الشعوب والحكّام: عن زيف الثنائية المكررة
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
* يتكرر التمييز بين الشعوب والأنظمة طيلة الوقت، ويزداد الإصرار (والتكرار) على ممايزة الطرفين في لحظات كهذه، حيث الشلل العام أمام الأحداث الحالية عقدةٌ يصعب فكّها. ليست المشكلة في التكرار بذاته، الكلام المكرر ليس سيئا بالضرورة. في حديث المبادئ وأدبيات النضال، هناك عبارات تتحول بالتكرار جدارا استناديا لمن يعودون إليها، وهي تمنح أنصارها شعورا بالرسوخ والاستمرار وصلابة الرؤية.
الأمر ذاته في عوالم الإيمان حيث يأخذ التكرار أثرا قُدسيا ووجدانيا. كثيرٌ من طقوس الدين تبدو "عسكرة" لهذه السمة ودفعا لها صوب حدودها القصوى، لكن الأمر مختلف تماما في عالم الأفكار. التكرار هنا يثير الشبهة حقا، ويجعلك تتساءل عمّا يجعل ذات الفكرة تجري على مليون لسان ويلهج بها الكل وكأنها فكرةُ كلِّ واحدٍ منهم، اخترعها بنفسه. نحن هنا أمام حفلة تنكّر، فما يبدو تفكيرا هو في حقيقته فعلُ تذكّر، وليست مَلَكة الفكر النقدي من يعمل هنا، بل ذاكرة المفكّر المزعوم. وبدلا من التخليق والتركيب والتحليل ننتهي لعملية نسخ صمّاء كتلك التي يمارسها صبيان المدارس وهم يكتبون جملة 10 مرات، لا تمرّسا على الإنشاء وإنما على الإملاء. أسوأ ما في هذا التذكّر -المتنكر بهيئة التفكير- أنه يمنح صاحبه حسا زائفا بفهم الواقع، بينما الذي يجري هو أن جهة ما فرضت رؤيتها واحتلّت أفكار الناس؛ أفكار الناس التي لا تعود حينها أفكارَهم تماما.
* أول مشكلة في ثنائية "الشعب والحاكم" هو التزييف الذي تمارسه تجاه الواقع. والتزييف هنا لا يحصل بإضافة شيء من خارج الواقع، وإنما بإقصاء شيء من داخله. هذه ثنائية تُلزم مستخدميها بالنظر للمشهد من زاوية بعينها ومن مسافةٍ محددة جدا؛ المسافة التي يظهر الواقع من عندها خطا بطرفين؛ حاكم على اليمين، وشعب على اليسار. وهذا -بشكل عام وفي أي سياق ممكن- هو كل ما يلزم لضبط الوعي العام وتفكير الجماعة: أن تُشرَط منطلقات التفكير واتجاهاته، لا أن تُملَى مقولاته النهائية. تحت سيف هذا الاشتراط، يحصل الوهم الشائع بأن المرء يفكّر حقا، وحُرّا، فيما الواقع أن منطلق التفكير يحدد نتيجة التفكير، والخاتمة تُحسَم بلحظة البدء.
لطالما استُدعيت ثنائية "شعب- حاكم" في أوضاع الشلل العربي، تماما كما هو الحال اليوم. والثنائية مريحة لأنها تعيد إنتاج المشهد وكأنه آتٍ من أدب الأطفال وقصص الناشئة: الشعب الطيب، والحاكم الشرير
* لطالما استُدعيت ثنائية "شعب- حاكم" في أوضاع الشلل العربي، تماما كما هو الحال اليوم. والثنائية مريحة لأنها تعيد إنتاج المشهد وكأنه آتٍ من أدب الأطفال وقصص الناشئة: الشعب الطيب، والحاكم الشرير. ويظهر الشعب هنا وكأنه على شفير الانخراط في معركة كبرى (أو حتى معارك صغرى) لولا النظام القاهر الذي يمنعه بالقوة. هنا تحديدا تزول البراءة المحيطة بثنائية الشعب والحاكم ويظهر جانب من زيفها: أن "العدوّ" غائبٌ عنها وقابعٌ خارجَها ولا يمكن مواجهته قبل أن نحلّ استعصاء شعب-حاكم. ويحصل انزياح فوري للمسألة من مواجهة عدوّ خارجي لحلّ تعقيد داخلي، وتنطلق الأدبيات المكررة حينها عن أهمية الديمقراطية والانتخابات والتمثيل البرلماني وتحرير الفضاء العام وقيمة الحريات. بعد حلّ هذه الإشكالات فقط، يُمكن أن يُفتح الباب أمام انخراط الجماهير في الفعل النضالي ضد العدو.
* لا يتوقف الأمر هنا لأن الثنائية (وما يرافقها من ملاحق) تحمل تبريرا ضمنيا للشلل الحاصل، فالشعب "معذور" لأنه يخشى على قُوْته ورزقه وأمنه الشخصي أمام أجهزة الحاكم الأمنية. والواقع أن هذه الهواجس -التي تشل حركة الشعب- هي ذاتها ما يدفع نظامه السياسي لمنعه من التظاهر والتجمهر والعمل الميداني، ناهيك عن أي نشاطٍ عسكري. النظام أيضا يخشى على القوت والرزق والأمن العام؛ كيف لا وبنية كثير من دولنا تقوم برمّتها إما على دعامة اقتصادية غربية، أو ضمانات أمنية- عسكرية أمريكية. وعليه، فالتوتر المدّعَى بين طرفيّ (شعب- حاكم) ليس بتلك الدقة، والناس هنا حقا على دين ملوكها، والخوف على الأرزاق والأمن يجعل قطاعا واسعا من الجماهير أقرب لقيادته مما يوحي به التمييز الإنشائي بين الشعب والنظام.
* هناك تضليل آخر تمارسه الثنائية المذكورة، وهذه المرة من داخلها وبمعزل عن العدو ومفهومه، فالشخصنة الكامنة في تعبير "حاكم" تسطّح أشياء كثيرة وتحجب الامتداد البشري العريض لهذه الأنظمة، في جيشها وأجهزتها الأمنية ووحشها البيروقراطي الكبير. هذه الكتل البشرية المؤسسية ليست حتما على قلبٍ واحد، لكنها نبع الولاءات الأول للنظام الحاكم ومصنع قاعدته الاجتماعية. فجأة، لا يعود الشعب متمايزا حقا عن نظامه، فهذا الأخير له حصةٌ كبيرة في شعبه، وأي محاولة لكسر الشلل النضالي تستوجب مواجهة بين قطاعات اجتماعية، وليس بين شعب ونظام فحسب.
* كل هذا لا ينفي حقيقة "المزاج الشعبي" والاحتقان الذي يهيمن على قطاعات واسعة من الجمهور، لكن شلل هؤلاء وعجزهم عن اجتراح الفعل الجماعي اللازم يبقى أكبر الأسئلة: ما الذي يمنع هذا الوجدان الجماعي من التآزر والخروج من هامش التاريخ. من الواضح أن عقودا من الحرب على مفهوم الأمة وتسخيف الشعار الوحدوي والهجوم على فكرة "القضية المركزية" وتعميم المركزيات المحلية بديلا عنها، مِن الواضح أن كل هذا حقق إنجازا ما بالنهاية، فالمقياس هنا ليست المشاعر الفردية تجاه رابطة الأمة، وإنما مقدرة تلك الرابطة الوجدانية على تحريك أصحابها وجعلهم مستعدين للتضحية.
هكذا، تبدو مواجهة العدو استحالة آتية من خارج العدوّ نفسه، ومن خارج إرادة الجماهير، ومعقودة بجدار أصمّ يقف الناس أمامه، لا يملكون منه حولا ولا قوة. نحن هنا أمام طبقات من الأوهام الدفاعية التي تتمترس خلفها القوى المسيطرة والضامنة لديمومة الشلل؛ القوى التي يختلط فيها العدو الخارجي بالسلطة العربية القائمة وبقطاعات اجتماعية موالية، كلها سويا على قلبٍ واحد
* لقد لعبت الانتفاضات العربية مطلع العقد الماضي دورا كبيرا في شحن الخيال الجماعي بفكرة الشعب، وبدت الجماهير تبعا لذلك -وبحقّ تام- كائنا أثيرا خارجا من ملاحم التاريخ. يقف هذا الخيال اليوم أمام ذات الكتلة الشعبية وقد تحوّلت مثالا للنقيض الكامل: للشلل المطبق. ما الذي صنع هذا التباين في قرابة عقد من الزمن؟ ليس هذا سؤالا جديدا، وقد تراكمت على أعتابه إجابات كثيرة، بدءا من نجاح الدولة باحتواء الفضاء الرقمي (إحدى أهم أدوات التمكين وقت الانتفاضات الأولى)، ومرورا بتوطّد اليأس الجماعي بعد الفشل العارم لمحاولات التغيير، وانتهاء بدور الخارج، الدولي والإقليمي، في كل ما جرى. وكعادة هذا النوع من الإجابات، فما من سبيل لفحص أيٍّ منها تجريبيا. لكن يبقى شيءٌ واحد جدير بالقول على مسافةٍ منها جميعا، وهو أن عضلة الفعل الجماهيري عضلة لا إرادية بالكامل ولا يمكن الركون إليها كحتمية ضمن أي ظرف مهما بلغت شدته، وأن الشاعرية التي لفّت مفهوم الشعب وإرادته استَهلكت نفسَها عربيا حتى بوصفها أداة دعايةٍ وتحشيد.
* ليست إشكالية هذه الثنائية (شعب- حاكم) مقصورة على سوء تصويرها للواقع، وإنما -وهذا الأسوأ- في شلِّها للقدرة على محاربة الشلل: في تصديرها -أولا- للمسؤولية الفردية والجماعية صوب سلطة تحلّق فوق الإرادة المجتمعية، ثم في فصل تلك السلطة عن منظومة العدو الكليّة وتحالفات قوته المهيمنة وآليات فرضها. هكذا، تبدو مواجهة العدو استحالة آتية من خارج العدوّ نفسه، ومن خارج إرادة الجماهير، ومعقودة بجدار أصمّ يقف الناس أمامه، لا يملكون منه حولا ولا قوة. نحن هنا أمام طبقات من الأوهام الدفاعية التي تتمترس خلفها القوى المسيطرة والضامنة لديمومة الشلل؛ القوى التي يختلط فيها العدو الخارجي بالسلطة العربية القائمة وبقطاعات اجتماعية موالية، كلها سويا على قلبٍ واحد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشعوب فلسطين الاستبداد الشعوب العلم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من خارج
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة: اليمن يسعى لبناء وتطوير قدراته وحقق نجاحات مذهلة يشهد لها الواقع والأعداء
الوحدة نيوز/ أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن الشعب اليمني يسعى على الدوام لبناء وتطوير قدراته العسكرية، وحقق نجاحات مذهلة يشهد لها الواقع والأعداء.
وجددّ السيد القائد في كلمة له عصر اليوم حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية، التأكيد على أن الشعب اليمني سيواصل إسناد غزة، ودعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
وقال “إن المعركة مستمرة، والحضور فيها يُعبر عن هذا الإيمان والعطاء والجهاد والاستجابة العملية لله سبحانه وتعالى، والمؤمل من الشعب العزيز بانتمائه الإيماني أنه سيواصل بكل اهتمام، وبكل جد وعزم وثبات ووفاء وصدق وابتغاء مرضاة الله”.
ودعا قائد الثورة أبناء الشعب اليمني العزيز إلى الخروج المليوني يوم غدٍ الجمعة في ساحات ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء وبقية المحافظات والمديريات، استجابة لله عز وجل ونصرة للشعبين الفلسطيني واللبناني وإسنادًا لمقاومتهما الباسلة.
وأضاف “عمليات شعبنا وأنشطته الشعبية مستمرة، والخروج الأسبوعي هو متكامل مع كل هذه الأعمال والتحركات والأنشطة والخروج الأسبوعي ضمن كل الأنشطة والأعمال، حياة، عزة، قوة، بناء، تربوي، استعداد نفسي استجابة لله في إطار موقف متكامل رسميا وشعبيا”.
وتحدث السيد القائد عن جبهة يمن الإيمان والحكمة والجهاد التي قدّمت عشرات آلاف الشهداء في إطار التوجه الإيماني القرآني الجهادي من صفوة الشعب اليماني من مختلف المحافظات اليمنية.
وبين أن الشعب اليمني قدّم من القادة الأبرار ومنهم الشهيد صالح الصماد الذي تحركه في موقع المسؤولية رئيسًا لليمن وتحرك كجندي في سبيل الله، مضيفًا “شعبنا العزيز في مختلف المراحل منذ عام 2004 وإلى اليوم وهو يقدم الشهداء بروحية إيمانية ويصنع الانتصارات”.
وأشار إلى أن اليمن بعطائه الكبير يقف اليوم في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، موقفًا عظيمًا ومميزًا رسميًا وشعبيًا، وتحدى أمريكا ببارجاتها وأساطيلها الحربية في البحار بعد أن أعلنت عليه العدوان وثبت ولم يتراجع عن موقفه أبدًا.
وأفاد قائد الثورة بأن اليمن استهدف حاملات طائرات أمريكا التي ترهب الكثير من الدول والأنظمة والحكومات وكانت تخيف بها من ينافسها من القوى الدولية، بدءًا من أيزنهاور التي هربت من البحر الأحمر منهزمة ذليلة مطرودة ومستهدفة، وانتهاءًا حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” التي أعلنت البحرية الأمريكية هروبها من بحر العرب بعد إعلان استهدافها.
وأكد أن الشعب اليمني يواصل عملياته في البحار ومنع الملاحة الصهيونية من البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب ويستهدفها إلى المحيط الهندي، واستمرت هذا الأسبوع بالقصف الصاروخي والمسيرات إلى فلسطين المحتلة لاستهداف العدو الإسرائيلي، والعمليات مستمرة.
وأوضح أن بلدنا العزيز يخرج فيه الشعب أسبوعيًا خروجًا مليونيًا يهتف لنصرة غزة وفلسطين وكذا نصرة لبنان، ويتجه مئات الآلاف من رجال اليمن للتدريب والتأهيل والتعبئة ويقدم الإنفاق في سبيل الله بالرغم من الظروف الصعبة ويتصدى لمؤامرات الأعداء بمعونة الله تعالى في كل المجالات.
كما أكد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن المجاهدين من أبناء الأمة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن هم من اختاروا الخيار الصائب الحكيم وينبغي للأمة أن تعزز هذا الاتجاه الذي يحميها من الضياع والاستنزاف من قبل الأعداء.
وتابع “الخيارات البديلة عن الاتجاه الجهادي هي استسلام أو استغلال بيد العدو، واستنزاف وقتال مع الأمريكي كما يفعل البعض”.
واستهل السيد القائد كلمته بالحديث عن الشهداء .. مضيفًا “قضية شهداء مسيرتنا وشعبنا منذ اليوم الأول هي قضية الأمة وفق التوجه القرآني”.
واعتبر الذكرى السنوية للشهيد هي من المناسبات المهمة التي يحييها الشعب اليمني ولها قدسيتها في مضمونها وأهدافها ولها بركاتها وآثارها.
وأوضح أن الذكرى السنوية للشهيد تهدف لترسيخ قيم وثقافة ومكاسب الجهاد والتضحية في سبيل الله تعالى والاستنهاض للأمة تجاه مسؤولياتها، وتمجيد عطاء الشهداء الذي حقق الله به النتائج المهمة للأمة.
ولفت قائد الثورة إلى أن الأمم تمجد من يضحوّن بأنفسهم للخلاص من سيطرة الأعداء ودفع شرهم، ومنزلة الشهداء في سبيل الله تعالى وقيمة الشهادة هي منزلة عالية ومرتبة رفيعة تفوق كل عطاء وتضحية.
وقال “الشهادة في سبيل الله تعالى هي فوز عظيم طالما لا بد من الرحيل من هذه الحياة واستثمار واع لما لا بد من حصوله للإنسان”، مشيرًا إلى أن التكريم العظيم المعنوي والمادي للشهادة ومقامها الرفيع يدل على أهمية الجهاد في سبيل الله وفضله.
وأفاد بأن الجهاد في سبيل الله تعالى هو ضرورة حتمية لكي تسود قيم الحق والخير والعدل والرحمة ولدفع الأشرار وحتى لا تبقى الساحة خالية لهم، مؤكدًا أن سيطرة الأشرار تشكل خطرًا حقيقيًا على المجتمع البشري في كل شيء، في أمنه واستقراره وحياته وإنسانيته.
وتطرق السيد القائد إلى القيم والتعليمات التي قدمها الله لعباده ومصلحة الناس واستقرارهم، وإذا غابت تلك القيم والتعليميات، البديل عن ذلك هم الأشرار، معتبرًا النموذج الذي يمثل الشر والإجرام والنموذج الظلامي المفسد، هو نموذج يستخدم العناوين الجذابة لمجرد الخداع.
وتابع “فئة الشر والإجرام تتمثل في زمننا بالنموذج الغربي وعلى رأسه أمريكا وإسرائيل، ومن يدور في فلكهم من أتباع الصهيونية وغيرها، والكثير من أبناء أمتنا من النخب والمثقفين والأكاديميين والسياسيين يُعجَبُون بما يقوله الغرب وأمريكا والصهيونية”.
ومضى بالقول “ما يقوله أتباع الصهيونية المتوحشة الإجرامية عن الحرية وحقوق الإنسان والحضارة هي عناوين براقة ومخادعة، وأتباع الصهيونية يروجون للعناوين المخادعة على المستوى التنظيري ويقدمونها في جوانب فكرية وتثقيفية وإعلامية، والبعض يتتلمذ عليها”.
وأكد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن من يتحدثون بالعناوين البراقة هم من أفعالهم وسيرتهم وتصرفاتهم وتوجهاتهم في منتهى الإجرام والوحشية والطغيان والإفساد، مضيفًا “البعض ينسى أن الرصيد التاريخي للأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني هو رصيد إجرامي مهول ومُفجع وكارثي وفظيع للغاية”.
وذكر أن الغرب أكثر توحشًا من الوحوش المتواجدة في الغابات، ورصيده الإجرامي هو القتل للملايين من البشر بأسوأ الأساليب، مؤكدًا أن الأمريكي منذ يومه الأول بنى كيانه على الإجرام بإبادة الهنود الحمر السكان الأصليين لتلك المنطقة التي سميت أمريكا.
وأردف قائلًا “المستعمرون المتسلطون الغزاة الأوروبيون، أبادوا الملايين من الأطفال والنساء والكبار والصغار من الهنود الحمر، واتجهوا لاحتلال ما يعرف بأمريكا بإبادة سكانها من الوجود، ومن يقرأ الممارسات الإجرامية لإبادة الهنود الحمر يستغرب ويندهش كيف يمكن لإنسان بقي فيه ذرة من الإنسانية أن يتصرف بتلك الوحشية والطغيان والعدوانية”.
وبين السيد القائد أن لا أحد في العالم يتحدث عن السلام بقدر ما يتحدث عنه الأمريكي وهو الذي أباد في غضون دقائق مئات الآلاف من البشر في اليابان بقنابل نووية، وأحرق مئات الآلاف في فيتنام بالنار وبالقنابل وبالقتل، مؤكدًا أن الأمريكي أباد في العراق مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي ظلمًا وعدوانًا وفعل ذلك بمئات الآلاف من أبناء الشعب الأفغاني المسلم.
وعّد السجل الإجرامي للأمريكي واسعًا جدًا وليس لغيره مثله، كما أن الأمريكي شريك أساسي مع المجرم الصهيوني اليهودي في كل جرائمه التي يرتكبها على مدى عقود من الزمن في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر.
وقال “بريطانيا وفرنسا شاركت الأمريكي في استقدام العصابات الصهيونية اليهودية إلى فلسطين وتجنيدها وتسليحها وتمكينها، والرئيس الفرنسي الحالي ومن قبله جعلوا من أنفسهم الفداء للصهاينة اليهود، وألمانيا تقدم الكثير من قذائف السلاح والدعم السياسي والإعلامي”.
وأضاف “قوى الشر المنضوية تحت لواء الصهيونية اتجاهها الإجرامي ضد أمتنا الإسلامية من منطلق عقائدي ورؤية وتوجه والمدهش حديث بعض السياسيين والإعلاميين العرب عن المجاهدين في فلسطين ولبنان وكأنهم هم من استفز العدو الإسرائيلي، والأمريكي”.
وجدد قائد الثورة التأكيد على أن الأمريكي والبريطاني والأوروبي اتجهوا لدعم الصهيونية كمشروع يؤمنون به لتدمير الأمة الإسلامية، مشيرًا إلى أن الحديث الصهيوني المتكرر عن فلسطين والشام ومصر وأجزاء من السعودية والعراق بهدف السيطرة والاحتلال المباشر.
وتابع “ما يعبّر عنه الأمريكي والإسرائيلي بتغيير وجه الشرق الأوسط يعني التحكم بالجميع بما يخدم المصلحة الأمريكية والإسرائيلية، وعدوانية أمريكا و”إسرائيل” ليست ردة فعل من استفزاز بل هم من ابتدأ العدوان على أمتنا باحتلال الأوطان واستهداف الشعوب”.
وأوضح أن العدو لديه توجه إجرامي مفسد، يستهدف الناس لإفساد حياتهم على المستوى الأخلاقي، ولإفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدًا أن العدو لديه توجه إجرامي مفسد، يستهدف الناس لإفساد حياتهم على المستوى الأخلاقي، ولإفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولفت إلى أن العدو لا يرعوي لأي بيانات من الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية بل يزداد تعنتا وإمعانا في الإجرام، ومجلس الأمن تم تأسيسه بالشكل الذي يخدم العدوان والطغيان والاحتلال والتحكم ونهب ثروات الشعوب، مؤكدًا أن الفيتو الأمريكي بالأمس في مجلس الأمن ضد مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة يعكس النهج العدواني والإجرامي لواشنطن.
وأفاد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بأن القرارات التي تهدف لوقف الإبادة بحق الشعب الفلسطيني غير مقبولة عند الأمريكي الذي لديه توجه عدواني لا سيما تجاه العرب والمسلمين .. مبينًا أن المناشدات والبيانات والقمم الفارغة التي يجتمع فيها زعماء العرب والمسلمين لا جدوى منها.
واستطرد “العدو الإسرائيلي يركز على المستشفيات كأهداف أساسية وكأنها قواعد عسكرية، لأنه يًريد إبادة أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين، ويسعى لإبادة الفلسطينيين بكل الوسائل ومنها التجويع واستهداف الخدمات الطبية ومنع دخول الأدوية وتدمير مقومات الحياة”.
وأكد أن الإبادة في قطاع غزة ليست إسرائيلية فحسب، بل أمريكية مدعومة من فرنسا وألمانيا وبريطانيا ودول غربية، مضيفًا “العدو الإسرائيلي لم يكتفِ باستهداف الفلسطينيين أثناء دخول كميات ضئيلة من المساعدات، بل شكّل عصابات لنهبها”.
وقال “العدو الإسرائيلي يستهدف الجهاز الحكومي في غزة حتى لا يقوم بتنظيم المساعدات الضئيلة جدا التي تصل، لأنه يريد أن تنتشر الفوضى، ويتجلى في واقع الناس أهمية وضرورة العمل لتوفير ما يمثل حماية لهم من العدو الإسرائيلي المجرم”.
وأضاف “نرى مصاديق الآيات القرآنية عن العدو في نهجه الإجرامي ومساعيه لإهلاك الحرث والنسل، لو اتجه العرب التوجه القرآني الإيماني في الجهاد لحمى فلسطين والمنطقة بشكل عام”، مؤكدًا أن العدو يشكل خطورة حقيقية على الناس والشواهد واضحة، وما يشكل ضمانة للأمة وحماية لها هو النموذج العظيم للمجاهدين.
وبين قائد الثورة أن تحرك العرب في المراحل السابقة لم يكن بحجم المسؤولية، ولا بمستوى التحدي والمخاطر ولا وفق رؤية صحيحة، كما أن تحرك العرب سابقًا في مواجهة العدو كان كردة فعل لحظية، يفشلون وانتهى الأمر، ثم يتحركون في مرحلة أخرى بشكل لحظي غير مدروس ولا مسنود.
وتابع “يتجلى في واقعنا أهمية أن تكون الانطلاقة إيمانية جهادية لأنها توفر الدافع الكبير والتقديس للمسؤولية والبصيرة والاستعداد العالي للتضحية”، موضحًا أن القرآن الكريم قدم الأنموذج الراقي الذي يمثل الأمل والخلاص للأمة، والسد المنيع في مواجهة القوى الإجرامية.
ولفت إلى أن الانطلاقة الإيمانية المقدسة غايتها مرضاة الله، ليست غاية مادية أو سياسية وانتهازية لاستغلال الشعوب، كما أن الانطلاقة الإيمانية تجعل المجتمع محط رعاية الله وتأييده يتحركون وفق تعليماته وبالقيم الإيمانية والراقية والأخلاق العظيمة.
وأردف قائلًا “التحرك الإيماني الجهادي يحرر الناس من القيود والمخاوف ويرقى بالأمة إلى مستوى مواجهة المخاطر والتحديات مهما كان حجمها”، لافتًا إلى أن الأمة تراجعت عن الكثير من مبادئها وقيمها وأخلاقها حتى وصلت إلى واقعها اليوم، ولذلك هي بحاجة إلى النموذج الإيماني الجهادي القرآني.
وأشار السيد القائد إلى أن الخيارات الأخرى التي انتهجها العرب فشلت، من مبادرات وتنازلات واتفاقيات، ولم تمثل أي حماية للأمة، مؤكدًا أن الإسرائيلي يتحدث اليوم بكل ثقة أن الأمريكي سيمنحه الضفة الغربية وغزة.
واعتبر الاتجاه الجهادي، هو ناجح في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وفاعليته رغم محدودية الإمكانات فاق الجيوش العربية النظامية التي كانت تهزم هزيمة ساحقة في غضون أيام، مشيدًا باستمرار ثبات المجاهدين في فلسطين في غزة من كتائب القسام والسرايا القدس وبقية الفصائل المجاهدة في التنكيل بالعدو الصهيوني.
وأوضح أن كتائب القسام نفذت 24 عملية خلال هذا الأسبوع وهي عمليات بطولية وعظيمة ومشرفة، منها عمليات جهادية فدائية.
وعدّ قائد الثورة الصمود العظيم لحزب الله والمقاومة في لبنان نموذجًا مشرفًا منذ بداية مسيرة حزب الله الجهادية، وما يقدّمه حزب الله اليوم إنجاز عظيم وهو صامد في وجه عدوان غير مسبوق على لبنان، مؤكدًا أن مجاهدي حزب الله ينكلون بالعدو الإسرائيلي الذي يتكّبد خسائر يومية وهزائم مستمرة.
ومضى بالقول “قبل حزب الله اجتاح العدو الإسرائيلي لبنان في 7 أيام ووصل إلى بيروت، وما بعد حزب الله في هذه المرحلة، العدو له أكثر من شهرين وهو ما يزال يخوض صعوبات كبيرة في القرى الأمامية في الحدود مع فلسطين المحتلة”، مؤكدًا أن حزب الله يتحرك بشكل فعال، ومجاهدوه يشتبكون مع العدو الإسرائيلي من المسافة صفر ويطردونه وينكلون به.
وأوضح أن مقاومة حزب الله تمطر المغتصبات، وتصل عمليات القصف الصاروخي حتى إلى يافا المحتلة والعدو الإسرائيلي في حالة رعب شديد، وملايين الإسرائيليين يهربون في الليل والنهار إلى الملاجئ، وصفارات الإنذار لا تكاد تتوقف، مؤكدًا أن فاعلية مجاهدي حزب الله تعود إلى الصلة الإيمانية والروح الجهادية.
وعرّج على الجبهة العراقية ودورها في تنفيذ العمليات ضد العدو الصهيوني، مشيرًا إلى أن المقاومة الإسلامية في العراق نفذت 18 عملية هذا الأسبوع وهي في تصعيد وزخم كبير.