لماذا يكتم الرجال مشاعرهم السلبية وكيف يتأثرون نفسيا؟
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
لا يتبع الرجال -عادةً- طريقةً محددةً للتعبير عن المشاكل التي تسبب لهم الحزن والتوتر والقلق والغضب، بل يميلون -في الغالب- لكتم مشاعرهم. ذلك أن الرجال يعيشون في الأساس -منذ الصغر- تحت ضغط رسالة واحدة "لا تظهروا ضعفكم"، كما تقول الدكتورة برين براون في كتابها "الجرأة".
وفي الوقت ذاته، يمتنع الرجال عن طلب المساعدة، حتى من المقربين منهم كالأصدقاء، والأهل والزوجات.
ويرى الباحثون أن التنشئة الاجتماعية للأطفال وتربيتهم على الصلابة وقوة التحمل، وتجنب أي سلوك ينظر إليه على أنه يشير للضعف، بما في ذلك مظاهر التعبير عن الحزن، قد تؤدي إلى تعرض الرجال للاكتئاب لاحقا، ذلك أن المجتمع بشكل عام لا يتقبل بكاء الأطفال الذكور في الصغر، ولا حتى اكتئاب الرجال في الكبر.
لماذا لا يعترف الرجال بمشاكلهم؟تقول مؤسسة صحة الرجال الألمانية، إن تشخيص الأمراض النفسية لدى الرجال يعد أمرا صعبا للغاية؛ نظرا لأنهم يتعاملون مع مشاكلهم النفسية من خلال قمعها وعدم الاعتراف بها.
وأوضحت المؤسسة، أن كتم الرجال لمشاكلهم النفسية يرجع لكونهم يرونها لا تتوافق مع الصورة الذهنية النمطية الذكورية؛ كونها تعبر عن الضعف والعجز والفشل الشخصي.
وأضافت المؤسسة الألمانية أن الرجال يحاولون مواجهة المشاكل النفسية من خلال اللجوء إلى "إستراتيجيات ذكورية"، تتمثل في:
العدوانية. الغضب. الانسحاب الاجتماعي. الانهماك في العمل. الإفراط في ممارسة الرياضة. الهروب إلى العالم الافتراضي.كما حذرت من عواقب وخيمة قد تترتب على عدم تشخيص ومعالجة الاكتئاب لدى الرجال، منها:
عدم القدرة على العمل. التدهور الاجتماعي. الوحدة. اضطرابات القلق. التفكير في الانتحار. الإصابة بالأمراض مثل السكري والسكتة الدماغية.ولتجنب هذه المخاطر الجسيمة، أوصى الخبراء بمواجهة الرجال لمشاكلهم النفسية، وعدم النظر إليها باعتبارها وصمة عار، مع ضرورة الخضوع للعلاج النفسي في الوقت المناسب.
وفي تقرير نشره موقع "سيكولوجي توداي" الأميركي، قال الكاتب نيك نورمن إن تقبل الرعاية النفسية زاد على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كما ارتفعت معدلات الوعي العام بمشاكل القلق والاكتئاب والصدمات النفسية، ليُسلّط الضوء على القضايا المسكوت عنها منذ عقود طويلة.
لكن رغم المستوى الذي وصلت إليه الرعاية النفسية، فلا يزال الصمت يطغى على الصحة العقلية لدى الرجال. فوفقا للمركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، يعاني رجل من كل 10 رجال من القلق أو الاكتئاب، فيما يطلب أقلّ من نصفهم المساعدة.
وفي عام 2020، بلغ عدد وفيات الرجال بسبب الانتحار نحو 4 أضعاف المعدل المسجل لدى النساء.
"لا تظهروا ضعفكم"ولا تكمن المشكلة الحقيقية -حسب نورمن- في اختلاف طريقة الرجال للتعبير عن الحزن، بل تتعلق بالثقافة المجتمعية التي لا تشجع الرجال على إظهار الحزن، وترى أن أي اعتراف بالحزن يتعارض مع كثير من التعليمات الاجتماعية التي يتلقاها الرجال طوال حياتهم، فمنذ الصغر يُقال لهم إن الرجال لا يبكون.
وهذا ما ذهبت إليه الدكتورة برين براون في كتابها "الجرأة"، بقولها: "يعيش الرجال في الأساس تحت ضغط رسالة واحدة: لا تظهروا ضعفكم".
ويقدم نورمن بعض النصائح التي يمكنها توجيه الرجال نحو الطريق الصحيح، ومنها:
تقبل المشاعر بكامل ثقلها: يفضّل الرجال كتم مشاعرهم السلبية، إذ يرونها محفوفة بالمخاطر. والحل لهذه المعضلة يكمن في تقبّل العواطف بدلاً من تجنبها.مصاحبة رجال لا يخشون إظهار ضعفهم: إحدى أكثر المهام تحديا هي الانفتاح على أشخاص آخرين. ويوضح الكاتب أن العمل الداخلي هو رحلة شخصية، لكننا نحتاج إلى وجود أشخاص آخرين بجانبنا، فلا يوجد إنسان يعيش بمفرده. ومن خلال البحث عن أشخاص آخرين يشاركون في هذه المخاطرة وإظهار جوهرنا، سنجد مجتمعًا داعمًا ومفيدًا في رحلة الشفاء.
من جانبها، قالت الطبيبة النفسية الألمانية مازدا أدلي، إن "التوتر النفسي المستمر له تأثير سلبي على الذهن والنفس؛ حيث إنه يؤدي إلى ضعف التركيز ومشاكل الذاكرة، كما أنه يرفع خطر الإصابة باضطرابات الخوف والقلق ونوبات الذعر، فضلا عن أنه يمهد الطريق للإصابة بالاكتئاب".
ولتجنب هذه المخاطر الصحية الجسيمة، ينبغي مواجهة التوتر النفسي المستمر من خلال ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل اليوغا والتأمل وتمارين التنفس وتمارين الانتباه، كما أن المواظبة على ممارسة الرياضة تساعد على التخلص من التوتر النفسي.
ومن المفيد أيضا ممارسة الهوايات ومقابلة الأصدقاء؛ حيث يساعد ذلك على تعزيز المشاعر الإيجابية، ومن ثم الشعور بالاسترخاء النفسي، وفق أدلي.
متى تحتاج العلاج النفسي؟وإذا لم تفلح هذه التدابير في مواجهة التوتر النفسي المستمر، تنصح الدكتورة باستشارة طبيب نفسي للخضوع للعلاج النفسي؛ حيث يساعد العلاج السلوكي المعرفي على تغيير طرق وأنماط التفكير، التي تعزز التوتر النفسي مثل السعي الدائم إلى الكمال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التوتر النفسی من خلال
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية يكتب: عَرَضٌ يَزُولُ وَيَبْقَى الإِمَام الطيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ليست العظمة أن يكون الإنسان في مأمنٍ من العوارض ولا أن يُعفى من سنن الابتلاء، ولكن العظمة أن يمر المرء بهذه العوارض كما تمر الرياح على الجبال فلا تزعزع رسوخها، ولا تنال من شموخها، فإن كانت الأجساد تأخذ نصيبها من الضعف، فإن الأرواح الكبيرة لا تعرف الوهن، وإن كان العارض يلوّح باليد، فإن الحقيقة ثابتة لا تبارح موضعها، هذا هو الإمام الطيب، ركنٌ من أركان الفكر، وصرحٌ من صروح الاعتدال، وحاملُ لواء الأزهر الشريف في زمنٍ تتنازعه الأهواء.
ما إن يمرَّ به عارضٌ صحيّ كما يمر بكل إنسان، إلا أنك لم تجده من أولئك الذين يُقاس قدرهم بهذه الساعة العارضة من الضعف أو الوهن، بل هو ممن تُوزن حياتهم بميزان العلم والعمل والمواقف الثابتة، فما تكون المحنة عنده إلا مَعْبرًا إلى مزيد من الثبات، ولا كان الابتلاء لديه إلا دليلًا على مكانة الرجال في ميزان الله.
إن الذين يتوهَّمون أن المرض ينال من الرجال كما تنال النكبات من العجزة، لم يدركوا معنى الصبر في فلسفة العظماء، ولم يفهموا أن الأجساد قد تضعف، لكن المبادئ لا تمرض، وأن القائد الذي أضاء العقول لن يخفت بريقه بعلةٍ تزور ثم تزول، قال النبي ﷺ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» (رواه مسلم).
وقد رفع الله الإمام الطيب بعلمه وحكمته، وجعل له في الأمة مقامًا محفوظًا لا تهزه العوارض، لقد كان الإمام الطيب وما زال طوال مسيرته سدًا منيعًا أمام محاولات التشويه والتشكيك، فلم يكن مجرد عالم يردد المحفوظ، بل مفكر يُجدد ويُحسن قراءة الواقع، لم ينحرف عن الجادة، ولم تأسره موجة عابرة، بل ظل متمسكًا بثوابت الأزهر وقيمه، حريصًا على أن يكون صوته صوت الحكمة، وكلمته كلمة العدل.
إن أعظم الرجال هم أولئك الذين تتجاوز قيمتهم حدود أوقات الضعف والوهن فيبقون في وجدان الأمة مناراتٍ تهتدي بها وسطورًا خالدة في صفحات التاريخ، والإمام الطيب واحد من هؤلاء الذين لا تنال منهم العوارض العابرة بل تزيدهم ثباتًا وإصرارًا، ليظل منارة مضيئة في سماء الفكر والاعتدال، إن العظمة ليست في تَجنُّب المحن، بل في كيفية التعامل معها بروح ثابتة، فالعوائق لا تزيد العظماء إلا صلابة في عزيمتهم.
ولقد تجسدت في شخصية الإمام الطيب عبقرية القيادة التي لا تهتز، فإمامنا الطيب لم يكن يومًا مجرد قائد في إطار رسمي، بل كان ومازال زال صاحب مشروع فكري يهدف إلى إصلاح المجتمع وتوجيهه نحو الطريق الصحيح، فتوجيهاته دائمًا نبراس يهدي الأمم إلى جادة الصواب في عالم مليء بالفتن والتحديات، وهكذا سيظل الإمام الطيب ويبقى بإذن الله حصنًا منيعًا لا يُقهر.
فكما أن الشجرة المثمرة تواجه الرياح العاتية بقوة وصلابة، فإن الإمام الطيب سيظل زعيمًا فكريًا وإصلاحيًا لا تهزّه الرياح العابرة، بل يزيده التحدي قوة وعزيمة، وبالتالي ليس المرض إلا اختبارًا،«أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» (العنكبوت: 2) لكنه لا يبدل جوهر الأشياء، ولا يغير من طبيعة الرجال، فإن كان العابر يمر، فإن الثابت يبقى، وإن كان الضعف يطرق الباب لحظة، فإن القوة التي وُهِبت للرجال الكبار تستعيد مكانها، وترجع إلى موضعها، ويعود الطود إلى شموخه
فلتمضِ الأيام كما شاءت، ولتكن الأقدار على ما أرادت، فإن العارض زائل، والحق باقٍ، وإن الرجال العظام يمرون بالابتلاء، لكنهم لا يتوقفون عنده، ولا يُحجبون عن أدوارهم فيه، بل يُمنَحُون مزيدًا من القوة، لأنهم كانوا دومًا في مقام التحدي والثبات، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الرعد: 17) فيا أيها العابر، مرَّ كما مرَّ غيرك، فإن الجبال لا يضرها الغبار، وإن الإمام باقٍ بعلمه، وفكره، وأثره، وسيظل كذلك لا تهزه الأيام ولا تنال منه العوارض العابرة.
نسأل الله أن يحفظ الإمام الطيب بحفظه وأن يبارك في عمره طودًا شامخًا لأزهر المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه