عندما يُصاب «الغرب» بالمرض الإسرائيلي
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
الذي يراقب ما يقوله "الغرب" عن آفاق الحرب الدائرة في قطاع غزة، وعن مرحلة (ما بعد "حماس")، وعن القوى التي سيعهد إليها بإدارة القطاع بعد "انتهاء" هذه الحرب، يصاب بالدوار لكثرة ما هنالك من أفكار وتوقعات، ومن تمنّيات وطموحات، ومن برامج ومخططات!
فمرّة تتجه الأنظار إلى إدارة عربية، ومرّة عربية وإسلامية، ثم دولية "مطعّمة"، وصولاً إلى إدارة فلسطينية، تكون فيها السلطة الفلسطينية بعد "تشذيبها"، وصولاً إلى جهات فلسطينية من خارج السلطة، ومن خارج كل الفصائل، وخصوصاً بعض الجهات "التكنوقراطية" مطعّمة ببعض "الأوساط" الاجتماعية.
ينطلق كل هؤلاء من "التسليم" بالأهداف الإسرائيلية مسبقاً، واعتبار الوصول إلى مرحلة (ما بعد "حماس") وكأنه القدر المحتوم والبديهية التي لا تحتاج إلى أيّ برهان.
سنرى في سياق هذا المقال فيما إذا كانت كل هذه "الرؤى" ممكنة ومحتملة، أو مرجّحة، أو إذا كانت صعبة أو مستحيلة، وسنرى فيما إذا كان كل الأمر يتعلق بخداع أو وهم أم ماذا؟!
لكن دعونا الآن نحاول فهم المعنى والمغزى من الحديث عن مرحلة (ما بعد "حماس") من زاوية الدعم الذي تقدمه هذه "المقولة"، من رخصة مفتوحة للاحتلال في المضيّ قدماً في حرب الإبا§دة التي يشنها على القطاع.
الحديث عن هذه المرحلة من قبل "الغرب"، و"الانجرار" العربي لهذا الركن بالذات منها يعني أن مشكلة "الغرب" أساساً تكمن في كيفية الوصول، وفي الزمن المطلوب لهذا الوصول لتلك المرحلة بدرجات "أقل" من المذابح الجماعية، وبدرجات أفضل قليلاً من واقع حجم "المساعدات الإنسانية".
أقصد أن "الغرب" ما زال يرى أن عدم الوصول إلى تلك المرحلة سيعني أن إسرائيل قد فشلت، وسيعني أن "الغرب" كله قد فشل، وأنّ الثمن الذي سيدفعه "الغرب"، وستدفعه إسرائيل باهظ، وسيكون له من التأثير والتبعات ما يفوق قدرتهم على تصوّره وتحمّل نتائجه.
وفي ضوء ذلك كله، فإن الفرصة مفتوحة، والرخصة كذلك، وعلى أن يتم تحقيق الهدف بأسرع وقتٍ ممكن، وبأقل درجة ممكنة من المجازر الجماعية!
وبما أن تحقيق الهدف الإسرائيلي، هو نفس الهدف "الغربي"، وليس بعيداً عنه الموقف العربي في بعض حالاته على الأقل.. فإن "الغرب"، وحتى بعض العرب بعد أن "أكدوا" معارضتهم للتهجير الخارجي (حتى الآن)، فإنه وكما يبدو ليس لديهم مشكلة في التهجير "الداخلي"، من الشمال إلى الوسط، ومن الوسط إلى الجنوب، ومن الجنوب عودةً إلى الوسط، وربما إلى الشمال من جديد.. دون حماية، ودون مقوّمات الحياة بحدودها الدنيا من كل أدنى، ودون أي ضمانات للبقاء نفسه.
و"الغرب" وبعض العرب يعرفون جيداً أن الوصول إلى مرحلة (ما بعد "حماس") تحتاج إلى شهور وشهور، وتحتاج إلى احتلال فعلي لكل القطاع، وقد تحتاج إلى دخول كل بيت، أو إلى تدميره إذا "تعذّر" هذا الدخول.
وبالنتيجة فإنّ الحديث عن (مرحلة ما بعد "حماس")، والذي يبدو وكأنه من قبيل الترتيبات "السياسية" الضرورية لمرحلة ما بعد الحرب هو في الحقيقة جريمة من أخبث الجرائم وأقذرها، لأنّ الوصول إليها لن يكون ممكناً إلّا إذا وصل الأمر لمئات آلاف المشرّدين وعشرات الآلاف من الضحايا، وأضعافهم من الجرحى والمُعوّقين، وإلى مسح عشرات آلاف المساكن، وتدمير كل ما يمتّ للحياة بصلة في القطاع.
فهل تسير الأمور وفق التصوّر الأميركي و"الغربي" حتماً، أم أنّ هذا التصور بالذات هو أزمة إسرائيل في هذه الحرب، وأزمة "الغرب" الداعم لها، وأزمة بعض العرب فاقدي القدرة بالتمرّد عليها، أو الضغط لوقفها؟
إذا اتفقنا أن الحرب تطول وستطول، فإنّ على إسرائيل، وعلى الولايات المتحدة و"الغرب" كله أن يستعدّ لمرحلة قادمة من "التصدّع" في "حلف الإبادة الجماعية"، وعلى دولة الاحتلال أن تستعد لانهيارات سياسية واجتماعية واقتصادية لم تستعدّ لها، ولن يكون بمقدورها تحمّلها، وعلى "الغرب" أن يستعدّ لقيام حلف من الشعوب العربية والإسلامية، وشعوب العالم لن يقوى "الغرب" كله على إدارة ظهره لهذا الحلف، وقد لا يتمكّن من استكمال طريق "حلف الإبادة الجماعية" ويسقط ويتساقط على هذا الطريق.
وإذا اتفقنا أن حرب الإبادة الطويلة الأمد ستتمكّن من إضعاف المقاومة في القطاع إلى درجة الوصول إلى مشارف مرحلة (ما بعد "حماس") فإنّ الحرب ستنتقل موضوعياً ومنطقياً إلى جبهات أخرى، وأقلّها إلى الجبهة اللبنانية، لأن "حزب الله" لا يستطيع أن يسمح بالوصول إلى تلك "المشارف" دون أن يحاول منعها لأسباب معروفة، لعلّ أهمّها أنّ الحزب يعرف أنّ "حلف الإبادة الجماعية" يسعى، وسيسعى إلى محاولة إخضاع المنطقة، بدءاً من لبنان، ومن وجود "حزب الله" في لبنان مباشرة بعد "الانتهاء" من القطاع.
وإذا صحّ مثل هذا التقدير، وأظنّه صحيح، فإنّ الأمر لن يتوقف عند الساحة اللبنانية، وقد نصل إلى حرب إقليمية شاملة بسماتٍ دولية، ومؤشّرات عالمية عالية.
فهل فعلاً الطريق إلى مرحلة (ما بعد "حماس") نافذة ومفتوحة، وممهّدة حتى يصار إلى وضع "الترتيبات" السياسية للقطاع كما يطرح "الغرب"، وكما يردّد كالببّغاء خلف إسرائيل؟
هذا "الغرب" مصاب بالمرض الإسرائيلي منذ أن تحولت إسرائيل من خط الدفاع الأوّل عن مصالح هذا "الغرب" إلى ثكنةٍ عسكرية، بات "الغرب" مطالباً بالدفاع عنها، وحمايتها، مرّةً من نفسها، ومرّةً من الشعوب العربية، وفي المقدمة منها الشعب الفلسطيني الذي يقود مسيرة مقاومتها منذ أكثر من قرنٍ كامل من الكفاح التحرُّري.
بعض "الغرب"، وبعض العرب مصاب بأعراض هذا المرض، ولكنّ أميركا ومعظم "الغرب" تمكّن منهم المرض الإسرائيلي إلى درجة صعوبة الشفاء، وربما استحالته.
هبّ "الغرب" هبّة رجلٍ واحد، لأنّ إسرائيل لم تعد قادرة على الردع، ولم تعد قادرة على الانتصار، ولأنّ أيّ انتصارٍ لها سيعني مجرّد مرحلة إلى هزيمة أكبر، وربما إلى الهزيمة الكبرى.
هبّ "الغرب" ظنّاً منه أنّ إسرائيل إن سقطت الآن، فهي لن تقوم أبداً طالما أنّنا نتحدث عن مواجهة بحجم فصائل المقاومة في قطاع غزة، وظنّاً منه أنّ "الانتصار" الإسرائيلي هو حاجة حيوية على أعلى درجات الضرورة لـ"الغرب" كلّه، بل أكبر وأهمّ وأخطر من الحاجة لـ"الانتصار" في أوكرانيا، وبذلك فإنّ مؤشّرات هذه الاستماتة دفاعاً عن إسرائيل تعني أنّ هذا "الغرب" يعيش كوابيس الأُفول، وأنّ أمراض هذا "الغرب" الكبيرة مستعصية وباتت مزمنة وبعضها قاتل.
أليس أمام "الغرب" فرصة بديلة؟ فرصة الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وفرصة التعايش السلمي والآمن بدلاً من الحروب؟
ألا يوجد الآن ــ وقد أصبحت إسرائيل عبئاً ــ حلول غير الإبادة الجماعية؟
(الأيام الفلسطينية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة فلسطينية الاحتلال فلسطين غزة الاحتلال طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة الوصول إلى بعض العرب ما بعد
إقرأ أيضاً:
محللان: حماس رمت بـكرة من نار على إسرائيل
رأى محللان سياسيان أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رمت بـ"كرة من نار" على إسرائيل وفاقمت من معضلتها الداخلية، من خلال ردها على المقترح الذي تسلمته من الوسطاء، وتضمن الموافقة على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسية الأميركية وجثامين 4 من مزدوجي الجنسية.
وأعلنت حركة حماس أنها سلمت ردّها فجر اليوم على المقترح الذي تسلمته من الوسطاء، وأكدت جاهزيتها التامة لبدء المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل بشأن قضايا المرحلة الثانية، ودعت إلى إلزام الاحتلال بتنفيذ التزاماته كاملة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي تعليقه على هذا التطور، قال الباحث والمحلل السياسي سعيد زياد إن حماس حاولت تفكيك المعضلة التي تواجهها المفاوضات وتجاوز السردية الإسرائيلية، عبر الموافقة على العرض الأساسي لآدم بولر، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاص لشؤون الأسرى، والذي قدمه الوسطاء ليلة أمس.
وأوضح أن "موافقة حماس هي موافقة على نوايا وليست موافقة إجرائية، أي أنها توافق إذا تم ربط المسألة بمفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة".
كما أن رد حماس على عرض الوسطاء سيغري الأميركيين -يواصل زياد- ويثبت للجميع أن حماس معنية بالتفاوض وغير متعنتة وتريد مفاوضات المرحلة الثانية دون أن تقدم شيئا، بالإضافة إلى أن موفقة حماس على إطلاق سراح أسير يحمل الجنسية الأميركية سيدفع عائلات الأسرى والمجتمع الإسرائيلي للقول إن من يمتلك جنسية مزدوجة له امتياز تفاوضي وله دولة تفاوض عنه.
إعلانوبينما أعرب عن اعتقاده بأن "موقف حماس سيضع إسرائيل في مواجهة مع الأميركيين"، لم يستبعد زياد أن يؤدي هذا الموقف إلى إعطاء دفعة لمفاوضات المرحلة الثانية ولإعادة انتظام دخول المساعدات إلى غزة، ولمستوى المفاوضات المباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية.
مناورة نتنياهو
وفي توقعه لطبيعة الرد الإسرائيلي على رد حماس على مقترح الوسطاء، قال الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور مهند مصطفى، إن إسرائيل ستتعامل مع الموقف بحذر شديد، موضحا أنها ذهبت إلى المفاوضات وهي تطرح مقترح المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ويتحدث عن هدنة محدودة الأمد مع إطلاق سراح مجموعة من الأسرى الإسرائيليين، مقابل تمديد وقف إطلاق النار في غزة.
ورأى أن قبول حماس بمقترح الوسطاء يضع إسرائيل في مأزق، الأول يتعلق بالمقابل، وهل وعد الوسطاء حماس بالانتقال إلى المرحلة الثانية؟ وهو ما يشكل معضلة لإسرائيل، لأنها ترفض الدخول في مباحثات هذه المرحلة وتسعى إلى تمديد المرحلة الأولى أو إيجاد إطار جديد يتم فيه تمديد وقف إطلاق النار مقابل استعادة المزيد من الأسرى.
وعلى المستوى الإسرائيلي الداخلي، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتعرض لضغوط من أجل أن يوافق على صفقة شاملة وليس صفقة محدودة، بالإضافة إلى ضغوط سيواجهها في حال إطلاق سراح الأسرى الذين يحملون الجنسية المزدوجة، لكن نتنياهو سيستغل هذا الموضوع للمناورة، وسيحاول كسب الوقت، كما قال الدكتور مصطفى.
وفي سياق الموقف الإسرائيلي، نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مسؤول إسرائيلي قوله: إن "مقترح حماس بالإفراج عن رهائن يحملون الجنسية الأميركية يهدف لتخريب المفاوضات".
وبرأي الباحث والمحلل السياسي زياد، فقد "رمت حماس بكرة من نار إلى الجانب الإسرائيلي"، مشيرا إلى أن المعضلة الداخلية للاحتلال الإسرائيلي ستتفاقم، خاصة أن "التقارب الأميركي مع حماس ربما يفكك أي دعم أميركي لإسرائيل ويبعد شبح عودة الحرب إلى غزة"، ولأن "مفتاح تطور المفاوضات هو بيد الأميركيين".
إعلانوكان آدم بولر مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الأسرى التقى في وقت سابق مسؤولين كبارا من حماس في العاصمة القطرية الدوحة دون علم إسرائيل، لإجراء مباحثات حول إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة وبينهم 5 أميركيين.
يذكر أنه في مطلع مارس/آذار الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، بدأ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة.