لجريدة عمان:
2025-04-15@21:01:40 GMT

نوافذ :العلم والمعرفة وفقدان الذاكرة

تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT

ashuily.com

في بعض الأحيان التي أنسى فيها بعض المسميات والمصطلحات أو حتى الأحداث التي وقعت قبل يوم أو يومين، يتندر بعض من إخواني الصغار والكبار بأنني سائر في ذات المسار الذي سار عليه والدنا الراحل -رحمة الله عليه- وهو اكتشاف إصابته بمرض الزهايمر في وقت متأخر من سني حياته.

في بداية الأمر لم نكن نفقه ما يعنيه هذا المرض وهو اضطراب دماغي يدمر ببطء الذاكرة ومهارات التفكير لدى الشخص المصاب وصولا إلى أن يصاب الشخص المصاب بهذا المرض فاقدًا أي حركة يمكن أن تعينه حتى على أداء أبسط المهام، منها على سبيل المثال القدرة على التحكم في إراقة البول فضلا عن فقدان تام للذاكرة وعدم تذكر أي شيء من حوله.

رويدا رويدا بدأتُ شخصيًا في القراءة حول الزهايمر والخرف ومسبباته والعلاجات المناسبة، وطرق التعامل مع المريض، وتقديم الرعاية الأولية له، ولقد كان لعمليات التثقيف والقراءة والاطلاع وسؤال المختصين في مجال الطب السلوكي والشيخوخة من العوامل التي ساعدتني على فهم الحالة التي يعاني منها والدي وكيفية وقاية نفسي بعد ذلك من هذا المرض إن كان للوراثة عامل في هذا كما يذهب بعض العلماء.

هذه النقطة الأخيرة هي ما أثارت قلقي كثيرا، وهي هل يمكن أن أصاب بالخرف والزهايمر إن كان أحد من الأقارب أو الوالدين مصابا به؟ أم أن الوراثة لا علاقة لها بهذا الموضوع خصوصا وأنني عند تتبعي لشجرة العائلة وجدت أن بعضا من الفروع والأغصان قد أصابها ذات المرض، وباتت حاملة لذات العدوى إن صحت تسميتها بالعدوى، والعامل الآخر الذي كرست نفسي للقراءة فيه وسؤال المختصين عن طرق الوقاية الناجعة من الخرف والزهايمر، وكيف يمكن أن أقي نفسي أولا، ومن ثم عائلتي بعد ذلك من الوقوع في ذات المرض إن كان ثمة حيلة أو مخرج لهذا الموضوع.

مما قرأت أنه يمكن بناء ما يسمى بـ «الاحتياطي المعرفي» الذي يمكن أن يكون بمثابة الحصن الحصين ضد الإصابة المبكرة بالزهايمر وإن لم يثبت حتى اللحظة نجاعة هذا الاحتياطي في صد غارات الشيخوخة المبكرة والخرف وفقدان الذاكرة. من ضمن ما حدده الأطباء والباحثون في موضوع بناء الاحتياطي المعرفي الواقي والمطيل للذاكرة أن العلم والتعلم والقراءة وأعمال العقل والتفكير تعد عاملًا رئيسيًا من عوامل تأخير الشيخوخة وهذا ما وجده الباحث «ياكوف سترين» من جامعة كولومبيا من أن «الأشخاص الحاصلين على تعليم عال أو مهنة بها تحديات فكرية كانوا أقل عرضة للإصابة بالزهايمر» وهنا يمكنني أن أشاطر الباحث في استنتاجه واتفق مع ما ذهب إليه من خلال من عاشرت من المصابين بالزهايمر ممن أعرف ممن كانوا من غير المتعلمين، وكانت حصيلتهم المعرفية قليلة أو ضئيلة، ولم تكن المهنة التي يمتهنونها مما يتطلب فيها أعمال عقل وفكر، ويتفق هذا العامل مع عامل آخر يرفع من نسب الاحتياطي المعرفي ألا وهو كثرة القراءة والكتابة التي عدها الباحثون بأنها من المحصنات التي تؤخر المرض، حيث إن القارئ والكاتب يستعمل كثيرا عقله في التفكير وهذا ما يقلل من نسب تآكل أو تدمير لخلايا المخ والتفكير وهذا ما أقوم به شخصيا، وأسعى في الانكباب عليه من تخصيص أوقات أطول للقراءة والكتابة حتى في أشد الأوقات زحامًا. المواظبة على أداء النشاط الرياضي البدني والاحتفاظ بجسم وقوام سليم بعيدًا عن الترهلات والدهون واختيار الأكل الصحي المناسب عوامل عدها الباحثون من الأسباب التي يمكن أن ترفع من الاحتياطي المعرفي وإن كان من إشارة إلى هذه النقطة فإنني أذكر أن بعضا من النصائح والعلاجات التي كنت أبحث عنها لوالدي -رحمه الله- كانت زيت جوز الهند وفوائده الصحية العالية للدماغ وقدرته على تحسين الذاكرة أو الإبطاء من تآكلها وإن كنت لا أدري صحة هذا المعتقد من عدمه.

التواصل الاجتماعي والاندماج مع المجتمع ولمة العائلة والأسرة الصغيرة والكبيرة من العوامل التي قال عنها الباحثون بأنها من الاحتياطيات المعرفية إضافة إلى نقطة أخيرة شدتني قراءتها وسمعتها لأكثر من مرة وهي أن تعلم لغة ثانية أو ثالثة تزيد من فرص عدم التعرض المبكر للزهايمر، حتى تعلم المهارات واكتساب المهن وممارسة العمل البدني من العوامل التي قيل بأنها تحصّن المرء من الخرف المبكر.

أرقام المصابين بفقدان الذاكرة والخرف في ارتفاع مستمر على المستوى العالمي وأعدادهم تزيد يوما بعد يوم والمؤشرات على وجود علاج ناجع لوقف نزيف ضمير وتآكل خلايا المخ تكاد تكون معدومة باستثناء بعض النصائح التي يسوقها الباحثون والعلماء في كيفية الحفاظ على ذاكرة حديدية قوية تستمر لأعوام طويلة قبل أن يأكل الدهر منها ويشرب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن إن کان

إقرأ أيضاً:

بين الحبر والحنين.. أحلام مستغانمي حكاية امرأة كتبت وطنها من الذاكرة

لم تكن أحلام مستغانمي، التي يحل اليوم عيد ميلادها، مجرّد كاتبة، بل ذاكرة حيّة لجيل بأكمله، جيلٍ عاش بين صوت الرصاص وصوت القصائد، بين فقد الوطن وفقد الحبيب.

وُلدت أحلام مستغانمي في 13 أبريل عام 1953، في مدينة تونس، حيث كانت عائلتها لاجئة بسبب نضال والدها السياسي ضد الاستعمار الفرنسي، والدها، محمد الشريف مستغانمي، كان مناضلاً جزائريًا، شارك في الثورة وكان من أوائل المعتقلين السياسيين، مما جعل تأثير الوطنية حاضرًا بقوة في حياتها منذ الطفولة، كانت تربيتها خليطًا من الصمت الذي فرضه القمع، والصوت الذي علمها والدها ألا تخنقه مهما كان الثمن.

بعد الاستقلال، عادت العائلة إلى الجزائر، وهناك بدأت أحلام حياتها في ظل مجتمع كان لا يزال يُعيد ترميم نفسه من آثار الاستعمار، درست الفلسفة في جامعة الجزائر، وكانت أول امرأة جزائرية تُقدّم برنامجًا إذاعيًا باللغة العربية، بعنوان "همسات"، جذب إليها جمهورًا كبيرًا، خاصة من فئة الشباب، لكنّ هذا النجاح أثار حسد البعض، لتجد نفسها مجبرة على مغادرة الجزائر إلى باريس، بحثًا عن حرية الكتابة والحياة.

في المنفى الباريسي، بدأت أحلام رحلتها الأدبية الفعلية، أصدرت ذاكرة الجسد عام 1993، وهو العمل الذي قلب الموازين، وأحدث ثورة في الأدب العربي النسوي، حتى نزار قباني قال عنها: "روايتها دوختني.. وأنا نادرا ما أدوخ أمام رواية من الروايات، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني وخارج على القانون مثلي.. ولو ان أحدا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة".
ويتابع نزار قباني قائلا: "هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها (تكتبني) دون أن تدري لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها وشراسة لا حد لها.. وجنون لا حد له.. الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور بحر الحب وبحر الجنس وبحر الايديولوجيا وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها، ومرتزقيها وأبطالها وقاتليها وسارقيها، هذه الرواية لا تختصر (ذاكرة الجسد) فحسب ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري والحزن الجزائري والجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي، وعندما قلتُ لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام، قال لي: لا ترفع صوتك عالياً.. لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميل عنها فسوف تجنّ... أجبته: دعها تُجن.. لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين".

ثم توالت الأعمال: فوضى الحواس، عابر سرير، نسيان.com، والأسود يليق بكِ، كتبت عن الوطن، عن الحنين، عن الفقد، عن المرأة التي لا تنكسر رغم الحب، والتي تحب رغم كل شيء، جعلت من اللغة العربية مسكنًا للألم، ومن السرد ملاذًا للضعفاء والحالمين.

أحلام مستغانمي ليست فقط كاتبة تبيع ملايين النسخ، بل أيقونة ثقافية، تحمل في قلمها جراح وطن، وصرخة أنثى، وأمل شعب، أعمالها تُدرَّس في الجامعات، وتُترجم إلى لغات العالم، وتُقرأ كما لو أنها مرآة لقلوبنا.

في عيد ميلادها، لا نحتفل فقط بكاتبة، بل بحكاية كاملة، امرأة عاشت بين المنفى والمنفى، فقررت أن يكون الأدب وطنًا، والحبر سلاحًا، والذاكرة بيتًا لكل من يبحث عن انتماء.

مقالات مشابهة

  • خطوات وقف النسخ الاحتياطي للصور والفيديوهات على الاندرويد والايفون
  • «البنك المركزي»: تراجع نقود الاحتياطي «MO» إلى 2.266 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي
  • فيتامين ك يدعم التعلم ويقي من ضعف الذاكرة
  • ميزة الذاكرة تضاف إلى روبوت الدردشة في واتساب.. ماذا عن الخصوصية؟
  • توقعات بنمو الاقتصاد المصري وارتفاع الاحتياطي الأجنبي لـ 53 مليار دولار
  • محافظ البنك المركزي: «ارتفاع الاحتياطي وتراجع الدين سبب استقرار الأمور في مصر»
  • شكل سرطان المستقيم وأعراضه .. هل يمكن إنقاذ المريض؟
  • بين الحبر والحنين.. أحلام مستغانمي حكاية امرأة كتبت وطنها من الذاكرة
  • النخب السودانية والشيطان المعرفي: قراءة في رؤية أبو القاسم حاج حمد
  • انطلاق المعرض التعليمي لتعزيز الابتكار والاقتصاد المعرفي