هل نحن في السودان شعب واحد أم شعوب؟
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
????كنا أثناء عملنا الدبلوماسي تحت وقع أوضاع صعبة ومعقدة كهذه التي جاثمة علي صدر بلادنا اليوم ومنذ شهور، نعترض علي عبارة (شعوب السودان)، حيث كانت ترد بعفوية ودون قصد سيئ أحيانا علي ألسنة الغربيين حتي المتعاطفين مع السودان من صحافيين ونشطاء وما أقلهم يومئذ جراء ثرثرتنا معاشر السودانيين غير المنضبطة عن وجود أكثر من خمسمائة قبيلة وأكثر من مائة لغة ولهجة في سودان المليون ميل مربع وكأننا نتباهي بذلك، ويعقب الاعتراض تأكيد منا بأن السودان بمساحته الواسعة يسكنه شعب واحد لا شعوب نقولها ونحن نجابه المتربصين بوحدة البلاد بتكرارها علي مسامعنا “شعوب السودان” وهم كثر وقتذاكً يرومون التدليل علي ضرورة تفتيت ذلك المارد النائم مخافة أن يصحو يوماً ما فينطلق كالسهم نحو العلياء لا يلوي علي شئ، وكان تأكيدنا يجئ بصوت أعلي يحمل معاني الرفض والتحدي مستعينين بما تعلمناه منهم من تعريفات بأن تعدد العرقيات والديانات واللغات لم يعد طعناً في تجانس الدولة القومية أو القطرية والتي قامت وفقا لإتفاقية ويستفاليا للسلامً في العام ١٦٤٨ علي قاعدة التجانس الديني حلاً لحروبات ثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت طحنت شعوب أوروبا طحنا، حيث كانت الامبراطورية الرومانية المقدسة في وسط وغرب أوروبا تضم مذاهب مسيحية متباينة المعتقدات استعصي التعايش بينها وحل مكانها قتال ضاري فجاء مقترح الدولة الأمة أو القطرية الذي يقوم عليه النظام الدولي اليوم.
ومع ذلك يبقي التعريف التقليدي للدولة القطرية صحيحاً: “يجعل من كل مجموعة سكانية تعيش في قطعة جغرافية معلومة الحدود تتمتع باستقلالية ولها سلطة حاكمة وحارسة لحدودها ومنظمة لحياة الناس في ربوعها دولة – أمة او قطرية كاملة السيادة ويعد مجموع السكان فيها شعب واحد لا شعوب وإن تعددت أعراقهم واختلفت معتقداتهم”..
وما من دولة اليوم تتمتع بتجانس عرقي أو ديني إلا قليلا.
والحروب الرهيبة في أوروبا أدت في مرات عديدةً خلال القرنين الماضيين إلي تغيير حدود تلك الدول حيث لم تلتزم الدول بمبدأ احترام سيادة الدول الأضعف وبالتالي تلاشي التجانس فالمنطقة التي ولد فيها “امانويل كانط” الفيلسوف الألماني المعروف فيما كان يعرف ببروسيا غدت اليوم جزءا من روسيا الاتحادية، وأجزاء من بولندا تقاسمتها دول مجاورة لها، وهكذا وفي الذاكرة أيضاً صراع “الزاس واللورين” بين فرنسا وألمانيا، وبعض أسباب الصراع في اكرانيا اليوم هو بعض الدمج والتفكيك التعسفي الذي صنعته الحروب.
في افريقيا قامت الحدود السياسية كحيازات للدول الأوروبية بعد اتفاقية “برلين ١٨٨٤- ١٨٨٥”، وحشدت في معظم دول القارة عرقيات ولغات وديانات متعددة لا يجمع بينها مشترك، وما أن خرج صاحب الحيازة الأوروبي إلا وانفجرت الأوضاع في معظم بلدان القارة واشتعلت الحروب بين مكوناتها ومع ذلك يلقي اللوم علي النخب وحدها في الفشل الذي لا يزال الصفة الأدق في وصف أحوال تلك الدول وذلك تفادياً لإلقاء اللوم علي المستعمر الذي عوضاً عن وضع خطط وأموال كتعويض لتحقيق الحد الأدني من الحياة الكريمة كالطاقة والمياه والمرافق الصحية الضرورية التي ربما كانت قد أدت إلي تسريع عملية التجانس بين مكونات تلك الدول واستقرارها، حرصت الدول الاستعمارية إلي ربط تلك المستعمرات السابقة بمؤسساتها هي في أوروبا لإستدامة السيطرة عليها وبالمجان هذه المرة.
حدث ذلك لأفارقة العالم الجديد حيث ألغيت العبودية في امريكا عام ١٨٦٣ بموجب “إعلان تحرير العبيد” الذي أعلنه الرئيس ابراهام لنكن، وقد وصف “مارتن لوثر كينغ الصغير” تلك الحرية التي حصل عليها الأرقاء بأنها لم تتضمن منحهم قاعدة اقتصادية كأراض زراعية يعيشون عليها فقد كانت حرية الجوع والتعرض للرياح والمطر دون ساتر وحرية مجاعات بينما شجعت الحكومة الامريكية المزارعين من أوروبا للهجرة لأمريكا عبر اعلانات مكتوبة بمنحههم ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة لتكون قاعدة اقتصادية يبنون عليها معاشهم بينما يلوم الإنسان الأبيض السود اليوم علي فشلهم في صنع حياة كريمة.
(راجع الرابط أدناه).
https://youtube.com/shorts/GuVhm8Z3i6M?si=K32XjrN8dtAhgwX0
وفيلم far and away
والشكوي في السودان وإفريقيا من التهميش وتفاوت التنمية بين أجزاْ الدولة تغفل حقيقة أن المستعمر أقام مشروعات في أماكن دون غيرها وفقاً لمصالحه في المستعمرات كتوافر ما يحتاجه من مواد خام واستتباب الأمن وسهولة نقلها، ولما خرج تفاوتت بطبيعة الحال بين أجزاء القطر الواحد مستويات التنمية وتوفر الخدمات أدت لجفوة بين تلك المكونات والأجزاء وبدت كما لو أن الحكومات القائمة هي التي فضلت أمكنة علي أخرى وعرقيات علي أخري ثم ألبس التفاوت الإقتصادي لبوس العرقية والعنصرية وتأخرت عمليات دمج المكونات المتباينة والمتعددةً في بوتقة واحدة بعد خروج الاستعمار لذلك، وفشت الإنقلابات العسكرية، والعمل المسلح لنيل الحقوق، بينما لا يعرف علي وجه الدقة ممن تأخذ ولم يتوفر استقرار كاف يمكن الحكام الوطنيين من استدراك التقصير ورتق الفتق الذي خلفه الاستعمار. وهذا لا ينفي تقصير الحكام الوطنيين ولا يعفيهم من بعض المسؤولية، لكن تشابه العثرات في معظم المستعمرات السابقة والنواقص قي مجالات التعليم وتوافر الطاقة والخدمات الصحية وعدم تحقيق أي اكتفاء ذاتي في أي من ضرورات الحياة يؤكد أن التركة الاستعمارية هي القاسم المشترك في ذلك، وفي بوركينافاسو عرض الرئيس الفرنسي “ماكرون” برئيس البلاد حينما قال في محاضرة: “أنا لست مسؤولاً عن نقص الكهرباء في بلدكم أسألوا رئيسكم هذا عنها”، فخرج الرئيس من القاعة مغاضباً، بينما صب الشباب جام غضبهم علي الرئيس الفرنسي علي اعتبار أن فرنسا شريكة في اللوم علي الأقل.
ثم إن الحيازات الاستعمارية التي أضحت دولا بعد خروج المستعمر مباشرة تأخر تحقيق الروح الوطنية المشتركة بين أجزائها ومن طبائع الأشياء يأخذ ذلك وقتاً طويلاً هذا رغم أن القوانين الموضوعة في جميع هذه الدول الافريقية التي استقلت تنص علي المساواة التامة بين المواطنين. يبقي التحيز الجهوي والعرقي والديني هو سيد الموقف يطل برأسه كلما قامت انتخابات حتي تلك الحرة النزيهة حيث تثور الشكوك والاتهامات بالتزوير وقد تحرك بأصابع من الداخل أو الجوار أو الخارج البعيد للنيل من استقرار تلك الدولة لاعتبارات سياسية، ايدولوجية أو اقتصادية.
والتحيز الاجتماعي الذي يتخذ مطية لإثارة الفتن موجود حتي في مجتمعات العالم الأول بسبب اختلاف الألوان والأديان والثقافات وحتي مع انعدام كل ذلك؛ فالأمريكي الأبيض من الشمال هو عند الأمريكي الأبيض من الجنوب (يانكي)، وهو عند الشمالي متخلف، متعصب وهكذا. وكذا الحال في ايطاليا وألمانيا وبريطانيا. ومواطنو هذه الدول تعرضوا جميعاً للتمييز في أمريكا من قبل اخوانهم البيض وتم شنق ١٢ من الايطاليين علي جذوع الأشجار تماماً كما كان يفعل بالسود فيما عرف ب (لنشنق)، حتي هددت ايطاليا بإعلان الحرب علي امريكا بسبب ذلك مما حدا بالرئيس الأمريكي لجعل يوم “كولمبس” الذي اكتشف امريكا بالصدفة (ايطالي) إجازة رسمية لجلب الاحترام للايطاليين تذكيرا بالمكتشف للقارة الأمريكية، وقد جري تغيير التسمية بعد احتجاجات الهنود الحمر الذين أذاقهم الأمريين، فسمي (بيوم الأهلين!).
ومع ذلك توجد سمات عامة تميز كل شعب تتكلس بفعل الزمن، تبطئ المسير في حال التكوين الحديث الذي لم يمتد غراسه في التاريخ بعد، كالقائم في افريقيا والمستعمرات السابقة في العالم الثالث، ونمو المشتركات يختلف في السرعة، فمثلا يتبلور مزاج موسيقي بوتيرة أسرع وكذلك اللباس العام واللهجة ثم المطبخ المشترك ويتأخر التزويج لإعتبارات اقتصادية في المجتمعات النامية كالحرص علي الحفاظ علي الاراضي ونحوها في اطار الاسر الصغيرة والممتدة أو للإحساس بتفوق عرقي ولبعض الوقت، ووعياً بذلك قال “مارتن لوثر كينغ الصغير” مخاطبا قومه البيض في سعيه للمطالبة بالمساواة أمام القانون (الحقوق المدنية) مطمئناً: “إنني أريد أن أكون أخاً لكم لا صهراً”)
“I would like to be your brother and not a brother in law.”
يستبطئ بحكمة بالغة ذلك المدي من الانصهار الذي لم يحن وقته.
واشتهر الناس في السودان بدماثة الخلق وطيب المعشر والأمانة في المنطقة بأسرها والقصص الدالة علي ذلك كثيرة تروي. وسألت أمريكياً مستنيرا إن قد سمع بالسودان فأجبنا علي الفور: “السوداني هو رجل الشرق الأوسط المحترم”
“The Gentleman of the Middle East.”
وقال آخر في حشد من الناس اتفق أن أنجز عمل أطروحته الميدانية للدكتوراه ستينيات القرن العشرين في الخرطوم أنه زار جميع أقطار المسلمين وأقطارا غيرها فوجد أن: “السودانيين الأقرب إلي تعاليم وسلوكيات السيد المسيح عليه السلام”. تلك سمة عامة صبغت صورة السوداني في الأذهان وذلك لا يعني بأي حال خلو مجتمعنا من المجرمين والمفسدين والقتلة.
هذا الاستطراد المطول وعنوان هذه المقالة ناتج عن دهشة أصابتنا وذهول حل بساحاتنا وأقلق منامنا ونحن نكابد المعاناة من جراء هذه الحرب اللعينة منذ منتصف أبريل ٢٠٢٣ ونري ما لم يكن يخطر علي بال من فعال؛ تقتيل بلا رحمة للأبرياء العزل، واغتصاب لحرماتهم وسرقة لكل ما يملكون من متاع بحقد دفين وتشف لا يعرف له سبب؟ وهجمات علي المتاجر والبنوك والأسواق بغرض السرقة؛ سرقة كل شئ تنتهي بأسواق لبيعها علناً في غياب تام للدولة، فبتنا نتساءل هل هؤلاء الذين يقومون بهذه البشاعة سودانيون؟ وفي مقابل ذلك شاهدنا في الوسائط شابا في غزة يحدث عن غزة الصامدة التي تتعرض لأبشع مجازر العصر بأنها لم تشهد عمليات نهب وسرقة للأسواق وممتلكات المواطنين رغم كونها علي حافة المجاعة.
قال لي سوداني حي الضمير معلقاً: “شعرت بالخزي والعار وأنا أسمع ذلك وأري بعيني هاتين، الأسواق تنصب في الخرطوم للمسروقات من بيوت المواطنين وملابس أطفالنا وأواني الطبيخ والقهوة والشاي بل والشبابيك والأسرة ولعب الأطفال”.
قلت: كنا نباهي الغربيين بأن قطوعات الكهرباء التي نتعايش معها بشكل يومي منذ بداية ثمانيات القرن الفارط لم تشهد فيها مدننا سرقات ونهب للأسواق والمتاجر، بينما يحدث ذلك في كبريات مدنهم إذا حدث فيها إظلام بفعل قطوعات تنتج نادراً عن كوارث طبيعية فوق طاقة الانسان؟
قالها مرة المزروعي يباهي بها بأن: “المرأة المسلمة في معظم العواصم الإسلامية تخرج منتصف الليل وحدها لشراء الأغراض من المتجر وهي آمنة بينما لا يحدث ذلك في كبريات مدن الغرب المضاءة بالثريات”.
بذلك الألم طفق السوداني يتساءل كالمتشكك هل هؤلاء سودانيون؟ ويتساءل مرة أخري يمني النفس ألا يكونوا، ولئن لم يكونوا وكانت السرقات الحالية والفطائع المقيتة والمميتة التي ذكرنا يفعلها من جاء بهم تمرد الجنجويد من أوباش الصحراء الكبري الذين أعادوا بفظاعة صنائعهم سير أوباش جنكيزخان وهولاكو وبرابرة أوروبا الذين دمروا حضارة اليونان والطليان وكل الغزاة الذين وثق التاريخ جرائمهم، إن كانت ليست من صنيع السودانيين كما يزعم البعض، فما بال (المتحضرين) في المدن يتسابقون لهذه الأسواق الحرام يشترون المسروقات الماخوذة من بيوت الجيران والأصحاب وأبناء وبنات الحي في المدن، هذا إن لم يكون هم من دل السارقين عليها كما تروي بعض القصص؟ بل وما بال القري المعروفة داخل حدود السودان وحواضر قبائل عرفت بالخير كانت حواضن الإمام المهدي وموطن فرسانه الأشاوس في جهاده المقدس من أجل تحرير ذات الوطن الذي تستخدم فيه عناصر من تلك الأنحاء ومن الشتات لإذلاله واستعماره وسرقة ثرواته بقتل شيوخه وشبابه واستباحة حرماته، ما بالها تستقبل السارقين والنهابين مغتصبي الحرائر والقتلة بالزغاريد والأهازيج والأشعار وغناء الحكامات؟ أليست هذه ديار عبدالرحمن دبكة وجمعة سهل وإخرين من تلك الجهات من الوطن الذين ساهموا مع ابن الأبيض حاضرة كردفان، الزعيم الحق اسماعيل الأزهري، ترجيح خيار (السودان للسودانين) فولدت دولة ١٩٥٦ كما قوض أسلافهم الميامين بحد السيف دولة ١٨٢١ بمناصرة المهدي؟
هذه دعوات لا تصدر من أفواه سودانية أصيلة.
وإن ساقوا التهميش مطية لذلك فما بال قبائل في ولاية الخرطوم وفي جوارها القريب وسجادات تصوف تشارك في هذا الجرم الشنيع؟ وما بال أحزاب سياسية كبيرة وصغيرة تبدو راضية بما يحدث هذا إن لم تكن ضالعة فيه بنحو ما؟
ماذا دهانا؟ هل نحن (يا نحنا.. يا نحنا..)؟ أين شيوخ الإسلام وحفظة القرآن هناك وهنا وأين مشايخ تلك القبائل؟ وللانصاف قد أدان بعضهم تلك الجرائم بكل قوة وشجاعة وفيهم أفاضل خبرناهم في دروب الحياة لا نشك في صدقهم وفي حبهم للوطن ونبذهم للقبلية والجهوية، ولكن أين البقية؟ أين المثقفون هناك وقد تصدي بعضهم لها بالفعل بالشجب والاستنكار والادانة لكن ألا يستدعي الأمر أكثر من ذلك؟ وقفة أقوي مجتمعة من أولئك جميعا في حملات منظمة معلنة ومذاعة ومتلفزة حتي لا تلحق القلة المارقة بالجميع العار والشنار الذي يبقي ما بقي الدهر؟
وأعجب منه وأنكي أن تجد من لا يري في ذلك بأساً ممن يعتبرون أنفسهم في زمرة المثقفين العصريين التقدميين يزينون حربا متخلفة موغلة في التخلف والأحقاد العرقية البدوية والعمالة المشتراة بالدرهم والدينار. يتوارون للتمويه خلف عبارات زلقة ومبهمة، كالقضاء علي سودان ٥٦ او حتي ١٨٢١، يزعمون أنها ستفضي لتحقيق الحرية والسلام والعدالة مع أن الناس قد استأنسوا من قديم بالحكمة البالغة التي تقول: “إن فاقد الشي لا يعطيه!”، “وأن المرء لا يجن من الشوك العنب!”. كيف يستوعب العقل ألا يري أولئك بأساً في انتهاك الأعراض وسرقة البيوت بل الاستيلاء عليها بعد طرد أصحابها وتشريدهم وهي بيوت ذويهم، والأعراض؛ اعراض الأقرباء والجيران، وزملاء الدراسة ورفقاء العمل والصحاب في الأسفار الذين لم يرتكبوا جرما في حق أحد!
أين هذا من الصورة الرائعة للسوداني التي كانت منذ عقود قليلة مضت تضئ في زهو سماواتنا وسماوات الدنا؟!
أين تعاليم الدين الحنيف وأعراف السودانيين السمحة ومُثُل القبائل البدوية الحرة الأبية:
ما بياكل الضعيف وما بسولب المسكين
إلا شيمة اللسد اب قبضتن زين!
حتي الهمباتة السراق الذين كانوا يرون في ذلك فروسية ورجولة كصعاليك العرب في الجاهلية كانوا يردون الابل المسروقة إذا علموا أنها لأيتام حتي لو قُتلوا عند ارجاعها يسمونها (مال الدمعة) يرون العار في أخذها.
أبن شمائل العرب في الجاهلية وقبل الاسلام لمن يصعرون الخد اليوم للآخرين تفاخرا بالانتساب للعرب؟ اشتهر العرب بالشجاعة ومتعلقاتها من الفروسية والشهامة والصدق وتجنب الكذب، (ابو سفيان بن حرب عند كبير الروم)، ومنازلة النظير في حومة الوغي والتأفف من اصطياد الضعفاء (عتبة يوم بدر نريد أكفاءنا من بني عمنا)، ووفاء السموأل، وأناة معن بن زائدة، وحكمة في ابن ساعدة، وكرم حاتم طئ؟
قال عنترة:
يخبرك من شهد الوقائع
أنني أغشي الوغي وأعف عند المغنم
وتعفف عنترة عن مجرد النظر لحليلة الجار.
وأكرر تساؤلي هل نحن شعب واحد أم عدة شعوب اتفق أن ضمتها جغرافية واحدة؟
وأجيب نفسي؛ بأننا شعب واحد فمن به أن يرعي قيم الخير التي عرفها الناس عنه والتي حببت الناس فيهم لكنه فقد البوصلة ولم يفقد لحسن الحظ عقله ولا الرغبة في التماس الجادة من جديد ليجعل من هذه النقمة نعمة للمراجعة واستدراك ما فات وإحياء الشمائل التي ميزته عن جواره القريب والبعيد. ومن المبشرات نلحظ حباً للوطن وحرصاً علي وحدة أراضيه بل والموت في سبيله تنطلق من عقائر شبان وشابات بكل ألوان السودانيين وسحناتهم ولهجاتهم كأننا نستشرف قفزة هائلة تجب نواقصنا جميعاً وتدلف بنا لمرحلة جديدة من العز الباذخ!
✍️الدكتور. الخضر هارون
maqamaat@hotmail.com
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی أوروبا تلک الدول شعب واحد فی معظم
إقرأ أيضاً:
مجلس الأمن، والسودان
الناظر إلى العلاقات القائمة بين الدول في العصر الحديث يجد صوراً عديدة ومتنوعة وفقا لما يمليه الواقع العملي علي المستوي الدولي بكل تعقيداته، مما استدعي ذلك تأسيس هيئة عالمية تجتمع تحت مظلتها دول العالم ويتاح لجميع الدول الإنضمام الي عضويتها ، ففي البداية كانت عصبة الأمم وبعد فشلها جاءت الأمم المتحدة ، ثم توافقت الدول علي ميثاق عالمي ينظم العلاقات فيما بينها ويؤسس لعلاقات ودية هادئة ، ولكن ماذا لو حدثت نزاعات أو حروب ؟ كان لابد من تكوين آلية فاعلة لوقف الحرب وفض النزاعات.
بعد مؤتمر موسكو 1943م ومؤتمر طهران منتصف 1944م اجتمعت وفود روسيا والولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة في مؤتمر دومبارتون أوكس في واشنطن للتفاوض حول هيكل الأمم المتحدة وبالفعل جاء النقاش حول تكوين مجلس الأمن ليكون آلية دولية تعمل علي منع النزاعات ووقف الحروب واتخاذ إجراءات قانونية تجاة المعتدي ، وعقدت أولى جلساته في 17 يناير 1946م ، وهو أحد الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، وخصص له الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة لبيان طريقة تكوينه وإجراءات العمل الخاصة به.
ويتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً، خمسة دائمين هما الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتنتخب الجمعية العامة للأمم المتحدة عشرة أعضاء آخرين ليكونوا أعضاء غير دائمين في المجلس يتم تغييرهم كل سنتين ويراعي في ذلك التوزيع الجغرافي.
لكل عضو صوت واحد وتصدر القرارات في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من الأعضاء ، أما في المسائل الموضوعية فتصدر القرارات بموافقة تسعة من اعضائه علي ان يكون من بينهم أصوات الأعضاء الدائمين متفقة.
تكون رئاسته بالتناوب بين الدول الاعضاء كل شهر وفقاً للترتيب الابجدي لأسماء الدول الأعضاء باللغة الإنجليزية.
نطاق عمل مجلس الأمن واسع ، وقراراته ملزمة لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، ويتميز مجلس الأمن دون أجهزة الأمم المتحدة بحق التدخل لتسوية المنازعات الدولية التي تنشأ بين الدول سواء طلب منه التدخل من الدول أو تدخل من تلقاء نفسه، حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين ، وله سلطة تحديد الطرف المعتدي .
جاءت تلك المهام نتيجة للمادة الرابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة التي أوضحت أن جميع الدول الأعضاء يعهدون إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسة في حفظ السلم والأمن الدوليين وهو يعمل بالإنابة عنهم في هذة التبعات.
هذة المادة هي جوهر عمل مجلس الأمن، لأنها منحته الصلاحيات الواسعة بموافقة كافة الدول الأعضاء، والموافقة علي أن يعمل نيابة عنهم بموجب هذة الصلاحيات وفقا لمبادئ الأمم المتحدة.
و لمجلس الأمن، كما جاء في المادة الثالثة والثلاثين من الميثاق، أن يدعو أطراف أي نزاع إلى التفاوض أو التحقيق أو الوساطة أو التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية لحل النزاع، وله إيفاد بعثة أو تعيين مبعوثين أو توجيه الأمين العام للأمم المتحدة ببذل مساعيه الحميدة لإخماد النزاعات والتوفيق بين أطرافها.
و إذا لم تنجح تلك المساعي السلمية، يكون لمجلس الأمن الحق في إرسال قوات لحفظ السلم والأمن الدوليين لمكان النزاع ، أو وقف العلاقات الاقتصادية، وله قطع المواصلات بجميع أنواعها براً وبحراً وجواً جزئياً أو كلياً ، وله قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولة المعتدية و دول العالم .
لمجلس الأمن مهام كثيرة واختصاصات عديدة تمكنه من تطبيق أحكام القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة بما يحقق ضبط النزاعات بين الدول أو النزاعات التي تنشأ داخل إقليم الدولة لكنها تنعكس سلبا علي أمن وسلام المنطقة.
من جهة أخرى نجد أن ميثاق الأمم المتحدة لم يتضمن أي نص يجيز الطعن في قرارات مجلس الأمن ، وبذلك لا تستطيع أي جهة أن تحاسبه أو تطعن في قراراته مما يجعله المتحكم الفعلي في أعمال الأمم المتحدة.
بموجب حق الفيتو الممنوح للدول الخمس الدائمين في مجلس الأمن يتم التحكم في جميع القرارات الصادرة عنه أياً كان هدفها أو غايتها ، فإن كانت لاتخدم مصالح أي من الدول الخمس فالفيتو في انتظارها ، وهكذا يتعطل الدور الحقيقي والجوهري لمجلس الأمن في الحفاظ علي السلم والامن الدوليين بعدالة ويكون القرار مرتهنا بما تراه الدول الخمس محققا لمصالحها فقط.
*مجلس الأمن والحرب في السودان*
بين السودان ومجلس الأمن العديد من القرارات ، لكن في ملف الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل 2023م وضع آخر ، حيث كان أول قرار لمجلس الأمن في 8 مارس 2023م وهو القرار رقم 2676 الذي يمدد نظام عقوبات علي السودان تتمثل في تجميد الأصول وحظر السفر وحظر الأسلحة، وهو قرار فني لتجديد التدابير التي تم تجديدها سابقاً.
في يونيو 2023م ، طالبت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن باتخاذ إجراءات حاسمة لإيقاف الحرب ، وركزت على الدول الأفريقية الثلاث الأعضاء وهي الغابون وغانا و موزمبيق و على جهود الإتحاد الأفريقي لتأمين وقف الحرب ، والتأكيد علي حماية المدنيين كركيزة أساسية، وذلك أثناء مناقشة مجلس الأمن لتجديد تفويض بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (يونيتامس) .
في 11 أكتوبر 2023م صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأغلبية 19 صوتاً مقابل 16ضد وامتناع 12عن التصويت، لصالح اعتماد قرار بإنشاء لجنة لتقصي الحقائق في الجرائم والانتهاكات التي وقعت في السودان منذ بداية الحرب،
وأخطر مجلس الأمن بذلك.
في 8 مارس 2024م أصدر مجلس الأمن قراراً يدعو لوقف فوري للعنف في السودان وإزالة أي عراقيل لوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع ودون عوائق خلال شهر رمضان.
ثم ناقش مجلس الأمن مشروع قرار حول الحرب في السودان ووقف العدائيات، إلا أن الدول الأفريقية الثلاث رفضت مسودة مشروع قرار صاغته بريطانيا لمجلس الأمن منتصف أبريل 2024م .
و في 29 أبريل 2024م عقد مجلس الأمن جلسة مغلقة لبحث التصعيد للعمليات العسكرية مع التركيز على الأوضاع في مدينة الفاشر، وقلق المجلس بشأن الوضع الإنساني للمدنيين ، وطالبت بعثة السودان الدائمة في الأمم المتحدة مجلس الأمن لوضع حد حاسم لدعم الإمارات لمليشيا الدعم السريع وإصدار قرار بذلك .
في 30 مايو 2024م عقدت جلسة لمجلس الأمن لعرض تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع الإنساني في السودان وتداعيات الحرب .
في 13 يونيو 2024م ، طالب مجلس الأمن من المليشيا الإرهابية إنهاء حصارها لمدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور وأصدر القرار رقم 2736 ، حيث تحاصر المليشيا مئات الآلاف من المدنيين في أوضاع إنسانية متردية للغاية ، لكن المليشيا لم تستجب للقرار .
في منتصف أغسطس 2024م أعلن المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان (المضي قدما) في حل الأزمة السودانية بحضور أمريكا ومصر والسعودية والإمارات والإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، في اجتماع جنيف، رغم عدم وجود ممثل للحكومة السودانية، وبعد انتهاء الاجتماع وفشلهم ذكر المبعوث الأمريكي الخاص أن المحادثات قد تستأنف في تاريخ غير محدد مستقبلا.
القراران الصادران في مارس ويونيو 2024م أيدتهما 14دولة مع امتناع روسيا عن التصويت، لكنه سمح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن والابقاء علي معبر أدري الحدودي مع تشاد مفتوحا لدخول المساعدات الإنسانية.
في11 سبتمبر 2024م قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً عن أوضاع الحرب في السودان والموقف الإنساني هناك ، وقدم ممثل بعثة السودان الدائمة كلمة السودان ، ثم جدد المجلس نظام العقوبات الخاص بالسودان (دارفور) حتى سبتمبر 2025م ، سعياً للحد من دخول الأسلحة لإقليم دارفور .
وفي أكتوبر 2024م ناقش مجلس الأمن إمكانية نشر بعثة مشتركة بقيادة الإتحاد الأفريقي للمساعدة في حماية المدنيين ، والاستماع لاحاطة مفتوحة من الأمين العام للأمم المتحدة .
18 نوفمبر 2024م ، ناقش مجلس الأمن مشروع قرار صاغته بريطانيا وسيراليون حيث كانت بريطانيا تتولى رئاسة مجلس الأمن لشهر نوفمبر 2024م ، ويدعو القرار إلى وقف الأعمال العدائية ووقف التصعيد العسكري، جاء مشروع القرار متخفياً وراء كلمات دبلوماسية يؤيد اتفاق جدة ويدعم دخول المساعدات الإنسانية، وهو في حد ذاته محاولة للسير بسرعة نحو تسوية مدنية تحافظ علي كيان المليشيا الهالكة، لذلك جاء مشروع القرار كأنه يستبق الزمن للوصول لحل سياسي دبلوماسي قبل أن تتورط المليشيا الإرهابية في المزيد من الجرائم ، مما يزيد سخط الشعب السوداني عليها وبالتالي يصعب للوصول إلى تسوية تنقذها من الهزيمة المحققة، غير أن مشروع القرار هذا حسم بفيتو روسي أعاد الامور إلى نصابها .
في نفس الوقت كانت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول) قد أصدرت نشرة زرقاء بأسماء قائدين بالمليشيا بناء على قرار مجلس الأمن الصادر للدول الأعضاء بهدف منع تحركاتهم عبر أراضيها وتجميد الأرصدة المالية التي تخصهم .
لكن إلى الآن لم يتطرق مجلس الأمن لتوجيه اتهام للمليشيا الإرهابية بأنها جماعة إرهابية، رغم كل جرائمها ، ولم يوجه اتهاماُ للإمارات لدعمها المليشيا للاستمرار في عملياتها الإرهابية تجاة المدنيين العزل الذين يخشى عليهم مجلس الامن ويقلق لاجلهم !!
رغم الانتهاكات الجسيمة والجرائم المروعة التي تصل لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والتي وثقت من قبل المليشيا نفسها ونشرت علي المنصات الاعلامية المختلفة ، وذكرتها ووثقتها تقارير المنظمات الدولية والإقليمية وتقرير لجنة الخبراء الدولية، إلا أن المجلس الموقر لم يصدر إدانة واحدة ضد المليشيا المغتصبة للآن !!
منذ بداية الحرب خصص مجلس الأمن جلسات كثيرة للسودان ولمناقشة الحرب والاوضاع الإنسانية للمدنيين ، جلسات منها المغلقة ومنها المفتوح ، منها جلسات إحاطة ومنها جلسات أصدر فيها مجلس الامن قرارات مباشرة ، وهناك حوالي خمس جلسات خصصت للنقاش حول اليونسفا (UNISFA) ، وست جلسات لمناقشة وضع يونيتامس (UNITAMS).
عدد كبيرمن الجلسات لكن للاسف أغلبه لايصب في مصلحة السودان وشعبه ، أغلبها محاولات ضغط من بريطانيا لكي ينصاع السودان للضغوط الأميركية و الإماراتية لوقف الحرب مع انحياز كامل من بريطانيا تجاة المليشيا، والتي ترفض أي إدانة للمليشيا الإرهابية عبر جلسات مجلس الأمن ، وهي نفسها التي سعت لإبعاد تقرير لجنة الخبراء التي كونها مجلس الأمن وقدمت تقريراً مفصلاً يتضمن وقائع وأحداث تدين المليشيا وتثبت علي الإمارات تهمة تمويل المليشيا الارهابية في السودان ، ثم عملت بريطانيا بالتعاون مع الولايات المتحدة علي تعليق شكوي السودان ضد الإمارات ، وعدم تقديمها لمجلس الأمن حتي لا يتخذ قرار فيها رغم أن هذه الشكوي تستند إلى العديد من الأدلة والبراهين منها تقرير بعثة الخبراء الأممية سالفة الذكر ، ورغم اتهام اليونسيف للمليشيا المتمردة أنها تجند الأطفال وتدفع بهم لنيران الحرب بما يمثل انتهاكا دوليا يضاف إلى سجل المليشيا الاجرامي ، إلا أن بريطانيا لا تزال منحازة للمليشيا بصورة سافرة .
علي كل فإن مجلس الأمن يعقد جلسات إحاطة اليوم الخميس بشأن السودان ويترأس وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكين الاجتماع ، والذي من المقرر أن يقدم فيه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش أو وكيله المعين ووكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية توماس فليتشر ، إحاطة حول مستجدات الأوضاع في السودان.
نأمل أن تكون هذة الجلسة مختلفة عن سابقاتها،وان يكون يوم *(19 من ديسمبر)* علامة فارقة في السجل الأممي تجاة السودان كما كان علامة فارقة في تاريخ السودان الحديث.
التهاني للشعب السوداني الأبي الحر بمناسبة ذكري اعلان الاستقلال المجيد من داخل البرلمان ، والتحية لقواتنا المسلحة الظافرة المنتصرة بإذن الله وحوله ، والتحية لقوات الشرطة والأمن والقوات المشتركة فرسان السودان ، والمستنفرين الأبطال ، سائلين الله عز وجل أن يتقبل شهداءنا برحمته الواسعة في الفردوس الأعلى.
د. إيناس محمد أحمد احمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب