الاتحادي والأمة وبناء علاقات على التناقض
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
أن بناء علاقات حوارية بين القوى السياسية خلال الظرف الحرج الذي يمر به السودان مسألة طيبة و مقبولة، باعتبار أن الحوار يعد واحدا من أهم ألية بناء الثقة بين الكيانات السياسية المختلفة، و إذا كانت هناك خلافات جوهرية بين المتحاورين، من الأفضل أن يقدم كل جانب فكرته بشكل متكامل للحوار، حتى يتبين أين المشتركات و أين يكمن الخلاف، و يضا سوف يتبين إذا كان هناك أملا في الوصول لاتفاق مشترك، و لكن دون تقديم أي أجندة محورية للحوار من قبل الطرفين، يصبح اللقاء علاقات عامة، ربما يكون الهدف؛ أن كل جانب يريد أن جس نبض الأخر.
جاء في الخبر (عقدت في القاهرة يوم 19\11\ 2023م مباحثات بين نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل جعفر الميرغني، ونائبة رئيس حزب الأمة القومي مريم الصادق المهدي ناقشت وجهات النظر المتعلقة بالوضع السياسي الراهن وملف الحرب وتداعياتها ودور الحركة السياسية والقوى المدنية في هذه المرحلة) أن اللقاء بين الحزبين التقليدين مسألة مهمة، خاصة أن الحزبين التاريخين يملكان قواعد اجتماعية عريضة في كل مناطق السودان، و اللقاءات بينهما تاريخيا كان لها صدى كبيرا،في الساحة السياسية لأنها كانت تحدث تغييرا في مجريات العمل السياسي و الأحداث في ذلك الوقت. و يصبح السؤال هل الحزبان مايزالان يتمتعان بذات القدرة ذات الأثر الكبير في المجتمع، أم أن التغييرات الديمغرافية و التطور الذي حدث في وسائل الاتصال الاجتماعي و انتشار رقعة التعليم، و التي جعلت الشباب الأكثر أثرا و تأثيرا في مجريات الأحداث قد غيرت تلك المعادلة؟ خاصة أن الحزبين يشهدان حالة من التشظي بين مكوناتهما، حيث هناك العديد من المكونات الاتحادية في الساحة السياسية لا رابط بينهما، و أيضا هناك العديد من المكونات لحزب الأمة في الساحة السياسية و بينهما خلافات جوهرية في التعاطي مع الأحداث و خاصة الحرب الدائرة.
يقول البيان الذي صدر عقب المحادثات (اتفق الطرفان على العمل المشترك لإيقاف الحرب وإنهاء القتال بين أبناء الوطن الواحد. و العمل من أجل تكوين لجنة مشتركة للعمل على إيصال المساعدات الإنسانية والاحتياجات الضرورية للنازحين واللاجئين تداركا للكارثة الإنسانية التي خلفها النزاع. وجدد الحزبان دعمها لمنبر جدة الرامي لوقف القتال وجهود الإتحاد الأفريقي والإيقاد ومبادرة دول الجوار وحثا على ضرورة التنسيق بينهم) أن القضايا التي اتفقا عليها الحزبان تعتبر قضايا عامة لم تسبر غور المشكل،لذلك لن تحدث أي متغيرات في المواقف و في الساحة السياسية، لأنها لا تحمل أي رؤية جديدة. ربما تكون نقطة " العمل من أجل إقاف الحرب" هي التي تحمل المضمون الأعمق في ذلك، إلا إنها تعتبر إشارة فقط دون أن تقدم أي فكرة جديدة؛ تطرح تساؤلات مغايرة عن الموجودة الآن في الساحة السياسية. خاصة أن الاتحادي الديمقراطي الأصل يقف مع الجيش، و هو محكوم بإدارة الصراع التي ينتهجها الجيش، و حزب الأمة يقف في الاتجاه المضاد تماما لذلك، و لم يقدم الطرفان أي رؤية تحرك الساكن من أجل تضيق المسافة بينهما، كما أن الخلافات الدائرة داخل كل حزب بسبب الحرب الدائرة، لا تساعد الحزبين على طرح قضايا تقود لحوار جاد يتناول كل الخلافات بصورة أعمق.
كان المتوقع بعد الثورة أن تلتقى الأحزاب التقليدية باعتبار ها قد مرت بعدد من التجارب التي فشلت أن تؤسس نظاما ديمقراطيا قابلا على الاستمرار و مواجهة التحديات، لكن الأحزاب نفسها كانت و ماتزال تعاني من إشكاليات تنظيمية و فكرية، فكانت حركة الشباب خارج المنظومات الحزبية أكثر فاعلية و تقدما من الأحزاب في شعاراتهم و رؤاهم لمستقبل العمل السياسي، بينما كانت الأحزاب تصب جل أهتمامها على السلطة، و ظهر ذلك جليا عندما عجزت جميعها أن تقدم مشاريعها السياسية لمستقبل الدولة، أو رؤيتها لكيفية أن تحدث عملية التحول الديمقراطي. الأمر الذي يؤكد غياب المفكرين داخل هذه الأحزاب، التي تتعامل في السياسة كما يقول مهدي عامل " بجدل السياسة اليومي" أي تغرق في الأحداث التي تتولد يوميا دون رؤى بالخروج من شرنقة الأزمة، فالذي يغرق في جدل الأحداث اليومي لا يملك رؤى للمستقبل.
أن الحزبين الاتحادي الأصل و حزب الأمة لا يملكان أي تصور يمكن أن يؤدي لوقف الحرب، و يساعد على عملية التحول الديمقراطي. لآن عملية وقف الحرب و التحول الديمقراطي لا تتأسسان بالشعارات، و لا بالجدل حول الوصول للسلطة، لآن جدل السلطة يعني مزيد من التشرزم و الصراع، لأنه مبني على مصالح ضيقة، إذا كانت حزبية أو فردية، و مصالح الوطن و المواطن تؤسس على الأفكار، لآن الأفكار وحدها هي التي تساعد على التغيير، أي أن تضخ أكبر كمية من الأفكار في الساحة السياسية لكي تقود لحوار وطني، مهمة الحوار أن يضعف مسألة الغلو و الشطط و يبني قاعدة للثقة بين الجميع، هو الطريق الوحيد الذي يؤسس لدولة جديدة، هذا العمل يحتاج لتجرد و إرادة، و العمل فيه يجب أن يؤسس على المعرفة و ليس المراوغة. فهل يستطيع الحزبان الخروج من دائرة العلاقات العامة، و يقدمان أفكارا ناضجة لكي تؤسس عملا سياسيا جديدا يؤدي لطريقة تفكير جديدة تقود لمشتركات؟ هذا هو التحدي ليس أما الاتحادي و الأمة و أيضا معهما الأحزاب الأخرى بكل مدارسها الفكرية.. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی الساحة السیاسیة حزب الأمة
إقرأ أيضاً:
من بحري إلى بيالي: قصة الموسيقار اللاجئ الذي يبحث عن الأمل في المنفى
في مدينة بيالي الأوغندية، بعيدًا عن ضجيج الحرب وضياع الأحلام في السودان، يروي آلاف اللاجئين السودانيين قصصهم التي تتأرجح بين المعاناة والنجاح في المنافي القسرية. من بين هؤلاء، تبرز حكاية الموسيقار سعود، الذي كان يسكن منطقة الخوجلاب بمدينة بحري قبل أن تدفعه الحرب إلى مغادرة وطنه، تاركًا خلفه ذكريات عمر كامل، ليبدأ رحلة جديدة في معسكرات اللجوء.
كمبالا: التغيير
الحرب التي تجاوزت عامًا ونصف أجبرت آلاف الأسر السودانية على النزوح القسري، حيث بحثوا عن الأمان داخل البلاد وخارجها. يعيش معظمهم في ظروف إنسانية صعبة، تعكس حجم المعاناة التي فرضها النزاع على حياتهم اليومية.
سعود، المتخصص في العزف على البيانو والجيتار والكمنجة، يصف مسيرته الفنية بأنها رحلة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، بدأت منذ طفولته في الحفلات المدرسية، واستمرت بالدراسة في معهد الموسيقى والمسرح، الذي أصبح لاحقًا كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان.
لحظة قاسيةيقول سعود: “الموسيقى كانت جزءًا من حياتي حتى قبل الحرب، لكن النزوح أضاف لها أبعادًا جديدة. رغم أصوات الرصاص التي أحاطت بنا، كانت الموسيقى دائمًا بداخلي؛ المعاناة كانت مصدر إلهام، وبدل أن تقيدني، فتحت لي آفاقًا للإبداع”.
عبر سعود مع أسرته الحدود إلى أوغندا، متجهًا إلى معسكر نيومانزي عبر منطقة اليقوا بجنوب السودان. يصف لحظة وصوله بأنها كانت قاسية: “كنا في حالة مزرية، وكانت ذكريات الوطن تطاردني. تركنا خلفنا كل شيء، ووجدنا أنفسنا أمام واقع جديد تمامًا”.
وسط هذه الظروف، كانت الموسيقى طوق النجاة. أطلق سعود مبادرة لدعم اللاجئين نفسيًا عبر الموسيقى، حيث شكّل فرقًا صغيرة من الأطفال والشباب لتقديم جلسات غنائية ودعم نفسي. يروي سعود: “في أول حفل نظمته، رأيت الدموع في عيون الناس، خاصة النساء. قالوا لي إن الأغاني أعادتهم إلى السودان، فبكيت معهم”.
تدريب الأطفالرغم التحديات، استمر سعود في تقديم تدريبات موسيقية للأطفال والشباب، على الرغم من انعدام الكهرباء وضيق المساحات في المعسكر. أنتج ست مقطوعات موسيقية خلال إقامته، لكنه لم يتمكن من تدوينها لعدم توفر النوتات الموسيقية.
يعاني اللاجئون السودانيون من أوضاع نفسية صعبة، حيث تلاحقهم ذكريات الفقد والنزوح القسري. ورغم ذلك، يواصل الكثيرون، مثل سعود، صناعة الأمل وسط الألم.
يقول سعود: “الموسيقى ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي رسالة أمل وسلام. سأستمر في استخدامها لتوحيد السودانيين وإعادة بناء الوطن”. في معسكرات اللجوء، تبقى أصوات الفنانين السودانيين شاهدًا على قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى إبداع، وعلى قوة الموسيقى في خلق حياة جديدة حتى وسط أقسى الظروف.
الوسومآثار الحرب في السودان اللاجئين السودانيين في يوغندا معسكر بيالي للأجئين يوغندا