البوابة نيوز:
2025-03-04@03:31:24 GMT

المطران سابا أسبر: الصوم فوز عظيم لمن يعيشه

تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT

يقول المطران سابا اسبر بمناسبه بدء الصوم الميلادي يروي القدّيس بورفيريوس الرائي (+1991)، في معرض رواية أحداث من حياته، خبرته كأب روحيّ مع سرّ الاعتراف. ذهب القدّيس بورفيريوس إلى جبل آثوس هرباً وكان في الرابعة عشر من عمره. عاش هناك مع أخوين بالجسد ناسكين. اضطرّ مرضُه الناسكين إلى إرساله خارج الجبل المقدّس للتداوي والاستشفاء.

في قريته، وبعد تماثله للشفاء رسمه مطران الأبرشيّة كاهناً، وأعطاه الإذن بتقبّل اعتراف المؤمنين، وكان لمّا يزل في الثانية والعشرين من عمره، ولا يعرف سوى التوجيه والإرشاد الروحي الخاصّ بالنساك.

يقول عن تلك الخبرة إنّه اعتاد أن يضع كتاب القدّيس نيقوديموس الأثوسي إلى جانبه. يفصّل هذا الكتاب، استناداً إلى ظروف القرون 16و 17، الخطايا واحدة واحدة، ويضع قوانين توبة وتأديب لكل خطيئة. تبدو قوانين الكتاب شديدة القساوة للإنسان المعاصر.

أمانة القدّيس بورفيريوس لإيمانه ولِمَا تعلّمه في المنسك جعلته يفتح الكتاب بعد كلّ اعتراف، ليعطي المعترِف القانون الذي يتطابق وخطيئته: ثلاثمائة مطانيّة كبيرة يوميّاً وصوم لمدّة أسابيع أو شهور وما شابه. لكنّه اكتشف بعد فترة أنّ هذه القوانين تفوق طاقة المؤمنين، وأنّهم لا يتحّملون تأديباً بهذه الشدّة، ممّا يدفعهم إلى اليأس من التخلّص من خطاياهم، واليأس بدوره يعيدهم إلى خطيئتهم ثانية.

اكتشافه هذا جعله يغلق الكتاب ويضعه في المكتبة، ويبدأ بسؤال المعترِف عن عدد المطانيّات التي يستطيع القيام بها، واستعداده للصوم وما شابه من قوانين تأديبيّة. وتالياً يعطيه القانون الذي باستطاعته القيام به.

يعلّمنا مثال القدّيس بورفيريوس أنّ ثمّة تمييز بين التعليم الروحيّ في الكنيسة وبين تطبيق هذا التعليم. ثمّة تدرّج في نمو المؤمن حتّى يبلغ إلى المستوى المنشود. تساعد الكنيسة المؤمنين وترافقهم في رحلتهم الروحيّة، وتدّرجهم شخصيّاً في مراقي الحياة المسيحيّة. يستقي الراعي أو الأب الروحيّ من الخبرة الروحيّة الحيّة، لا من النصوص فقط، كيفيّة رعاية الإنسان روحيّاً، آخذاً بعين الاعتبار مقدرته واستعداده وظروفه.

يرافق الأب المعرِّف المؤمنين في رحلة نموهم الروحي، معطياً إيّاهم ما يناسب نموّهم وتقدمهم. الوصفة الروحيّة العامّة هي الإنجيل، أمّا كيفيّة تطبيق الإنجيل وعيشه فأمر يعود إلى خبرة الأب الروحي من جهة، ومقدرة وظرف ووضعيّة المؤمن من جهة ثانية. هذا توجّه أساسيّ في الإرشاد الروحيّ بحسب المنهج الأرثوذكسي.

ورد في كتاب بستان الرهبان، أنّ شابّاً من عائلة ثريّة طلب الترّهب في أحد الأديرة في صحراء مصر. كان رهبان ذلك الدير ينامون على الأرض، جرياً على عادة الشعب آنذاك. أعطى الرئيسُ الراهبَ الجديد بركة إسناد رأسه إلى مخدّة في أثناء النوم. فشكا بعض الإخوة ممّا اعتبروه تمييزاً، فأجابهم الرئيس أنتم كنتم تنامون على الأرض في بيوتكم، وعندما أتيتم إلى الدير لم تتغيّر طريقة نومكم كثيراً. أمّا ذاك فكان ينام على سرير وفراش من ريش النعام، فمن منكم قدّم في رهبنته تضحية أكبر؟

تعلّمنا هذه الحادثة، وتراثنا الروحي مليء بأمثالها، أهميّة التعاطي مع كلّ شخص بحسب قدرته وظروفه وإمكاناته، بغية نقله إلى مستوى أرفع وأسمى. يقول بولس الرسول. "لمّا كنت طفلاً، كطفل كنت أتكلّم وكطفل كنت أدرك وكطفل كنت أفكّر، ولمّا صرت رجلاً، تركتُ ما هو للطفل"(1كو11/13).

"الحرف يقتل والروح يُحيي"، على ما يعلّمنا الرسول نفسه. لكن تخّطي الحرف وبلوغ الروح يحتاج إلى خبرة روحيّة عميقة، وإلى تواضع عظيم يمكّن الراعي من الانفتاح على خبرة المتقدّمين روحيّاً والاستفادة منها. غالباً ما يخفي العناد والمغالاة هوىً خفيّاً يدعوه الآباء الروحيّون "البرّ الذاتي" أو "المجد الباطل". وكثيراً ما شهدت الكنيسة سقوطاً عظيماً لمن كانوا شديدي القسوة في إرشاد المؤمنين إلى درجة خانقة وزمّيتة.

يعلّمنا التراث الروحي الأرثوذكسي أن نكون قساة على أنفسنا ورؤوفين بالآخرين وراحمين إيّاهم ومرافقين لهم.

أسوق هذا الكلام بسبب اعتبار بعض الآباء الكهنة الامتناع عن الزيت أحد أركان صوم الميلاد الرئيسة. إنّ قواعد صوم الميلاد بحسب الكنيسة الأرثوذكسية هي:

عدم الامتناع عن الطعام والشراب حتّى الظهر. والسماح بتناول السمك والمأكولات البحرية حتّى الثاني عشر من كانون الأوّل، الذي يصادف عيد القدّيس سبيريدون العجائبي. والتوقف عن تناول الأسماك وما شابهها بعد ذلك التاريخ، لأنّ العيد بدأ يقترب، وتالياً فالمؤمنون يكّثفون استعدادهم له بمزيد من النسك.

أمّا الامتناع عن الزيت فهو صوم رهبانيّ مبارَك لمن يريده ببركة أبيه الروحي، ولكنّه ليس إلزاميّاً. يستند البعض في الصوم عن الزيت إلى ما ورد في كتاب السواعي الكبير. وجواب الكنيسة أنّ التأثر بممارسات الرهبان قد عمّ مع نموّ الحركة الرهبانيّة واسترشاد المؤمنين عند الآباء الرهبان وتمثّلهم بممارساتهم. وكتبنا الليتورجيّة صيغت تحت هذا التأثير الرهباني. هذا لم تمنعه الكنيسة، لكنّها لم تجعله ملزِماً للجميع. لذلك تبقى ممارسات نسكيّة كهذه وغيرها إضافيّة ومرهونة باستعداد المؤمن لعيش نسك أكبر، وهذا يتمّ، بحسب تراثنا الروحي، بالحصول على بركة خاصّة من الأب الروحي الذي يجب أن يكون عارفاً بإمكانات من يسترشد عنده وبحالته الروحيّة. الانتباه إلى ما يُسمّى في تراثنا "شيطان الهمّة الزائدة" أكثر من ضروري.

على الأب الروحي مرافقة أولاده الروحيّين مرافقةً تنميهم وتطّورهم روحيّاً، لا مرافقةً تُلزِمهم بممارسات تفوق طاقتهم، وتودي بهم إلى اليأس والإقلاع عن العيش الذي يقودهم إلى خلاص نفوسهم.

الترتيبات الموجودة في طقوسنا الكنسيّة تهدف إلى مساعدة المؤمنين كي يعيشوا الحدث الخلاصي الذي يعيّدون له، وتالياً كي ينموا في القامة الروحيّة والنقاوة والقداسة، لا لتكون عبئاً إضافيّاً عليهم. لنذكر كلمة يسوع: "ليس الإنسان للسبت، بل السبت للإنسان".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أقباط الأب الروحی الروحی ة روحی ا روحی ة

إقرأ أيضاً:

وزير الأوقاف: رمضان شهر السمو الأخلاقي والصفاء الروحي والاصطفاف الوطني

افتتح الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، الملتقى الفكري عقب صلاة التراويح بساحة مسجد مولانا الإمام الحسين في القاهرة، وسط أجواء إيمانية مفعمة بالروحانية، وذلك في إطار جهود الوزارة لتعزيز الوعي الديني ونشر الفكر الوسطي المستنير خلال شهر رمضان المبارك.

وحضر الملتقى كل من الدكتور عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية - رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، والأستاذ الدكتور محمد مهنا، أستاذ القانون الدولي بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور ممدوح غراب، رئيس جامعة السادس من أكتوبر - محافظ الشرقية السابق، والأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والشيخ خالد خضر، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، إلى جانب عدد من قيادات الوزارة ومديرية أوقاف القاهرة، وجمعٍ غفير من الطلاب الوافدين وطلبة العلم بالأزهر الشريف، الذين توافدوا للاستفادة من محاضرات الملتقى العلمية والتربوية. وقدَّم الملتقى الإعلامي الكبير الأستاذ حسن الشاذلي، الذي أضفى على الفعالية طابعًا متميزًا بحسن إدارته وتقديمه.

وفي كلمته، أكد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، أن ملتقى الفكر الإسلامي يُعقد هذا العام بفضل الله وتوفيقه ليكون منارة للفكر المستنير، ومنبرًا لنشر القيم الأخلاقية والروحانية والوطنية، في رحاب مسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) والجامع الأزهر العريق، إذ تتجلى الهوية المصرية الأصيلة وتتعمق معاني الوسطية والاعتدال.

وأعرب وزير الأوقاف عن اعتزازه بإطلاق هذا الملتقى السنوي، الذي يجمع نخبة من علماء مصر ومفكريها، ليضيئوا العقول بالمعرفة، ويرشدوا الناس إلى مكارم الأخلاق. كما وجَّه تحية تقدير لشعب مصر العظيم، مهنئًا الأمة الإسلامية بحلول شهر رمضان المبارك، وسائلاً الله -عز وجل- أن يجعله شهر خير وبركة.

وأشار الوزير إلى أن وزارة الأوقاف تسعى إلى خدمة بيوت الله -تعالى- ورعاية ضيوف الرحمن، وتحرص على أن تكون أنشطتها خلال رمضان مرتكزة على ثلاث قيم رئيسة: الروحانية، والأخلاق، والوطنية. فالروحانية تعني تعلّق القلب بالله، والتزود بالتقوى، والاستنارة بأنوار القرآن الكريم. والأخلاق هي جوهر الصيام، إذ يُطهّر اللسان من الكذب والبهتان، ويحثّ على الكلمة الطيبة والتعامل الراقي، امتثالًا لقوله تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا". أما الوطنية، فهي الركن الثالث، إذ يتجلّى في رمضان معنى التضامن والتكاتف، ويتعزز الشعور بالمسئولية تجاه الوطن، في ظل الاصطفاف خلف مؤسساته وحمايته من التحديات.

وزير الأوقاف يفتتح الملتقى الفكري بمسجد الحسين

ودعا الوزير أهل الفضل إلى إغاثة الملهوفين، وإدخال السرور على المحتاجين، والتخفيف عن المعسرين، تماشيًا مع روح رمضان، إذ كان النبي ﷺ أجود ما يكون في هذا الشهر، وكان يواسي الضعفاء ويغيث المكروبين.

وفي ختام كلمته، وجَّه وزير الأوقاف رسالة إلى الأشقاء الفلسطينيين، مؤكدًا أن مصر، قيادةً وشعبًا، ترفض رفضًا قاطعًا أي مخطط لتهجير الفلسطينيين، وأن الحل العادل لقضيتهم يكمن في إقامة دولتهم المستقلة على حدود ١٩٦٧م وعاصمتها القدس الشرقية.

وأعلن الوزير انطلاق ملتقى الفكر الإسلامي، ليكون نداءً للخير، وصوتًا للروحانية، وشعارًا للوطنية، سائلًا الله -عز وجل- أن يجعله منبرًا لنشر الوعي المستنير، وبابًا من أبواب الفضل في هذا الشهر الكريم.

وقد أشاد الدكتور عبد الهادي القصبي بجهود وزارة الأوقاف في نشر الفكر الوسطي، مؤكدًا أن بناء الوعي الديني الصحيح هو أساس نهضة المجتمعات.

وفي كلمته، أكد الدكتور محمد مهنا أن الملتقى يؤكد تفاعل الفكر الإسلامي مع قضايا الواقع، مشددًا على أن الروحانية، والأخلاق، والوطنية هي دعائم أساسية لبناء الفرد والمجتمع.

وشدد الدكتور ممدوح غراب على أهمية نشر الوعي وتعزيز الانتماء الوطني، موضحًا أن التعليم وحده لا يكفي دون غرس القيم الدينية والفكرية الصحيحة لمواجهة التحديات الفكرية المعاصرة.

ويعد ملتقى الفكر الإسلامي أحد أهم المنابر الفكرية التي تقدمها وزارة الأوقاف خلال شهر رمضان، إذ يهدف إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة، ومواجهة الفكر المتطرف، وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي. كما يمثل منصة تجمع العلماء والمفكرين لتقديم رؤى مستنيرة حول قضايا المجتمع، مما يسهم في رفع الوعي الديني والفكري بين أبناء الوطن، وترسيخ الانتماء والولاء لمصر وهويتها الحضارية.

واختُتم الملتقى بابتهال ديني رائع قدَّمه المبتهل الشيخ عبد اللطيف العزب وهدان، وسط تفاعل وإعجاب كبير من الحضور، الذين أشادوا بأهمية هذه اللقاءات الفكرية في إثراء معارفهم وتعميق فهمهم للدين والوطنية.

اقرأ أيضاًوزير الأوقاف ومحافظ القاهرة يتفقدان مسجد السيدة نفيسة استعدادًا لشهر رمضان

رئيس الوزراء ينيب وزير الأوقاف في حضور احتفال دار الإفتاء باستطلاع رؤية هلال شهر رمضان

وزير الأوقاف يعقد جلسة علمية مع القيادات الدينية بولاية سلانغور الماليزية

مقالات مشابهة

  • زوجات الرسول.. أمهات المؤمنين ودورهن كبير فى بناء الأمة الإسلامية
  • كيدهن عظيم .. اعترافات فتاتين بإشعال النار فى سيارة شخص ببدر
  • سمير خفاجي.. الأب الروحي للبهجة
  • كيدهن عظيم.. فتاة تستعين بصديقتها ليشعلان النار فى سيارة شخص
  • وزير الأوقاف: رمضان شهر السمو الأخلاقي والصفاء الروحي والاصطفاف الوطني
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: العبادة غذاء روحي يهذب النفس ويربطها بالخالق
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: العبادة غذاء روحي يهذب النفس ويربطها بالخالق| فيديو
  • عايدة رياض: نور الشريف كان فنانًا عظيمًا .. وتجربتي معه لا تُنسى
  • المطران عطالله حنا: نتمنى أن تزول المظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون
  • الطرابلسي: رمضان ليس صيام وعبادة فقط بل فرصة للتجديد الروحي