القدس المحتلة- تعمد إسرائيل إلى التحايل على القانون الدولي الإنساني لتبرير قصفها واستهدافها للمنشآت المدنية والمستشفيات خلال الحرب التي تشنها على قطاع غزة.

وتفعل ذلك عبر استعراض أدلة غير مثبتة تدعي من خلالها ضبط أسلحة ووسائل قتالية بهذه المؤسسات التي تحولت إلى ثكنات عسكرية للمقاومة الفلسطينية، بحسب مزاعم الجيش الإسرائيلي.

وفي ظل قصف سلاح الجو والمدفعية الإسرائيلية المنشآت المدنية في غزة، تقول المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إنها تقوم بذلك بموجب ما يجيزه القانون الدولي الإنساني.

وتستغل المصطلحات والتفسيرات بهذا القانون التي تجيز، إذا ما توفرت الأدلة والإثباتات الراسخة، استهداف أي منشأة مدنية أو مشفى في حال فقد الصفة المدنية واستُعمل لأغراض عسكرية.


مراوغة وتحايل

وتأتي هذه الانتهاكات الإسرائيلية واستهداف المناطق المأهولة بالسكان في القطاع، في وقت لا يوجد بإسرائيل أي قانون مدني يحدد معايير التعامل مع المنشآت المدنية والمستشفيات في زمن الحرب.

ويعتمد الاحتلال على تعليمات حددها الجيش الإسرائيلي والمنشقة عن القانون الدولي الإنساني، للمراوغة والتحايل على نصوص المواثيق الدولية.

يوضح ضرغام سيف أستاذ القانون الدولي المحاضر في جامعة القدس أبو ديس، أن القانون الدولي الذي يضم مصطلحات كثيرة مرنة وغير دقيقة يجيز في حالات نادرة استهداف المنشآت المدنية والمستشفيات في زمن الحرب.

ويكون ذلك "إذا ما فقدت هذه المنشآت الصفة المدنية واستعملتها المقاومة المسلحة لأغراض عسكرية، شريطة أن تثبت الدولة وجيشها بالدليل القاطع ذلك، "وهذه الحالة لا تنطبق على ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة".

ويقول سيف -للجزيرة نت- إن "الجيش الإسرائيلي يقصف المشافي والمؤسسات والبنية التحتية المدنية في غزة، دون أن يثبت بالدليل القاطع أنها تحولت لثكنات للمقاومة أو تستعمل لأغراض عسكرية، ويستهدفها دون فقدانها الصفة المدنية".

ويضيف "ليس هذا وحسب، بل تتمادى إسرائيل خلال الحرب على غزة في قصف وتدمير المربعات السكنية والمناطق المأهولة، دون أن تثبت وجود عسكريين ومسلحين داخلها، وفق القانون الدولي الإنساني الذي يؤكد ضرورة اعتماد معيار النسبية بشأن المدنيين بالأحياء السكنية واحتمال وجود عسكريين بينهم".

ضرغام سيف: إسرائيل تستغل الثغرات بالقانون الدولي الإنساني لاستهداف المناطق والمنشآت المدنية (الجزيرة) تشكيك برواية الاحتلال

ولتوضيح ما ينص عليه القانون الدولي الإنساني حيال التعامل مع المناطق المأهولة في زمن الحرب، يتساءل سيف، "لنفترض جدلا أنه في حي سكني يوجد عسكري، هل يجوز قصفه واستهدافه؟ بحسب معيار النسبية، لو هناك عسكري واحد بين آلاف المدنيين لا يحق للجيش المهاجم أن يقصف الحي السكني، تحت ذريعة تحقيق أهداف العسكرية".

ولفت أستاذ القانون الدولي إلى أن الجيش الإسرائيلي يستغل الثغرات والتفسيرات بالقانون الدولي الإنساني لتنفيذ هجماته على المناطق المأهولة والمنشآت المدنية والمشافي في غزة، كونه لا يوجد محددات بالنسبية وبالأرقام بين ما هو مدني وما هو عسكري، ومتى مسموح ومتى يحظر القصف والغارات وفقا لمعيار النسبية.

ويؤكد أن إسرائيل تقوم بعملياتها الجوية والبرية في المناطق المدنية في القطاع تحت ذريعة الاحتياجات العسكرية.

وفي سياق نهج الجيش الإسرائيلي بالتحايل على القانوني الدولي وميثاق روما من العام 1998 خلال الحرب والمعارك، ولتبرير مواصلة استهداف المنشآت المدنية، يقول إن إسرائيل تروج بأن لديها إثباتات وأدلة "مشكوك بصحتها ومصداقيتها أصلا".

وأضاف أن ميثاق روما يُعد بمثابة الكتاب المقدس الذي تعتمده المحكمة الجنائية الدولية في منح صلاحيات للمدعي العام لفتح تحقيقات ضد أي دولة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأوضح أن إسرائيل تسعى للتحايل والالتفاف على هذه المواثيق عبر الادعاء أن هذه المنشآت فقدت صفتها المدنية وتُستعمل لأغراض عسكرية وحُولت لمقرات لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

في الحرب على غزة، يقول أستاذ القانون الدولي، "سيكون على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق ضد إسرائيل لارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية للفلسطينيين بغزة، حيث اتضح من خلال العمليات العسكرية وجود نيات مبيته لدى إسرائيل للقضاء على جزء من أهالي القطاع".

واستباقا لسيناريو فتح تحقيقات دولية وتجنب المحاكمة والمساءلة الدولية، كشف ضرغام سيف النقاب عن تشكيل إسرائيل وحدات قضائية عسكرية خاصة ترافق قوات الجيش خلال سير وتطورات الحرب على غزة.

وعزا هذا الإجراء إلى أن "إسرائيل تسعى لتحصين قواتها التي تشارك بالحرب عبر توفير الغطاء القانوني المحلي لها وتجنبها المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، من خلال الزعم أنها ستحقق وستحاكم أي جندي ارتكب أي جريمة في غزة".


سيناريو محاكمة صورية

بهذا الإجراء المتوقع من قبل إسرائيل التي تحضر لسيناريو محاكمة صورية لمجموعة من جنودها بتهم ارتكاب جرائم في غزة وانتهاكات للقانون الدولي، يقول سيف، "إسرائيل ستواصل التحايل على القانون الدولي حتى ما بعد الحرب لإغلاق الباب أمام مقاضاة ومحاكمة جنودها قبالة المحكمة، بزعم أنها قدمتهم للمحاكمة لديها".

ويعتقد أستاذ القانون الدولي أن أي محاكمة لأي جندي إسرائيلي أمام القضاء الإسرائيلي ستكون شكلية وصورية وأن العقوبات الصادرة عن القضاء الإسرائيلي ستكون كذلك.

وأوضح أن هذا الإجراء يأتي في سياق أنه في حال تقديم دولة جنودها للمحاكمة بارتكاب جرائم حرب فلا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية مقاضاتهم بالمحافل الدولية.

وعزز سيف هذا الطرح بالإحاطات الصحفية التي يجريها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوميا، مؤكدا أنها موجهة بالأساس إلى "الجنائية الدولية"، وتحمل رسائل مفادها أن هذا الجيش لديه الأدلة والإثباتات التي تعزز مزاعمه بشأن قصف المنشآت المدنية والمشافي بذريعة أنها فقدت صفتها المدنية بسبب استعمالها لأغراض عسكرية.

وشكك بهذه الأدلة التي تبرر استهداف المناطق المأهولة والمشافي والمنشآت المدنية، ووصف مزاعم ضبط وسائل قتالية وأسلحة وفيديوهات بوجود مجموعات من المحتجزين الإسرائيليين بمجمع الشفاء، بالهزيلة والمضحكة.

وأكد أستاذ القانون الدولي أن إسرائيل لم تثبت بالدليل القاطع استعمال مجمع الشفاء كثكنة عسكرية وأن الأسلحة المزعومة التي ضُبطت داخل المجمع استعملتها المقاومة، وأن وجود محتجزين إسرائيليين بالمجمع الطبي للعلاج، يُحسب كنقطة إيجابية لصالح حماس بتعاملها مع المحتجزين بحسب ما تنص عليه المواثيق الدولية.

وشدد على أنه وبحسب نصوص القانون الدولي الإنساني، لا يكفي الادعاء بضبط أسلحة في أي منشأة مدنية أو أي مشفى لتبرير استهدافه وقصفه، فالجيش مطالب بالإثبات بالدليل القاطع صحة هذه الأدلة ومصداقيتها.

وأكد سيف أن كافة الأدلة الإسرائيلية ضعيفة ولا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية اعتمادها كدليل يجيز للجيش الإسرائيلي استهداف المنشآت المدنية والمشافي في غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القانون الدولی الإنسانی أستاذ القانون الدولی الجیش الإسرائیلی الجنائیة الدولیة المناطق المأهولة المنشآت المدنیة لأغراض عسکریة على القانون فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل يمكن دمج حزب الله داخل الجيش اللبناني؟.. خبير إستراتيجي يجيب

قال محمد مصطفى أبو شامة مدير المنتدى الاستراتيجي للفكر والحوار، إنّ تصريحات الرئيس اللبناني جوزيف عون بشأن مناقشة مسألة نزع سلاح حزب الله بهدوء ومسؤولية، تعكس وجود نية حقيقية لدى الدولة اللبنانية لمعالجة هذا الملف الشائك، مشيرًا، إلى أن الطريق نحو ذلك ليس ممهّدًا على الإطلاق.

نعيم قاسم: لن نسمح لأحد أن ينزع سلاح حزب اللهجيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن اغتيال عنصر من حزب الله في صيداجيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف حزب الله في جنوب لبنانجيش الاحتلال يزعم استهداف قيادي مهم في حزب الله


وأضاف "أبو شامة"، في تصريحات مع الإعلامية داما الكردي، مقدمة برنامج "مطروح للنقاش"، عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أنّ سلاح حزب الله لم يعد مسألة داخلية لبنانية فقط، بل قضية إقليمية ودولية تحظى بمتابعة دقيقة من العديد من الأطراف، وإن كان بعضها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يتعامل معها أحيانًا بسخرية أو استخفاف، بحسب تعبيره.


وتابع، أنّ الرئيس اللبناني يسعى لإيجاد توازن دقيق في معالجة هذا الملف، مشيرًا إلى أن الوضع الراهن لحزب الله يفرض تعاملاً خاصًا، لا سيما بعد التطورات السياسية والعسكرية التي شهدها لبنان والمنطقة، خصوصًا منذ وفاة الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله في فبراير الماضي، معتبرًا، أنّ  الحزب في حاجة إلى إعادة تموضع على المستويين السياسي والعسكري، وهو أمر يتطلب، بحسب قوله، وقفة مسؤولة من قيادة الحزب والمجتمع اللبناني برمّته.


وذكر، أن الأرقام المتداولة حول عدد مقاتلي الحزب – والتي تتراوح بين 25 ألفًا إلى 100 ألف – تجعل من الصعب جدًا التعامل مع هذه القوة المسلحة، خاصة إذا ما طُرحت فكرة دمجها داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية، لافتًا، إلى أن هذا المقترح، يبدو صعبًا التحقيق في ظل الخلفية الأيديولوجية للحزب وارتباطه الفكري والديني بإيران، مما يعقّد مسألة إدماجه في كيان وطني موحد.


وأوضح، أنّ تفكيك ترسانة حزب الله أو دمجه في مؤسسات الدولة لن يكون أمرًا بسيطًا، مشيرًا إلى أن ذلك يتطلب بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة عن الوضع الحالي.


وأكد، أن الرئيس اللبناني يدرك صعوبة التحدي، ولهذا يدعو إلى معالجة الملف بحذر وهدوء، دون إثارة صراعات داخلية قد تفاقم من تعقيد المشهد اللبناني.


وشدد، على أنّ التحدي الأكبر لا يكمن فقط في الداخل اللبناني، بل أيضًا في الضغوط الخارجية، مؤكدًا أن المجتمع الدولي، وخصوصًا إسرائيل، لن تمنح لبنان الفرصة الكافية لتفكيك حزب الله بمرونة أو وفق إيقاع لبناني داخلي. 

مقالات مشابهة

  • أزمة في الجيش الإسرائيلي وخسائر فادحة وإرهاق بين الجنود وانسحاب واسع للجنود
  • “هآرتس”: أزمة في الجيش الإسرائيلي وخسائر فادحة وانسحاب واسع للجنود
  • هل يمكن دمج حزب الله داخل الجيش اللبناني؟.. خبير إستراتيجي يجيب
  • الدولة ينهي مناقشة مشروعي قانوني تحصيل مستحقات الدولة وحقوق ذوي الإعاقة
  • إسحق بريك: الجيش الإسرائيلي مني بهزيمة موجعة في غزة ولم يحقق أهدافه
  • مدير المستشفيات الميدانية للجزيرة نت: غزة تواجه كارثة الوفاة الجماعية للجرحى
  • الجيش الإسرائيلي يستخدم جرافات مسيّرة لتقليل المخاطر في معارك غزة
  • عاجل - الجيش الإسرائيلي يستعد لعملية توغل كبرى في غزة: خطة تفصيلية وتشدُّد في التصعيد
  • د. محمود المساد يكتب .. بين قانوني الجرائم الإلكترونية، وضريبة الأراضي والأبنية
  • "والا" يكشف عن خطة الجيش الإسرائيلي في غزة لتصعيد الضغط العسكري