حل الدولتين أم إبادة الشعب الفلسطيني؟!
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
الحديث عن حلّ الدولتين في هذا الوقت بالذات أقرب إلى الإمعان في الإبادة المعنوية للفلسطينيين، لما يكتنزه هذا الحديث من دجل معجون بالاستخفاف والوقاحة، وذلك بقطع النظر عمّن يصدر هذا الحديث، لأنّ إرادة الإبادة للفلسطينيين تكاد تكون عامّة في الإقليم والعالم.
الإبادة كلمة مرعبة لا شك، لكن مستوياتها لا تقتصر على الإبادة البشرية بالسياسة الجارية الآن في قطاع غزّة.
حديث المتواطئين أثناء المذبحة المفتوحة عن حلّ الدولتين؛ ينبغي أن يعود بالسؤال إلى ما قبل الحرب والدمار الواسع الذي اجتاح غزّة الآن؛ إن كان قطاع غزّة أصلا وهو على حالته قبل الدمار يصلح بمساحته الصغيرة وظروفه البيئية القاسية أن يكون جزءا من دولة فلسطينية، جزؤها الآخر (الضفّة الغربية) ظلّت الهندسة الاستعمارية (الاستيطان وكلّ ما يتصل به من جدار وطرق وحواجز ومعسكرات.. الخ) تزحف فيه وتحاصر الوجود الفيزيائي للفلسطيني
بل إنّ نمط الإبادة الجاري بالأسلحة التقليدية وشبه التقليدية في السياق الغزّي الخاص، والفلسطيني العام؛ أسوأ، لأنّه مصحوب بسياسات التجويع والتعطيش، والتدمير الممنهج للحياة الحضرية كلّها وفي القلب منها المستشفيات والمدارس ودور العبادة، على مدار اللحظة وتحت رصد الكاميرات العالمية، وفي نهج من الاستباحة لكلّ ما لاكته الألسن وسالت به الأقلام من قوانين دولية وإنسانية، مما يعني إطباق العالم على الإبادة المتسمة بالتشفّي من الفلسطيني، مع ما يتجاوز العجز العربي إلى الرغبة المفضوحة للنظام الرسمي العربي بالخلاص من الفلسطينيين وإلى الأبد.
نهج الإبادة المادي هذا الجاري مضمّن أنماط الإبادة الأخرى ومستوياتها، المعنوية والسياسية، بناء على الإرادة المتجسدة في خطوات عملية خلال العقد الأخير لكلّ من الولايات المتحدة وقوى أساسية في الإقليم العربي، وبطبيعة الحال "إسرائيل"؛ ليكون الحديث الآن عن حل الدولتين أداة في الإبادة لكونها سخرية سادية سافرة؛ لا يشبهها شيء إلا قهقهة القَتَلة فوق أنّات ضحاياهم.
إنّ حديث المتواطئين أثناء المذبحة المفتوحة عن حلّ الدولتين؛ ينبغي أن يعود بالسؤال إلى ما قبل الحرب والدمار الواسع الذي اجتاح غزّة الآن؛ إن كان قطاع غزّة أصلا وهو على حالته قبل الدمار يصلح بمساحته الصغيرة وظروفه البيئية القاسية أن يكون جزءا من دولة فلسطينية، جزؤها الآخر (الضفّة الغربية) ظلّت الهندسة الاستعمارية (الاستيطان وكلّ ما يتصل به من جدار وطرق وحواجز ومعسكرات.. الخ) تزحف فيه وتحاصر الوجود الفيزيائي للفلسطيني، لا على مستوى التجمّع فحسب؛ بل حتى على مستوى الفرد، بحيث باتت الحياة نفسها فيه تتآكل باستمرار، فكيف بصلاحيته أن يكون دولة؟!
كامل الأراضي المحتلّة عام 1967 لا تصلح لأن تكون دولة بالمعنى الكامل للدولة حتى لو خلت من الاستيطان تماما، فكيف الآن والفلسطيني الذي يرغب بأن يأخذ نفسا من الهواء في خلاء أرضه قد لا يمكنه ذلك. وهذه ليست مبالغة، فالمجال الحيوي للأراضي داخل الضفة الغربية مصادر بالكامل، وثمة مناطق وشوارع لا يمكن للفلسطيني أن يقترب منها، بل الأراضي المملوكة لفلسطينيّ ما قد يُمنع من الوصول إليها أو قطف الزيتون فيها، بل أكثر من ذلك، ففي ظروف الحرب المعلنة هذه، لا على غزّة فقط، تُمنع العائلات الفلسطينية في القرى المتاخمة للمستوطنات من السهر على عتبات بيوتها!
أليس من قبيل السخرية السادية إذن، في سياق الإبادة المعنوية، الحديث عن حلّ الدولتين في الظرف الأكثر هدوءا من الظرف الراهن، فكيف إن رافق ظرف الإبادة الماديّة الراهن؟!
ما الذي أوصل الحال إلى ما هو عليه، بعدما قرّرت قيادة منظمة التحرير الانغماس الكامل في مشروع التسوية والتخلّي الصريح عن الكفاح المسلّح والاعتراف بـ"إسرائيل"؟! أليست السياسات الدولية والإقليمية، ومنها العربية، التي احترفت مدّ الحبل للإسرائيلي حتى آخره في مصادرة مجالات الوجود الفيزيائي للفلسطيني في الضفة، بحيث يغدو الحديث عن حلّ الدولتين شراء للوقت ومخادعة للفلسطيني إلى حين يُطْبق الاحتلال على الضفة الغربية، لينتهي مصير الفلسطيني بين ملحق أمني منزوع الكرامة مُستعبَد للإسرائيلي، وباحث عن هجرة إلى الخارج؟! وذلك في حين أن هذه القوى التي تمدّ الحبل للإسرائيلي تبتزّ الفلسطيني للمزيد من التنازلات.
ليست هذه نظرية مؤامرة، هذه حقائق؛ منها أنّ اتفاقيات التطبيع الأخيرة المسماة بـ"الإبراهيمية" ناجمة عن خطة ترامب المشهورة بـ"صفقة القرن"، هذه الخطّة تنصّ على إبقاء الوضع الفلسطيني القائم على ما هو عليه مع تسميته دولة، أي أنّها فقط تنتقل بالسلطة الفلسطينية إلى تسمية الدولة، مع بقاء الاحتلال (بقاء المستوطنات والمعسكرات والحواجز واستمرار الاحتلال في اقتحام المدن وتنفيذ العمليات الأمنية والاحتفاظ بالمعتقلين الفلسطينيين، فكيف بالقدس والحدود ومظاهر السيادة الأخرى). هذه الخطة التي تُجسد الإبادة السياسية والمعنوية للفلسطينيين على طريق الإبادة المادية بدفع الفلسطينيين للهجرة الطوعية؛ وافقت عليها فعليّا دول "الاتفاقات الإبراهيمية"، ولم تفعل شيئا لمعارضتها جدّيّا بقية الدول العربية.
ومن نافلة القول إنّ إدارة بايدن لم تتراجع عن خطوة جوهرية واحدة اتخذتها إدارة ترمب لتصفية القضية الفلسطينية، كالاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، وضمّ الجولان، مما يعني أنّ هذا توجه المؤسسة الأمريكية لا إدارة بعينها، وأنّ ما فعلته إدارة ترامب كان فقط الذهاب المُستعجل إلى النقطة الأخيرة في هذه الطريق.
أليس الحديث عن حلّ الدولتين أثناء الإبادة الماديّة هو ضرب من الإبادة المعنوية، في قلبها يأتي الاصطفاف الدعائي لدول عربية من خلال مؤسّساتها الإعلامية وذبابها الإلكتروني في خندق المجزرة الإسرائيلية، فضلا عن إمعان الحصار من مصر على عزّة؟! وإذا كان الحال على هذا النحو، هل يُسأل الفلسطيني عمّا يفعل طالما أنّه محاصر دائما بخطط الإبادة بأنماطها ومستوياتها كلّها؟
أخيرا، وفي إطار مفاوضات التطبيع السعودي الإسرائيلي برعاية إدارة بايدن، تحدث الأمير محمد بن سلمان عن تحسين ظروف حياة الفلسطينيين، وهذا تعبير عن الإبادة السياسية، فالفلسطيني لم يناضل هذه العقود كلّها لتحسين ظروفه الاقتصادية، وإلا لامتنع عن الكفاح واندمج في الاقتصاد الإسرائيلي ليحظى بوضع اقتصادي أفضل من كل قاطني المجال العربي برمّته، ولكن ما ناضل لأجله الفلسطيني هو التحرر الكامل والتجسيد الكامل لهويته القومية والسياسية.
بعض المصادر قالت إن المكوّن الفلسطيني في الصفقة السعودية/ الإسرائيلية، لم يزد على إبقاء الوضع الفلسطيني القائم على ما هو عليه مع إطلاق اسم الدولة على المناطق (أ) فقط، وبقاء بقية مناطق الضفّة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، والاتفاق على إدارة مشتركة للمسجد الأقصى سعودية، أردنية، إسرائيلية، فلسطينية، في اعتراف عربي وإسلامي لأوّل مرّة بحقّ يهودي في المسجد الأقصى.
إذن هل كان أحد بالفعل يريد دولة حقيقية للفلسطينيين ولو حتى على أرض محصورة (الضفة والقطاع) لا تكفي للنموّ البشري الطبيعي باحتياجاته الاقتصادية، أم كان الجميع يعمل على الإبادة السياسية للفلسطينيين؟! ولمّا كان الأمر كذلك، هل يُستغرب صمت الجميع، الذي هو فعل من التواطؤ، على الإبادة المادية في غزّة؟! وحينئذ أليس الحديث عن حلّ الدولتين أثناء الإبادة الماديّة هو ضرب من الإبادة المعنوية، في قلبها يأتي الاصطفاف الدعائي لدول عربية من خلال مؤسّساتها الإعلامية وذبابها الإلكتروني في خندق المجزرة الإسرائيلية، فضلا عن إمعان الحصار من مصر على عزّة؟! وإذا كان الحال على هذا النحو، هل يُسأل الفلسطيني عمّا يفعل طالما أنّه محاصر دائما بخطط الإبادة بأنماطها ومستوياتها كلّها؟!
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين إسرائيل الاحتلال إسرائيل فلسطين غزة الاحتلال السلام مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الإبادة ة الغربیة
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء الفلسطيني: نسعى لتحقيق الاستقرار الأمني والمالي بالضفة
فلسطين – صرح رئيس الوزراء وزير الخارجية الفلسطيني محمد مصطفى، امس السبت، إن حكومته تسعى لتحقيق الاستقرار الأمني والمالي في الضفة الغربية رغم “محاولات” إسرائيل نقل حرب الإبادة الجماعية في غزة إلى الضفة.
جاء ذلك خلال جولة بمحافظة بيت لحم، جنوبي الضفة، وفق بيان وزعه مكتبه على الصحفيين ووصل الأناضول نسخة منها.
وقال مصطفى: “نبذل كافة الجهود من أجل تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي والمالي في الضفة الغربية، رغم محاولات الاحتلال لنقل الحرب في قطاع غزة نحو الضفة”.
وأشار إلى “الحملات (الإسرائيلية) الممنهجة على شمال الضفة الغربية، واستهداف المخيمات بالدرجة الأولى لإنهاء قضية اللاجئين، بالإضافة إلى فرض الحصار المالي بالخصومات من أموال المقاصة، والإغلاقات والحواجز وإعاقة الحركة”.
وأموال “المقاصة” هي إيرادات الضرائب على السلع الموجهة إلى السوق الفلسطينية المستوردة من الخارج أو من إسرائيل.
فيما تشير معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (حكومية) إلى وجود 872 حاجزا للجيش الإسرائيلي دائم ومؤقت بالضفة.
وأضاف مصطفى: “نواجه تعقيدات في الوضع العام نتيجة استمرار العدوان على شعبنا في قطاع غزة، وإعادة احتلالها من قبل إسرائيل، بالإضافة إلى محاولات الاحتلال لفصل الضفة الغربية عن القطاع، في محاولة لإجهاض تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة”.
وشدد مصطفى، على أن “قطاع غزة هو صلب الدولة الفلسطينية كالقدس وباقي الأراضي الفلسطينية”.
واستشهد بتأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أن “لا دولة بدون غزة ولا دولة في غزة لوحدها”.
وتابع أنه عند انتهاء الحرب “سيتم العمل على إعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية سياسيا وجغرافيا ومؤسساتيا، تحت راية منظمة التحرير ودولة فلسطين”.
وقال مصطفى، إن “المصالحة الوطنية ضرورية والانقسام في نهايته، (ونحن) في الطريق نحو تجسيد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة الواحدة والموحدة”.
كما أشار إلى استمرار الاتصالات والجهود الدبلوماسية “من أجل وقف حرب الإبادة على شعبنا، وإنقاذ قطاع غزة من الاحتلال الجديد، والتركيز على الجانب الإغاثي، والبدء بعملية الإعمار وتوحيد المؤسسات”.
وبموازاة حرب الإبادة في قطاع غزة، وسّع الجيش الإسرائيلي عملياته، كما صعّد المستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر إجمالا عن 783 قتيلا، ونحو 6 آلاف و300 جريح منذ 7 أكتوبر 2023، وفق معطيات رسمية فلسطينية.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 147 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتعاني الساحة الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي منذ عام 2007 حيث سيطرت الفصائل الفلسطينية على قطاع غزة، في حين تدير حكومة تشكلها حركة “فتح” الضفة الغربية، ولم تنجح عشرات الحوارات في إنهائه.
الأناضول