أعلن مجلس الحرب الإسرائيلي، في مؤتمر صحفي مساء السبت 18 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، الانتقال إلى المرحلة الثانية من العمليات البرية في غزة، وفي هذا السياق أكد بيان المجلس "استمرارهم حتى تحقيق الانتصار وإعادة المخطوفين"، في إشارة إلى أسرى الاحتلال الذين تحتفظ بهم حركات المقاومة في غزة. بدوره، أكد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن الحرب سوف تستمر حتى تحقيق أهدافها الثلاثة الرئيسية وهي "الانتصار الحاسم والقضاء على حماس، وإعادة المخطوفين (الأسرى)، وضمان أن غزة لن تُشكِّل تهديدا لإسرائيل".

لكن هل نجح الاحتلال الإسرائيلي أصلا في تحقيق تقدم في تلك الأهداف خلال ما أطلق عليه "المرحلة الأولى"؟ هذا سؤال مهم، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي نسمع فيها لفظ "المرحلة الثانية"، فقد قيل من قبل إن اقتحام غزة "بريا" هو مرحلة ثانية للحرب بعد مرحلة أولى هي القصف الجوي، وقد حاول الاحتلال الإسرائيلي دخول غزة من أكثر من موقع، وفشل في بعض المحاولات قبل أن يُحوِّل تركيزه إلى خطة تعتمد على اختراق غزة من المنتصف والشمال بغية تطويق الجزء الشمالي من القطاع.

استنزاف الاحتلال

يُعيدنا ذلك إلى أول أهداف الاحتلال وهو القضاء على حماس، ويمكن للإصدارات الإعلامية التي تخرج كل يوم من كتائب القسام، والموثقة بمقاطع الفيديو، أن تؤكد لنا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن حتى من الاقتراب من تحقيق هذا الهدف، فما زال جنود المقاومة يوقعون كل يوم قدرا كبيرا من الخسائر بقوات الاحتلال الإسرائيلي في محيط شمالي غزة.

إيتان هي مركبة ذات 8 عجلات أخف بكثير من نمر، وهي بالتبعية أرخص منها في التكلفة بفارق كبير.  (الصحافة الإسرائيلية)

والواقع أن حجم ما يتلقاه جيش الاحتلال من ضربات يُعَدُّ غير مسبوق إذا ما قررنا مقارنته بالحروب السابقة على غزة، حيث فقد الاحتلال نحو مئتي آلية عسكرية إلى الآن، وهذا رقم هائل، بالإضافة بالطبع إلى عشرات الجنود القتلى (المعلن عنهم فقط).

ويمكن أن نلاحظ بضعة تغييرات أخيرة لتبين لنا كيف أن الحرب على غزة كانت قاسية على الإسرائيليين، أول هذه التغييرات هو استخدام حاملة الجند إيتان للعمل بصحبة المدرعات الإسرائيلية مثل نمر، وإيتان هي مركبة قتال مدرعة يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتعتمد على التقنيات المستخدمة في سلسلة دبابات ميركافا ومركبات المشاة القتالية المدرعة نمر، وهي نسخة مطورة حديثا تُستخدم لأول مرة.

لكن رغم ذلك، فإن إيتان هي مركبة ذات 8 عجلات أخف (1) بكثير من نمر، وهي بالتبعية أرخص منها في التكلفة بفارق كبير، وربما استُخدمت بسبب التكلفة المرتفعة لاستخدام نمر وتدميرها من قِبل قوات المقاومة بمعدلات مرتفعة غير مسبوقة، ما ضغط على تكلفة الحرب في غزة وهدد بمشكلة كبرى قريبة.

جندي إسرائيلي يقوم بتعديل قذيفة مدفعية عيار 155 ملم في 18 أكتوبر 2023 شمال إسرائيل، بالقرب من الحدود مع لبنان. (الفرنسية)

يتضح ذلك أيضا في طلبات الحكومة الإسرائيلية من إدارة الرئيس الأميركي بايدن لإمدادات إضافية من الذخائر (2)، تشمل 57.000 وحدة من قذائف المدفعية عيار 155 ملم، وهو مقذوف فولاذي مجوف مملوء بمادة شديدة الانفجار، إلى جانب عشرات الآلاف من الطلقات لمدافع طائرات الأباتشي وصواريخ هيلفاير والطائرات بدون طيار، والذخائر الخارقة للتحصينات وقذائف الهاون وغيرها.

يعني ذلك أن الاحتلال ربما بدأ في استنفاد ترسانته الحالية من الذخائر فبدأ في طلب المدد من الولايات المتحدة، وهذا متوقع بشكل كبير، فقد بدأ الاحتلال حربه على غزة باستخدام مفرط للقوة النارية، ومع مرور الوقت وازدياد المقاومة، فإنه بدأ يعاني لتوفير الإمدادات اللازمة للحرب.

كل هذا ولم نتحدث بعد عن هدف استعادة الأسرى الذي لم يحقق فيه الاحتلال تقدما يذكر، والهدف الأخير المتعلق بضمان ألا تُمثِّل غزة تهديدا لإسرائيل، الذي يعني السيطرة على كل مكان يقوم الاحتلال باجتياحه، لكن حينما نتأمل ما حققه جيش الاحتلال في غزة نجد أنه لم ينجح في السيطرة إلا على شريط ضيق يحيط بشمالي غزة بطول نحو 25 كيلومترا وسُمك من كيلومتر إلى كيلومترين فقط، وحتى في بعض مناطق هذا الشريط تتمكن المقاومة بالفعل من إرجاع قوات الاحتلال للخلف.

فشل بالأهداف الثلاثة؟

هناك أسباب عدة محتملة لذلك الفشل، منها أنه كلما دخلت القوات الإسرائيلية إلى المناطق الحضرية الكثيفة كان تقدمها أبطأ، لأن الكتل الأسمنتية للمنازل تُعَدُّ نقاطا دفاعية قوية يعتمد عليها المقاومون لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في قوة الاحتلال، أضف إلى ذلك أن المقاومة الفلسطينية تمتلك أنواعا جديدة من العتاد، الرخيص السعر نسبيا مقابل آليات الجيش الإسرائيلي، لكنه قادر مع أفضل استغلال للتضاريس الحضرية أن يحقق توازنا بين القوتين.

نتحدث هنا بشكل خاص عن قذائف "الياسين 105" التي أفردنا لها تقريرا سابقا، ونسختها المضادة للتحصينات "الياسين TBG"، وقد استخدمت كتائب القسام مؤخرا 12 منها للإجهاز على قوة إسرائيلية متحصنة داخل مبنى في بيت حانون، تعمل القذائف بالطريقة نفسها، حيث تتكون من شحنتين متفجرتين متتاليتين، تضعف الأولى التحصين الأسمنتي وتخترقه الثانية لتدمير ما بداخله.

"القسام" تنشر فيديو تعريفي لقذيفة "الياسين المضادة للتحصينات TBG" التي أدخلتها في المعركة#حرب_غزة #فيديو
للاشتراك عبر واتساب:https://t.co/8kaEfTCbyR

للاشتراك عبر تليغرام:https://t.co/v7ABGZU253 pic.twitter.com/5ELmK8DrX8

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) November 6, 2023

ما الذي حققه الاحتلال الإسرائيلي في المرحلة الأولى إلى الآن حتى ينتقل إلى المرحلة الثانية؟ هذا سؤال لا نملك إجابة له، فنحن نعرف أن المعركة لا تزال دائرة على طول خط اختراق غزة، وأن قوات الاحتلال تتقدم ببطء، أضف إلى ذلك أنه لا توجد أي بيانات عن اكتشافات "كبرى" لشبكة الأنفاق، وهي أحد أهم أسلحة المقاومة، حيث تُمثِّل بالنسبة للجنود موقعا للاختباء، وتخزين العتاد، والضربات المفاجئة، واختراق الحصار حول شمالي القطاع، وتُمثِّل بالنسبة للاحتلال هدفا إستراتيجيا مهما.

أضف إلى ذلك أن ادعاءات الاحتلال بأن هناك مركزا قياديا ضخما يحتوي على الأسرى أسفل مستشفى الشفاء ثبت كذبها. ناهيك بملف الأسرى الحساس سياسيا، ولا نعرف في الحقيقة ما تقصده إسرائيل من "تحرير الرهائن" إذا كانت تضرب غزة يوما بعد يوم بأطنان الصواريخ التي تقتل المدنيين العزل، ومعهم أسرى الاحتلال، وقد أعلنت كتائب القسام مقتل 50 من الأسرى المحتجزين لديها بسبب القصف على غزة، وكان ذلك في الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول.

وسبق أن أعلنت "حماس" أسرها ما بين 200-250 إسرائيليا، وآخرين من جنسيات أخرى، يعني ذلك فقدان ربع إلى خُمس الأسرى فقط بعد قرابة الأسبوعين منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، فكم سيُعيد الاحتلال من الأسرى بعد هذه المعركة العشوائية الضارية؟ الداخل الإسرائيلي يسأل السؤال نفسه، وهناك حاليا معسكران متحاربان أحدهما يرى أنه لا يمكن "إنقاذ الأسرى" في عملية بهذه القسوة.

هل هي مجرد خدعة؟

ما تفاصيل وملامح المرحلة الثانية للهجوم الإسرائيلي إذن؟ لا نعرف في الحقيقة، ولم يعلن الإسرائيليون أي شيء عنها، لكن هنا تحليلان محتملان لذلك الإعلان، الأول هو أن الاحتلال يقصد أنه أتم تطويق شمالي قطاع غزة ويستعد الآن للدخول إلى مناطق أكثر كثافة سكانيا، والثاني أنه يستعد للتوجه جنوبا، لتتبع بقية قوات القسام، التي نعرف أنها تصل إلى نحو 50 ألف جندي تتوزع بنظام الأقاليم والألوية، فكل إقليم فيه لواء وله قائد مسؤول عنه ويتابع شؤونه.

لكن في كلتا الحالتين، فإن ما يبدو لنا أن إسرائيل لم تحقق تقدُّما يمكن أن تدّعي أنها أنجزت معه "المرحلة الأولى من الحرب"، ولاحظ أننا لا نتحدث عن حرب نظامية بين فريقين متكافئين كلٌّ منهما يمتلك العتاد نفسه تقريبا ويقفان بمواجهة بعضهما في ساحة المعركة، بل هي حرب غير نظامية بها قوى غير متكافئة، لكن رغم ذلك فإن القوة الأضعف من ناحية العتاد (وهي هنا المقاومة) يمكنها خلق توازن محدد بمعركة محددة وموضع جغرافي بعينه.

والمهم أن في سياق حرب من هذا النوع يلعب الوقت دورا مهما جدا لا يدركه الكثيرون، لأن إطالة أمد العملية بالنسبة للاحتلال يعني انحدار سرديته الإعلامية، وتوقف اقتصاد الدولة سواء بسبب انسحاب الشركات متعددة الجنسيات أو استخدام جزء لا بأس به من المواطنين في العملية العسكرية، وتوجيه المزيد من الموارد والأموال للعمل العسكري.

أضف إلى ذلك أن الوقت (3) يلعب دورا مهما في إشعال الخلاف السياسي الناشئ بين إسرائيل وحلفائها، الولايات المتحدة مثلا تضغط على دولة الاحتلال لإنهاء المهمة في أسابيع، بينما يقول الاحتلال إن العملية ستتطلب شهورا على الأقل، في الواقع، نحن نفترض أن ابتكار اصطلاح "المرحلة الثانية" قد يكون لهذا السبب، وهو تهدئة الحلفاء في الولايات المتحدة ودفعهم للظن بأننا "نجحنا في شيء ما، ولكن هناك شيء آخر أطول بدأنا في تنفيذه الآن".

وفي هذا السياق عموما تكون الحرب مزيجا بين المادي والنفسي، وليست فقط مواجهات بالعتاد (وهذا أحد أسباب تسميتها بالحرب غير المتكافئة أو الحرب غير النظامية)، وهنا نجد مثلا تفوقا لأصحاب الأرض من القوات الضعيفة من ناحية العتاد، في نطاقات أخرى غير العتاد، حيث يميلون للتحلي بروح معنوية عالية واستعداد لأقصى المخاطر، لدرجة تحويل ما لا يمكن تصوره إلى أمر وارد، كما نرى في وقائع الاشتباك الفردي مع دبابة أو مدرعة من المسافة صفر، أو الخروج في العراء بلباس تقليدي لاصطياد جنود العدو.

وهنا تحديدا يمكن لنا القول إن المقاومة تحقق انتصارا حتى لو تقدم الاحتلال نسبيا في أراضي غزة، فهي لا تسمح للعدو أن يمر بسهولة، وتستخدم ما تمتلك من عتاد بحرفية شديدة ظهرت منذ عملية "طوفان الأقصى"، التي لم تستخدم المقاومة خلالها أدوات قتالية أو أسلحة متقدمة تكافئ النتائج التي حققتها، ولكن فقط مجموعة من المظلات والدراجات البخارية والقوارب إلى جانب مدافع رخيصة وأسلحة خفيفة.

ولكن سبب الانتصار لم يكن الأدوات، بل كان استغلال تلك الأدوات لخلق تكتيك مبتكر لم يفكر فيه أحد من قبل (4)، وهذا ما يحدث حاليا في قلب المعركة، هذا هو تحديدا ما تراه في مشهد لشاب بملبس منزلي يحمل "آر بي جي" ويقف على مسافة أقل من 40 مترا ليتخذ موضعا جانبيا ممتازا من دبابة بملايين الدولارات فيضربها بدقة في نقطة قاتلة.

__________________________________________________

مصادر

1- Eitan Armored personnel carrier 2- US Is Quietly Sending Israel More Ammunition, Missiles 3- الحرب غير النظامية:تحدي جديد للجيوش النظامية Irregular War: A New Challenge For Regular Armies – مجلة العلوم القانونية والسياسية Volume 11, Numéro 2, Pages 454-475 2020-09-28 4- Special Operations from a Small State Perspective Future Security Challenges : Gunilla Eriksson, Ulrica Pettersson

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی المرحلة الثانیة المرحلة الأولى حرب غیر على غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

قطع ذراع إسرائيل الطويل

من المفارقات العربية الغريبة في هذا الزمن العربي الرديء أن تبدي قطاعات من العرب، ربما تكون واسعة، فرحتها الكبيرة وتأييدها للجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة والضفة الغربية ولبنان، وحملة الاغتيالات التي تقوم بها لقادة ورموز المقاومة، وآخرها اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في لبنان، بينما كان يجب أن تكون هذه الجريمة وما سبقها من جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها بدون توقف، دافعًا لهؤلاء لمراجعة النفس وتعديل مواقفها من جبهات المقاومة ومن العدو الإسرائيلي.

سواء اتفقنا أو اختلفنا مع حزب الله لا يجب إطلاقًا أن نكون في صفوف عدونا الذي لن يتوقف عن جرائمه بعد موجة الاغتيالات، تلك الموجة التي من المؤكد لن تنتهي عند حد نصر الله ولا عن استخدام سلاح الجو الغاشم في تدمير المدن والعواصم العربية التي لن تقف عند بيروت، ذراع إسرائيل الطويلة التي يتباهى بها نتنياهو ووزير دفاعه كان يجب أن يكون في مواجهتها ذراع عربية قوية حتى ولو على مستوى التصريحات، لكن ما رأيناه هو المزيد من التجاهل والصمت العميق من غالبية الأنظمة والحكومات العربية.

تجاهر إسرائيل بعدائها لنا جميعا، وتعلن خططها لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، بل وتصنفنا -حسب وصف نتنياهو- في معسكرين، هما معسكر «النقمة» وهو معسكر «المقاومة» الذي يواصل خوض مواجهة غير متكافئة معها، ومعسكر النعمة التي تضم الدول المطبعة معها أو تلك الساعية إلى الانضمام لصفوف المطبعين. نقابل نحن هذا الغرور والصلف الصهيوني بمزيد من الصبر غير الجميل والخوف حتى من التعبير عن رفضنا لهذا السرطان الذي يتمدد في الجسد العربي. كيف ارتضت دول خريطة «النعمة» التي عرضها نتنياهو أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن يصنفها نتيناهو بهذا الوصف؟ والسؤال الأهم هل ستسلم هذه الدول من الغدر الصهيو-أمريكي في المستقبل ووقتما تشاء إسرائيل والولايات المتحدة؟

بعد بيروت سيكون الدور على عواصم عربية أخرى بالتأكيد. ما أستطيع أن أؤكده، في ضوء الأحداث الجارية، ومن خلال مراجعة التاريخ القذر لإسرائيل منذ إنشائها، أن العدوان الإسرائيلي الشرس الذي طال كل المقاومين بما في ذلك البعيدون تماما عنها، لن يتوقف عند حد بيروت، فالهدف هو إسكات كل صوت يقاوم إسرائيل ولو بالكلمة بما في ذلك الصحفيون والإعلاميون الذين تقتلهم بدم بارد داخل الأراضي المحتلة وخارجها.

من السابق لأوانه أن نقول إن إسرائيل نجحت في حملتها العسكرية على لبنان وعلى حزب الله تحديدا. إذا كان الحزب قد خسر معركة تفجيرات البيجر ومعارك اغتيال قادته فإنه -كما يقولون- خسر معركة أو معارك ولم يخسر الحرب بعد، وأن إسرائيل كسبت جولة أو جولات ولم تكسب الحرب. ما زالت شرارة المقاومة مشتعلة في غزة والضفة وجنوب لبنان وجبهات الإسناد في اليمن والعراق. لذلك وفي ظل عجز العرب أو بالأصح الأنظمة العربية حتى عن إصدار بيانات الشجب والإدانة التي اعتادت عليها، وإذا كنا غير قادرين على تغيير المنكر الصهيوني بأيدينا وأسلحتنا المكدسة في مخازن الجيوش العربية، فليس أقل من أن نواجه الجرائم الإسرائيلية بألسنتنا، أي بالكلمة، وأن نطلق يد منصات الإعلام العربية ومنحها الحرية للتعبير عن رفضنا لجرائم نتنياهو وعصابته الحاكمة، ومساندة جبهات المقاومة في كل مكان على الأرض العربية، وتوجيه الجيوش الإلكترونية التي تملكها وتديرها إلى التوقف عن الدفاع عن العدو الصهيوني، ودعم المقاومة.

لقد أثبتت الأحداث أن الحروب لا تربح بالسلاح وحده، وأن الإعلام يمكن أن يكون له دور حاسم في ترجيح كفة طرف من أطرافها. لقد نجحت المقاومة في غزة في ترويج سرديتها للأحداث في مناطق كثيرة من العالم على مدى العام الفائت، وتفنيد الدعاية الإسرائيلية وجعلت قطاعات من الرأي العام حتى في الدول الغربية تتظاهر ضد العدوان الإسرائيلي. ما يحدث حاليا في لبنان ليس أقل مما حدث ويحدث في غزة، ويحتاج إلى خطاب إعلامي عربي قوي وموحد يستند إلى الحقائق، وما أكثرها، ويفضح الممارسات الإسرائيلية غير الإنسانية في اغتيال المدنيين وقادة المقاومة. من مصلحة الشعوب والأنظمة العربية أن تُفعل قدراتها الإعلامية والاتصالية ليس فقط للتواصل مع مواطنيها، ولكن أيضا مع الآخر، وتقدم خطابًا إعلاميًا قويًا يتضمن تحذيرات واضحة لإسرائيل والولايات المتحدة بأفعال عربية إن لم تتوقف إسرائيل عن حرق غزة ولبنان ومناطق أخرى في جبهات إسناد المقاومة.علينا أن ندرك قبل فوات الأوان أن التطورات التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصال قد غيّرت طبيعة الصراعات الدولية وأضافت أسلحة جديدة إلى ساحة المعارك التقليدية، وأن الوصول العالمي الواسع لكل دول العالم تقريبًا للفضاء الإلكتروني أتاح للدول والعصابات المسلحة مثل العصابة الصهيونية فرصا عديدة لنقل حروبها من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي، والتأثير في مجرى الأحداث سواء بشكل مادي مثل ضرب أنظمة الحواسيب والاتصالات، أو بشكل معنوي مثل التأثير في اتجاهات ومعتقدات الشعوب. لقد استخدمت إسرائيل أسلحة جديدة وعديدة في الفضاء الإلكتروني لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، وجمعت بين العمليات العسكرية الفعلية على الأرض وبين الهجمات السيبرانية، والضغوط الدبلوماسية والاقتصادية وحملات الدعاية.يجب أن ندرك قبل أن تفاجئنا إسرائيل بغارات جديدة على عواصم عربية أخرى أننا نعيش عصر الحرب الهجينية، وهي «شكل من الحروب تقوم على مزج الوسائل الحربية التقليدية وغير التقليدية، العسكرية وغير العسكرية، العلنية والسرية التي تشمل الحرب المعلوماتية والسيبرانية وتستهدف إيجاد حالة من الارتباك والالتباس حول طبيعة ومنشأ وهدف هذه الأفعال». وقد ظهر مصطلح «الحرب الهجينية» لأول مرة في عام 2002 في رسالة علمية قدمها الباحث الاستراتيجي «وليام نيميز» لوصف الطريقة التي اتبعها المقاتلون الشيشان «للجمع بين العمليات العسكرية والتكتيكات العسكرية الحديثة التي تقوم على استخدام الهواتف المحمولة وتكنولوجيا الإنترنت. في هذه الحرب استخدم الشيشان إلى جانب الأعمال العسكرية الفعلية على الأرض الأنشطة الإعلامية والاتصالية والعمليات النفسية ضد القوات الروسية». قد يقول قائل إن الوسائل غير العسكرية بما في ذلك العمليات المعلوماتية والإعلامية كانت وما زالت تستخدم في أوقات الحرب، وهذا صحيح. ومع ذلك فإن ما يجعل الحرب السيبرية مختلفة هو التأثيرات التي يمكن للمعلومات أن تحدثها في تطور الصراع، خاصة أن إدراك الجمهور في بعض الأحيان بنتائج الصراع تكون أكثر أهمية من الحقائق الفعلية على الأرض. إن إسرائيل ترتكب جرائمها ليس بهدف الدفاع عن نفسها كما تزعم، ولكن من أجل السيطرة على إدراك وسلوك الشعوب خاصة الشعوب العربية، التي رغم التلاعب المستمر بعقولها ما زالت تمثل حلقة مهمة وصعبة في حلقات الصراع، وما زالت عصية على الإرهاب الفكري والدعاية الصهيونية.من المتوقع أن تكون حرب المعلومات التي تدمج بين الحرب الإلكترونية والحرب السيبرية والعمليات النفسية محورا مركزيا في كل الحروب في المستقبل. ولذلك علينا أن نضع خططًا واضحة وبدائل اتصالية وتكنولوجية ممكنة حتى نستطيع مواجهة ما قد يأتي من العدو الصهيوني. إذا كنا غير قادرين حاليا على قطع ذراع إسرائيل الطويل بالسلاح فلا أقل من أن نقطع لسانها، وألسنة أنصارها في العالم العربي الطويلة أيضا.

مقالات مشابهة

  • «شؤون الأسرى»: قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 12 فلسطينيا بالضفة الغربية
  • لماذا نجحت استخبارات العدو الإسرائيلي في لبنان وفشلت في غزة؟
  • قطع ذراع إسرائيل الطويل
  • عقب إعلان جونسون إصابة إليزابيث الثانية بسرطان العظام قبل وفاتها.. ما الذي تعرفه عن هذا المرض؟
  • بعد إعلان جيش الاحتلال.. معلومات عن الهجوم البري الإسرائيلي على لبنان
  • مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق على المرحلة التالية من الحرب ضد حزب الله
  • تشمل دخولا بريا.. إسرائيل تصادق على المرحلة الثانية من العمليات في لبنان
  • لتدميره مثل غزة..خلال ساعات: مؤشرات جدية على غزو إسرائيل للبنان
  • فوز غير متوقع: حزب يميني متطرف يتصدر الانتخابات في النمسا للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية
  • الاحتلال الإسرائيلي يقصف ميناء الحديدة وخزانات النفط للمرة الثانية