• كشفت ردود أفعال حكومات وحكام 57 دولة عربية وإسلامية على التوحش والإجرام الصهيوني المستمر بحق الشعب الفلسطيني في غزة، إلى أي مدى قد استفحل الوهن والذل في جسد الأمة وفي جهازها المناعي، حتى تعطلت حواس الإباء والكرامة والنخوة، في مشهد ضاج بالحسرة والألم بما يفوق حال غزة نفسها، التي وإن كانت تتعرض للإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم، إلا أن الأخبار التي تنقل صور ومشاهد الصمود والثبات والإيمان إضافة إلى ما تسطره المقاومة من ملحمة بطولية، كلها تبعث على العزة والفخار وتشي بأمل الانتصار الموعود.
وإلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، يأتي انخراط حزب الله في معركة طوفان الأقصى، وكذا المقاومة الإسلامية العراقية، ليخفف من وقع الحسرة على حال الدول والأنظمة العربية التي تداعت إلى قمة العجز والخذلان، فضاعفت من جراحنا وخيباتنا..
بيد أن المفاجأة السارة جاءت من اليمن دولة وشعباً وقائداً.. وهذا ما يجعلنا نتساءل، كيف أمكن لليمن أن يتخذ قرار الحرب مع إسرائيل انتصارا لفلسطين، وكيف أمكن لهذا البلد أن يشذ عن حالة الموات العربي والإسلامي، ويصنع هذا الفرق الذي بات حديث الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي؟.
قد لا يسعفنا التحليل المادي ومناهج التحليل السياسي، لكي نقدم تفسيرا موضوعيا لهذا التحول الكبير في المشهد اليمني، وقد تغيب عن الكثير العوامل التي منحت اليمن شارة التميز وهي تغادر مربع الوصاية والهيمنة الأمريكية التي جثمت منذ عقود على أمة كثيرة العدة والعدد، لكن فاعليتها كغثاء السيل أو كالزبد الذي يذهب جفاء ولا يمكث منه سوى النزر اليسير..
العامل الأول بنظري يتمثل بالقيادة ممثلة بالسيد عبدالملك الحوثي، فقد هب منتضياً السيف اليماني لا أشرا ولا بطرا، بل نصرة لشعب مسلم أمعن العدو في قتل نسائه وأطفاله، وهو يستغيث الأمة والإنسانية، فلا يجد جوابا شافيا.
ومن منطلق إيماني بحت يعلن السيد الحوثي دخول اليمن على خط المواجهة والنصرة، بما يتوافر لشعبها وحكومتها وجيشها من إمكانات محدودة لا يمكن مقارنتها حتى بإمكانات الدول العربية المجاورة لفلسطين.
كان بإمكان السيد القائد أن يتجنب التصعيد العسكري مع العدو الإسرائيلي والأمريكي، ولن يجد حرجا في ذلك، فاليمن ذاتها تتعرض للحرب العدوانية والحصار منذ تسع سنوات، وأي تحرك إيجابي من صنعاء لصالح فلسطين، يعني استمرار الحرب والحصار على اليمن وشعبه المظلوم.
وحين نقول أن سر الموقف اليمني يكمن في القيادة الحكيمة والشجاعة والإيمانية، فهذا ليس بسبب نقص في جينات الكرامة لدى شعوب أمتنا، ولكن بسبب الذلة والمسكنة التي يعيشها القادة من الملوك والرؤساء الذين لا يفكرون إلا في كراسي الحكم وملذات السلطة، فكانت النتيجة أن ضاعوا وأضاعوا الأمة في مرحلة فاصلة من تاريخها..
تأملوا في الصورة الجماعية للزعامات الكرتونية في قمة الرياض، وقارنوها بصورة سيد القول والفعل وهو يستنهض الشعب اليمني تلبية لنداء الثكالى في غزة، كما فعلها المعتصم وهو ينتصر للمرأة المسلمة حين صرخت: وا معتصماه !!
كان بإمكان هذه الزعامات أن تستفيد من الأوراق التي بيدها – وما أكثرها- فتصنع الفرق، لكنها اختارت الهوان والمهانة ولعنة الله والتاريخ، بينما سلك السيد القائد عبد الملك الحوثي طريق الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يبدلوا تبديلا.
لكن هل كان هذا القرار سهلا حين اتخذه السيد القائد ولم يتردد لحظة واحدة؟.
بالتحليل الموضوعي المادي، فإن اليمن لا تملك حدودا برية مع الكيان الصهيوني، ولا تملك مخزونا كبيرا من الأسلحة الاستراتيجية ذات الردع، بالمقارنة مع ترسانة العدو الذي يملك فائضا كبيرا منها، وخلفه دعم ومدد كبير من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة اليد الطولى في العالم عسكريا واقتصاديا.
إمكانات اليمن الاقتصادية متواضعة جدا، وبما لا يقارن مع دول الخليج مثلا، وهي تعيش أكبر كارثة إنسانية في العالم بفعل العدوان السعودي الأمريكي، وبتوصيف الأمم المتحدة نفسها. أضف إلى ذلك، فإن الأساطيل الأمريكية تجوب البحر الأحمر، وقد أرسلت تهديدات مباشرة إن حركت اليمن ساكنا دعما لفلسطين..
التحالف السعودي الإماراتي لا يزال يتربص باليمن مع مرتزقة العدوان، وربما يودون لو تطول مشاركة اليمن في هذه الحرب، فيتحينون فرصة الغدر وتحقيق ما عجزوا عنه خلال السنوات الماضية، وهذا سبب كاف لأن تحجم اليمن أو تتريث أو تعيد حساباتها..
غير أن كل هذه الاعتبارات كانت متضاءلة الوزن أمام العقيدة الإيمانية والثقافة القرآنية، وكذلك الثوابت التي التزمتها مسيرة أنصار الله منذ صرخة الشهيد القائد والمؤسس حسين بدر الدين الحوثي، وحتى اليوم.
هكذا أعلن السيد القائد موقف اليمن، فخرجت الجماهير في أكبر حشد شعبي مناصر لفلسطين دعما ومباركة لقرار القيادة، وهكذا أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن عملياتها العسكرية في مواجهة طواغيت العصر، ورفعت من درجة التحدي باستخدام ورقة باب المندب بموقعه الاستراتيجي كمضيق يتحكم في الحركة من وإلى البحر الأحمر، علما أن اليمن حافظت على سلامة الملاحة الدولية بهذا الممر المائي طوال سنوات العدوان والحصار، ولكنها لجأت إلى هذا القرار الكبير والخطير إكراما لعيون ودماء فلسطين، ومهما تكن النتائج والعواقب.
وهكذا شذت عن الجمع المهزوم وتخلصت اليمن من وصمة العار الكبير الذي ارتدته الزعامات الكرتونية في موسم الرياض، فصنعت الفرق حينما التحقت عن جدارة بركب الشرفاء المقاومين، الذين لا يضرهم من خذلهم ما داموا مؤمنين بأن الله معهم وناصرهم.
وصح لسان الشاعر إبراهيم طلحة إذ يقول:
سَيف العروبة – في الأساسِ – يماني
فاضرب من الأعداء كل بنانِ
لم نَنْسَ في اليمنِ الروابط بَيْنَنا
وأخُوَّةَ الإسلامِ والإيمانِ
ما سُمّيَ السَّيف اليماني صدفةً
بل صيغت الألفاظ وفق معاني
* كاتب وباحث ودبلوماسي بالخارجية اليمنية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ما الأماكن التي استهدفتها الغارات الأميركية في اليمن؟
يتعرض اليمن منذ منتصف مارس/آذار الماضي إلى مئات الغارات الأميركية التي استهدفت مناطق عدة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 217 مدنيا وإصابة أكثر من 430 آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، حسب بيانات جماعة أنصار الله (الحوثيين).
وجاءت الغارات بعد أوامر أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجيش بلاده بشن "هجوم كبير" ضد الحوثيين، قبل أن يهدد بـ"القضاء عليها تماما".
وردت الجماعة بتأكيد أن تهديد ترامب "لن يثنيها عن مواصلة مناصرة غزة"، حيث استأنفت منذ أيام قصف مواقع داخل إسرائيل وسفنا في البحر الأحمر متوجهة إليها بالتزامن مع استئناف تل أبيب منذ 18 مارس/آذار الجاري حرب الإبادة على القطاع.
وتاليا أبرز المواقع التي استهدفتها الغارات الأميركية في اليمن.
العاصمة اليمنية صنعاءاستهدفت الغارات الأميركية عشرات المناطق في العاصمة صنعاء وضواحيها، مثل حي النهضة السكني، وسوق وحي فروة الشعبي بمديرية شعوب الذي خلف 12 قتيلا وإصابة العشرات، ومديرية الحصن ومنطقة المحجر في خولان، ومقبرة ماجل الدمة في مديرية الصافية.
منطقة الحفا الجبلية (جنوبي صنعاء)أوردت تقارير يمنية أن جماعة الحوثيين تمتلك في معسكر الحفا منشآت لتخزين الصواريخ وتصنيعها، لكن الجماعة لم تعلق على هذه التقارير بالتأكيد أو النفي.
مديرية نهم (شرق صنعاء)توصف بأنها البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، واتخذتها القوات الحكومية مسلكا لها في سبيل السيطرة على العاصمة صنعاء، ودارت فيها مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية والحوثيين منذ عام 2015 حتى بداية عام 2020، حينما استطاعت الجماعة السيطرة عليها بعد معارك خلفت آلاف القتلى والجرحى من الجانبين على مدار سنوات.
إعلان مديرية بني حشيش (شرق صنعاء)تعد مديرية بني حشيش واحدة من معاقل الحوثيين، وتحظى الجماعة فيها بحاضنة شعبية، كما تعد واحدة من المناطق الزراعية التي تستفيد منها الجماعة في تغذية أفرادها المقاتلين. واستهدفت الغارات عددا من المديريات مثل الثورة ومناخة.
محافظة الجوف (شمال شرق صنعاء)استهدفت القوات الأميركية مديريات عدة بغارات، مثل مديريات برط العنان وخب والشعف.
محافظة عمران (شمال صنعاء)استهدفت الغارات مناطق بينها مديرية حرف سفيان.
محافظة صعدة (شمال اليمن)تُعَد محافظة صعدة المعقل الرئيس لجماعة الحوثي، وترتبط بحدود برية مع السعودية، واستهدفت الغارات الأميركية محيط المدينة إضافة إلى مديرية آل سالم في المحافظة ذاتها.
محافظة الحديدة (غربي اليمن):استهدفتها القوات الأميركية بعدد من الغارات، وأشدها الغارة على ميناء رأس عيسى الذي أدى لمقتل 80 شخصا على الأقل وإصابة 150 آخرين من عمال وموظفي الميناء، إضافة إلى عناصر من الإسعاف كانوا يؤدون مهام إغاثية.
من جهتها، قالت واشنطن إنها دمرت في غاراتها منصة الوقود في ميناء رأس عيسى، وذلك بهدف تقويض قدراتهم الاقتصادية.
واستهدفت الغارات مناطق أخرى في المحافظة مثل جزيرة كمران.
محافظة البيضاء (جنوب شرق اليمن)من المناطق التي استهدفتها الغارات الأميركية مديرية الزاهر.
محافظة مأرب (وسط اليمن)استهدفت غارات أميركية مناطق بها مثل مديريتي رغوان ومدغل.