فيصل محمد صالح

أعلنت بعض الحركات الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، وأهمها «حركة تحرير السودان»/مناوي، و«حركة العدل والمساواة»/جبريل إبراهيم، تخليهما عن موقف الحياد، في الحرب الدائرة الآن في السودان منذ منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، وانحيازهما لموقف الجيش. ولهذا الموقف صلة مباشرة بقرب هجوم قوات «الدعم السريع» على مدينة الفاشر، العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، والتي توجد بها قوات مشتركة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا.

هذا الموقف الجديد، نسبياً، أثار تساؤلات حول المواقف المختلفة من الحرب الدائرة، وما إذا كان دخول الحركات المسلحة سيغير من حركة توازن القوى في الميدان العسكري.

الواقع العسكري يقول إن الحركات الموقعة على اتفاقية سلام جوبا لم تعد تتمتع بقوة عسكرية كبيرة، خاصة أن قادة هذه الحركات استمرأوا كراسي السلطة ولم يقدموا لإنسان دارفور أي مكاسب من اتفاقية السلام، وتمركزوا بشكل مستمر في الخرطوم، وتقاسموا المناصب التنفيذية التي أتاحتها لهم الاتفاقية، وأهملوا قواتهم، وقنعوا بما غنموه. أضف إلى ذلك أن موقفهم العسكري كان قد ضعف أصلاً قبل توقيع الاتفاقية، وفقدوا الدعم المالي والعسكري الذي كان يأتيهم من انخراط قواتهم في حروب الفصائل الليبية. كما أن كبرى الحركات، وهي «حركة العدل والمساواة» قد شهدت انشقاقاً كبيراً بخروج عدد من قياداتها على جبريل إبراهيم وتكوينهم قيادة بديلة.

من الناحية السياسية، فليس هناك جديد في موقفهم، فهم ظلوا جزءاً من السلطة التنفيذية منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، الذي شاركوا فيه بالتخطيط والتنفيذ، وتمت مكافأتهم ببقاء وزرائهم ومسؤوليهم وحدهم في السلطة طوال هذين العامين، بما فيهم رئيس «حركة العدل والمساواة» جبريل إبراهيم وزير المالية والاقتصاد الوطني.

كان موقف هذه الحركات هو تأييد المكون العسكري الذي يضم الجيش وقوات «الدعم السريع» في مواجهة القوى المدنية الديمقراطية، ومحاولة تشكيل حاضن سياسي له مع حدوث الانقلاب، لكنهم فشلوا في ذلك مما دفع المكون العسكري لمحاولة البحث عن مكونات سياسية أخرى تجمعت أكثر من مرة وتفرقت بسبب الخلافات الداخلية وعدم وضوح الأهداف. لكن كانت الطامة الكبرى بالنسبة للحركات المسلحة هو خلاف الجيش مع «الدعم السريع»، فهم لم يضعوا هذا الأمر في حساباتهم ولم يدرسوا من قبل إمكانية المفاضلة بين الطرفين، وضرورة اتخاذ موقف محدد. لهذا كان موقفهم بعد نشوب الحرب رمادياً، فهم يعلنون أنهم على الحياد، لكنهم في الوقت نفسه جزء من السلطة التنفيذية التي تعمل تحت إمرة الفريق البرهان بصفة القائد العام للقوات المسلحة.

حاولت الحركات الحفاظ على هذا الموقف لفترة طويلة، حتى بعد توسيع قوات «الدعم السريع» للحرب في دارفور، وسيطرتها على ولايات غرب ووسط وجنوب دارفور، والمجازر البشعة التي وقعت ضد المساليت في الجنينة وزالنجي وقتل والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر بطريقة وحشية على يد قوات «الدعم السريع».

التفسير الوحيد للموقف الأخير يقوم على جانبين؛ الأول تزايد الضغوط من البرهان وقيادات الجيش على هذه الحركات لاتخاذ موقف، ثم اقتراب دخول قوات «الدعم السريع» لولاية شمال دارفور، بما يمكن أن يعني استهداف إثنية الزغاوة التي ينتمي لها قادة أغلب الحركات، ومنهم جبريل إبراهيم ومناوي. هذا التفسير يقود إلى أن الدوافع القبلية والإثنية هي التي دفعت جبريل ومناوي الإعلان عن استعداد قواتهما للقتال بجانب الجيش. وربما يجد البعض أن من المنطقي والمفهوم أن يبادر مناوي وجبريل لحماية أهلهما، لكن في الوقت نفسه سيكون هناك موقف من المجموعات الإثنية والقبلية الأخرى في دارفور بأن هؤلاء القادة لم يهبوا لحمايتهم والدفاع عنهم، ولم يبذلوا أي محاولات حتى لوقف القتال، وإنما وقفوا متفرجين، وبالتالي من الصعب على هؤلاء القادة أن يعودوا للحديث باسم دارفور، وإنما يمكنهم فقط الحديث عن قبائلهم.

رغم هذا الإعلان في المؤتمر الصحافي الذي عقده جبريل ومناوي في بورتسودان، فإن قوات «الدعم السريع» حاولت الالتفاف على هذا الموقف من خلال اجتماع عقده قائد ثانٍ لـ«الدعم السريع» عبد الرحيم دقلو في نفس اليوم مع قيادات القوات المشتركة الموجودة في الفاشر، وفيها قيادات عسكرية لحركات مناوي وجبريل، وتم الإعلان عن اتفاق وتنسيق لحماية المدينة والمواطنين، بما يعني انحسار فرص المواجهة بينهم، وهو موقف يتناقض مع موقف القيادات السياسية للحركات، ويثير الارتباك في فهم الدوافع والمواقف. فهل تتمرد القيادات العسكرية للحركات وترفض مواجهة قوات «الدعم السريع»، وتفضل التفاهم والتنسيق بدلاً من الحرب، أم أنها ستنصاع لموقف القيادات السياسية وتدخل طرفاً في الحرب بشكل مباشر؟ الإجابة عن هذا السؤال ستظهر خلال الأيام المقبلة، لكنها ترتبط أيضاً بالخطوة التي ستقدم عليها قوات «الدعم السريع»، فلو هاجمت هذه القوات الفاشر فمن المؤكد أن قوات الحركات المسلحة ستجد نفسها مرغمة على خوض معركة، بغض النظر عن نتائجها، كما أن الطابع القبلي والإثني للمواجهات في دارفور سيكون قد ترسخ تماماً، إذا تم استهداف الزغاوة والفور في هذه الولاية.

الوسومفيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: جبریل إبراهیم الدعم السریع هذا الموقف فی دارفور

إقرأ أيضاً:

“اغتصِبوني أنا، لا ابنتي”!..نساء يحكين لبي بي سي عن اغتصابات الدعم السريع

• كتبت: باربرا بليت أشر
• مراسلة بي بي سي في أفريقيا، أم درمان
في إحدى تلك النقاط، لاقيت مجموعة من النساء اللائي قدمن من منطقة تسمى “دار السلام” تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وسرنّ لأربع ساعات إلى سوق في منطقة تسيطر عليها القوات المسلحة على حافة أم درمان.
أخبرنني أن أزواجهن لم يعد بإمكانهم مغادرة منازلهم؛ خوفاً من مقاتلي قوات الدعم السريع الذين يوسعونهم ضرباً ويأخذون ما بحوزتهم من مال، أو يحتجزونهم ويطالبون بدفع أموال نظير إطلاق سراحهم.
سألت النساء، هل تتمتعن بأمان أكبر من الرجال؟ ماذا عن الاغتصاب؟!
خيّم الصمت على المكان، ثم انفجرت إحداهن.
“أين العالم؟ لماذا لا تساعدوننا؟” تساءلت إحدى السيدات والكلمات تخرج من فمها في انفعال والدموع تنهمر على خديها كالسيل.
وأضافت: “العديد من النساء هنا واجهن انتهاكات، لكنهن لا يتحدثن عن ذلك. ما جدوى الحديث على أية حال؟!”.
وتابعت قائلة:”بعض الفتيات تجبرهن قوات الدعم السريع على الاستلقاء في الشوارع ليلاً. وإن عُدنَ متأخرات من السوق، تحتجزهن قوات الدعم لخمسة أو ستة أيام”.
بينما كانت تتحدث، جلست والدتها واضعة رأسها بين كفيها وانهارت باكية، لتنهمر بعدها دموع نساء أخريات.
ألقت إحدى النساء اللاتي تحدثت إليهن بي بي سي باللوم على قوات الدعم السريع في اغتصابها.
كانت مريم، وهو اسم مستعار، قد فرت من منزلها في دار السلام بالسودان للجوء إلى شقيقها. وهي تعمل الآن في كشك لبيع الشاي.
في وقت مبكر من الحرب، تقول إن رجلين مسلحين اقتحما منزلها وحاولا اغتصاب ابنتيها، إحداهما تبلغ من العمر 17 عاماً والأخرى ذات 10 أعوام.
وقالت: “طلبتُ من الفتاتين الوقوف خلفي، وقلت لقوات الدعم السريع: إذا كنتم تريدون اغتصاب أحد، فليكن أنا”.
“ضربوني وأمروني بخلع ملابسي. قبل أن أخلعها، طلبت من فتياتي المغادرة. أخذوا الأطفال الآخرين وقفزوا فوق السياج. ثم استلقى أحد الرجال فوقي”.
جلست فاطمة، وهو اسم مستعار، على كرسي منخفض في ظل بعض الأشجار، وأخبرتني أنها جاءت إلى أم درمان لتضع توأماً، وأنها تخطط للبقاء.
وحكت لي أن إحدى جاراتها، وهي فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً، حملت هي أيضاً بعد أن اغتصبها أربعة جنود من قوات الدعم السريع هي وأختها البالغة من العمر 17 عاماً.
قالت إن الناس استيقظوا على صوت صراخهما، وخرجوا لتفقّد الأمر، لكنهم فوجئوا برجال مسلحين هددوهم بإطلاق الرصاص إذا لم يعودوا إلى منازلهم.
وفي صباح اليوم التالي، وجدوا الفتاتين وقد بدت علامات الاعتداء على جسديهما، في حين حُبس شقيقهما الأكبر في إحدى الغرف.
قالت فاطمة: “خلال الحرب، منذ وصول قوات الدعم السريع، بدأنا نسمع عن حالات اغتصاب، إلى أن شهِدناها بأنفسنا عند جيراننا. كانت تساورنا الشكوك في البداية [حول التقارير] لكننا نعلم أن قوات الدعم السريع هي التي اغتصبت الفتاتين”.

صحيفة السوداني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الجيش يقصف مواقع الدعم السريع بالخرطوم ويخوض معارك بالجنينة والفاشر
  • القوات المسلحة والقوة المشتركة تصد هجومًا لمليشيا الدعم السريع على مدينة كلبس بغرب دارفور وتكبدها خسائر فادحة
  • مسيرة بدارفور تطالب برفع الحصار ومواجهات في الفاشر
  • كيف تحصل الدعم السريع على الإمداد العسكري من الخارج؟
  • شاهد بالفيديو.. ناشطة سودانية تتحدث عن واقعة خلع سيدة “دعامية” لملابسها الداخلية ووضعها في متحرك للدعم السريع ورفض ارتدائها من جديد حتى يسيطر “الدعامة” على الفاشر
  • “اغتصِبوني أنا، لا ابنتي”!..نساء يحكين لبي بي سي عن اغتصابات الدعم السريع
  • حاكم إقليم دارفور: جهات دولية دفعت الدعم السريع للسعي لامتلاك السودان بالقوة
  • لجان مقاومة: الدعم السريع ينهب ويروع المدنيين في حجر العسل
  • معارك بين الجيش السوداني والدعم السريع بشمال الخرطوم
  • «فيسبوك» يصنف الدعم السريع «منظمة خطرة»