معركة الفاشر ترسخ الطابع الإثني والقبلي في دارفور
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
فيصل محمد صالح
أعلنت بعض الحركات الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، وأهمها «حركة تحرير السودان»/مناوي، و«حركة العدل والمساواة»/جبريل إبراهيم، تخليهما عن موقف الحياد، في الحرب الدائرة الآن في السودان منذ منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، وانحيازهما لموقف الجيش. ولهذا الموقف صلة مباشرة بقرب هجوم قوات «الدعم السريع» على مدينة الفاشر، العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، والتي توجد بها قوات مشتركة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا.
الواقع العسكري يقول إن الحركات الموقعة على اتفاقية سلام جوبا لم تعد تتمتع بقوة عسكرية كبيرة، خاصة أن قادة هذه الحركات استمرأوا كراسي السلطة ولم يقدموا لإنسان دارفور أي مكاسب من اتفاقية السلام، وتمركزوا بشكل مستمر في الخرطوم، وتقاسموا المناصب التنفيذية التي أتاحتها لهم الاتفاقية، وأهملوا قواتهم، وقنعوا بما غنموه. أضف إلى ذلك أن موقفهم العسكري كان قد ضعف أصلاً قبل توقيع الاتفاقية، وفقدوا الدعم المالي والعسكري الذي كان يأتيهم من انخراط قواتهم في حروب الفصائل الليبية. كما أن كبرى الحركات، وهي «حركة العدل والمساواة» قد شهدت انشقاقاً كبيراً بخروج عدد من قياداتها على جبريل إبراهيم وتكوينهم قيادة بديلة.
من الناحية السياسية، فليس هناك جديد في موقفهم، فهم ظلوا جزءاً من السلطة التنفيذية منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، الذي شاركوا فيه بالتخطيط والتنفيذ، وتمت مكافأتهم ببقاء وزرائهم ومسؤوليهم وحدهم في السلطة طوال هذين العامين، بما فيهم رئيس «حركة العدل والمساواة» جبريل إبراهيم وزير المالية والاقتصاد الوطني.
كان موقف هذه الحركات هو تأييد المكون العسكري الذي يضم الجيش وقوات «الدعم السريع» في مواجهة القوى المدنية الديمقراطية، ومحاولة تشكيل حاضن سياسي له مع حدوث الانقلاب، لكنهم فشلوا في ذلك مما دفع المكون العسكري لمحاولة البحث عن مكونات سياسية أخرى تجمعت أكثر من مرة وتفرقت بسبب الخلافات الداخلية وعدم وضوح الأهداف. لكن كانت الطامة الكبرى بالنسبة للحركات المسلحة هو خلاف الجيش مع «الدعم السريع»، فهم لم يضعوا هذا الأمر في حساباتهم ولم يدرسوا من قبل إمكانية المفاضلة بين الطرفين، وضرورة اتخاذ موقف محدد. لهذا كان موقفهم بعد نشوب الحرب رمادياً، فهم يعلنون أنهم على الحياد، لكنهم في الوقت نفسه جزء من السلطة التنفيذية التي تعمل تحت إمرة الفريق البرهان بصفة القائد العام للقوات المسلحة.
حاولت الحركات الحفاظ على هذا الموقف لفترة طويلة، حتى بعد توسيع قوات «الدعم السريع» للحرب في دارفور، وسيطرتها على ولايات غرب ووسط وجنوب دارفور، والمجازر البشعة التي وقعت ضد المساليت في الجنينة وزالنجي وقتل والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر بطريقة وحشية على يد قوات «الدعم السريع».
التفسير الوحيد للموقف الأخير يقوم على جانبين؛ الأول تزايد الضغوط من البرهان وقيادات الجيش على هذه الحركات لاتخاذ موقف، ثم اقتراب دخول قوات «الدعم السريع» لولاية شمال دارفور، بما يمكن أن يعني استهداف إثنية الزغاوة التي ينتمي لها قادة أغلب الحركات، ومنهم جبريل إبراهيم ومناوي. هذا التفسير يقود إلى أن الدوافع القبلية والإثنية هي التي دفعت جبريل ومناوي الإعلان عن استعداد قواتهما للقتال بجانب الجيش. وربما يجد البعض أن من المنطقي والمفهوم أن يبادر مناوي وجبريل لحماية أهلهما، لكن في الوقت نفسه سيكون هناك موقف من المجموعات الإثنية والقبلية الأخرى في دارفور بأن هؤلاء القادة لم يهبوا لحمايتهم والدفاع عنهم، ولم يبذلوا أي محاولات حتى لوقف القتال، وإنما وقفوا متفرجين، وبالتالي من الصعب على هؤلاء القادة أن يعودوا للحديث باسم دارفور، وإنما يمكنهم فقط الحديث عن قبائلهم.
رغم هذا الإعلان في المؤتمر الصحافي الذي عقده جبريل ومناوي في بورتسودان، فإن قوات «الدعم السريع» حاولت الالتفاف على هذا الموقف من خلال اجتماع عقده قائد ثانٍ لـ«الدعم السريع» عبد الرحيم دقلو في نفس اليوم مع قيادات القوات المشتركة الموجودة في الفاشر، وفيها قيادات عسكرية لحركات مناوي وجبريل، وتم الإعلان عن اتفاق وتنسيق لحماية المدينة والمواطنين، بما يعني انحسار فرص المواجهة بينهم، وهو موقف يتناقض مع موقف القيادات السياسية للحركات، ويثير الارتباك في فهم الدوافع والمواقف. فهل تتمرد القيادات العسكرية للحركات وترفض مواجهة قوات «الدعم السريع»، وتفضل التفاهم والتنسيق بدلاً من الحرب، أم أنها ستنصاع لموقف القيادات السياسية وتدخل طرفاً في الحرب بشكل مباشر؟ الإجابة عن هذا السؤال ستظهر خلال الأيام المقبلة، لكنها ترتبط أيضاً بالخطوة التي ستقدم عليها قوات «الدعم السريع»، فلو هاجمت هذه القوات الفاشر فمن المؤكد أن قوات الحركات المسلحة ستجد نفسها مرغمة على خوض معركة، بغض النظر عن نتائجها، كما أن الطابع القبلي والإثني للمواجهات في دارفور سيكون قد ترسخ تماماً، إذا تم استهداف الزغاوة والفور في هذه الولاية.
الوسومفيصل محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: جبریل إبراهیم الدعم السریع هذا الموقف فی دارفور
إقرأ أيضاً:
والي الخرطوم يدعو لنقل اللاجئين خارج العاصمة ويتهم بعضهم بالانضمام للدعم السريع
الوالي أكد أن الولاية منحت اللاجئين مهلة لمدة أسبوعين لمغادرة الخرطوم حفاظاً على أرواحهم، مشيراً إلى أنه في حالات الحروب عادة ما يغادر الأجانب، ولكن الوضع في الخرطوم مختلف، حيث لم يغادر اللاجئون.
الخرطوم: التغيير
جدد والي الخرطوم المكلّف، أحمد عثمان حمزة، انتقاداته للاجئين المتواجدين في ولاية الخرطوم، متهماً بعضهم بالانضمام إلى قوات الدعم السريع وارتكاب جرائم ضد الدولة والمواطنين.
ودعا خلال لقائه مع ممثلة المفوض السامي لشؤون اللاجئين بالسودان، كريستين هامبورغ، اليوم الثلاثاء، إلى تطبيق القوانين الدولية بنقل اللاجئين إلى معسكرات محددة، كما هو معمول به في دول أخرى تستضيف اللاجئين.
وأكد الوالي أن الولاية منحت اللاجئين مهلة لمدة أسبوعين لمغادرة الخرطوم حفاظاً على أرواحهم، مشيراً إلى أنه في حالات الحروب عادة ما يغادر الأجانب، ولكن الوضع في الخرطوم مختلف، حيث لم يغادر اللاجئون. وطالب بتخصيص موقع خارج الخرطوم لإيواء اللاجئين تحت إشراف المفوضية السامية.
من جانبه، أشار مدير وزارة التنمية الاجتماعية بالولاية، صديق فريني، إلى أن اللاجئين يشاركون المواطنين في الطعام والخدمات، متسائلاً عن دور المفوضية في دعم التكايا التي تقدم الطعام للمواطنين.
كما طالب مفوض العون الإنساني بالولاية، خالد عبد الرحيم، المفوضية بتنفيذ وعودها السابقة بتقديم مساعدات غذائية للنازحين، موضحاً أن تلك الوعود لم تتحقق حتى الآن.
بدورها، أشادت كريستين هامبورغ بجهود السودان في استضافة ما يقدر بنحو 900 ألف لاجئ رغم ظروف الحرب، مشيرة إلى أن المفوضية تسعى لافتتاح مكتب في الخرطوم للحصول على تمويل لدعم برامج اللاجئين والنازحين بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي.
وأضافت أن زيارتها تهدف إلى تقييم أوضاع اللاجئين والتباحث مع سلطات الولاية حول الحلول الممكنة لتحسين أوضاعهم.
ومنذ اندلاع الحرب بالعاصمة الخرطوم منتصف أبريل 2023، لم تعد الحكومة التي يديرها الجيش تسيطر إلا على جزء كبير من مدينة أمدرمان مقر إدارة الولاية، إضافة إلى أجزاء محدودة من مدينتي الخرطوم وبحري، حيث تشكل المُدن الثلاث العاصمة السودانية، في وقت تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من مناطق الولاية.
الوسومآثار الحرب في السودان حرب الجيش والدعم السريع قوات الدعم السريع ممثل المندوب السامي لشؤون اللاجئين في السودان ولاية الخرطوم