لماذا يهتم جيل الألفية بحرب غزة؟
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
هل تعتبر حرب إسرائيل مع حماس جريمة حرب؟.. في إحدى الفعاليات الأخيرة بكلية "بارد"، رأى أحد الطلاب أنها كذلك، وفي النهاية، سقط أكثر من 13 ألف قتيل في غزة، منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، الذي أدى إلى اندلاع الحرب، وكان أغلب القتلى من المدنيين.
بالنسبة للأجيال الشابة، كانت الحرب أمراً عفا عليه الزمن
وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية: "يتساءل طلاب "بارد" والعديد من زملائهم حول العالم، كيف يمكن ألا تكون جريمة حرب؟ وحتى لو كان الهجوم الأولي الذي شنته حماس في حد ذاته جريمة حرب لا عملاً مشروعاً من أعمال المقاومة ضد قوة محتلة، أليست الخسائر الأكبر في أرواح المدنيين في الهجمات الإسرائيلية اللاحقة بنفس القدر من السوء؟".
وكتب وولتر راسل ميد أنه "كان بإمكاني تحويل الجلسة إلى نقاش حول الأسس الموضوعية للقضيتين الفلسطينية والإسرائيلية، أو إلى مناقشة فنية لقوانين الحرب. وبدلاً من ذلك، كوني أستاذاً، حولت المناقشة إلى تاريخ الحرب". السلام أمر طبيعي
ويرى راسيل ميد أن أحد أسباب تأثير الأخبار الواردة من غزة بشكل كبير على جيل الشباب هو أنهم نشأوا وهم يعتبرون السلام أمراً طبيعياً. لم تقتصر الحرب في غزة على تعريف الشباب الأمريكيين بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني فحسب، إلا أنها أظهرت لهم أيضاً وجه الحرب.
Gen Z must learn the right lessons from the Gaza war. Otherwise, they will watch greater conflagrations explode across the world, endangering everything they hold dear. https://t.co/U04a8FZy1Y
— Walter Russell Mead (@wrmead) November 21, 2023
بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، بذل الأمريكيون قصارى جهدهم لبناء نظام عالمي مستقر وسلمي نسبياً على الأقل. كان هذا النظام بعيدًا عن الكمال. لقد تساهل، وفي بعض الحالات، حمى الظلم الاقتصادي والاجتماعي والعنصري والوطني الجسيم. وبعض الحروب الصغيرة التي خاضها الأمريكيون للدفاع عنه، كما اعتقد صناع السياسة في ذلك الوقت، كانت وحشية مثل الحربين العالميتين في القرن العشرين.
لكن النظام العالمي حال دون اندلاع صراعات عالمية بحجم الحروب الكبرى، مع خسائر تقدر بعشرات الملايين. كما أنه أتاح لأجيال من الأمريكيين النشوء في فقاعة. بالنسبة للأجيال الشابة، كانت الحرب أمراً عفا عليه الزمن، والسياسة الخارجية تشمل تعزيز التنمية العادلة في الدول الفقيرة، وتوسيع نطاق تعريف حقوق الإنسان، وتعزيز الصحة العامة العالمية، ومكافحة تغير المناخ، وإكمال مجموعة القانون الدولي.
Walter Russell Mead: The real question …isn’t whether hot-headed college students will march for Hamas. It’s whether as they mature, they come to understand how fragile and important peace is and take up the task of defending it. https://t.co/dt8MW8pgWS
— Linda Frum (@LindaFrum) November 21, 2023
ولكن الحرب برأي الكاتب لها أفكار أخرى. فالنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة يتعرض للهجوم في الخارج، حتى مع تخلي الأمريكيين على نحو متزايد عن التزامهم بالحفاظ عليه. والنتيجة حتماً هي العودة التدريجية، وربما المفاجئة، إلى حالة الفوضى والعنف التي تميز عالماً يعيش حالة حرب.
فالإسرائيليون والفلسطينيون لا يعيشون في فقاعة. ويُعتقد أن أكثر من 300 ألف مدني سوري قتلوا خلال عقد من الحرب الأهلية، ونزح ملايين آخرون من منازلهم. وفي أماكن أخرى، فرّ ما يقدر بنحو 100 ألف أرمني من منازلهم بسبب الإرهاب هذا العام. وقد فعل ذلك ما يقرب من 6 ملايين سوداني في الحرب الأهلية الحالية.
أصبحت مذابح الأبرياء، وعمليات هروب الملايين من اللاجئين، هي الوضع الطبيعي الجديد في منطقتهم. العصابات المتطرفة ومرتزقة فاغنر تنشر الفوضى والموت في منطقة الساحل. وقتل نحو 370 ألف شخص في حرب اليمن.
لقد عرّفت غزة الجيل Z على الرعب الحقيقي للحرب. وفي الأمد القريب فإن الآلة الدعائية التابعة لحماس تعمل على تعبئة صور الفلسطينيين الذين يعانون، وذلك من أجل تقويض الجهود الإسرائيلية الرامية لكسر قوتها في غزة.
ولكن السؤال الحقيقي بالنسبة لمستقبل أمريكا والعالم ليس ما إذا كان طلاب الجامعات سينظمون مسيرة مؤيدة لحماس، وإنما إذا كانوا، عندما ينضجون، يدركون مدى هشاشة وأهمية السلام ويتولون مهمة الدفاع عنه، وإلا لن تكون الحرب شيئًا يرونه على الهواتف المحمولة ويطلقون شعارات حوله. وإنما القوة التي تشكل وتحدد حياتهم.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
لماذا أنظمة الجودة ضرورة لا خيار؟
د. سعيد الدرمكي
أنظمة إدارة الجودة هي منظومة من السياسات والإجراءات تهدف إلى ضمان تقديم خدمات أو منتجات تلبي توقعات العملاء وتفوقها، من خلال تحسين الأداء وتوحيد العمليات وتقليل الأخطاء. وتُعد هذه الأنظمة بمثابة خارطة طريق لفرق العمل لضمان تطبيق أفضل الممارسات بشكل متكرر، كما هو الحال في شركات الطيران التي تعتمد أنظمة جودة دقيقة لفحص الطائرات بشكل منتظم، ما يُسهم في تقليل الأخطاء وتعزيز رضا العملاء.
ولأنَّ فاعلية الجودة لا تتحقق بالمفاهيم فقط؛ بل بالتطبيق العملي، فمن المهم التعرف على أبرز النماذج العالمية. من أبرزها نظام الأيزو 9001 (ISO 9001) الذي يُركّز على تحسين العمليات ورضا العملاء، ويسهم في رفع الكفاءة بنسبة تصل إلى 30%. أما الستة سيجما (Six Sigma)، فيستخدم أدوات تحليلية لتقليل الأخطاء إلى 3.4 لكل مليون فرصة، وقد وصفه جاك ويلش في كتابه الفوز (Winning) بأنه من أكثر النظم فاعلية في تقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية. ويُعد نموذج التميز الأوروبي (EFQM) إطارًا متقدمًا لتقييم الأداء من خلال معايير القيادة والابتكار والشراكات، في حين تركز إدارة الجودة الشاملة (TQM) على تحسين الكفاءة وتقليل العيوب من خلال مشاركة جميع العاملين.
كانت بعض المؤسسات في الماضي تنظر إلى الجودة كإجراء شكلي لإرضاء جهات التفتيش، دون إدراك لقيمتها الاستراتيجية، مما أدى إلى تهميشها واعتبارها عبئًا إداريًا. إلا أن هذه النظرة التقليدية لم تصمد أمام تحولات السوق وتسارع التنافسية؛ حيث أصبحت الجودة اليوم ضرورة استراتيجية لا غنى عنها. فغيابها يُؤدي إلى فقدان العملاء وضعف الثقة وصعوبة التوسع، في وقت يفضّل فيه العملاء الخدمات الدقيقة والموثوقة حتى مع ارتفاع التكلفة.
تُعد أنظمة الجودة رافعة استراتيجية تدعم تنافسية المؤسسات واستدامتها من خلال تعزيز كفاءة العمليات واتخاذ قرارات تستند إلى بيانات دقيقة. فهي تُساعد في تقليل الهدر، وتوحيد الإجراءات، ورفع كفاءة استخدام الموارد. ويُسهم تطبيق أدوات مثل "الستة سيجما" في تحقيق كفاءة تشغيلية عالية، كما هو الحال في المستشفيات الكبرى التي تستخدم أنظمة الجودة لتحسين الرعاية الصحية وتقليل الأخطاء الطبية.
إلى جانب الكفاءة التشغيلية، تسهم أنظمة الجودة في تعزيز تجربة العملاء وبناء صورة مؤسسية موثوقة، من خلال تقديم خدمات عالية الجودة والاستجابة السريعة لاحتياجاتهم، مما يُعزز الولاء والتوصيات الإيجابية. كما أن الحصول على شهادات دولية مثل "أيزو" و"نموذج التميز الأوروبي" لا يقتصر على تحسين الصورة المؤسسية؛ بل يدعم فرص التوسع والمنافسة عالميًا. وقد جسّدت هيئة كهرباء ومياه دبي هذا النجاح بتطبيق نموذج EFQM، ما رفع رضا المتعاملين، وعزز الكفاءة، وجعلها أول جهة خارج أوروبا تنال جائزة التميز المستدام، مما رسّخ مكانتها كمؤسسة خدمية رائدة عالميًا.
تُبرز تجارب المؤسسات الناجحة أن تطبيق أنظمة الجودة يحدث تحولًا فعليًا في الأداء المؤسسي من خلال ترسيخ ثقافة التحسين المستمر، وتقليل الأخطاء، وتعزيز رضا العملاء. تؤكد التجارب العملية في قطاع التعليم أن تطبيق أنظمة الجودة يحقق تحولًا حقيقيًا في الأداء المؤسسي. وقد أسهم تطبيق نظام ISO 9001:2000 في قسم طب العيون بجامعة السلطان قابوس في تحسين جودة الخدمات الطبية والتعليمية وتقليل الأخطاء، وفق ما أكده البحث المنشور في Oman Medical Journal (2010). كما نجحت جامعة الملك سعود في تعزيز جودة الأداء الأكاديمي والخدمات الطلابية من خلال تبني نظام إدارة الجودة الشاملة، مما أدى إلى تسريع الإجراءات، ورفع رضا الطلاب، وتعزيز مكانة الجامعة إقليميًا ودوليًا.
ونجاح أنظمة الجودة لا يعتمد على مثالية النظام؛ بل على قدرة المؤسسة في التعامل مع التحديات. يمكن التغلب على مقاومة التغيير بنشر ثقافة الجودة تدريجيًا وإشراك الموظفين، ومعالجة نقص الوعي عبر التدريب المستمر وربط الجودة بمهام الجميع. أما اعتبار الجودة تكلفة إضافية، فيُعالج بتوضيح أثرها الاقتصادي في تقليل الأخطاء وزيادة الإنتاجية ورضا العملاء. ويبقى دعم الإدارة العليا عنصرًا حاسمًا، إذ يتطلب إصدار قرارات رسمية، متابعة مباشرة، وتخصيص الموارد لضمان نجاح التطبيق وتحقيق الأثر المطلوب.
بينما يُعد تطبيق أنظمة الجودة خطوة أساسية، فإن التحدي الحقيقي يكمن في ترسيخها كثقافة مؤسسية مستدامة، تتجاوز كونها مشروعًا مؤقتًا لتصبح ممارسة يومية يقودها الجميع. وقد أكدت رؤية "عُمان 2040" على أهمية تبني معايير التميز والابتكار وتحسين الكفاءة، مما يجعل من الجودة ركيزة استراتيجية لضمان التنافسية والاستدامة ورفع مستوى الأداء المؤسسي وتجربة العملاء.
وأخيرًا.. إنَّ المؤسسات التي تتبنى الجودة كنظام متكامل وثقافة مستدامة، تضمن لنفسها التفوق والجاهزية لمستقبل أكثر تنافسية وتحولًا.