنوان من أحد مؤلفات المبدع العماني عبدالله حبيب.
الاشتغال الثاني: تركز في تقليد الجماليات الفنية المتعددة، وأحصرها هنا في جماليات الكتابة المدرسية/ الكلاسيكية، والرومانسية والتعبيرية والاجتماعية، وما بعد اللامعقول.
أقف عند الاشتغال الأول لمعرفة بعض القضايا والأفكار التي تناولها النص المسرحي العماني أو «الأشكال والمضامين» وسأحصرها بإيجاز في هذه القضايا.
القضية الأولى: سطوة التراث المحلي بنوعيه المادي وغير المادي، والتراث الإنساني. وفي الأغلب الأعم، التفت أغلب الكتاب إلى استلهام الموروث الشعبي والأشكال الاحتفالية دون تركيز منهم على مفهوم الفرجة وجدنا ذلك عند جيل الرواد في مسرح النادي الأهلي، فعلى بساطة مسرحيات تلك الفترة (الأقرب إلى الإسكتشات) إلا أنهم اهتموا بتوظيف الأغنية الشعبية والأمثال والحكم و«سوالف الناس اليومية»، لإيمانهم بأنها وسيلة فعّالة لمخاطبة وعي الجمهور والتأثير فيه وكسبه، لاسيما، إذا عرفنا موقف المجتمع من صعود المرأة وذهابها إلى المسرح وممارستها فن التمثيل والغناء من المسائل الصعبة في ذلك الوقت.
وينبغي الانتباه هنا، حول هذا الاشتغال -توظيف التراث- أن الوعي بتناول التراث في النص المسرحي العماني منذ عام 1980م بتأسيس مسرح الشباب والانطلاقة الفعلية للحركة المسرحية في عمان، وصولًا إلى نصوص المهرجانات في وقتنا المعاصر ظل المؤلف المسرحي يشتبك مع فكرة التراث متسائلا: هل هو قضية تستدعي الاستغراق فيه؟ أم قضية تتطلب مواجهته ومساءلته؟
فإن الاستغراق في تناول النص المسرحي العماني للتراث، فهذا يشير إلى الجمود والسكون والتعامل معه كمجرد مرجعية وهوية متوقفة وزينة أو اكسسوار. أما إذا واجه مؤلف النص المسرحي العماني فاستنطق تراثه، وتشابك معه، وأدخله إلى المختبر، وشرحه كما يفعل طبيب الجراحة، وشكل منه رأيا وموقفا، فهو الأجدر بتطور النص ووعي الكاتب الجدلي الصاعد، الذي أفاد من التراث عبر اللجوء إلى استثماره كقناع أشبه بغلالة قماش شفافة، ليمرر من وراء تلك الغلالة أفكاره ورؤاه الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية.
ومن ناحية ثانية، اهتم المسرحيون في عُمان إلى جانب تناول تراثهم المحلي، تناولهم قضايا التاريخ العماني والاحتلال الأجنبي لسواحل عُمان وشواطئها، وكما تناولوا أيضا التاريخ العربي، وليس هذا وليد المصادفة، فبالعودة إلى كتاب (مغامرة النص المسرحي في عُمان) يسجل للنادي الأهلي في سبعينيات القرن الماضي تفاعله مع الحركة المسرحية العربية، فتناول المؤسسون بالنادي مسرحيات ذات مضامين تاريخية، وأخلاقية، واجتماعية، وسياسية عربية تتصل بهموم الإنسان العربي وبمصيره التاريخي، فالمسرحي الراحل توفيق الحكيم على سبيل الاستشهاد قدمت له بوجه عام اثنتا عشرة (12) مسرحية، بينما قدم للمسرحي الراحل الفريد فرج أربع (4) مسرحيات.
القضية الثانية: هيمنت قضايا المجتمع العماني التي تبلورت في تجليات اتجاه (المسرح الاجتماعي) ففي بداية عصر النهضة 1970م طرأ على المجتمع العديد من الظواهر الاجتماعية والمتغيرات الاقتصادية التي أدت إلى زعزعة القيم المتوارثة عبر أجيال بانتقاله من مجتمع محافظ في زمن تقليدي إلى مجتمع منفتح في زمن جديد، فظهرت فيه المرأة تنهل من العلم، وتذهب إلى العمل، وإلى المسرح وإلى السينما، ونشأت في الزمن الجديد شركات الاستثمار الأجنبية، وجلبت عاملات المنازل وسائقي سيارات المنازل الخاصة، وانتشرت المباني التي فتحت فيها المقاهي، وتنوع لباس المرأة العمانية، كما تنوع لباس الرجل العماني. وأدى ذلك إلى توسع مشكلات غلاء المهور، والزواج بالخارج للجنسين، والبحث عن فرص ممتازة للعمل، والنزوح إلى العاصمة، وتفشي الأمراض المعدية كالإيدز مثلا. يكتب الدكتور الراحل شبر الموسوي في بحثه (دور مسرح الشباب في تأسيس المسرح العماني، موقع الهيئة العربية للمسرح، 06/ 2016م، حول هذه الجزئية ما يلي:
«ناقش كتاب المسرح العماني الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تؤرق فئات كثيرة في المجتمع، وعلى رأسها المغالاة الشديدة في استقدام الأيدي العاملة الماهرة والرخيصة الوافدة من دول شرق آسيا، التي يعاني أغلبها من البطالة والكساد الاقتصادي. وتطرق مؤلفو المسرح العماني كذلك إلى قضايا اجتماعية أخرى كثيرة، منها مشكلة الطلاق وأهم أسبابه الزواج غير المتكافئ، وكذلك حرمان الفتاة من التعليم بحجة التعجيل بزواجها في سن مبكرة».
ومن أمثلة الكتاب الذين سعوا إلى نقد تلك الظواهر ومعالجتها يمكن الاستشهاد بالمسرحي المؤلف والمخرج الراحل محمد الشنفري الذي قدم آنذاك في سنة 1987م رؤيته الناقدة للمجتمع في مسرحية (الفأر)، كما يمكن الإشارة أيضا إلى مسرحيتين أخريين للدكتور عبدالكريم جواد هما: (السفينة لا تزال واقفة، ومخبز الأمانة).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلى المسرح من خلال
إقرأ أيضاً:
(مناوي) الذي لا يتعلم الدرس
الخطاب السياسي لمناوي هو خطاب مرتجل وعشوائي، لكنه يظل عينة مناسبة لفحص المرض، فخطاب مناوي نموذج مكشوف لمستتر مكنون خطاب السودان الجديد، وهو في حالته العارية بلا رتوش المثقفين وفي ذات الوقت بدون حس التعبئة والحشد، وسبب ذلك أن مناوي يرجو منه أن يكون خطابا سياسيا لحركته لكن الخطاب يأتي متفجرا وخطيرا، وخصوصا حين تضيف له حس الهزل والهذر عنده. أن صفة التفجر والعنف هي أصل الخطاب وحقيقته، وأظن مناوي جاهل بذلك ولكن يجب في كل الحالات أخذه بجدية.
فيما يخص مناوي نفسه فليس المقام مناسب لتحليل تام وطويل لحالته، ولكنه اختصارا عبارة عن رجل أعمال سياسي مسلح، يتحرك وفق منطق براغماتي نحو الدولة، حركته حركة عرقية تلبست لباس السودان الجديد وبذلك فهي تحالف مصالح نخبوي هدفه تحقيق العوائد من السياسة، وهذه الحالة يطول شرحها لأنها تختلف في صيغة مناوي البراغماتية عنها في صيغ الحلو وعبدالواحد، ومهما كان فصيغة مناوي قابلة للتسوية وهناك بعيدا ستجد ثوابت معقولة، وربما ارتباط أكثر بعناصر محلية. لكن في كل الحالات تظل هي ظاهرة تحالف مصالح عرقي مسلح لا يحمل أي صفة شرعية للحديث عن دارفور وتحتاج لإصلاح.
المهم بالنسبة لي هو مضمون الخطاب الذي قدمه، ولي فيه ثلاث نقاط، ثم ختام بخلاصة نهائية ونصيحة للرجل وحركته وأتباعه:
أولا: تفسير الصراع:
ثمة خلط مفاهيم كبير يحدث في عقل مناوي لأنه لا يملك فرصة للفهم، ولا يوجد من حوله من يساعده في ذلك، إن مفاهيم مثل لعبة الأمم والتدخل الخارجي واستغلال التناقضات الداخلية هي مفاهيم صحيحة، لكن من يقولها لا يمكن منطقيا أن يردد دعايات الآخرين حول وجود سياسات متعمدة عرقيا ويربطها بالشمال ضمنيا في حديثه، ولو فرضنا جدلا صحة الحديث المبتور عن زمن الإنقاذ، فما معنى ذلك سوى رغبة في ابتزاز الدولة من جديد. دعك عن أن حركة مناوي نفسها تقوم على علة قديمة، فهي حركة عرقية صرفة وارتكبت انتهاكات كثيرة أيضا بل وكانت تصنف جزء من الجنجويد أنفسهم كما أشارت الصحفية جولي فلينت في ورقتها الشهيرة، أيضا فإن اتفاق أبوجا الذي تحدث عنه مناوي ظلم عرب دارفور ومطالبته بنزع سلاح الجنجويد كانت جزء من دعاية غربية، وظفت مناوي ودعته لزيارة أمريكا ووقتها وكان هو قطعة في رقعة شطرنج أو (كلبا في لعبة الضالة) كما قال، كان مطلوبا نزع السلاح من الجميع وفهم مخاوف مجتمعات العرب هناك، وقد كان مناوي يتغاضى عن ذلك ويفكر في قسمة سريعة للسلطة والثروة فالنفظ وقتها كان وعدا بثمن غال وكان مدفوعا بمنظمات وجهات خارجية تساعده فنيا وسياسيا. إن مسألة العمالة لم يكن بعيدا عنها وهي كانت في نوع من التحالف مع مشروع غير وطني، على مناوي أن يعيد القراءة والنظر في تفسير الصراع والتواضع أكثر فمن كان بيته من زجاج لا يرمي الآخرين بحجر، وهذا الفهم سيمنحه قدرة لتشخيص الأبعاد المركبة وفهم كيف أنه قبل يوما أن يكون أداة في يد الآخرين.
ثانيا:خريطة دارفور.
خريطة دارفور التي ظهرت في خطابه أيضا تثير استفزازا كان في غير محله، ومناوي يخدم بذلك خطوطا تقسيمية خطيرة، وحتى لو فرضنا أنه ظنها مسألة خلافية فما معنى بعثها اليوم؟ في الحقيقة فإن خريطة دارفور حدودها شمالا حتى خط ١٦ عرض وتبدأ جنوبا من خط ١٠ عرض، وشرقا حدودها خط ٢٧ ثم غربا حتى خط ٢٢. وأدناه صورة من كتاب موسى المبارك عن دارفور يعود بمصدره لبحث مهم عن تاريخ دارفور للبريطاني لامبن. G.D.Lampen بعنوان تاريخ دارفور. لكن المهم أن مناوي أن مناوي يظن أنه يتحدث بذكاء حين يقول أن أهل دارفور هم وكلوه بهذا الحديث، وهذا ابتزاز وتذاكي خبيث فمناوي لم يفوضه أحد ومن المهم له أن يكون أكثر تواضعا أيضا في هذا الأمر، لا يمكن له أن يتحدث عن السودان ككل وحين يأتي لدارفور يتحدث كأنه الصوت الوحيد.
ثالثا:مراجعات مطلوبة.
ما سبق هو مناقشة لماورد في خطابه لكن القصة أكبر من ذلك، مطلوب من مناوي وحركته مراجعات أعمق كنت قد طالبتهم بها من قبل، إن مسألة تحرير السودان، والأبعاد العرقية في التفسير، وابتزاز السلطة وعدم الوعي بالمخطط الخارجي كل ذلك يمنع تحول مناوي من براغماتي ذو بوصلة وطنية إلى وطني حقيقي، فالحالة الأولى قابلة للانتكاس في أي لحظة.
الختام:
على مناوي وحركته ضبط الخطاب جيدا، ويجب أن يترك طريقة الهذر والسخرية والارتجال والعشوائية وإدعاء الخفة والمرح، ليكون مسؤولا عن أفعاله وخطابه، المسألة ليست هذرا ولعبا بل مسؤولية وجد، وعلى أعضاء حركته ألا يكونوا مجرد حراس لمصالح وموظفين برواتب أمام مديرهم التنفيدي، بل عليهم مراجعة هذا المدير التنفيذي وتطوير وعيهم بهذه الأمور.
نقول ما سبق لأننا نؤمن إيمانا قاطعا، بأن ما يوحد السودان أعظم وما يجعل المصير مشتركا أكبر بكثير وأن كل مداخل التفكيك متشابهة كيفما كانت، سواء من الشمال أو الغرب أو الشرق، فإنها ستتوسل مفاهيم مضللة في تفسير الواقع، ثم وةتغذي هذه الحالات بعضها البعض بردود فعل ومتتالية هندسية تصاعدية تفكك البلد وتخدم الغير. مناوي إذا لم يتطور فهو جزء من هذه المتتالية وفي كل الحالات فإن مجتمع دارفور ومعنى وجودها في التاريخ السوداني كل ذلك أكبر من مناوي ومن حركته.
هشام عثمان الشواني
الشواني