سودانايل:
2024-12-29@17:25:32 GMT
عن قذارة الحرب وتفاهة المتحاربين!!
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
كل الحروب قطعا سيئة، ولكن ما يمنح حرب السودان صفة القذارة، انها تاسست علي انقاض نظام اجرامي تديره شرذمة من القتلة واللصوص. وهو ما سمح بتصدر مشهد الفظائع والدمار، اكثر منتجات ذلك النظام غدر وجبن وجهل وعمالة (البرهان وحميدتي). لذلك ليس مستغرب ان تصدر بواعث الحرب عن نفوس شريرة واطماع دنيئة ومشاعر خسيسة، لا تضع اعتبار لبقاء الدولة وسلامة شعبها.
والحال كذلك، من الطبيعي ان تفاخر مليشيا الدعم السريع باغتصاب النساء وقتل الابرياء وتهجير المواطنين من منازلهم ونهب كل ما تطاله ايديهم، وصولا للتصفية العرقية لقبيلة المساليت (لدرجة التمثيل بالجثث ودفن الشبان احياء). وان تصبح دمار البنية التحتية من قبل الجيش انجازات عسكرية، بعد ان عزَّ وجودها في المواجهات المباشرة! لتصبح القاعدة الذهبية في هذه الحرب العدمية، هي تحقيق الانتصار بكل الوسائل وغض النظر عن الكلفة! بل لا تمانع هذه القيادات التافهة بعد كل هذا الخراب، الحصول علي سلطة صورية كسلطة بشار الاسد الموظف لدي ايران وروسيا. فالبرهان (الهمبول) يسعده ان يكون خادم لمصر، وحميدتي (تاجر الحمير الجاهل) يتيه فخرا بكونه عميل للامارات!
لكل ذلك ما يجري من حرب احقاد واذلال واطماع وارتزاق علي ارض السودان هي اشبه باللعنة. فهي من جهة المكاسب لجنرالاتها فهي مكاسب كاذبة (هم مجرد ادوات)، ومن جهة العنف الذي يطال السكان والدمار الذي يشمل البلاد، فالخسائر يصعب احتمالها. ومن جهة ما ينتج عنها ويترتب عليها، فهو اشد هولا وبما لا يقاس. لانها في الاساس ليست حرب تحرير او محافظة علي مصالح البلاد وكرامة العباد او تصدي للاستبداد، ولكنها تعمل عكس ذلك تماما.
وهي حرب يقودها كبار الجنرالات ومن خلفهم مصالح الكيزان واطماع الامارارت. والحال ان المقصود منها ليس المصالح والاطماع العاجلة فحسب، ولكن لها ابعاد مستقبلية تستهدف تماسك الدولة ومطالب التغيير الديمقراطية.
وهي حرب علي المستوي العملياتي محيرة من جانب الجيش! فالجيش السوداني احتمال الجيش الوحيد علي مدار التاريخ الذي يتآمر عليه قادته برضاه! والجيش الوحيد الذي يدرب ويسلح مليشيا لتفوقة عدة وعتاد! والاعجب من ذلك يُمكِّنها من كل الاماكن الحيوية، ويتنازل لها طوعا عن مقراته! ويسمح لها بوراثة جزء كبير من ممتلكات المؤتمر الوطني وجهاز الامن بكل هيلمانه! ويسمح لها باختراقه من قمة راسه الي اخمص قدميه! والجيش الوحيد الذي انتصر في المعركة الوحيدة التي هاجم فيها (مطار مروي)، ورغم ذلك انتهج استراتجية دفاعية اثبتت لمدة نصف عام قمة فشلها وما زال يتمسك بها! اي باختصار الجيش الوحيد الذي لم ينتصر عليه عدوه، إلا لانه راغب في هزيمة نفسه! وكما هو معلوم ذلك يرجع الي ان الجيش ترك مهامه وتطوير قدراته القتالية وتحديث آلياته العسكرية وتلاعب بمعايير الانضباط والكفاءة، وانشغل بالسياسة والتجارة والاقتصاد والسلطة ورعاية الاستبداد، ومجمل القول، حماية مصالح نخب السلطة الفاسدة بعد فساد عقيدته. ومن هذه الوجهة تتجلي ابرز مظاهر قذارة الحرب، والمتمثلة في ترك الجيش المواطنين العُزل، تحت رحمة مليشيات همجية ليس لها صلة لا بقيم السماء ولا باعراف الارض! وكل ما قام به الجيش هو حماية مقراته! وهي نفسها لم تسلم من السقوط تباعا، لدرجة ان الجنود الهاربون من مقرات الجيش في دارفور الي تشاد، والتي استلمتها مليشيات الدعم السريع بسهولة وكانها تسليم وتسلم، شكو مر الشكوي من تخلي قيادات الجيش عنهم!!
اما المأساة الملهاة في مهزلة هذه الحرب اللعينة، ان الجيش لم يكن علي علم بها، شأنه شأن غالبية المواطنين! وهذا ما ضاعف من خسائره وحرمه فرصة المبادرة وهي نصف الحرب. وغض النظر عن جدلية من بدأ الحرب، إلا ان المؤكد ان مليشيا الدعم السريع كانت جاهزة لها وتعد لها عدتها منذ ازاحة البشير (واحتمال قبل ذلك)! وساعدها في ذلك غفلة البرهان وانشغاله بالكيد للثورة والتضييق علي المدنيين. اما ما هو اكثر سوء من كل الاشياء السيئة السالفة الذكر، ان المشفقين علي البلاد وقبلهم الثوار والنشطاء (اي المدنيون الذين ليس لهم حس امني يفترض توافره في الاجهزة الامنية والعسكرية!)، جف حلقهم من التذكير والتنبيه لخطورة وجود مليشيا الدعم السريع علي سلامة الدولة وامن المواطنين وليس السلطة فقط! ولكن لا حياة لمن تنادي حتي وقعت الواقعة، التي لن يدفع ثمنها الجيش والشعب حاضرا فقط، ولكن الثمن الباهظ مؤجل مستقبلا علي بقاء الدولة ومصير شعبها. وبالطبع لا يعني التنبيه والتذكير التخلص من هكذا قوات ضربة لازب كما اشتهي البعض بخفة مراهقة، لان وجودها اصبح امر واقع (معادل لوجود الجيش)، ولكن المقصود اخذ الحيطة والحذر والتعامل بحكمة حتي التمكن من معالجة اشكال وجودها بطريقة سلمية. وللغرابة الاتفاق الاطاري بكل ما يُشنع عليه كان احد المعالجات السلمية والعملية المطروحة من جانب المدنيين (مع مراعاة توازن القوي)، بعد ان ادي التفريط العسكري في وجودها وعملقتها، ومن ثمَّ خطورتها علي بقاء الدولة. اي المفارقة عندما كان هنالك امكان لمعالجة مشكلة مليشيا الدعم السريع حتي ولو عسكريا، لم تقم المؤسسة العسكرية بذلك الواجب! ولكن عندما استحال معالجة مشكلة مليشيا الدعم السريع عسكريا، تم اللجوء للحل العسكري!!
والمهم، هنالك جانب يتعلق بطبيعة السلطة التي يستولي عليها العسكر بقوة السلاح، وطبيعي لا يسمح بالتخلي عنها إلا بقوة السلاح. اي السلطة غير المساءلة ولا حدود لتسلطها ولا تقبل التداول! اي هي سلطة اما تبقي بكامل طاقة تسلطها، او تزاح مفسحة المجال لسلطة اكثر قوة وتسلط. وللاسف هذا ما ظل يحكم تاريخنا، ويقودنا للحرب المسلحة الراهنة من اجل السلطة (كما تدين تدان). وهي ذات البيئة الاستبداية السائدة التي حكمت علي الحياة السياسية بالجمود وعلي الدولة بالتكلس وعلي حياة المواطنين بالبؤس المقيم. اما الوصول لعقد اجتماعي وسلطة متوافق عليها تعبر عن المجتمعات المتساكنة في الرقعة الجغرافية المسمي السودان، فهذا الجهد الغائب هو مسؤولية الاحزاب والنخب السياسية والمجتمعية، او مدار نضالها الذي لم يستوفَ. واذا جاز التعبير كان هنالك شغل من جانبها علي البنية الفوقية (اهتمام بقضايا ومتطلبات السلطة) واهمال للبنية التحتية (اهمال لحاجات وتنوير المجتمع). وعموما كل هذا اصبح بكاء علي اللبن المسكوب بعد ان وصلنا مرحلة نكون او لا نكون، وليس لدينا قدرة علي التحكم في مصيرنا (اصبحنا رهائن القوة المسلحة ومن يتحكم فيها). ويا لها من نتيجة بائسة تحكي بلسان فصيح عن قذارة الحرب وتفاهة المتحاربين، الذين يوظفون موارد ومدخرات الدولة، في القضاء علي البنية التحتية للدولة، وقتل وتشريد اهلها!!
لكل ذلك تصبح علة العلل ليس الحكم العسكري فحسب، وانما ثقافة العسكرة والتي تنحل في ارادة للتسلط والاحتكار والتميُّز، وهو ما افرز من جهة اغراء حمل السلاح للحصول علي المكاسب وجني الغنائم لكل مغامر. وهذا بدوره لم يجعل مطلب جيش واحد بعيد المنال، ولكنه حكم علي تاريخنا بسلسلة من منتجات الحركات المسلحة والحروب الاهلية، التي لا يُستخدم فيها السلاح فقط، ولكن قبله سردية المظلوميات المستثمرة في المشاعر والمثمرة علي مستوي التحشيد، وبالتاكيد دون التساؤل او الاحساس بانعكاس ذلك علي البيئات المحلية او وضع اعتبار للخسائر البشرية (اي نوع من مصادرة القرار والمصير بحجة النضال والثورية)؟! ومن جهة مقابلة، تغييب ثقافة الحقوق والمشاركة والندية، ومن ثمَّ حرمان المجتمع من الحرية والحيوية والقدرة. والمحصلة الحصول علي مجتمع عاجز عن التنمية والانجاز والاعتماد علي الذات، وتاليا يصبح عالة علي الانظمة الاستبدية التي تمُن عليه بما تجود به نفسها الشحيحة، قبل ان يقع فريسة للديون المتراكمة، وتحت رحمة المساعدات الخارجية.
وعموما السلطة غير الشرعية (كالانقلابات)، تشرعن كل الممارسات غير الشرعية، كالانتهاكات والنهب والفساد. ولكن الابعد من ذلك وبسبب هاجس حماية السلطة، تستنفر كل اجهزة الدولة وتهدر كل مواردها لتهدئة مخاوفها، وهذا يقودها من خطأ الي مكابرة الي تفريط في امن البلاد، كنتيجة للافراط في توفير الامان للنظام غير الآمن. واحتمال لا يصدق ذلك علي كل الانظمة غير الشرعية، ولكنه يصدق بصورة مضاعفة علي نظام الانقاذ، لانه يجمع بين هوس وعناد الاسلامويين وعنف وغرور العسكريين! وقبل ذلك تقف خلف النظام جماعة منبتة، مجردة من السويَّة الانسانية، ومتعالية علي التقاليد والاعراف المجتمعية. لذلك تمارس نهبها وانتهاكاتها وخيانتها للبلاد واهلها بضمير مرتاح.
وكل ما سبق يقول حقيقة واحدة، ان هذه الحرب القذرة ليس لها غير افق واحد، السيطرة علي البلاد، سواء بطريقة موحدة او مقسمة. وبكلام آخر، السبب في الصراع هو حماية مصالح تم مراكمتها منذ استيلاء الاسلامويين انقلابيا علي السلطة. وكذلك الحصانة من فظائع تم اقترافها خلال ذات الفترة. وبكلام اكثر وضوح، ما يمنح هذه الحرب قذارتها وتفاهة قادتها، ان المتقاتلين (كيزان ودعم سريع) في الاصل وجهان لعملة واحدة، عنوانها البحث عن السيادة والسيطرة بكافة الوسائل بوهم التفوق والاحقية. اي هم يؤمنون بحقهم في السلطة والتسلط واحتكار كافة الامتيازات، اكثر من ايمانهم بالوطن وحقوق شعبه. وما دون ذلك مجرد تفاصيل وشعارات كاذبة وتبريرات واهية.
وخطورة هذه الحرب التي يقودها كبار الجنرالات ومن يقف خلفهم من كيزان ودولة الامارات، انها حرب جنونية تتغيا الانتصار بكافة الوسائل ورغما عن كل الخسائر (بما فيها خسائر الجنود من الطرفين)! وهذا ما جعل كل جهود ايقافها تذهب ادراج الرياح. ولكن هذا لا يمنع بذل اقصي الجهود من اجل ايقاف هذه المقتلة، حتي ولو كانت جهود غير مجدية.
واخيرا
هذه الدولة/القارة السودانية التي تحوي شعوب متعددة، هي دولة تكونت من خلف ظهر شعوبها، ولخدمة اهداف تخص دول الاحتلال. ويبدو انها اكبر من طاقة هذه الشعوب علي التعايش، وامكانات نخبها علي حكمها، وقدرة جيشها علي المحافظة عليها، وان ما ينتظرها للاسف مصيرها المحتوم (والله يجيب العواقب سليمة). ودمتم في رعاية الله.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع هذه الحرب من جهة
إقرأ أيضاً:
من غزة الى مخيم جنين
ما يجري في مخيم جنين هذه الأيام يدفعنا لاستحضار ما كان يجري في مناطق السلطة بداية تأسيسها وخصوصا في قطاع غزة من مواجهات بين الجماعات المسلحة والسلطة، وإن كان بعض هذه المواجهات يعود لانعدام الثقة بين الطرفين أو بسبب ضعف السلطة إلا أن الخلاف الأكبر كان حول الموقف من اتفاقية أوسلو ومن المقاومة المسلحة، ولو نجحت كل الأطراف في انجاز مصالحة وتحقيق وحدة وطنية ما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم سواء في قطاع غزة من موت وتدمير أو ما يجري في مخيم جنين وبقية مناطق الضفة من مواجهات مسلحة بين نفس الأطراف تقريبا التي كانت بداية تأسيس السلطة.
بالرغم من مرور ثلاثة عقود على قيام السلطة فإن نفس الاتهامات التي كانت توجه للسلطة قبل ثلاثة عقود توجه لها اليوم في مخيم جنين وفي الضفة عموما بالرغم من أن نهج الطرف الثاني وخصوصا حماس والجهاد الإسلامي أوصلنا إلى ما نحن عليه في قطاع غزة والضفة ولم ينجح في خلق بديل وطني لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية التي كانت وما زالت أفضل ما هو موجود من العناوين الفلسطينية بالرغم مما يعتريها من ضعف وحتى فساد وعدم فاعلية.
بالعودة الى ما يجري في مخيمات الضفة وأين يكمن الخلل هل في السلطة وأجهزتها الأمنية؟ أم في المجموعات المسلحة؟ سنعود إلى ما جرى بداية تأسيس السلطة من طرف منظمة التحرير وخصوصا حركة فتح، فمع أن بعض فصائل منظمة التحرير ومستقلين شاركوا في تأسيس السلطة وانخرطوا في مؤسساتها المدنية والأمنية إلا أن العقيدة السياسية والعسكرية التي سادت السلطة بداية تأسيسها كانت مستمدة من التربية والثقافة الوطنية لحركة فتح وفصائل منظمة التحرير وهي التي سادت عند أبناء الأجهزة الأمنية من الفدائيين الذين شاركوا في كل معارك الثورة وممن انضموا للسلطة عند تأسيسها في مراهنة أن السلطة نواة الدولة المنشودة، وتم تدريبهم وتثقيفهم وطنياً على أن الخصم هو الجيش الإسرائيلي وأن أبناء فلسطين كلهم سواسية ولا يجوز رفع السلاح في وجههم أو إذلالهم.
هذه الخلفية والتربية الوطنية كانت وراء ما تعرض له أبناء الأجهزة الأمنية من اعتداءات واهانات من طرف جماعات اسلاموية وخصوصاً حركة حماس الذين غسلوا عقول المنتمين لهم وأقنعوهم بأن السلطة عميلة لإسرائيل وحللوا دم أبناء الأجهزة الأمنية وقالوا عنهم إنهم جواسيس وخونة وكفرة، وبثوا الحقد والكراهية حتى داخل الأسرة الواحدة.
بسبب التربية والثقافة والعقيدة العسكرية الوطنية للأجهزة الأمنية سكتوا على حَملة السلاح من الفصائل وعلى ممارساتهم واستعراضاتهم الاستفزازية العسكرية ورفعِهم أعلامهم الحزبية وترديدهم شعاراتهم واناشيدهم الخ وكانت أجهزة السلطة تقف موقف المتفرج خصوصا في قطاع غزة حيث كانت تتمركز الجماعات المسلحة حتى قبل سيطرة حماس عليه، بل وكانت شرطة السلطة تُوقف حركة المرور حتى تنتهي فعالياتهم ومسيراتهم.
لم يكن رجل الأمن يجرؤ على اعتقال مسلح (جهادي) وإلا انهالت الاتهامات من حماس وحركات المقاومة بأن السلطة تنسق مع اسرائيل ضد المقاومة، وحتى عندما يتم توقيف مقاومين حماية لهم حتى لا تقتلهم إسرائيل أيضا كانت السلطة مٌتهمة، وكثير ممن كانت تحتجزهم السلطة عندها مؤقتا، أو ما كانت تسمى سياسة الباب الدوار، كانت إسرائيل تقوم باغتيالهم بعد خروجهم من مراكز السلطة.
لأن السلطة وحركة فتح والمنظمة يعتبرون أن في الوطنية متسع للجميع وأن الوطن للجميع فقد شرٌعوا الأبواب للجميع للمشاركة في السلطة وكان رد حماس عدم المشاركة في سلطة أوسلو، مع أنهم تركوا عناصرهم يتسللون لوظائف السلطة واستفادوا من كل الخدمات التي تقدمها السلطة من تعليم وصحة وخدمات اجتماعية وجوازات سفر الخ.
كانت السلطة بالنسبة لحركة حماس مشبوهة والانتخابات مُحرمة عام 1996، ثم انقلبوا فجأة بتعليمات من جماعة الإخوان وواشنطن عام 2004 ليحللوا الانتخابات البلدية مبررين ذلك بأنها انتخابات غير سياسية، وفيما بعد شاركوا في انتخابات 2006، وهذه كانت انتخابات سياسية لمجلس تشريعي لسلطة أوسلو، وفازت فيها حماس وأصبح زعيمها إسماعيل هنية رئيسا لوزراء سلطة أوسلو. حينها قالوا عن السلطة "هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه". وبعد ذلك حللوا الدم الفلسطيني ليصلوا للسلطة والان يضحون بأكثر من مائة ألف شهيد ودمار غزة حتى يستمروا في السلطة حتى في ظل الاحتلال.
بالرغم من كل ما فعلوه من خداع وكذب وارتباطاتهم المُعلنة مع إيران ومحور المقاومة وما سببوه من موت ودمار قطاع غزة خلال سيطرتهم عليه منذ 2007، بالرغم من ذلك واصلت حركة فتح التواصل والحوار معهم لتحقيق المصالحة دون جدوى ولم تتعلم حركة فتح من كل تجربتها معهم.
استمرت السلطة وأجهزتها الأمنية تتصرف في الضفة نفس تصرفها في قطاع غزة في بداياته تأسيسها، وكانت تهمة الفساد والتنسيق الأمني مع العدو واتهام الأجهزة الأمنية بأنهم ترييه الجنرال دايتون الأميركي تطارد السلطة دون أن يكون عند السلطة من يدافع عنها وعن الأجهزة الأمنية وكأنهم صدقوا هذه الاتهامات، فتترددوا في مواجهة المسلحين حتى حركة فتح كان لها مجموعاتها المسلحة في المخيمات.
لم يكن من السهل مواجهة المسلحين والاشتباك معهم مما يؤدي لسقوط قتلى وجرحى بين الطرفين لأن العقيدة الأمنية عند الاجهزة الامنية وتربيتهم الوطنية كما قلنا لا تسمح لهم بإطلاق النار على من يحمل سلاحا ويقول إنه مقاوم، كما كان محرجا لهم مواجهة مقاومين في ظل مواصلة الاستيطان واقتحامات المسجد الأقصى وعربدة المستوطنين حتى وان كانت الشكوك تدور حول انتماء المسلحين، كما أن وجود حالات سوء إدارة وفساد في السلطة كان يجعل السلطة ضعيفة في مواجهة المجموعات المسلحة وفي مواجهة المواطنين.
كان موقف السلطة محرجا فإن تدخلت عسكريا ضد هذه الجماعات سيتم اتهامها بالتعاون مع العدو للقضاء على المقاومة وأن سكتت سيتدخل جيش الاحتلال لاقتحام المخيمات ليقتل المسلحين ويعيث خرابا ودمارا.
كان نتيجة كل ذلك وصول الأمور في مخيم جنين وبقية مخيمات شمال الضفة إلى ما هي عليه من تواجد مئات المسلحين من انتماءات متعددة من داعش وجماعة حماس والجهاد والشعبية وربما جماعات أخرى وإسرائيل وحركة حماس يؤججان الوضع ويعملان على إضعاف أو إسقاط السلطة الفلسطينية كعنوان للشعب الفلسطيني.
كل ما سبق لا يبرئ السلطة من أي مسؤولية سواء في نهج تعاملها مع المخيمات عموما أو مسؤولية انعدام القفة بينها وبين قطاع كبير من الشعب وعدم وضوح مواقف بعض قيادات السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح من العمل المسلح ومما تمارسه حركة حماس، ويبدو أن هؤلاء يحاولون التغطية على فشلهم وعجزهم، بل وفسادهم بالوقوف موقف الحياد وحتى منافقة ومداهنة الجماعات المسلحة وحركة حماس.