موسكو- منذ أن أطلقت روسيا ما تسميها العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا في فبراير/شباط 2021 لم تتمكن دولة من إحداث مفاجأة في الموقف تجاه هذه الحرب كما فعلت جورجيا، الدولة التي دخلت مع روسيا في حرب طاحنة في أغسطس/آب 2008 سميت حرب أوسيتيا، وانتهت بانتصار روسيا وإعلان أوسيتيا الجنوبية دولة مستقلة بعد انسلاخها كجمهورية ذات حكم ذاتي عن جورجيا.

وتكمن المفاجأة في أن جورجيا -التي تصنف عدوة لروسيا- لم تنضم إلى حرب العقوبات ضد موسكو خلافا لكل التوقعات، ولا سيما أن تبليسي وضعت كامل ثقلها السياسي للتوجه نحو التكامل الأوروبي والأطلسي.

ولا يعتبر سرا أن القوى السياسية في هذا البلد تميزت بالتنافس في ما بينها على تأييد الانضمام إلى المشروع الجيوسياسي الغربي في جنوب القوقاز وصولا للانضمام إلى حلف الناتو.

وجاءت "الصدمة" بعد عام واحد من الحرب واستمرار سلسلة العقوبات ضد روسيا عندما دعا رئيس الوزراء الجورجي إيراكلي غاريباشفيلي في 26 فبراير/شباط 2022 المجتمع الدولي إلى بذل كل ما في وسعه لوقف القتال، وإعلانه أن بلاده لن تنضم إلى العقوبات المالية والاقتصادية الغربية ضد روسيا.


توازن الضرورة

ومع اعتماد حزم العقوبات المناهضة لموسكو من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أوضحت جورجيا موقفها بأنها تمتثل لجميع القيود الدولية حتى لا تقع تحت تأثيرها، لكنها لن تفرض -في المقابل- قيودا خاصة ضد روسيا كما فعلت دول أخرى.

وبينما حاولت تبليسي "إمساك العصا من الوسط" والحفاظ على مسافة واحدة بين موسكو والغرب جاء إعلان جهاز المخابرات الجورجية بالكشف عن "مجموعة من المتآمرين كانت تخطط لتنظيم اضطرابات جماعية في البلاد بهدف الإطاحة بالنظام الحالي في البلاد"، لتعيد توجيه بوصلة الاهتمام إلى الأحداث الداخلية داخل الجمهورية السوفياتية والبلد المهم في منطقة جنوب القوقاز.

وبحسب المخابرات الجورجية، فإن "المجموعة المتآمرة" خططت لإقامة مدينة خيام في وسط تبليسي، وإقامة حواجز وإغلاق مبان حكومية، وبعد ذلك تفجير قنبلة في مدينة الخيام، الأمر الذي سيؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المتظاهرين وقوات الأمن كمقدمة لإشعال حرب أهلية.

وكان لافتا تأكيد تبليسي أن "دولا خارجية نسقت ومولت محاولة الانقلاب"، وأن "العقل المدبر" هو جورجي لورتكيبانيدزه نائب وزير الداخلية السابق الذي يشغل الآن منصب نائب مدير جهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية.

ويرى عدد من المراقبين الروس والجورجيين أن الحديث يدور عن محاولات لبدء "سيناريو أوكراني" وتكرار "الميدان الأوروبي" في كييف عام 2014 تحسبا لخروج البلاد عن مسار التوجه نحو الغرب وإحباط أي عمليات يمكن أن تؤدي إلى الخروج من "بيت الطاعة" الأميركي، بحسب وصف بعضهم.


واقعية سياسية

وبرأي محلل شؤون القوقاز ألكسندر يودين فإنه من غير المتوقع أن يطول تحمّل جورجيا المزيد من التأخير في عملية اندماجها في أوروبا، وأن تخلي الجمهورية عن المسار الأوروبي الأطلسي أمر لم يعد مستبعدا في المستقبل المنظور، ولا سيما على ضوء تزايد التقارب مع روسيا وإن كان لا يزال محصورا في الملفات الاقتصادية.

ويضيف يودين في حديث للجزيرة نت أنه لا يستبعد أن يحاول الغرب زعزعة استقرار الأوضاع الاجتماعية والسياسية في جورجيا لمنع هذا التقارب، بما فيه مع الصين.

ويوضح أن مؤشرات الحراك السياسي في جورجيا تشير إلى التركيز على التعاون الإقليمي، وذلك على ضوء تطوير "طريق الحرير" الصيني ومركز الغاز التركي الذي سيوجد فيه، إضافة إلى الغاز الروسي والأذربيجاني والتركماني، مما سيعزز من دور جورجيا كدولة عبور لنقل البضائع وإمدادات الطاقة.

ويرى يودين أن روسيا سوف ترحب بأي خطوات معقولة تتخذها جورجيا وتلبي مصالحها الوطنية، لافتا إلى أن الاستقلال في السياسة الخارجية هو ما تدعو إليه موسكو جميع دول العالم.


بدوره، قال المختص في الشؤون الجورجية ليفان مامالادزه للجزيرة نت إن القيادة الجورجية لطالما أثارت غضب أوكرانيا والغرب، سواء برفضها نقل الأسلحة إلى كييف أو المشاركة بفرض عقوبات على روسيا و"جبهة أخرى" ضد موسكو.

وتابع أنه في الوقت الذي لا تملك فيه أوكرانيا وسائل ضغط على جورجيا لكن الدول الغربية تستخدم مجموعة واسعة من الأدوات، فقد ذهبت الولايات المتحدة في ربيع العام الحالي ولأول مرة في تاريخ العلاقات الثنائية إلى فرض عقوبات ضد عدد من المواطنين الجورجيين، من بينهم المدعي العام السابق أوتار بارتسخالادزي، وأصبحت تبليسي مكانا لحج العديد من الوفود الغربية لإقناع السلطات الجورجية بوقف التعامل مع موسكو.

ورغم استبعاد حصول أي تحالف في المستقبل المنظور بين تبليسي وموسكو فإن الطرفين سيواصلان تطوير العلاقات "البراغماتية".

وبموازاة ذلك، يشدد المحلل السياسي مامالادزه على حالة خيبة أمل بدأت تظهر في جورجيا على ضوء المماطلة، ليس في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل وحتى في مناقشة هذا الملف، مع تقديرات غربية تشير إلى أن الانضمام -في أفضل الأحوال- لن يتم قبل العام 2030.

يذكر أنه على الرغم من نمو العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا وجورجيا فضلا عن الرحلات الجوية المباشرة التي عادت مؤخرا بينهما فإنه لا حديث بعد عن استئناف العلاقات الدبلوماسية ولا حتى عن فتح بعثات تجارية، في الوقت الذي تواصل فيه سويسرا رعاية المصالح بين البلدين.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

مصرع شرطي وإصابة آخر في إطلاق نار بولاية جورجيا الأمريكية

أعلنت السلطات الأمريكية أن اثنين من عناصر شرطة مقاطعة كولومبيا بولاية جورجيا تعرضا لإطلاق نار أثناء نقطة تفتيش مرورية مساء السبت، ما أسفر عن مقتل أحدهما وإصابة الآخر بجروح.

 وذكر مكتب مأمور المقاطعة أن نائب المأمور توفي في موقع الحادث حوالي الساعة 6:30 مساء بالتوقيت المحلي، فيما تم نقل زميله المصاب إلى المستشفى لتلقي العلاج، حسبما نقلت محطة "دبليو دي أر دبليو" عن وكالة "أسوشيتد برس".

مقتل شخصين في حادث إطلاق نار بجامعة بولاية فلوريدا الأمريكيةإطلاق نار في جامعة فلوريدا ونقل 4 أشخاص للمستشفيمصرع وإصابة 6 أشخاص في إطلاق نار بولاية فرجينيا الأمريكيةمقتل شخصين وإصابة أربعة آخرين في إطلاق نار بولاية واشنطن

وأفادت الشرطة أن المشتبه به هو جيمس بليك مونتجمري، الذي كان يتواجد في عربة تخييم قرب علامة الميل 194 على طريق بيلاير. وذكرت تقارير إعلامية أن الشرطة استعانت بمروحيات وطائرات مسيّرة في محاولة للقبض عليه، حيث تتواصل أعمال البحث في المنطقة بشكل مكثف.

وعبر حاكم ولاية جورجيا، برايان كيمب، عن حزنه إزاء الحادث في بيان نشره عبر منصة "إكس"، حيث قال: "مارتي والفتيات وأنا، ندعو لأحباء وزملاء نائب مأمور مقاطعة كولومبيا الذي فقد حياته أثناء أداء واجبه، كما نصلي من أجل تعافي زميله المصاب". 

وأضاف الحاكم مؤكداً أن الحادث يذكّر الجميع بالاحترام العميق الذي يستحقه أفراد الشرطة الذين يخاطرون بحياتهم لحماية المواطنين.

وتواصل السلطات الأمنية التحقيقات الموسعة حول ملابسات الحادث، بينما شددت الشرطة إجراءاتها الأمنية في المنطقة تحسبًا لأي تطورات إضافية.

طباعة شارك كولومبيا مقاطعة كولومبيا جورجيا ت إطلاق نار بأمريكا أمريكا

مقالات مشابهة

  • مصرع شرطي وإصابة آخر في إطلاق نار بولاية جورجيا الأمريكية
  • روسيا تعلن اعتقـ.ـال مشتبه به في اغتيـ.ـال الجنرال موسكاليك قرب موسكو
  • مسؤول سابق بالاتحاد الأوروبي: روسيا تطالب الجميع بالاعتراف بأحقيتها في ضم القرم
  • كالاس: أذربيجان شريك مهم للاتحاد الأوروبي في آسيا وجنوب القوقاز
  • روسيا تتهم الاستخبارات الأوكرانية بقتل جنرال قرب موسكو
  • ترامب: القرم ستبقى مع روسيا
  • ترامب: أوكرانيا هي المسؤولة عن بدء الحرب ضد روسيا والقرم ستبقي مع موسكو
  • مواقع عسكرية روسية تكشف اسم المسئول الذي قتل في انفجار موسكو
  • توقعات ما بعد الحرب والاتفاق السياسي في السودان: فرص التحوُّل ومخاطر الانكفاء
  • بين عناد كييف واشتراط موسكو.. ما موقف روسيا من السلام والحرب؟